×××× {{ البخور }} ××××

البخور
=======
للقمص بولا عطية
----------------------

فى عشية يوم السبت تقابل مارك مع أبونا الكاهن لاستكمال الحديث فى الأمور المختصة بعقيدة الكنيسة … وكان سؤال مارك لابونا فى هذه المرة عن سبب عدم استخدام أخوتنا الإنجيليين (البروتستانت) للبخور أو المجامر ؟ رحب أبونا بهذا السؤال و دار الحديث التالى :
أبونا : ألا تعلم يا مارك أن البروتستانت يعتبرون البخور والمجامر من عبادات العهد القديم التى انتهت … لأنهم يعتقدون إنها كانت فى العهد القديم مجرد رمز.
مارك : هو ده الكلام اللى تردد أمامى من البعض و قالوا أن البخور كان يقدم مع المحرقات لإزالة رائحتها ومادامت الذبائح الحيوانية قد ألغيت فى العهد الجديد فلابد من إلغاء البخور … أليس ذلك صحيحا ؟
أبونا : هذا الكلام ليس صحيحا يا مارك لان البخور كان لونا من العبادة مستقلا بذاته … وكان له مذبح خاص غير مذبح المحرقة … كما كان له طقس خاص فى تقديمه … وكان مقصود لذاته كصلاة. وليس رمز لشىء .
مارك : هل يوجد فى الكتاب المقدس ما يؤيد ذلك يا أبانا ؟
أبونا : نعم يا مارك… ألا تتذكر انه عندما ضرب الرب الشعب بالوباء أوقد هارون رئيس الكهنة البخور بأمر موسى النبى ليشفع فى الناس أمام الله … ولما دخل فى وسطهم وبخر انقطع الوباء . وقبل الله منه هذا البخور كصلاة وعلى فكرة لم يقدم هارون ذبيحة عنهم ولكنه قدم البخور وحده… ولم يكن من أجل إزالة رائحة المحرقات وإنما قدم للتكفير عن الشعب كأنه ذبيحة. (عدد 16 من 44-48 ).
مارك : إذا البخور لم يكن رمزا كما يدعون … !!
أبونا: نعم يا مارك … البخور كان عملا روحيا قائما بذاته إذ أن الرب قال لموسى (وتصنع مذبحا لإيقاد البخور) (خر 1:30 ) .
وهذا دليل كاف عن أن البخور كان يعتبر فى حد ذاته ذبيحة يقدمونها على مذبح يسمى مذبح البخور . وهذا المذبح أمر الله بعمله ووضعه داخل قدس الأقداس العتبة الداخلية (و كان إشارة لمغطس المعمودية التى تكون فى كنيسة المسيح ) …
ثم قال الله لموسى (لا تصعدوا عليه بخورا غريبا ولا محرقة ولا تقدمة و سكيبا لا تصبوا عليه و يكفر هارون على قرونه مرة فى السنة من دم ذبيحة الخطاة التى للكفارة.
مرة فى السنة يكفر عليه مدى أجيالكم انه قدس أقداس الرب (خر30: 1-10) أى أن هذا المذبح دفعة واحدة فى السنة كان رئيس الكهنة يقرب عليه دما يهرقه من دم الحيوان و كان هذا إشارة إلى الرب يسوع المسيح رئيس الكهنة الحقيقى الذى لأجل تطهيرنا من ذنوبنا أهرق دمه على الصليب دفعة واحدة فى جميع الدهر، و بميتته تــلك الواحدة انعم علينا بمعمودية واحدة نعتمد فيها بموته . نغطس فيها ثلاث مرات كما دفن الرب يسوع عنا ثلاثة أيام.
ثم نأخذ قوة الروح القدس تعيننا على عمل وصاياه .
مارك : أريد أن اعرف ما هو الدليل على استمرار البخور فى العهد الجديد وعدم اقتصاره على العهد اليهودى ؟؟
أبونا : الدليل على إستمرار البخور هو النبوءة التى وردت فى سفر ملاخى النبى إذ قال الرب " لأنه من مشرق الشمس إلى مغربها إسمى عظيم بين الأمم، و فى كل مكان يقرب لإسمى بخور وتقدمه طاهرة لان إسمى عظيم بين الأمم "
(ملاخى11:1).
ولا يجوز لأحد أن يظن أن المقصود هنا هو بخور العهد القديم لأنه ما كان يجوز تقديم البخور ألا فى هيكل أورشليم ، وليس فى كل مكان من مشرق الشمس إلى مغربها كما يحدثنا هذا النبى العظيم . كما أن العبادة فى وسط الأمم فى كل مكان لم تحدث ألا فى العصر المسيحى .
ولهذا يكون الرب قد جعل البخور من أهم بنود العبادة المسيحية .
مارك : بس يا أبونا هل هناك شىء يؤكد هذا فى العهد الجديد ؟
أبونا : نعم يا مارك نرى إهتمام الرب بالبخور فى العهد الجديد انه أورد مثالين عنه فى سفر الرؤيا هما :-
1. قيل عن الأربعة و العشرين قسيسا(كاهنا) أن لهم جامات من ذهب مملوءة بخورا هى صلوات القديسين . (رؤ 8:5 ).
2. يقول أيضاً القديس يوحنا الرائى " وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح و معه مجمرة من ذهب وأعطى بخورا كثيرا لكى يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذى أمام العرش. فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله . (رؤ 3:8 ،4 ) .
مارك : أنا مبسوط جدا يا أبونا بهذه الحقائق وسوف أقوم بشراء مجمرة (شورية) وبخور لاستخدمها فى الصلاة.
أبونا : لا يا مارك … أن التبخير ده عمل لا يقدمه أحد سوى الكهنة فقط ، أنت ناسى اللى حصل لما تجرأ قورح وداثان وابيرام وقربا بخورا فأنشقت الأرض وابتلعتهم جميعا وهم أحياء و كل بيوتهم. (عد 31:16 ،32 ).
وهنا يتضح أن عملية التبخير فى مركز اعلى من الصلاة . لان الصلاة يقدمها أى فرد من الشعب إلى الله ويتنسمها الله كذبيحة رضا.
أما التبخير فهو عمل لا يقوم به ألا الكاهن
إذ له قدسية خاصة لدرجة إنها كانت مصحوبة بالإعلانات الإلهية فى بعض الأحيان وذلك فى قصة بشارة الملاك جبرائيل بميلاد يوحنا " إذ فيما كان زكريا الكاهن يبخر فى دورته ظهر له ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور ليبشره بميلاد ابنه يوحنا".
مارك : أبى هل هناك معان روحية أخرى خاصة بالبخور؟
أبونا : للبخور معان كثيرة… منها ما يشبع الحواس و تغذى النفس فالأطفال مثلا الذين لا يدركون كثيراً ما يقال فى العظات و ما يسمعونه من القراءات ، هؤلاء يتأثرون روحيا بحواسهم من جهة البخور والشموع والأيقونات وتكون كدروس روحية لهم تنقلهم إلى جو روحى … وهكذا الكثير من العوام والمؤمنين العاديين غير المتبحرين فى العلم و المعرفة و غير الدارسين لكتب اللاهوت .

وهناك دروس كثيرة مستفادة من البخور منها :
أولا : هو قول الرب "من أضاع حياته من اجلى يجدها" (مت 39:10).
ومثال ذلك حبة البخور التى تحترق حتى تتحول إلى أعمدة معطرة من دخان. وتبحث عنها فى المجمرة كحبة بخور فلا تجدها إذ تكون قد قدمت ذاتها كمحرقة لله. وهذا درس يتعلم منه كل إنسان أن يقدم ذاته محرقه للرب .
قد كانت حياة القديسين مثل حبات من البخور وضعت فى المجمرة الإلهية فأحترقت بمحبة الله . وفى هذا يقول الكتاب المقدس عن النفس البشرية التى تحيا مع الله " من هذه الطالقة من البرية كأعمدة من دخان معطرة بالمر واللبان ، وبكل أذرة التاجر الفضائل " ( تش6:3)

ثانيا : وهناك درس آخر من البخور هو الصعود إلى فوق بأستمرار ……
إذ أن البخور لا يقبل على نفسه إطلاقا أن ينزل إلى اسفل … بل هو يرتفع فى السماء و يمتد و ينتشر و لا يتوقف مطلقا فى صعوده و فى انتشاره … وأنت إذا نظرت إلى البخور وتابعته لا بد أن ترفع عينيك إلى فوق إلى السماء .
وهكذا كان البخور بأستمرار يجذب حواس الناس إلى فوق. وكأنه سهم يشير إلى السماء بأستمرار.

ثالثا : درس ثالث للبخور انه يمثل الرائحة الذكية.
إذ اشترط الله فى البخور أن يكون بخورا عطراً كل من يشم هذا البخور يتذكر أن حياه الإنسان ينبغى أن تكون عطرة الرائحة أمام الله.
وكما قال الكتاب " لأننا رائحة المسيح الذكية لله " (2 كو 15:2) يظهر بنا رائحة معرفته فى كل مكان (2 كو 14:2 ).

رابعا : كذلك يذكرنا البخور الكثير فى الكنيسة بحضور الله فى وسطنا فكلما كان الله فى القديم يظهر لشعب الله فى البرية فى صورة عمود من دخان (بخور) فى النهار ، وعمود من نار فى الليل (خر 21:13) هكذا وجود البخور فى الكنيسة فعندما يقدم الكاهن البخور حول المذبح ، هو أعلاناً عن حضور الله . حيث حضوره دائماً مصحوب بالدخان والاحتجاب " وأما موسى فأقترب إلى الضباب حيث كان الله" ( خر 21:20) ، ويقول المزمور " السحاب والضباب حوله " ( مز 2:97) . ويقول سفر الملوك الأول (1مل 12:8) " قال الرب أنه يسكن فى الضباب ".

يا مارك … البخور فيه الكثير من المعانى الروحية لمن يحب أن يستفيد منه وهو لون من العبادة قائم بذاته ولم يكن مرتبط بالذبائح بحيث يزول بزوالها …
وأخيرا احب أن أخبرك انه لا يوجد نص فى العهد الجديد يأمر بإلغاء البخور
(من له أذنان للسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس) (رؤ 3:2).

مارك : الآن عرفت أن البخور لم يكن القصد منه هو إيجاد رائحة طيبة فى الخيمة كما يقول البعض. لذلك ما اجمل أن نقدمه لله فى صلواتنا فى الكنيسة.
وهو فى صعوده إلى العلاء علامة إخلاص و محبة وولاء من بنى البشر لربهم و كأنما يشعرنا بارتفاع صلواتنا إلى الله فيشتمها رائحة بخور ذكية كما قال داود النبى " لتعم صلاتى كالبخور قدامك " (مز 20:140 ).
أبونا : أختم حديثى معك يا مارك بمناجاة لعروسه فى سفر الأنشاد كما قلت سابقاً
"من هذه الصاعدة إلى البرية كأعمدة من دخان معطرة بالمر و بكل أذرة التاجر" (نش 6:3 ).
فكما أن دخان المذبح النحاس (الذبائح اليومية) قد التحم مع البخور اليومى الصاعد من المذبح الذهبى …
هكذا يلتحم عمل المسيح الذبيحى فى حياتنا بصلواتنا فيشتمها الله رائحة رضا.
مارك : يناجى نفسه يا سلام يا مارك ده فى البخور معنى جميل هو التفانى والاحتمال اللذان بهما تظهر رائحة المؤمنين الزكية فهم كلما دخلوا فى نيران التجارب فاح منهم عطر الشكر لله . والتسبيح لجلاله كما تفوح الروائح الطيبة من البخور أثناء احتراقه .
حقا كما قال القديس مارافرام السريانى فى هذا الصدد :
" قد جعلت ذاتى كنيسة للمسيح . و قربت له داخلها بخورا وطيبا "
(أعنى أتعاب جسمى) ، فالكاهن إذ يبخر أمام المذبح إنما يعبر عن رغبات الشعب فى أن تصعد صلواتهم إلى عرش الله كما يصعد هذا البخور إلى مذبحة المقدس .
بل إذ تتأمل الكاهن وهو يبخر وسط الشعب و قد غمروا فى دخان هذا البخور نجد أن هذا يشير إلى نعمة الروح القدس تظللهم كما كانت السحابة تظلل بنى إسرائيل فى البرية .
أبونا : عارف يا مارك ، أنت أدركت هذا لأنك إنسان بتحيا فى الكنيسة و بأسرارها و طقوسها الجميلة ، علشان كده أنت مدرك المعانى الجميلة لعقائد و طقوس الكنيسة .
مارك : شكرا يا أبونا ، ده بفضل نعمة ربنا يسوع المسيح ، وبركة صلوات القديسين و صلوات قدسك … وأنا بأشكرك يا أبونا ، ولكن عايز أقول لقدسك هل يمكن أن أتقابل مرة أخرى فى جلسة مناقشة وحديث حول موضوع آخر من موضوعات إيمان كنيستى ؟
أبونا : طبعا يا مارك أنا فى انتظارك فى أى وقت آخر .
مذبح المحرقة و مذبح البخور و ما دلالتهما في العهد الجديد

قال القديس أوغسطينوس : كما أن الهيكل الذي بناة سليمان أقام فيه مذبحين أحدهما من خارج حيث تقدم علية ذبائح المحرقة و الأخر من داخل حيث القدس و هو مذبح البخور هكذا يكون الإنسان الذي هو هيكل الله أن يكون مذبحان الداخلي و هو القلب يقدم علية بخور الصلاة و الأخر خارجي حيث يقدم علية الجسد كذبيحة بواسطة الصوم و أنواع التقشف و النسك

أقوال القديس أوغسطينوس ـ تقويم المحبة

`16`



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010