الأم تيريزا - اعداد الاب عمار بهنام انطانيوس

النادر ان تحظى امرأة بالإعجاب والتكريم اللذين حظيت بهما الأم تريزا. ولا غرابة في ذلك.

فهي قد قامت بأعمال يعجز البشر، نساء ورجالا، عن القيام بها. لقد صرفت الأم تريزا حياتها في خدمة الفقراء والمرضى والمحتاجين، لكي يروا وجه الرب فيها، على حد تعبيرها، وبحسب تعليم الكتاب المقدس الذي يقول ان الرب قد خلق الإنسان على صورته ومثاله، وانه يدعوه إلى ان يُري الآخرين هذه الصورة من خلال أعماله الحسنة، مؤكدا ان مساعدة الفقراء والمرضى إنما هي خدمات تقدم للرب نفسه، لأن كل ما يفعله الإنسان باخوته البشر، من خير أو شر، إنما يفعله للرب



ولدت الأم تريزا في 27 آب 1910،

في مدينة سكوبي التي تقع الآن في دولة مقدونيا، وكانت سابقا تابعة لألبانيا. والداها كانا من أصل الباني، الوالد متعهد بناء والوالدة ربة بيت. وكلاهما من الكاثوليك المؤمنين الذين يصلون ويذهبون إلى الكنيسة كل يوم تقريبا. في طفولتها كان أكثر ما تأثرت به "غونشي بوياخيو"، التي ستعرف فيما بعد باسم الأم تريزا، هو كرم العائلة الشديد ومساعدتها ورعايتها للفقراء في مكان إقامتها. وهذا ما طبع حياتها كلها بطابعه.

في الثانية عشرة أدركت ان رسالتها هي مساعدة الفقراء والمحتاجين، فقررت ان تصير راهبة، وارتحلت لهذه الغاية إلى دير راهبات "أخوية لوريتو" في دبلن بايرلندا حيث رسمت راهبة مبتدئة. وبعد عام أرسلت إلى دير تابع لتلك الرهبنة في مدينة داريلينغ بالقرب من كالكوتا في الهند. وقد أمضت في ذلك الدير 17 عاما وهي تقوم بالتعلم والتعليم، ثم صارت مديرة لثانوية "القديسة مريم" في كلكوتا.

في أحد الأيام من عام 1946، وهي مسافرة بالقطار إلى داريلينغ ، شاهدت رؤيا يبدو فيها الرب وهو يدعوها إلى "خدمته بين أفقر الفقراء". أثرت فيها تلك الرؤيا كثيرا، بل إنها غيرت وجه حياتها إلى الأبد. فما ان حل عام 1948 حتى كانت قد تلقت الإذن بمغادرة الدير والذهاب إلى أحياء كلكوتا الفقيرة لإنشاء أول مدرسة لها. وما لبثت الأخت انياس، وهي تلميذة سابقة لها في دير داريلينغ، ان التحقت بها، فصارت أولى اتباع الأم تيريزا. ثم تبعتها راهبات أخريات رغبن في خدمة الرب عن طريق رعاية الفقراء.

تقدمت الأم تريزا من الكنيسة الكاثوليكية بطلب لإنشاء رهبنة منفصلة تحت اسم "الإرساليات الخيرية"، فوافق غبطة البابا على ذلك في 7 تشرين الأول 1950. وقد اختارت الأم تريزا لرهبنتها ثوبا بسيطا هو عبارة عن ساري أبيض اللون ذي إطار ازرق مع شارة الصليب على الكتف الأيسر، لكي يصير بإمكان المحتاجين معرفة الراهبات. وكانت مهمة الرهبنة، كما حددتها الأم تريزا لدى تلقيها جائزة نوبل: "العناية بالجائعين والعراة والمشردين والعاجزين والعميان والمنبوذين. كل هؤلاء البشر الذين يشعرون بأنهم غير مرغوب فيهم أو محرومون من العناية والمحبة. أولئك الذين يعتبرهم أفراد المجتمع عبئا عليهم فيتجنبونهم".

تعاونت الأم تريزا مع السلطات الرسمية في كلكوتا فحولت جزءا من معبد كالي (إلهة الموت والدمار عند الهندوس) إلى منزل لرعاية المصابين بأمراض غير قابلة للشفاء والعناية بهم في أيامهم الأخيرة لكي يموتوا بكرامة، ويحسوا بالعطف والقبول بدل البغض والرفض من مجتمعهم. وتوالت بعد ذلك المؤسسات التي أنشأتها الأم تريزا، فأقامت "القلب النقي" (منزل للمرضى المزمنين أيضا)، و "مدينة السلام" (مجموعة من المنازل الصغيرة لإيواء المنبوذين من المصابين بأمراض معدية). ثم أنشأت أول مأوى للأيتام. وبازدياد المنتسبات إلى رهبنة "الإرسالية الخيرية"، راحت الأم تريزا تنشئ مئات البيوت المماثلة في طول الهند وعرضها لرعاية الفقراء ومسح جروحاتهم وتخفيف آلامهم، والأهم من كل ذلك لجعلهم يشعرون بأنهم محبوبون ومحترمون كبشر.

كان عام 1965 نقطة تحول كبرى في مسيرة الرهبنة. فقد منحها البابا بولس السادس الإذن بالتوسع والعمل في كافة أنحاء العالم، لا الهند وحسب. وهكذا راح عدد المنتسبات إليها يزداد وفروعها تشمل معظم دول العالم الفقيرة أو التي تشهد حروبا ونزاعات. من أثيوبيا المهددة بالجوع الى غيتوات السود المقفلة في جنوب أفريقيا، إلى ألبانيا مسقط رأسها بعد سقوط الشيوعية، كانت "القديسة الحية" حاضرة للمساعدة والرعاية وإظهار المحبة الخالصة. ومن أعمالها المشهودة أنها استطاعت خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 ان توقف إطلاق النار لمدة معينة إلى ان تمكن رجال الدفاع المدني من إنقاذ 37 طفلا مريضا كانوا محاصرين في إحدى المستشفيات.

لقد حظيت الأم تريزا بإعجاب العالم ونالت العديد من الجوائز تقديرا لخدماتها الجليلة. وقد عرفت كيف تستغل سمعتها العالمية بذكاء من أجل جمع المال والمساعدات لخدمة القضية الإنسانية النبيلة التي جعلتها هدفا لها. عام 1962 منحتها الحكومة الهندية جائزة "باندما شري" لـ "خدماتها الإنسانية المميزة".

سنة 1971 كرمها البابا بولس السادس، إذ جعلها أول شخص يفوز بجائزة البابا يوحنا الثالث والعشرين للسلام.

عام 1972 منحتها الحكومة الهندية ميدالية جواهر لال نهرو لأعمالها العالمية المميزة.

1979: جائزة نوبل للسلام. 1985: الرئيس رونالد ريغان يمنحها "ميدالية الحرية"، أرفع وسام مدني أميركي يمكن ان يحصل عليه إنسان.

1996:الأم تريزا تصير الشخص الرابع في العالم الذي يمنح الجنسية الأميركية الفخرية

من مآثرها أنها لدى تسلمها جائزة نوبل للسلام التي تبلغ مئات الآلاف من الدولارات، ارتدت الساري إياه الذي ترتديه في حياتها العاديةـ والذي يبلغ ثمنه دولارا واحدا. كما أنها طلبت إلغاء العشاء التقليدي الذي تقيمه لجنة جائزة نوبل للفائزين، وطلبت ان تعطى المبلغ لتنفقه على إطعام 400 طفل هندي فقير طوال عام كامل.

لقد توسعت الإرسالية الخيرية التي أنشأتها الأم تريزا، وباتت تضم 570 مركزا لخدمة المرضى والفقراء حول العالم، تتولاها أساسا 4500 راهبة، إلى جانب أخوية تتألف من 300 عضو، إضافة إلى ما يزيد عن مئة ألف متطوع يعملون كلهم في مراكز تتولى العناية بمرضى الإيدز والبرص وسواها من الأمراض المعدية وغير القابلة للشفاء. إضافة إلى إطعام مئات الآلاف من الجائعين والعاجزين، ومراكز للرعاية الاجتماعية ومآوي الأيتام والمدارس.

ولكن صحة الأم تريزا بدأت تتدهور منذ عام 1985. ويعود ذلك في جزء منه إلى عمرها، وفي جزء آخر إلى الأوضاع الصحية للمرضى الذين عملت معهم، والى إنفاقها معظم وقتها في رحلات حول العالم لجمع الأموال والمساعدات من أجل الفقراء، دون ان تصرف وقتا كافيا للعناية بصحتها.

أول تلك الوعكات كانت إصابتها بذبحة قلبية عام 1985 فيما كانت في روما. وأخرى عام 1989 كانت أخطر وكادت تودي بحياتها، ما اضطرها إلى ان تخضع لعملية جراحية جرى خلالها زرع منظم للنبض. عام 1991 كانت في المكسيك وأصيبت بمرض ذات الرئة فأثر ذلك على عمل القلب. 1996 عانت من مرض الملاريا والتهاب الصدر وخضعت لعملية جراحية في القلب.

في آذار من عام 1997 انتخبت الأخت "نيرمالا" خليفة للأم تريزا في رئاسة الرهبنة.

في الخامس من شهر أيلول عام 1997توفيت الام تريزا منهية بذلك كفاحها من أجل حياة إنسانية أفضل .

في 19 اكتوبر من عام 2003 تم اعلا ن تطويب الام تريزا من قبل قداسة البابا يوحنا بولس الثاني

على اثر اعجوبة شفاء امراة هندية من ورم خبيث في عام 1998.
`16`
إن الشهادة الإنجيلية في حياة الأم تريزا يعرفها العالم أجمع ، أما التزامها الروحي الذي يحيط بعملها ، فلا يعرفه الكثيريون وهي تقدم هنا _ بكلماتها الخاصة _ القاعدة البسيطه لروحانيتها ، ولسوف يتضح لنا ، من خلال هذه الكلمات ، لماذا وكيف تعتني بـ ( أفقر الفقراء ) .

وهكذا فإن هذه الأفكار تعد بمثابة تذكره لنا بأساسيات النمو الروحي.

تحلم الأم تريزا من ( كلكتا ) أن يعرف جميع الناس ، قبل وفاتهم بأنهم محبوبون ، وهي تكرس حياتها لتحقيق هذا الحلم . وتقول أنها في أثناء سيرها في أحد الشوارع ، مرت بجانب بالوعة مفتوحة ، فلمحت شيئا يتحرك بالداخل ، وقد تحققت من وجود رجل يحتضر ، فحملته إلى أحد المنازل ، حيث توفي في جو من الحب والسلام.

وقال لها الرجل وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة : ( لقد كنت أعيش كالحيوان في الطرقات ، أما الأن فسوف أموت كالملاك )

وتقول الأم تريزا في تأثر ( ياله من مشهد رائع أن ترى إنساناً يحتضر في جو من الحب ، وعلى وجهه فرحة من حب صادرة من أعماق القلب وسلام المسيح الكامل ) .

وقد بدأت الأم تريزا في تأثر في إنتشال المحتضريين بشوارع ( كلكتا ) في عام 1952 ومنذ ذلك الحين ، أمدت الأم تريزا وأعضاء رهبانياتها { مراسلات المحبة } أكثر من 40.000 من المنبوذين بالشوارع بالحب والراحة .

والأمر الذي يثير الدهشة أنه نتيجة لحب ورعاية الأخوات ، فإن أكثر من نصف هؤلاء الأشخاص تماثلوا للشفاء .

قصة حياتها :
ولدت الأم تريزا في عام 1910 بأسم ( اجنس بوجاكسوي ) في بلدة سكوبيا بيوغسلافيا ، ثم أنضمت إلى راهبات ( لوريتو ) بأيرلندا في عام 1928 ، وتم إرسالها في خلال عام إلى الهند لتعمل أولى سنة الأبتداء والتدريس هناك لما يقرب من 20 عاماً ، وفي عام 1946 ، كانت في طريقها لعمل الرياضيات السنوية شعرت بدعوة تقول لها ( لقد سمعت نداء يدعوها لكي تترك كل شئ وتتبع المسيح في الطرقات لخدمة الفقراء ) .

فطلبت إعفائها من الرهبنة التي أنتمت إليها وحصلت على الأذن ثم غادرت الدير في عام 1948 ، لتعيش كراهبة بين الفقراء ، تحت طاعة أسقف { كلكتا } وأنشأت مدرسة في أحد الأزقة لتعليم الأطفال . كما تعلمت بعض مبادئ الطب الأساسية عن طريق راهبات الإرسالية الطبية الأمريكية ، وكانت تزور المرضى في البيوت لتعالجهم ، ولم يمضي وقت طويل حتى أنضم طلبة سابقون من مدرسة { سانت ماري } وبعض المتطوعين للعمل معها .

وفي إحدي أيام عام 1952 ، صادفت الأم تريزا أمرأة منبوذة ، تحتضر في الطريق ، وكانت تعاني من هجوم الفئران والنمل فأخذتها وأودعتها في المستشفى حيث لم يتمكنوا من مساعدتها ثم أخذتها الأم تريزا إلى السلطات المدنية وطلبت يد المساعدة لتوفير مأوى لهذه السيدة ولغيرها من المحتضرين في الطرقات .

وصحبها أحد مسئولي الصحة إلى بناء يقع بجانب معبد الألهة ( كالي ) الخاص بالهندوس وكان يستخدم في السابق لإقامة الحجاج الوافدين لزيارة المعبد ، ولكن لم يكن أحد يتردد عليه بعد، وعرض عليها أن تستخدم هذا المكان ولم يمضي يوم واحد حتى أمتلأ المكان بالمرضى والمحتضرين وهو يعرف الأن بأسم { كاليجات } .

وقد توسعت الأم تريزا في عملها ، بصورة كبيرة على مر السنين لتخدم مُعظم أنواع الألام التي صادفتها موفرةً المأوى للأيتام والطعام للجوعى ، والملبس للعري ، وكانت تدير أيضاً عيادات لتنظيم الأسرة ، وعيادات متنقلة ، وتعتني بألف من مرضى الجذام . ثم أسست رهبانية { مرسلات المحبة } التي تضم الأن أكثر من 3000 عضو ، منتشره في 52 دولة وفي مدن مختلفة مثل روما وأديس أبابا ، والبرونكس وجنكنس وكنتاكي .

وتعتنق المرسالات النذور الرهبانية الثلاثة : الفقراء ، والعفة ، والطاعة ، ولكنهن يبرزن أيضاً نذراً رابعاً وهو خدمة أفقر الفقراء بإخلاص وحرية.

إن عمل الأم تريزا جعلها من الشخصيات المشهورة على مستوى العالم وهي تعد واحدة من أكثرالنساء ، التي أعجب العالم بها ، وقد حصلت على جائزة نوبل للسلام في عام 1979 . غير أن هذه الشهرة لم تؤثر على مسلكها وطريقة حياتها ، فهي تسير حافية القدمين ، كلما أمكن ذلك ، وتنام على أرضية أحد العنابر المفتوحة مع أخوات ومبتدئات أخريات. طعامها قليل ، ولا تستخدم سوى المياه الباردة من المضخة ، ولديها ثوبان فقط من القطن الأبيضن كمثيلاتها من مرسلات المحبة ، وتقوم بغسل الملابس والأطباق الخاصة بها .

من الطبيعي أ يسألها أحد المتأثريين بعطائها ( ماذا يمكن أن أقدم من مساعدة ؟ ) إن اجابتها لا تتغير أبداً في رد يعبر عن نفاذ بصيرتها : ( إذ تجاوب بصفة شخصية حيثما تكون ) وتقول مشجعة ( إبدأ فقطخطوة .. خطوة ، فلتبدا بالبيت .. بقول كلمة طيبة لطفلك أو لزوجك أو لزوجتك أو بمساعدة أحد المحتاجين في مجتمعك سواء في العمل أو في المدرسة ابدأ بأي عمل فيكون شيئاً جميلا من أجل الله ) .

تعيش الأم تريزا وأخوتها من مرسلات المحبة التي أسستها حياتهن بطريقة تكاد تطابق روح الأنجيل . وتعد الأم تريزا خبرة مختلفة تماماً بالنسبة إلى أعضاء الرابطة الصحفية ، على الأقل في تلك الجلسة حيث أنهم لم يعتادوا على سماع أحد يقول أنه يحب يسوع ، ويتخذه دافعاً محركاً في عمله، وأنه يستمد قوته من الصلاة ودراسة كلمة الله، ويتأثر البعض من كلامها ويمكن رؤية ذلك في عيونهم، في حين يفشل اكثيرون في إستعاب رسالها، فيستجيبون لها كأمرأة ساذجة تحاول أن تقوم بالمستحيل، لتغير المجتمع . فلم يستطيعوا أن يفهموا أن هذه السيدة على علاقة شخصية بيسوع المسيح , وإنها أستجابت لدعوته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010