سر الزيجة

سر الزيجة

رسالة توعية

الأب متى المسكين
=================

إن التشدّد الحادث فى العهـد الجـديد بواسطة المسيح فى أمـر الزواج والطـلاق أكـثر من العـهد القديم...

راجـع إلى انفتاح الملكـوت والحياة مع الله...

فدخـلت عـلاقة الرجـل بالمـرأة وضـع الخـليقة الأولى...

كما يمسَّـك بذلك المسيح حينما سُئل:

[ فَتَقَدَّمَ اَلْفَرِّيسِيُّونَ وَسَأَلُوهُ: { هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ اِمْرَأَتَهُ؟ } لِيُجَرِّبُوهُ.

فَأَجَابَ: { بِمَاذَا أَوْصَاكُمْ مُوسَى؟ }

فَقَالُوا: { مُوسَى أَذِنَ أَنْ يُكْتَبَ كِتَابُ طَلاَقٍ فَتُطَلَّقُ }.

فَأَجَابَ يَسُوعُ: { مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ كَتَبَ لَكُمْ هَذِهِ اَلْوَصِيَّةَ

وَلَكِنْ مِنْ بَدْءِ اَلْخَلِيقَةِ ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا اَللَّهُ.

مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ اَلرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ

وَيَكُونُ اَلاِثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. إِذاً لَيْسَا بَعْدُ اِثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ.

فَالَّذِي جَمَعَهُ اَللَّهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ }] [ مرقس 10: 2 ـ 9 ]...



ونقـول إنه بانفتاح الملكـوت أصـبحت الكنيسة تمارس سرّ الزيجـة بين الرجـل والمـرأة لحساب الملكـوت والنسل الخـارج منهمـا...

ومن هـذا المنطـلق لم تعُـدْ الزيجـة للمتعـة...

ولا عـلى مستوى العـالم...

بلّ عـلى مستوى مـيراث الملكـوت والحياة الأبـدية...



ومضمون سرّ الزيجـة المسيحى:

هو حـدوث اتحـاد سرّى بالروح القـدس بين الرجـل والمـرأة

عـلى أساس اتحادهما معـًا فى جسد المسيح,

فهـذا هـو الذى جمعهما إلى واحـد...

بمعنى أنـه بصـلاة الكنيسة وطـلب الروح القـدس ليحـلّ ويبارك عـلى اتحادهما...

يحـدث الاتحـاد السرّى بالروح القدس فى جسد المسيح...

لأنـه لا يمكـن أن تحـدث وحـدة فى الكنيسة بدون الروح القـدس وبدون جسد المسيح...

فلو عـلمنا أن الكنيسة تمثّـل جسد المسيح السرّى يصبح اتحـادهما إلى جسد واحـد جـزءًا لا يتجـزّأ من كـيان الكنيسة التى هى جسد المسيح...



فالآن ينبغى أن نتصـوّر أن اتحـاد الرجـل والمـرأة بسرّ الزيجـة, بواسطة الكنيسة, ينشئ كيانـًا جـديدًا للرجـل والمـرأة...

كـيانـًا متحـدًا من " أنا" الرجـل, و" أنا" المـراة, هـو " أنا" الزيجـة...

هـذا الكـيان الجـديد هـو مقدّس أمـام الله...

يمتلكـه الزوج والزوجـة والمسيح...

وهـو أعـلى من كـيان الرجـل وكـيان المـرأة منفـردين...

وهـو مصـدر قوتهما وسعـادتهما فى حـياة الزيجـة الجـديدة...

وكمـا قلـنا إنه ليس مِلكـًا للرجـل وحـده, ولا للمـرأة وحـدها...

بلّ مِلكـًا لهمـا معـًا باتفـاق وتحت وصاية المسيح وبركـة وقـوة الروح القـدس صاحب السرّ!!...



وطالما حافظ عـليه كـلّ من الرجـل والمـرأة...

وكـرّماه وقّدسـاه...

وتقـدّسا به وصار ضمين خـلاصهما معـًا وقداستهما معـًا ولحساب الملكـوت...

لكن لا يدخـلان الملكـوت بهـذه الوحـدة المقـدسة بسرّ الزيجـة, ولكنها تؤهلهمـا لدخـول الملكوت كـلٌّ بكمـاله المسيحى...

حيث هـناك تصـير الوحـدة الكـاملة الفـردية مع المسيح...

لأن فى الملكـوت لا توجـد ثنائيـات زيجيـة...

بلّ وحـدة مـن الكـلّ فى المسيح...



هـنا اتحـاد الرجـل والمـرأة لتكـوين الكـيان الزيجـى الجـديد المتّحـد بالمسيح والروح القـدس...

يدخـل فيه المسيح كعـنصـر أساسى يكمّـل بوجـوده عجـز الخـليقة ويقـدّسها لحساب الآب...

والغـاية الكـبرى من سرّ الزيجـة وخلق هـذا الكـيان الجـديد من الرجـل والمـرأة واتحادهما بالمسيح, هـو النسل...

فالكنيسة عينها من النسل...

لأنه هـو وجـودها وحـياتها...

فالنسل المتحـصّـل من الزيجـات المقدسة, هـو الأعـضاء التى تكـوّن هيكـل الكنيسة...

فهَـمَّ الكنيسة الأعظم هـو النسل الذى إذا تربّى وعاش تحت مظـلّة الزيجـة المقدسة المتحـدة بالمسيح والمـؤازرة بروح الله...

تضمن الكنيسة خـلاصه ليكـونوا أعـضاء فى الملكـوت...

وواضـح الآن أن سرّ الزيجـة ينتهى بالملكـوت للرجـل والمـرأة والنسل...



فالآن كيف نطـيق بعـد هـذا البنـاء لهيكـل الكنيسة ولحساب الملكـوت...

ونتصـوّر أن يحـدث طـلاق؟...

ألا يكـون هـذا بمثابة تقطـيع الكـيان السرّى الجـديد الذى نشأ من اتحـاد الرجـل والمـرأة بسر الزيجـة...

وحضـور الروح القـدس...

والاتحـاد بجسم المسيح؟...


ثم ألا يكـون هـذا هـدمًا لجسم الكنيسة, وقطعـًا للطـريق أمـام الرجـل والمـرأة والنسل المـؤدى إلى الملكـوت؟...


لذلك نعـود ونؤكّـد أن سر الزيجـة

وما ينشأ منـه باتحـاد الرجـل والمـرأة ليكـونا جسدًا واحـدًا فى المسيح بكـيان جـديد,

هـو عـنصـر بنـاء الكنيسة...


وليس هـذا تصـوّرًا أو عـقيدة أو افـتراضًا, بلّ واقـعٌ حىٌّ يَـغـَار عـليه المسيح...


فالكنيسة التى تتهـاون فى تسهـيل الطـلاق...

إنما تهـدم نفسها وتقضى عـلى مستقـبل الذين سهَّـلت لهم الطـلاق...

وهـذا يكـاد يكـون غـلقـًا لباب الملكـوت فى وجـوههم...


لذلك إذا قـرأنا وسمعـنا المسيح يتشدّد فى ذلك...

فالأمـر يخصّـه وهـو يَغـَارُ عـلى جسده وعـلى مستقـبل أولاده بالنسبة للملكـوت الذى كلّـفه دمـه...



أمّـا تحـديد خطـية الزنـا أنهـا تفسخ هـذا العـقـد أو هـذا السرّ...

فلأن الذى وثَّـق السر هـو الـروح القـدس...

ويستحـيل أن يجتمـع الـروح القـدس والزنـا...

فالـروح القـدس يظـلّ ساهـرًا عـلى سرّ الزيجـة يمـدّه بالمشورة والمعـونة للتغـلّب عـلى صـعـاب الحـياة...

ولكـن بمجـرّد أن تحـدث خطـية الزنـا ينسحب الـروح القـدس مـن السرّ وتنفـك الوحـدة من تلقـاء ذاتهـا حتى بدون طـلاق...

فالطـلاق هـنا إنّمـا يأتى تحصـيل حاصـل...

فخطـية الزنـا تُحسب أنهـا ضـربة مـن الشيطـان عـنيفـة موجَّـهة لقـداسة السرّ وعـمـل الـروح القـدس...

لذلك أصبحـت الكنيسة ملزمـة أن تُجـرى الطـلاق بكـل حـزن وأسى, وكأنها يجـرح نفسها وتقطـع جسدها بيدها!!...


ولكـن إن أحس الزوج والزوجـة بهـذه الخطـورة التى تبلغ حـد الجـريمة فى حـق الشريك والأولاد والمسيح والروح القـدس...

واستطـاع المخطئ أن يعـترف ويتذلل ويطـلب الغـفـران...

فالغـفـران هـنا لا يُمنـع عـلى أساس دم المسيح القـادر أن يقـدّس بعـد نجاسة ويحيى مـن المـوت:

[ يَا اِمْرَأَةُ أَيْنَ هُمْ أُولَئِكَ اَلْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟ فَقَالَتْ: لاَ أَحَدَ يَا سَيِّدُ . فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اِذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً ] [ يوحنا 8: 10. 11]...

وحينـئذ تقـوم الكنيسة بواجـبات التطـهير, وإعـادة قـوة السرّ...


ولكـن بعـد هـذا نقـول إنه يلـزم جـدًا للـزوجين أن يدركـا حـقيقة سرّ الزيجـة عـلى هـذا الأساس...

حـى تتقـدّس عـلاقتهما معـًا بالوعـى الروحـى لقـيمة هـذا السرّ العـميق والضـارب جـذوره فى ملكـوت الله...


ومـرة أخـرى نُـوَعّـى:

أن مـن الاتحـاد السرّى بين الرجـل والمـرأة فى سرّ الزيجـة...

ينشأ كـيان زيجـى جـديد من الاثـنين...

فائـق عـلى كـيان كل ّ منهما بمفـرده...

فذات الرجـل, وذات المـرأة, أنشأا باتحـادهما ذاتـًا جـديدة أقـوى وأعظم من كل منهما...

هـى مصـدر حـبهما الشديد ومصـدر عطفهما عـلى بعـض, وهـى بمـثابة مجـال جـديد جاذب لكـلّ منهما نحـو الآخـر...

هـذا يحسّه مَـنْ نجح فى تكـريم حـياته الزوجـية...

فلـو انفـتح وعـى كـلّ منهما عـلى هـذه الحقيقة وعـاشا معـًا فى ظلّها, يصـعـب جـدًا, بلّ من المستحـيل أن يخـون أحـدهما الآخـر...


لذلك أتمنى أن تتشدّد الكنيسة عـلى سمو هـذا السر العـميق والفـائق...

لأن إدراك هـذه الحقائق تتقـدّس الوحـدة...

وتثمـر لحساب الكنيسة والمسيح...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010