حوار قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث مع سمير رجب

البابا شنوده يفتح عقله وقلبه



نشكر الرئيس مبارك..علي عودة الأوقاف القبطية

حقاً..مصر نسيج واحد..نحن دائماً مع الحكومة

الطلاق ورد في الإنجيل أربع مرات..وأيضا لعنة الزنا


فتح قداسة البابا شنودة الثالث عقله وقلبه للكاتب الصحفي سمير رجب وتحدث بصراحة مطلقة عن كل القضايا المثارة. قال إن الرئيس حسني مبارك قائد لا يعرف التعصب ولا يفرق بين مواطنيه وان علاقتي بالرئيس مبارك ممتازة وطيبة جدا.

قال قداسة البابا شنودة بصراحة مطلقة إن الطلاق ولعنة الزنا وردا في أربعة مواضع في الإنجيل وهناك نوعان من الزنا.. عملي بأن يضبط اثنان في ارتكاب الفعل أو حكمي من خلال دلائل تثبت الزنا مثل الخطابات العاطفية أو المكالمات التليفونية المسجلة. أضاف قداسة البابا شنوده إن الخلع غير موجود في الإنجيل إلا أننا نطبقه مؤقتا علي المسيحيات حتى يصدر قانوننا الخاص.

البابا شنودة..يفتح عقله وقلبه ل "سمير رجب":

علاقتي بالرئيس مبارك..ممتازة وطيبة جداً

نشكر جهوده المخلصة..لتيسير بناء وترميم الكنائس

حل مشكلة الأوقاف القبطية.. لأول مرة منذ مئات السنين

أتفق مع علماء الإسلام..الزواج العرفي نوع من الزنا

لا مانع من تطبيق "الخلع" مؤقتاً للمسيحيات..حتى يصدر قانوننا الخاص

الوظيفة الآن مسألة قدرات.. وليست شهادات

ليس للمسيح أخوة..ولا العذراء تزوجت

من يتكلم في هذا الموضوع .. لابد أن يكون دارساً ولا يعتمد علي كتاب لطائفة معينة

كنائسنا في الخارج.. للحفاظ علي أولادنا خلقيا وروحيا ووطنياً


شارك في الحوار:

محمـود نافـع

.. وحضره من الكنيسة:

** الأنبا يؤانس ( الأسقف العام سكرتير قداسة البابا )

** القمص أرميا أفا مينا ( سكرتير قداسة البابا )

** هاني عزيز ( أمين عام الاتحاد العام للمصريين بالخارج )



في جلسة ودية .. وبروحـه السـمحة التي يعرفـها كـل مصــري ..

فتـح البابا شـنوده قلبه وعقله .. وتحدث بكـل صـراحة عما يشغله..

عن مصر التي يصفها دائما بأنها "وطـن يعيش فينا وليس وطنا نعيش فيه"..

عن الرئيس مبارك الإنسان.. الـذي لا يعـرف أي مـعني للتعصــب

ولا يفرق بين مواطنيه علي أساس الدين.. عن الخط الهمايوني وبناء الكنائس..

عن النتائج السلبية لمشكلة البطالة وكيفية حـلها.. عن أوقـاف الأقـباط ..

وعن أقباط المهجر .. ومـا تردد أخـيراً عـن وجـود أخـوة للمسيـح.

في كل نقطة من هذا النقاط. كان البابا واضحاً وصريحاً.. ولم تفارقه ابتسامته المرحة.. حتى وهو يتحدث عن بعض السلبيات التي يتمني أن يتجاوزها المجتمع.. مثل ضعف تمثيل الأقباط في مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية وعدم نجاح العدد الكافي منهم في الانتخابات.. وأيضا وهو يتحدث عن مهامه التي اتسعت بعدما تم افتتاح عشرات الكنائس في أمريكا وكندا والدول الأوروبية والعربية والأفريقية.

تحدث البابا في أمور الدين والدنيا.. في أمور التشريع والكهنوت والسياسة والانتخابات.. وأثبت أنه متابع جيد لكل ما يدور علي الساحة.. داخلياً وخارجياً. والآن.. إلي تفاصيل الحوار:

* سمير رجب: قضية البطالة من القضايا الملحة جداً في مصر الآن. ولها آثار وانعكاسات كثيرة في المجتمع. والدولة من جانبها تسعي جاهدة لتعيين الخريجين في وظائف حكومية أو خلق فرص عمل لهم في مشروعات سياحية وإنتاجية بمرتبات مجزية وهناك مشروع مبارك لتمليك الأراضي للشباب ومع كل هذا الجهد مازالت البطالة تمثل مشكلة كبيرة.. هل لديكم اقتراحات وإسهامات لحل مشكلة البطالة؟!

** قداسة البابا: موضوع البطالة يكاد يكون من المشكلات القوية المعاصرة.. وله نتائج كثيرة ومتفرعة.. أولي هذه النتائج شعور الخريج الذي تعلم وذاكر وامتحن سنوات عديدة بالإحباط حينما لم يجد عملاً ولعله يتساءل: ما فائدة كل هذا التعليم؟!.. وهناك فكاهة سائدة حاليا تقول: "ما كان يتعلم كورة أحسن ليضمن لنفسه مستقبلا اقتصاديا أفضل من الجامعة".

النتيجة الثانية أن الخريج يجد نفسه في فراغ كبير.. ليس لديه ما يشغل وقته لأنه لا يوجد عمل.. وإذا كان العقل بلا عمل يأتي الشيطان ليقول له سأسليك في هذا الوقت وهنا يمكن أن يتحول هذا الفراغ إلي ضياع.. فإما أن يتجه إلي تناول المخدرات لكي ينسي التعب الذي هو فيه.. ليتحول إلي الإدمان مع أصدقاء السوء.. وإما أن يتحول إلي الجريمة.. وإما أن يتحول إلي التطرف. والتطرف أنواع.

من نتائج البطالة أيضا أزمة الزواج بالنسبة للبنات.. فالخريج الذي لا يجد عملاً لا يستطيع أن يبني بيتاً أو يرعي أسرة أو يتزوج ويصرف علي امرأة وأولاد.. ولذا يتأخر سن الزواج عند الفتيات وهذا أمر له نتائجه السيئة وربما يؤدي إلي مشاكل أخلاقية.. حينما تجد الفتاة أنها تسير في طريق العنوسة أو أنها لم تجد من يهتم بها ويرضي بها شريكا لحياته أو يتحول الأمر إلي مشكلة أخري وهي الزواج العرفي.

..إذ لايجد خريج الجامعة إمكانية له للزواج وتكوين أسرة ولا تجد الفتاة إمكانية لها للزواج بسبب عدم القدرة الاقتصادية فريما يلجأ الاثنان إلي الزواج العرفي الذي أعتبره. ومعي قادة الإسلام نوعاً من الزنا لأنه ليس زواجاً أمام الهيئات الدينية وليس موثقاً أمام الدولة.. ولا يوجد ضمان للنسل الذي ينتج عنه ونسبة هذا النسل إلي أب وأم غير موثق زواجهما.. وتحدث مشكلة.. والمشكلة هنا لا تكون فقط في الزواج الخاطئ وإنما في محاولة إراحة الضمير بأن الاثنين يعيشان في وضع رسمي يسميانه زواجاً.

كل هذا يأتي من البطالة.. ونلاحظ أن عدد المعينين في الوظائف لا يتناسب إطلاقاً مع مئات الآلاف التي تتخرج كل عام.. بل إننا للأسف الشديد نجد مشكلة أخري بجوار البطالة وهي مشكلة استغناء بعض الشركات والمصانع عن كثير من موظفيها مع مشكلة أخري وهي المعاش المبكر.. فالذي يحصل علي معاش مبكر لا يحصل في نفس الوقت علي إيراد يكفيه في حياته نتيجة لما يصرف له في معاشه المبكر.

كل هذا يدعونا إلي أن نفكر في كيف تحل مشكلة البطالة هذه؟! ولا نقصد أن الحكومة فقط هي التي تحل هذه المشكلة إنما نقصد أن يتعاون المجتمع كله في طريقه لحل مشكلة البطالة.

عندنا في الكنيسة نحاول أن نوجد لوناً من التدريب المهني علي صناعات معينة والدولة أيضا دخلت في موضوع الصناعات الصغيرة التي يمكن أن تعطي للشباب.. والصناعات هذه تحتاج إلي تدريب وحنكة وخبرة.. لأنه ما أسهل أن يفقد الشاب رأسماله إن لم تكن عنده خبرة في الصناعة.. وربما يتكبد ديوناً أيضا.. فهي تحتاج إلي إرشاد مستمر وإلي خبرة في الإدارة وخبرة فنية في الصنعة.. وهذا الأمر يحتاج أيضا إلي تفكير واسع في نوع الصناعات الصغيرة التي يمكن أن يعمل فيها الشباب.. وقد تكون علي ألوان متعددة تتناسب مع قدرة كل شخص وهوايته وطريقة استعداده للوظيفة الصغيرة هذه.. غير أن موضوع الصناعات الصغيرة يدخلنا إلي مشكلة أخري وهي التسويق.. فمن الممكن أن الإنسان ينتج ولا يجد سوقاً يصرف منتجه فيه وهذا يحتاج إلي معونة حكومية في طريقة التسويق سواء علي المستوي المحلي داخل البلاد أو عن طريق التصدير إذا كان في مستوي الإتقان الذي يصلح للتصدير.

هناك دولة مثل الصين تعدادها يزيد علي مليار وربع المليار نسمة وكل واحد من السكان يجد له عملاً يعمله وأحياناً العمل يكون علي طريقة ما يمكن أن يسمي بالكمية الضخمة للإنتاج.. مثلاً أشخاص يتناولون صنع عقارب الساعات.. وآخرون يتناولون صنع مينا الساعات.. والبعض يتناول أجزاء أخري.. ثم تجمع كل هذه الأشياء بواسطة أشخاص يتولون التركيب.

ونفس الشيء بالنسبة للسيارات.. لقد قمت بزيارة بعض هذه المصانع ليس في الصين وإنما في أمريكا وهي عبارة عن قطع معينة ويتولي البعض تركيبها وكل مجموعة تختص بقطعة معينة في السيارة.

العمالة الفنية

بعد هذا يأتينا فكر آخر وهو العمالة الفنية اللازمة للعصر الذي انتشرت فيه التكنولوجيا بهذا القدر الجبار.. عندنا عمال لكننا نحتاج إلي عمال يتقنون التكنولوجيا الحديثة..

نحن لدينا عمال كثيرون ولكنهم ليسوا علي المستوي فيحتاج الأمر إلي عمال ومهندسين علي مستوي التكنولوجيا الحديثة.

أتذكر في إحدى المرات منذ عشرات السنين .. كنت في الدير وعندنا مولد كهربائي تعطل وكان من زوار الدير مهندس كهربائي ولم يستطع أن يصلح المولد الكهربائي فقلت له لماذا؟ فقال تعبيرا غريباً أذكره في مناسبة منذ حوالي 30 سنة .. قال لي: "إحنا مهندسين علي الورق فقط ندرس في الورق وبطريقة نظرية" .. مثل هذا المهندس عندما يتخرج يذهب إلي ألمانيا يخلع البدلة ويلبس الأفرول وينزل في الماكينة يفكها "حتة حتة" .. وتمتلئ يداه بالشحم لكنه يكون قد أتقن كل عدة صغيرة في الماكينة التي يعمل فيها .. فإذا تعطلت لا يتحكم فيه العمال وإنما يستطيع أن يدير .. نحن نحتاج إلي هذا النموذج.

* سمير رجب : ونحن اشترينا ماكينة طباعة علي أعلي مستوي تكنولوجي في اليابان .. وأرسلنا مهندسين وعمالاً لليابان في بعثات وحتى الآن العامل المصري لم يستوعب هذه التقنية .. وفي أحيان كثيرة يقول الخبراء اليابانيون: نحن نستغرب أنهم يمدون أيديهم في حاجات لا يعرفونها لماذا؟!





** قداسة البابا: المهندس يحتاج إلي أن يتدرب علي ماكينة مثيلة تماماً .. يفكها جزءا جزءاً ويعرف عمل كل جزء فيها .. مثلما نقول إن سائق العربة يحتاج أن يفهم في ميكانيكية العربة حتى يستطيع أن يصلحها عند تعطلها.

هذا يذكرني أن في مكتبتي مجموعة "كيف تعمل؟" التليفون كيف يعمل .. التلغراف والراديو والعربة كيف تعمل .. أحياناً في التعليم الثانوي يدخلون هذا اللون من الدراسة العملية لكي يتدرب الأطفال عليها منذ الصغر..

تطوير التعليم

* سمير رجب : هل يستدعي ذلك يا قداسة البابا تغيير النظرة في التعليم .. بمعني التركيز علي التعليم الفني أكثر من النظري؟؟

** قداسة البابا: بالفعل الأمر يحتاج لهذا .. لذلك نلاحظ أن وزير التعليم الحالي - هو رجل مستنير - أدخل الكمبيوتر حتى في مراحل التعليم الأولي ليصبح الطفل علي دراية بالكمبيوتر .. الكمبيوتر صدقوني في كل عام تدخل إليه تحسينات جديدة ويجب أن يعيها الطفل أولاً بأول حتى يتعايش مع التطورات .. لأنه من الصعب أن يعيش أولادنا في عصر سابق ولا يسيرون مع النهضة العلمية خطوة بخطوة.

وهذه النقطة طالما أكد عليها المسئولون في البلد .. والرئيس مبارك قال إننا نرغب في وجود النهضة العلمية وأن يكون لدينا الإنتاج الجيد الذي يستطيع أن ينافس بالأسواق.

كل هذه العوامل تتعلق بالبطالة وإذا وصلنا إلي هذا المستوي تتحول الطاقات البشرية التي لا تجد عملاً إلي طاقات بشرية تعمل داخل البلد أو خارجها ويمكن أن تُصدر إلي بعض البلاد الأخرى لكي تعمل بها .. لأن المسألة حالياً هي مسألة قدرات وليست شهادات .. الأخيرة مجرد ورقة تثبت أن الشخص تلقي معلومات معينة في مادة معينة لكن المقدرة العملية هي التي تفتح له باب التوظف.

* سمير رجب : إذن البطالة مسئولية الدولة والفرد والمجتمع.

** قداسة البابا: نعم .. مسئولية الجميع.

مسئولية الدولة في الحدود التي تقدر عليها .. وأيضاً القطاع الخاص يستطيع أن يشترك مع الدولة في تنمية العمالة وتطويرها .. كثير من شركات القطاع الخاص يوجد فرع فيها للتدريب المهني مهمته تدريب الأشخاص علي المهنة التي تقوم بها الشركة يُدرب أشخاصاً لكي يؤهلهم للتوظف .. ويُدرب الموظفين علي الرقي والتقدم .. وعندنا نواح أخري تحتاج لموظفين غير موجودين.

مشكلة التمريض

وتوجد مشكلة تجابهنا نحن هي مشكلة التمريض في المستشفيات .. وهذه مشكلة أريد أن أقدمها إلي وزير الصحة .. لا يوجد عندنا من الممرضات العدد الكافي الذي يقوم بحاجيات كل المستشفيات .. والممرضة لابد أن تكون مؤهلة .. وهذا التأهيل يحتاج إلي نوع من التسهيلات لكي يزيد الإقبال علي هذا اللون .. لأنه ربما توجد فتاة تقول: "أنا حصلت علي الثانوية العامة مثل زميلتي وهي ستتخرج دكتورة وأنا ممرضة" .. فالأمر يحتاج لنوع من التشجيع وتسهيل الموضوع لكي يكون لدينا عدد كبير من الممرضات .. لأن هناك مستشفيات لا تجد ممرضات.

* سمير رجب: عدد الأطباء أربعة أضعاف الممرضات!!

** قداسة البابا: إذن الأمر يحتاج إلي تسهيل في الموضوع سواء بالنسبة للمستشفيات الحكومية أو الخاصة التي تحتاج إلي التمريض.

* سمير رجب: للأسف - الناس يخلطون بين التمرجية والممرضة .. التمرجية التي تخدم بالمستشفي والممرضة التي تقوم بعمل طبي.

** قداسة البابا: وفي إطار الحديث عن البطالة أذكر أيضاً من ضمن الصناعات الصغيرة ما يناسب البيئة .. فمن الممكن أن امرأة ريفية أو رجلا ريفياً يأخذ صناعة بسيطة وهي "منحل" لتربية النحل .. أو تربية الأرانب وغيرها .. ولا ننسي أيضاً أن التكنولوجيا أوجدت لوناً من البطالة .. كيف هذا .. مثلاً في مجال الزراعة كان معروفاً أن الفدان يرويه ستة من الفلاحين .. حالياً طريقة الري بالرش ممكن تروي عشرين فداناً بشخصين .. شخص لتشغيل الماكينة وآخر لمتابعة الري .. أو الري بالتنقيط للأشجار .. الآلات وفرت كل عشرين فداناً كان يرويها 120 رجلاً .. الآن يرويها رجلان فقط.

وفي البناء أيضاً .. كانت خلطة الأسمنت بطريقة المحراث يتعاون فيها خمسة أو ستة رجال .. الآن الماكينة تنجز كل شيء .. وكان هناك عمال كثيرون لنقل الزلط في القفف .. وعمال يحملون القفف في العربات وعمال ينزلونها .. الآن القلاب حل المشكلة .. إذن فالآلة أوجدت البطالة - لذلك النهضة الصناعية في أوروبا عندما قامت أوجدت ثورة من البطالة في بداية العصور الحديثة .. فنحن نحتاج أن نتأقلم مع الوضع الذي نعيش فيه .. وكيف نستخدم الآلة لصالحنا بدلاً من أن تكون الآلة أحد أسباب البطالة.

قضية الخلع

* سمير رجب: قضية الخلع شغلت بال كل الناس لفترة طويلة.. وهي الآن موضع جدل بالنسبة للإخوة الأقباط.. ما موقف الكنيسة من الخلع؟؟

** قداسة البابا: حسب القانون حاليا.. بالنسبة للمسيحيين إذا اختلف الزوجان في الملة أو المذهب أو الطائفة تطبق الشريعة الإسلامية.. والشريعة الإسلامية حسب مذهب أبي حنيفة تعطي الرجل الحق في تطليق امرأته بالإرادة المنفردة.

* سمير رجب: هذا الرجل لو أراد أن يتزوج مسيحية من ملته الجديدة.. هل توافق الكنيسة؟

** قداسة البابا: نحن لدينا قوانين في فصل العلاقة الزوجية.. وهذا يدخل في مشروع القانون الجديد الذي قدمناه لوزارة العدل بمقتضى تعاليم الشريعة الإسلامية لأن هذه مسألة يحكم فيها الإنجيل بالذات: تطلق المرأة أو الرجل إما بسبب الزنا أو تغيير الدين.. من جهة الطلاق لعلة الزنا ورد ذلك في أربعة مواضع في الإنجيل.. في متي 5 آية 32 وفي متي 19 آية 9 وفي مرقص 10 آية 11 وفي لوقا 16 آية .18

* سمير رجب: في حالة الزنا الإسلام يشترط شهودا وقضاء.. فماذا عن المسيحيين هل تكفي مكالمة تليفونية مثلا؟!

** قداسة البابا: الزنا علي نوعين: إما زنا عملي كأن يضبط اثنان في ارتكاب الفعل وهذا صعب أحيانا.. وإما زنا حكمي موجود في القانون وهو ما يمكن أن يحكم به بالزنا رغم أن الناس لم يروا اثنين يزنيان.. مثال ذلك خطابات يوجد فيها دلائل تثبت الزنا.. خطابات عاطفية وتذكار.. أو مكالمات تليفونية مسجلة يوجد فيها اعترافات من هذا النوع.. أو وجود المرأة في أماكن مشبوهة أو مبيتها مع رجل غريب بدون معرفته.. والأمر يوجب الشك.. رجل غريب من غير المحارم وبدون إذن زوجها وبدون معرفة مع أدلة أخري ممكن تثبت الزنا.. كأن يترك الزانيان أثرا يدل علي علاقة.. هذا هو الزنا الحكمي أو الاعتراف.

الزنا يحكم فيه بالتطليق.. لأن لا الزوجة أو الزوج يقبلان أن يعيشا في ظل خيانة زوجية قائمة.. ولذلك هذه الناحية بالذات يسمونها الخيانة الزوجية.

وكذلك يقع الطلاق بسبب تغيير الدين لأن علي رأي المثل من شروط المرافقة الموافقة.. فالزواج عبارة عن اثنين يعيشان معا في حياة مشتركة.. المفروض أن تكون حياة متفقة مثل جوادين يجران عربة يسيران بسرعة واحدة وفي اتجاه واحد.

في غير هذين السببين لا تحكم الكنيسة بالتطليق.. والحكم يكون من المحكمة.

لكن المشكلة التي تقابلنا هي الزواج الثاني بعد الانفصال حينئذ تنظر الكنيسة هذا الأمر في مجلسها الذي يسمي المجلس الاكليريكي وتري هل هذا التطليق تم بناء علي مبادئ الدين أم لم يتم.. فإذا كان قد تم بما يوافق تعاليم الدين يصرح للعنصر البريء بالزواج والعنصر المذنب لا يصرح له.

وبالنسبة للخلع.. في الأحوال الشخصية يوجد أمر آخر يسمي بطلان الزواج وهو يعني ان الزواج كأن لم يكن وله أسبابه.. من ضمن هذه الأسباب أن يتم الزواج مع الارتباط بزيجة أخري لم يفصم عراها بعد.. المسيحية لا يوجد لديها تعدد زوجات.. ومن أسباب البطلان أن يكون سببه ارتباطاً بقرابة مانعة أو بنسب مانع ففي هذه الحالة يحكم ببطلان الزواج.

مثال.. الزواج بأخت الزوجة المتوفاة أو زواج المرأة بأخي زوجها المتوفى.. نحن نعتبر في الزواج أن الاثنين واحد.. فأخت الزوجة تعتبر أختا للزوج وأخو الزوج أخا للزوجة.

وأحيانا يبطل الزواج إذا كانت الزوجة أخته في الرضاعة وإذا كانت قرابة من الدرجة الثانية أو الثالثة هذه لها قواعد معروفة.

من ضمن أسباب البطلان أيضا العنة عند الزوج.. العنة السابقة للزواج.. يعني إذا وجد عجز جنسي عند الزوج قبل الزواج ممكن أن يحكم بالبطلان.. لأن ما أسهل أن أي رجل في الشيخوخة يصل إلي هذا العجز الجنسي لكن يكون عنده أولاد قبل أن يصل إلي هذا العجز.. إلا انه إذا كانت نقطة البدء في الزواج هي هذه العنة فالمحاكم تفرق بين العنة الجسدية والعنة النفسية.. لكن علي أي الحالات العنة لا تسمح بوجود علاقة جنسية بين زوج وزوجة فيبطل الزواج هذا.. ونفس الحال بالنسبة للمرأة التي يوجد لديها موانع للمعاشرة كزوجة.

وإذا كان أحد الزوجين مجنونا قبل الزواج.. يكون الزواج مرفوضا لأن الجنون لا يوجد به عنصر الموافقة بين الجانبين.. ولابد أن الكاهن الذي يجري الزواج يأخذ موافقة الطرفين علي الزواج.

ويبطل الزواج إذا كان بالغش.. علي شرط أن يكون غشا في نقطة رئيسية في الزواج.. ويدخل أيضا في هذا الغش إذا تزوج المرأة علي اعتبار أنها بكر ووجد أنها سيدة سبق معاشرتها.. يبطل الزواج بالغش علي شرط أنه لا يستمر في معاشرتها لأنه لو استمر في معاشرتها معناه أنه قبل هذا الغش.

مشروع جديد

كل هذه أسباب لبطلان الزواج ونحن قدمنا مشروعا لوزارة العدل كلائحة للأحوال الشخصية تحكم بين المسيحيين عموما.. وهذا المشروع وقع عليه جميع رؤساء الكنائس المسيحية في مصر بلا استثناء وأيضا ممثلو الكنائس المسيحية في مصر التي لها رئاسات في خارج مصر مثل الموارنة الذين لهم رئاسة دينية في لبنان لكن لهم مطران يمثلهم في مصر.

.. والأرمن والسريان الذين لهم رئاستهم في سوريا أو لبنان أو في بلاد الأرمن لكن لهم من يمثلهم هنا.. وسوف تقوم وزارة العدل بفحصه وتأخذ الإجراءات.

* سمير رجب: متي قدمتم هذا المشروع؟؟

** قداسة البابا: قدمناه قبل إقرار قانون الأحوال الشخصية للمسلمين.. فقيل لنا بعد أن ننتهي من قانون الأحوال الشخصية للمسلمين وقانون الخلع ننظر في قانون الأقباط.

انه قانون كامل للأحوال الشخصية يشمل من الخطبة وشروطها وطبيعة الزواج وإتمامه وشرعيته والطلاق وأسبابه.. ويشمل أيضاً بطلان الزواج.

* سمير رجب: ألم يكن هناك قانون خاص بالأقباط من قبل؟

** قداسة البابا: لا.. كانت هناك لائحة من عام 38 ولم يكن الأقباط راضين عنها وتسببت في مشاكل عديدة.

في المسيحية.. وفي قانون الأحوال الشخصية.. وفي الإنجيل.. كلمة "خلع" غير موجودة.. لكن هذه مسألة حتى المسلمين لم يكونوا علي معرفة بها رغم أنها موجودة عندهم منذ القدم.. فلما ظهرت حديثاً كان لابد أن يكون لنا موقف منها إلي أن يتم إقرار القانون وصدوره من الهيئة التشريعية.

كما قلت.. الشريعة الإسلامية تعطي الحق للرجل في تطليق امرأته بالإرادة المنفردة حسب مذهب أبي حنيفة ولكنها لا تعطي المرأة حق تطليق الرجل.. ومن هنا نشأ موضوع الخلع.. إذا كانت المرأة قد استحالت حياتها الزوجية مع مثل هذا الزوج.. وتريد أن تنفصل عنه أو إذا كان يضايق حياتها بأساليب معينة.. امرأة ترغب في السفر للخارج وزوجها يضيق عليها الأمر ويجعل حياتها مرة.. المحكمة تنظر فيها لتري أنها أسباب معقولة لفصل الزوجين فإذا وجدت الأسباب معقولة تصدر حكمها بالخلع علي أن ترد الزوجة إلي الزوج المسائل المالية المعلقة فيما بينهما.. مثل مؤخر الصداق والهدايا هذا بالنسبة للمسلمة وكذلك المسيحية التي تطبق عليها الشريعة الإسلامية.

إذا تمت الإجراءات الرسمية لإقرار مشروع الأحوال الشخصية وأصبح لدينا قانون خاص سوف لا يكون هناك أي مشكلة.

* سمير رجب: المحكمة حكمت بخلع سيدة مسيحية.. ماذا عن موقف الكنيسة في ظل القانون القائم هل توافقون؟؟

** قداسة البابا: أريد أن أفرق بين أمرين.. بين فصل العلاقة الزوجية وبين تكوين علاقة زوجية جديدة.. هذا شيء وذلك شيء آخر.. ففي أوقات كثيرة ينفصل الزوج والزوجة بتطبيق الشريعة الإسلامية ثم يطلب الزوج أن تصرح له الكنيسة بالزواج فلا تصرح له.. لأن الانفصال تم بشكل لا يتفق مع تعاليم الإنجيل.

ذات مرة كان أحد المحامين قد طلق امرأته وتقدم إلي مطرانية البحيرة في دمنهور للتصريح له بالزواج فأنعقد المجلس الإكليروكي ووجد أنه لا يحق له الزواج مرة ثانية لمخالفته تعاليم الإنجيل.. نرفع قضية ضد مطران البحيرة وضد القسيس كموثق رسمي وضد المجلس الإكليروكي.. فالقاضي حكم برفض الدعوى

علي اعتبـار أنهـا قدمت ضد من ليس له صـفة علي اعتبــار

أن الذي له صـفة هو البابـا .. فرجع الرجل وقدم دعوي أخري

ضـدي لأنه لم يصـرح لـه بالـزواج .. وهذا حق دستوري له

ومن حـقه أن يتـزوج .. وقال كـيف أن المحكـمة أصـدرت

حكماً بالطلاق والكنيسة لم تنفذ واتهمني بأنني ضد أحكام القضاء..

وكـانت النتيجة أن أتاني المحـامي مـن البحـيرة فقلـت لــه

يا أخي كـل أحـكام المحكمة ننفذهـا.. المحكمة حكمت بالتطليق

فأنفصل الاثنان كل واحد عن الآخر وتم تنفيذ قرار المحكمة لكن المحكمة لم تحكم بالتزويج.

أما من جهة الحكم علي القسيس وهو موثق وموظف عام ولم يمارس.. فالموثق يوثق زواجاً قد تم وهنا لم يتم الزواج حتى يحتاج إلي الموثق.. وطبعاً المحكمة رفضت القضية لأنها ليست مبنية علي أسس.

وهناك محكمة حكمت بالرفض.. ومحكمة حكمت بالقبول.. وحسب وجهة نظر القاضي.. فموضوع الخلع كيف وافقت حاليا عليه؟!

** إذا كانت تطبق حالياً الشريعة الإسلامية فلماذا يستفيد منها الرجل ولا تستفيد منها المرأة؟! المفروض أن العدل يقتضي المساواة بين الاثنين إلي أن يصدر القانون الجديد.. وفي هذه الحالة لن يكون هناك هذا البند.







المسلمون والمسيحيون

* سمير رجب: كيف تسير العلاقة التي تثير فخرنا واعتزازنا بين المسيحيين والمسلمين وهما النسيج الواحد.. لا سيما في عهد الرئيس حسني مبارك؟؟

** قداسة البابا: العلاقة بين القيادات ممتازة وطيبة.. العلاقة مع الرئيس مبارك ممتازة جداً وهو رجل لا يعرف أي معني للتعصب والتفريق بين مواطنيه وعلاقته بنا ممتازة للغاية في كافة الموضوعات التي نلجأ فيها إليه.. وإذا كانت تحدث لنا بعض المشاكل تكون من المكاتب الصغيرة وليست من الرئاسات.. ونشكر الرئيس مبارك علي روحه الطيبة النبيلة التي يعاملنا فيها في نواح متعددة وفي كل ما نلجأ إليه فيه.

أيضاً علاقتنا طيبة مع كافة الوزراء الذين نتصل بهم في موضوعات تخصنا وعلاقتنا طيبة بالقيادات الإسلامية

.. علاقتي بفضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر علاقة ربما لم يكن لها مثيل في عصور سابقة .. ونحن نتبادل الزيارات .. أصبح مجيء فضيلة شيخ الأزهر إلي البطريركية شيئا عادياً مألوفا وأصبحت زيارة البابا والمطارنة إلي مشيخة الأزهر أيضا أمرأ عادياً ومألوفاً.

في عام 1919 كان القسيس يذهب للأزهر ويتكلم .. وكان شيخ الأزهر يقف علي منبر الكاتدرائية ويتكلم.

علاقتنا طيبة أيضا بوزير الأوقاف وهو من رجال الدين د. حمدي زقزوق .. ولأول مرة منذ عشرات بل مئات السنوات تتكون لجنة مشتركة من وزارة الأوقاف وهيئة الأوقاف القبطية لحل المشاكل الخاصة بالأوقاف وخصوصا الأوقاف القبطية التي أعيدت - وشكرا للرب - عن طريق لجنة مشتركة تقدم لها ملفات كل قضية وتبحث بطريقة موضوعية وسمحة ويعطي كل ذي حق حقه ولاشك أن هذا كان بتوجيهات الرئيس مبارك.

علاقتنا بالمفتي طيبة والمفتي الجديد أرسلت له لجنة لتهنئته لكن لم تتكون علاقة شخصية.

أتكلم بصراحة

أول مفتي زرته في دار الإفتاء كان شيخ الأزهر الحالي حينما كان مفتيا للديار المصرية ولما أصبح شيخا للأزهر ذهبت لتهنئته .. ونحن نجلس معاً في جو من الفكاهة والمرح .. المشاكل تأتي من المكاتب الصغيرة .. توجد مشاكل تحتاج لحل ويجب أن أتكلم عنها بصراحة .. وهي أمور واضحة .. هذا الأمر هو عدم نجاح الأقباط في الانتخابات سواء انتخابات علي مستوي مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو الانتخابات المحلية والنقابية .. وان وجد نجاح يكون علي مستوي ضئيل جداً لا يمكن أن يمثل الأقباط .. وهذا الأمر يحتاج من الدولة أن تتناوله بالبحث وتوجد له طريقة للعلاج.

* سمير رجب : لكنها إرادة الناخبين "يا سيدنا".

** قداسة البابا: هناك طرق معينة لتوسيع قاعدة اختيار المسيحيين في هذه الانتخابات.

لنأخذ مثلا حي شبرا بالقاهرة غالبيته من الأقباط لكن ليس الكل عنده تذاكر انتخاب .. فلو أمكن أن الدولة تسهل عمليات القيد في سجلات الانتخابات.

* سمير رجب: الدولة تفتح باب القيد لكل من يريد أن يسجل اسمه للحصول علي تذكرة انتخابية هل سيقولون له لا؟!

** قداسة البابا: هناك موضوع عرضته علي الرئيس وأعطي توجيهات لوزير الداخلية أن ينفذ .. هذا الموضوع يقول إن دائرة الانتخاب تحسب للناخب بحسب مولده أو وظيفته أو مسكنه .. وفي إحدى المرات قلت إن الموظف المتعاون يجد حلاً لكل مشكلة والموظف المعقد أو الروتيني يجد مشكلة لكل حل.. علماً بأن الأقباط بصفة خاصة دائما مع الدولة وملتزمون .. ومن ضمن الصلوات العامة في الكنيسة صلاة من أجل رئيس الدولة باستمرار .. وأيضا آيات كثيرة في الكتاب المقدس توجب علينا الطاعة للولاة .. الاستثناء الوحيد إذا كان ضد الدين .. في كل أمور الحياة طاعتنا للرئيس أمر ضروري .. ولذلك يندر أن تجد ثورة من الأقباط ضد الحكام.

في إحدى المرات قلت : المجالس المحلية نفرض أنه يوجد مجلس محلي به 20 أو 30 عضوا فما المانع في أن يوجد به اثنان من الأقباط.. "وجود حضور قبطي في المجلس" .. هل الاثنان سيغيران سياسة المجلس .. لا .. إنما مجرد حضورهما ووجودهما مظهر حيوي وجيد .. هذه المرة بعض الأقباط نجحوا في المجالس المحلية وهذا تطور إيجابي وإذا أمكن توسيع دائرته يكون أفضل.

أنا لا أطلب لئلا يظن أني أبحث للأقباط عن دور سياسي لكن يمكن ما نحتاجه يطلبه أخواتنا المسلمون نيابة عنا .. نحن لا نريد أن تؤخذ عنا فكرة أننا نبحث لأنفسنا عن وضع سياسي في البلد .. نحن نريد حياة هادئة مستقرة وسمعة البلد تتطلب مشاركة منا أفضل

إن مسألة نجاح الأقباط في الانتخابات تدل علي أن الروح العامة لا يوجد فيها تمييز.. لكن إذا وجد تمييز مع مناداتنا بأنه لا فرق وهذا نسيج واحد.. فإن الأمر يختلف.

حكاية الانتخابات هذه مقياس عملي للصلة بين الطرفين صحيح أن الناس بينهم وبين بعضهم في حياتهم العامة محبة لكن عندما تدخل في انتخابات ووظائف يتغير الحال.

* محمود نافع :

أحيانا تطرأ أشياء تعكر إلي حد ما صفو العلاقة كيف نحتويها بروح المحبة؟


** قداسة البابا : من جهة الأحداث والمشاكل التي تحدث.. للأسف الشديد نحن في عصر تتداول فيه الأخبار في كل بلاد العالم في نفس الوقت لأن وسائل الاتصالات أصبحت سريعة.. توجد وكالات الأنباء والإنترنت والتليفونات وغيرها.. أي حدث يقع يؤثر علي سمعة بلادنا بالخارج وإذا حاولت التعتيم عليه في الصحافة المصرية سوف لا تعتم عليه الصحافة في الخارج.. وممكن أن يحدث تأثير سواء بالنسبة للمصريين في الخارج أو بالنسبة للدول الخارجية.

أتذكر في المرة التي حدث فيها اعتداء علي كنيسة في إحدى قري مغاغة أن الدولة بذلت جهدها لتصليح الجو وترميم الكنيسة والصلح بين الناس.. لكن الذين عملوا الحادثة هذه لما سألنا بعض الرسميين وقلت لهم إن الذين قاموا بهذا العمل هم ضد مصر لأنهم يسيئون لسمعة مصر وهم ضد الإسلام أيضا يعني جو فيه من الأشخاص الذين ليسوا علي مستوي المسئولية يسيئون لسمعة البلد وليس للأقباط.

الصراحة مفيدة لإصلاح الأمر بحيث لا يتكرر الخطأ في المستقبل أمر جيد لكن التغطية علي الأخطاء لن تريح الضمير ولا نفسية الناس ونشكر الله أن الأحداث من هذا النوع قلت كثيراً عن ذي قبل.

الخط الهمايوني

* سمير رجب: ماذا عن الخط الهمايوني.. وهل مازالت هناك مشاكل في بناء الكنائس؟؟

** قداسة البابا : الخط الهمايوني من القوانين التي صدرت في العصر العثماني وألغيت كل القوانين وبقي هذا القانون شاهداً علي ذلك العصر.. والخط الهمايوني صادر من الرئاسة العثمانية في ذلك الحين وبدلاً من أن يقولوا "قرار"

يقولون "خط".. هذا الخط الهمايوني لا يمنع بناء الكنائس.. إنما يشترط أنها تبني بإذن أو تصريح من ولي الأمر "الحاكم".. وأنا أقول بصراحة تامة سواء كان هذا الإذن شفاهة أو كتابة هو بتصريح من ولي الأمر.

لكن المشاكل حدثت ليس من الخط الهمايوني وإنما من وكيل وزارة الداخلية في عام 1938 فيما أسموه بالشروط العشرة كنوع من التعقيدات.. لم تكن قانونا ولم تصدر من هيئة تشريعية.. لكن البعض استغلها استغلالاً سيئاً.

لكن في أيامنا هذه نشكر كل الجهد الذي قام به رئيس الجمهورية في تسهيل بناء الكنائس الجديدة وفي تسهيل ترميم الكنائس.

أنا فاكر عندما قامت مشكلة في الغرب في السنوات الماضية أرسلنا وقلنا لهم: نحن بخير وفي حالة طيبة وياما بنينا كنائس ورممنا كنائس بمنتهى السهولة وحتى بدون قرارات جمهورية.. بالروح الطيبة وبالتعاون بين الكنيسة والدولة أو بين الكنيسة والأجهزة الإدارية في البلد.. ولذلك أنا دائما أقول للآباء الكهنة في اجتماعاتي معهم لتكن علاقاتكم طيبة مع رجال الإدارة لأنه عن طريق العلاقة الطيبة يتم ما لا يتم بواسطة القانون والشرعية والنواحي الرسمية لكن بالمحبة تمر أمور كثيرة فوق مستوي القانون.. والناس يلجأون للقانون حينما لا تحل المحبة أولاً بين الناس بعضهم البعض.. وكثير من الأمور تتم من خلال هذا الطريق.. وأيضاً تتم عن طريق التوجيهات الرئاسية التي تساعد رجال الدولة علي أن يسهلوا الأمور.

أقباط المهجر

* سمير رجب: ماذا عن الكنائس القبطية في الخارج وأقباط المهجر؟؟

** قداسة البابا: حينما تسلمت مسئولياتي الحاضرة في الكنيسة لم يكن لنا في أمريكا سوي كنيستين فقط.. واحدة في أقصي الشرق في جيرسي سيتي.. والثانية في أقصي الغرب في لوس أنجلوس.. بكاهنين اثنين.. ولم يكن لنا في كندا سوي كنيستين إحداهما في تورنتو والأخرى في مونتريال بقسيسين.. أي أربع كنائس بأربع قسس.

* سمير رجب: هل تلك الكنائس ملك لكم يا قداسة البابا؟

** قداسة البابا: طبعاً تابعين لنا.. وفي السمنار الذي عملته للآباء الكهنة في أمريكا وكندا في العام الماضي حضر 118 من الآباء الكهنة و8 كانوا غائبين لأسباب خاصة أي 126 كاهناً وحالياً لنا أكثر من 130 كاهناً في أمريكا وكندا.. فالعمل ازداد جداً لأني شعرت أن في بلاد المهجر يستغلون الحرية استغلالاً خاطئاً فتتحول الحرية أحياناً إلي لون من ألوان التسيب.. وفي مصر نوع من الحرية ولكن الحرية المنضبطة.. ونقصد بالمنضبطة إن الإنسان حر بشرط ألا يعتدي علي حريات غيره ولا علي حقوق غيره.. نوع من الانضباط.. وأيضاً الإنسان حر ولكن لا يعتدي علي النظام العام في البلد.. فلا يصح أن أضع يدي في جيب الآخرين وأقول إني حر أضع يدي في المكان الذي أريده.. لا أستطيع أن أكسر قوانين المرور وأقول أنا حر أمشي في أي مكان أريد.. إذن فالحرية منضبطة بحريات الناس وحقوق الآخرين وأيضاً بالنظام العام وقوانين البلد جملة.. وأيضاً بوصايا الله يمكن أن أكون حراً ولا أكسر وصية من وصايا الله.. في الخارج توجد حرية ممكن أن تكسر أشياء كثيرة.. فالولد عندما يبلغ السادسة عشرة لا يكون لوالديه أي سلطان عليه أما عندنا إذا ضرب الأب ابنه بالقلم لا يستطيع الولد أن يرفع عينيه في وجه أبيه أما هناك

فالوالد يستطيع أن يبلغ البوليس والأب يبيت في السجن.. فالمفروض أن نعتني بأولادنا في الخارج لأمرين: الأول لحفظهم من الانحراف الفكري والخلقي الموجود في الخارج.. والثاني لحفظهم في وطنيتهم وتعلقهم بالوطن الأم وهويتهم فبالهوية يمكن أن يحبوا بلادهم وأن يأتوا في رحلات إلي مصر وتكون لهم علاقة ببلادهم في الحفلات الرسمية وأشياء من هذا النوع.

بهذا الشكل أمكن تأسيس الكنائس للحفاظ علي أولادنا خلقياً وروحياً ووطنياً.. ونشكر ربنا فالوضع أفضل بكثير.. وفي مصر رسمت أسقفاً للشباب وعندما كثر عمله رسمت أسقفاً مساعداً له وهما الأنبا موسي والأنبا روفائيل.. وهما يقيمان مؤتمرات في الخارج للشباب أو حلقات دراسية نفتح قلوبنا فيها لهم ويفتحون قلوبهم لنا.. ونتعرف علي مشاكلهم ونوجد لها حلولاً تناسب الظروف التي يعيشون فيها.. لقد كثرت الكنائس جداً في أمريكا وكندا وفي أوروبا أيضاً التي لنا فيها كنائس عديدة جداً بينما لم يكن لنا سوي كنيسة واحدة فقط في لندن وكانت مؤجرة.. أما حالياً فلنا في المملكة المتحدة أربعة أساقفة غير القسوس والكنائس.. فلدينا أسقفان في فرنسا وأسقفان في إيطاليا.. واحد في روما والآخر في ميلانو.. ولنا أسقف في النمسا وفي ألمانيا.. ولنا كنائس كثيرة في ألمانيا وفرنسا والنمسا وإنجلترا والسويد وبلجيكا وأسبانيا واليونان وفي كثير من البلاد الأوروبية التي لم يكن لنا بها صلة من قبل ولكن كان لابد أن أعد كهنة يخدمون تلك المناطق خوفاً من ضياع أولادنا فيها.. في جو غير الجو وثقافة غير الثقافة وأخلاقيات غير أخلاقياتنا ومبادئنا الشرقية التي لها روح مختلفة.. وبهذا زاد العمل كثيراً جداً.. والمشكلة الأكبر قابلتني في أوروبا وليس في أمريكا وكندا لأن أمريكا لغة واحدة وهي اللغة الإنجليزية وفي كندا نصفها بالإنجليزية ومنطقة مونتريال بالفرنسية.. أما في أوروبا فتكاد تكون لكل دولة لغة.. وكان لابد أن نعد الأفراد إعداداً يمكنهم من الخدمة هناك.

فمثلاً عندما أحضر قداساً في أمريكا أو ألقي عظة تكون عظتي جزءاً باللغة الإنجليزية وجزءاً بالعربية.. والعربي حتي أرضي القدامى وكبار السن والإنجليزي لأن أولادنا هناك لا يفهمون العربية ولا يفهمون منها إلا عبارات المجاملة.. والذين يصلون إلي أعلي درجة من تعلم اللغة العربية يصلون إلي المستوي الأمي أي يتكلمون العربية ولكن لا يستطيعون الكتابة والقراءة.. ولذلك في اجتماعنا من أجل المهجر مع بعض الأخوة قلت إذا أردنا أن نحافظ علي الثقافة الشرقية لأولادنا في المهجر ينبغي علينا أن نترجم تراثنا الشرقي أما أن نعلم لغة غربية فهذا ليس سليماً.. وقد استطعنا بمعونة الله أن ننجح في تعليم اللغة العربية في استراليا والتي كان لنا فيها كنيستان فقط في سيدني وملبورن أما الآن فلنا عشرات الكنائس.. ولدينا أسقف في ملبورن وإن شاء الله سوف أرسم قريباً أسقفاً في سيدني.. ونجحنا في تأسيس مدارس هناك والمدرسة القبطية التي ننشئها هناك تكون لها نفس المنهج الذي تدرسه وزارة التربية والتعليم ونضيف عليه حصة للغة العربية وحصة للغة القبطية وحصة للدين وحصة للألعاب.. وقد أسسنا مدرستين في ملبورن وثلاثة مدارس في سيدني وأصبح الدارسون فيها يعرفون اللغة العربية.. ولكن الذين لم يلتحقوا بها لا يعرفون اللغة العربية.. وأولادنا هناك اللغة بالنسبة لهم ليست سهلة.. وإرسال الكهنة للخارج لم يكن سهلاً أيضاً.. وفي أول مسئوليتي لاحظت أمراً غريباً.. فالذين يريدون الذهاب للمهجر لا يصلحون والذين يصلحون لا يريدون..

الشخص الذي يصلح للخدمة في المهجر لا يريد أن يترك بلاده ليذهب إلي هناك.. أمر صعب.. حتي أمكنني في النهاية إرسال هؤلاء المئات من الناس.

الأموال والمرتبات

* سمير رجب: هل يحصل هؤلاء علي أجورهم من هنا؟

** قداسة البابا: لا يأخذونها من هناك.. من موارد كنائسهم.. علاوة علي أن بناء الكنيسة من أموال هناك ومصروفات الكنيسة من هناك والمرتبات أيضا.

* سمير رجب: من التبرعات فقط أم من الدولة؟

** قداسة البابا: الدولة لا.. كله من أموال الشعب القبطي.. من العشور أو التبرعات.. وعندما كنا نجد شخصا يصلح للمهجر كنا نقابل مشكلة أخري.. فإذا وافق هو ربما لا توافق زوجته.. فإذا وجدنا الشخص الذي يصلح وزوجته توافق تبقي موافقة عائلة الزوج وعائلة الزوجة وإذا وافق كل هؤلاء تبقي موافقة الكنيسة التي هو كاهن فيها فربما لا تريد أن تتركه.

اللوبي المصري

* محمود نافع: بالطبع فإن رعاية كل هذه الأعداد ليست سهلة؟

** قداسة البابا: بالطبع فالرعاية من كل ناحية.. من جهة اختيار الأشخاص والرسامة والتعليم وبناء الكنائس لهم وبعضهم كانوا في عشش.. ونحن نفرق بين المهاجرين إلي تلك البلاد وبين الذين يعملون كموظفين هناك.. فمثلا لنا في ليبيا ثلاث كنائس كل شعبها من الموظفين وليسوا مهاجرين.. أيضا كل الذين يعملون في البلاد العربية موظفون وليسوا مهاجرين.. وأرجو أن نعتبر أن أقباط المهجر ممكن أن يكونوا جزءا من اللوبي المصري الذي يخدم البلاد في مصر.. فهم أولادنا ويحبون وطننا لأن حب الوطن طبيعة في الإنسان لا يصطنعها بل تجري في دمائه.. وإن كانت تحدث مشاكل يمكن حلها بشيء من التوعية.. ولكن يمكن أن يكونوا "لوبي مصري" إذا تكون معه لوبي من بعض البلاد العربية واتحد الكل لتكوين "لبوي عربي" يمكن أن يفيد جدا بخاصة إذا كان كثير من هؤلاء المهاجرين لهم صوت في الانتخابات الأمريكية.. فالانتخابات الأمريكية الحالية كانت تتأثر بالفرد.. فإذا وجد لنا لوبي في أمريكا ننتفع به سياسيا في القضايا المصرية.. فنصيحتي عدم مهاجمة هؤلاء الناس في المهجر.. ليس من الصالح أن نخسرهم بل نستفيد بهم من أجل بلادنا.. وبالنسبة للانتخابات الأمريكية قد يوجد متنافسان فيها أحدهما سوف ينجح.. ولكن يوجد ما يسمي بالصوت العائم الذي يمكن أن يأتي عند هذا الشط أو ذلك وهو ما يستغله اليهود حاليا لأنهم يمكن أن يرجحوا كفة أحد المتنافسين.. فلو وجد "لوبي عربي" يمكن أن يكون أصواتا من هذا النوع ويحاول الجميع أن يتقربوا إليه لأنه سوف يساندهم في الانتخابات.. الذي حدث في القضية الإسرائيلية أنهم بدأوا يكونون لهم "لوبي" ويكونون لهم شعبية واتصالات وإعلام واقتصاد وسياسة بينما كنا نثور ونضج ولا نعمل شيئا سوي الإدانة والشجب والصياح ولا نسلك في الطريقة العملية التي تأتي بالنتيجة.. والطريقة العملية هي أيجاد صوت لنا في الخارج.. ليس ذلك فقط ولكن ينبغي أن نتكلم مع البلاد الأجنبية بالطريقة التي تناسبهم ونشعرهم أنه ليس

من صالحهم سياسيا أن يخسروا العرب وهذا أمر مهم.. ونكلم الناس في الخارج بلغتهم.. فنحن في مصر نكلم أنفسنا ولا نكلم الآخرين.. ولكي نكلم الآخرين يجب أن تكون لنا محطة إذاعة وتليفزيون في الخارج ووسائل إعلام وصحف ومجلات وننشر قضايانا بطريقة تصل إلي العقلية الأجنبية وتؤثر عليها.

أخوة المسيح!

* سمير رجب: ما تعليقكم حول ما يتردد عن أن السيد المسيح له أخوة بالجسد؟

** قداسة البابا: المعروف أن السيد المسيح لم يكن له إخوة بالجسد وأن السيدة العذراء لم تلد سوي السيد المسيح ولم يكن لها زوج آخر.. زوجها يوسف النجار كان خطيبها.. وأخذها ليحفظها لا لكي يتزوجها عندما بلغت السن الذي لا تستطيع أن تقيم فيه في الهيكل.. ومن المعروف لدي اليهود أن القريب الشديد القرابة جدا يدعي أخا فكان أولاد خالة المسيح يعتبرون في عرف اليهود إخوة له.. ففي الصعيد مثلا يقال الشخص عن عمه "أبويا" فلان.. فالفرد شديد القرابة لي يعتبر أخا.. وعندنا أمثلة كثيرة لهذا الموضوع في الكتاب المقدس.. وأحيانا هنا تطلق كلمة أخ علي القبيلة كلها وأحيانا تطلق علي الشعب كله ونعتبر إخوتنا أهل بلدنا.. وأنا أقول عند التحدث عن المسلمين تعبير إخوتنا المسلمين.. فكلمة أخ عندما وردت كانت عن أولاد خالته وكانت عن الأقرباء.. بدليل أنه حول والدته العذراء إلي أن تكون في رعاية تلميذه يوحنا.. فلو كان لها أولاد لكانوا أولي برعايتها بعد المسيح.. وهذه المسألة مسألة قديمة ولكن البروتستانت الذين لا يؤمنون بالقديسين ولا شفاعتهم والعذراء وشفاعتها يتكلمون عن كلمة إخوة هذه كما لو كانوا إخوة بالجسد.. فالبروتستانت فقط بين كل المسيحيين في العالم هم الذين يستخدمون هذا المفهوم ولكن جميع الأرثوذكس في العالم يرون أن إخوته هم أولاد خالته وهكذا الكاثوليك أيضا وحتي البروتستانت فيهم طوائف هنا وهناك.. وأحب أن من يتكلم في هذه المسألة يكون دارسا لها ولا يعتمد علي كتاب معين لطائفة معينة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010