القديسة أكسانيا

تذكارها فى ( 29 طوبة )
كانت هذه الأم من أسرة شريفة ومشهورة وكان أسمها فى المعمودية ( إيوسبيا ) وهى كلمة يونانية وتعنى ( ورعة أو تقية أو محترمة ) ، كان والديها محبين للمسيح ومن عائلة ثرية .
فعندما وصل سن إيوسبيا السن القانونى للزواج تنقدم للزواج منها شاب ثرى ونظراً لأن والديها لم يكونا يعلمان بما كانت تنوى عليه قبلاه وأعطياه كلمة وبدأ فى الأستعدادات لحفل الزواج . بمجرد ما سمعت هذه المباركة عن سيرة هذا الزواج شعرت أنه موضوع سخيف وسيفقدها بتوليتها فقررت أن تهرب ، فأخبرت أثنين من خادماتها بما تنوى أن تفعله لأنها كانت تثق بهما وبعد أن وعداها بأنهما لن يبوحا بسرها لأحد قالت لهن : " يا أخواتى الأحباء أن أكره هذا العالم الفانى وأحب فقط سيدى وفاديى ومخلصى يسوع المسيح وأريد أن أهرب سراً من والدى حتى لا يزوجانى ولأننى أحبكن أكثر من الخدم الآخرين فقررت أن أخبركن حتى إذا رغبتن أن ترافقانى ، وسوف أعتبركن أخوات وأمهات لى فى هذا العالم وشاهد على المسيح أنه لو تعرضت عشرة آلاف مرة للموت فلن يتغير هدفى فلا تخافا شئ " .
فقررت الخادمتين أن يتبعاها أينما ذهبت ولن ينفصلن عنها وسوف يستمران فى حبهما وخدمتهما حتى الموت ، فأرتبطن الثلاثة الأتقياء بيسوع المسيح ، فأخذت البارة إيوسبيا من والديها مجوهراتها من فضة وذهب وحلى غالية الثمن وملابس فاخرة وأرسلتهما مع خادمتيها إلى الملاجئ لليتامى .
ولما أقترب يوم زفافها أرتدت إيوسبيا وخدامتيها ملابس رجال وخرجن من المنزل فى الليل وصلوا قائلين : " أيها السيد المسيح ربنا أبن الله أنر طريقنا وأرشدنا إلى طريق خلاصنا لأن هذه هى شهوة أرواحنا "
فنصحت القديسة البارة خادمتيها قائلة : " حاولن أن تلاحظن أنفسكن وأن تكن مدققتين ولا تغيرن هدفكن فإنه لا يوجد طريق مقدس أفضل من النسك لأنه أولاً وقد تحررنا من الأشياء العالمية المؤسفة مع كل متطلبات الحياة ، وثانياً نحن نترجى الأشياء الجميلة التى للحياة الأبدية الحقيقية " . وبمثل هذه الكلمات كانت دائماً تساعدهن على طريق خلاصهن وتثبت أنفسهن .
وبترتيب من الله عندما وصلن إلى البحر كانت هناك سفينة ستبحر إلى الإسكندرية فى نفس الساعة فصعدن فيها وبعد بضعة أيام كنا قد وصلن إلى هناك ، وفى الإسكندرية صعدن على مركب آخر ووصلن إلى جزيرة قوس ، وهناك سوف لا يستطيع أحد أن يصل إليهن لأن إيوسبيا كانت واثقة أن والديها سيبحثون عنها فى أماكن كثيرة وفى الأديرة حتى يجدوها ومن أجل هذا السبب بحثت عن مكان صحراوى حتى يستقرون فيه وقالت لخادمتيها : " لابد أن تكونا حذرتين ولا تثقن بأحد ولا تخبرن أى أحد بسرنا ولا تقولن لأى أحد من أين أتينا ولا تنطقن بأسم إيوسبيا بل أدعونى أكسانيا ( الغريبة ) وبهذا سوف لا تكذبن فأننى أطلقت على نفسى هذا الأسم لأننى تغربت عن أرضى وعن والدى الأحباء وأصبحت غريبة وفقيرة لأجل الله الذى كان أيضاً غريباً " .
وعندما وصلن إلى الجزيرة وجدنا منزلاً فاستأجرنه وعشن فيه ، ولكن القديسة إكسانيا كانت تريد أن تجد أباً روحياً ومرشداً فى حياتها حتى لا تسير برغبتها الشخصية ، فركعت طالبة أمام الله قائلة : " أيها السيد الرب ضابط الكل لا تتركنا لأن تركنا وطننا وكل أقاربنا لأجل حبك فأرسل لنا مرشداً مخلصاً كما أرسلت القديس بولس لتكلا حتى نتبعه بإتضاع أمامك ويرعانا حتى نسلك أمامك بغير لوم " .
فسمع الله سؤالها ورأت من بعيد شيخاً راهباً قديساً ، فلما رأته تهللت وأسرعت إليه وسقطت أمام قدميه قائلة بدموع :
" لأجل محبة المسيح لا تذدرى بنا لأننا غرباء أيها السيد المبارك بل علمنا وأرشدنا لطريق خلاصنا " ، فسألهن الشيخ الوقور من أين أتين وكيف وصلن إلى هذه الجزيرة ؟ فجاوبنه بما وجدن أنه صواب ، فأجاب وكل لهن : " أنا أيضاً غريب فى هذا المكان وأنا قادم من أورشليم حيث ذهبت للصلاة هناك والآن أنا عائد إلى وطنى ". وكان مظهر هذا الشيخ الوقور يدل على أنه أسقف فطلبت منه القديسة إكسانيا أن يفصح عن وطنه ورتبته فأجابها قائلاً : " أنا من ميلاسا من مدينة كاريا وأسمى بول وأنا رئيس لدير صغير ، فتعجبت القديسة إكسانيا عندما سمعت هذا الكلام لأن الله الصالح سمع لها وأرسل هذا الرجل بناء على طلبها ، فقدمت التشكرات لله بدموع وطلبت من الأب بولس أن يصير لها أباً روحياً ويضعهم تحت مسئوليته ويرعاهم .
فأجاب هذا الرجل البار قائلاً : " فى مثل هذا المكان النائى لا يمكننى أن أدبر أمركم لأننى لابد أن أعود سريعاً إلى ديرى ولكن لو أردتم أن تأتوا معى إلى البلدة التى أقيم فيها يمكننى أن ألبى لكم أحتياجاتكم " .
فاستفبان هؤلاء الأمهات التقيات هذه الكلمات بفرح وذهبن معه إلى ميلاسا ( كانت مذينه محصنه فى أسيا الصغرى ) .
فأعطاهن الاب بولس قلايات بالقرب من ديره ليمارسن فيه حياتهم النسكيه . فبنت هنال القديسه اكسانيا كنيسه على اسم القديس اسطفانوس أول الشهداء ، وفى هذا الأثناء تكون دير للعذارى حيث تجمع هناك أخريات كثيرات ليسكن معاً بنفس السلوك ومحبه المسيح . ولم تكن أحدهن تعلم من أين أتت هذه الباره وما هو أسمها الحقيقى لأن القديس بولس كان قد أخبرهم أنه أحضرهم من جزيره قوس وفى هذا لم يكذب .
وحدث أن تنيح القديس كيرلص أسقف مدينة ميلاسا وأختاروا الأب بولس ليخلفه ، فأختار القديسة إكسانيا أن تكون شماسة ولكن لأتضاعها رفضت أن تتحمل مسئولية رسامتها ولكنه رسمها رغماً عن إرادتها .
لن يسع الوقت حتى نسرد كل أعمالها ومشقاتها التى تحملتها بعد توليها لهذا المنصب وبالرغم من أنها كانت معتادة أن تعيش حياتها متنعمة وتأكل طعاماً شهياً أصبحت الآن متخلية عن الماديات وتعيش حياة ملائكية ، فقد تحملت حياة صعبة فكانت الشياطين ترتجف منها من بعيد ولا تجرؤا أن تقترب منها حيث أنها كانت تجاهد فى الأصوام فكانت تأكل مرة كل ثلاثة أيام فى الأيام العادية أما أيام الجهاد فكانت تأكل مرة كل أسبوع خبزة يابسة ولم تأكل اى شئ مطبوخ ، ولكنها كانت تضع كمية صغيرة من الخبز اليابس فى الماء وتضيف إليها قليل من رماد الوقود كما قال داود النبى " أنى قد أكلت الرماد مثل الخبز ومزجت شرابى بدموع " ( مز 9:102 ) .
كانت الأم إكسانيا تفعل كل هذا فى الخفاء بعيداً عن أعين الآخرين بقدر الإمكان حتى لا تنال مديحاً من أحد ولكن خادمتيها كانتا يلاحظنها وكن يحاولن أن يقلدنها على قدر طاقتهن وكن يتعجبن منها لأنه على الرغم من صومها لم تكن تهمل أى عمل من أعمالها ولكن على العكس كانت تجاهد طوال الليل بالصلوات والتضرعات وكن يرونها وهى راكعة على ركبتيها طوال الليل تصلى من وقت غروب الشمس حتى وقت بداية الخدمة فى الدير فى صلاة باكر ، فكانت تقضى الليل وهى تصلى وتبكى كانت القديسة إكسانيا وديعة جداً ولا تغضب بل على العكس كانت تحب الجميع وتخدمهم بأتضاع وكانت ترتدى ملابس بالية كملابس الشحاتين ، هذه الأم الفاضلة قد وصلت إلى كل الفضائل وبعد ما جاهدت الجهاد الحسن جاء وقت تركها لهذا العالم وذهابها للذى تحبه .
كان فى هذا الوقت عيد القديس افرايم الغير سريانى الذى جاهد فى ميلاسا فدعى الأب الأسقف بولس الشعب إلى كنيسة القديس أفرايم التى توجد بها رفاته . أما القديسة إكسانيا فقد جمعت الأمهات وقالت لهن : " أشكركن يا أخواتى على كل هذا الحب والمشاعر التى غمرتمونى بها كغريبة إذ قد عملتمونى بأخلاص كأخت حقيقية لكن .. فالآن ألتمس وأتضرع أليكن بحرارة أن تظهروا لى محبتكن أكثر بان لا تنسونى بل تتضرعن لله بحرارة عندما تصلون لأجل روحى حتى يغفر لخادمتكن غير المستحقة وبصلواتكم المقدسة أتعشم أن أحيا بعد الموت وتكون لى الحياة الأبدية . فإن اليوم هو نهاية غربتى فى هذه الحياة ويتملكنى خوف وحزن داخل قلبى لا ينطق به من أجل خطاياى ، فساعدونى بصلواتكن حتى لا تتعطل روحى فى الصعود إلى الرب وأنا حزينة جداً لعدم وجود ابى الروحى بولس بجانبى فى وقت محنتى ، ولكن عندما يعود قولوا له لا تنسى الغريبة إكسانيا التى كنت تهتم بها وترعاها إلى طريق خلاصها الذى لربنا ومخلصنا يسوع المسح " .
وعندما قالت هذه الكلمات بكين جميعاً وناحوا لأنهم سيصبحون يتامى بدون هذه الأم الحبيبة ، أما خادميتها فلم يستطعن التوقف عن النوح والبكاء حتى جعلنا القديسة إكسانيا تبكى من فرط مشاعرها الرقيقة فحاولت أن تريحهن فقالت لهن :
" كفى نحيب الآن يا أخوتى وتشبهن بالعذارى الحكيمات واستيقظن واملأن مصابيحكن بالزيت لأن يوم الرب قريب آت
كلص " .
ورفعت عينيها ويديها إلى السماء قائلة : " يا إلهى الذى أرشدنى أنا الغريبة حتى الآن بحبك الفائق للبشر وكنت لى الأب والأم والمرشد والمعزى كن معى الآن وأجعلنى أن أكون مستحقة أن أدخل إلى ملكوت السموات ، أذكر أيضاً يا سيدى كل أخواتى وأحفظهم من حيل الشرير الماكر لأنك إله صالح ، وأذكر أيضاً رفيقاتى الأثنتين اللتان شاركتانى فى هذا الحياة المؤقتة وكن معى فى حروبى ومشقاتى ولم ينفصلن عنى ، أجعلنا أيضاً مستحقات أن نكون سوياً فى ملكوت السموات ولا تفرقنا إلى
الأبد " .
وبعد ما صلت القديسة إكسانيا طلبت السماح والغفران من كل أحد وذهبت إلى الكنيسة وأغلقت الباب عليها وركعت وصلت وكانت رفيقتيها الأثنتين يراقبونها من فتحة الباب فرأوا أشياء غريبة فى إكسانيا ، فجأة ظهر ضوء من السماء حولها وتصاعد بخور جميل ومبهج بعطر الفردوس ففتحوا الباب فوجدوا القديسة إكسانيا قد إستراحت بهدوء وبطريقة مقدسة ، فإجتمعن حولها وأستمروا يبكون .
ولكن الله الذى يمجد الذين يمجدونه مجد أنتقال القديسة إكسانيا ، فكانت الساعة السادسة من النهار وكانت السماء صافية بدون سحاب فظهر فى وسط السماء أكليل من النجوم المضيئة وفى وسطه صليب أيضاً من النجوم المضيئة فتعجبوا جميعاً عندما رأوا هذه المعجزة . وكان الأسقف بولس فى قرية بعيدة مع الشعب يحتفلون بعيد القديس أفرايم ولكنهم رأوا هذه العلامة فى السماء ولأن ذهنه كان مستنيراً بنعمة الروح القدس قال فى الحال : " قد أنتقلت القديسة أكسانيا الآن لذلك ظهرت هذه العلامة فى السماء " ، فأسرعوا جميعاً إلى دير القديسة بدون أن يأكلوا شيئاً ولم يذهبوا إلى مائدة العيد . فأجتمع حشود كبيرة من النساء والرجال ومجدوا الله بصوت عالى وكل سيدات المدينة اللاتى صرخن للأسقف : " لا تخفى هذه اللؤلؤة ولا تدفن هذا الكنز ولا تغطى فخر ومجد هذه المدينة ولكن أجعلنا جميعاً نحمل المصباح المنير ليرى الجميع فيخجل كل من اليهود والوثنيين ويأتوا ويعرفوا قوة المصلوب " .
فأقترب الأسقف من القديسة وسجد أمامها وهى محاطة بالبخور المعبق والنور السمائى وحملوها إلى منتصف المدينة وكان إكليل النجوم العجيب يتبعهم أينما ساروا وعندما كانوا يتوقفون فى كل كنيسة ليقرأوا التسابيح عليها والأبتهالات كان الإكليل يقف أيضاً . ولأجل هذه الأعجوبة تجمع الناس بكمية كبيرة جداً من القرى المجاورة وأمضوا طوال الليل ساهرين يرتلون وكان مرضى كثيرين قد شفوا من أمراضهم بمجرد أن يقتربوا من جسدها .
وعندما وصلوا إلى مكان يقال له ( سيكينيوس ) جنوب المدينة دفنوها هناك كما أمرت أكسانيا ، وبعد ذلك أختفت دائرة النجوم من السماء فى نفس اللحظة التى دفنوا فيها الجسد المقدس فعلم الجميع أن كل ما حدث هذا لأنها كانت إنسانة قديسة .
ولم يمر وقت قصير حتى تنيحت الخادمتين اللتين رافقتاها ودفنتا بجانبها كما طلبت هى ، والتى أستراحت أولاً لم تقول شيئاً عن سيدتها ولكن الأخرى أوضحت كل شئ لأن الأمهات قد ترجونها بشدة وأعطاها الأسقف الحل كى تقول فيتمجد الله فأخبرت بكل قصة أكسانيا بالتفصيل ، فتعجبوا عند سماعهم قصتها وزادوا فى تبجيلها .
شفاعتها تكون معنا ولربنا المجد . آمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010