إسهــــــــــروا
للقديس يوحنا
أسقف سان فرانسيسكو للروس الأرثوذكس+ أثبت في السهر الروحي لأنك لا تعلم متى يدعوك الرب إليه. في حياتك الأرضية، كن مستعداً في أي لحظة لكي تعطيه حساباً. إحذر أن لا يصطادك العدو في شباكه، وأن لا يخدعك ويجعلك تسقط في التجربة. أفحص ضميرك يومياً، وأمتحن نقاوة أفكارك ونياتك.
كان هناك ملك عنده ابن شرير. وإذ لم يكن للملك أي أمل فيه حتى يتغير للأفضل، حكم الأب على الابن بالموت. أعطاه شهر للإستعداد. الشهر مرَّ سريعاً، فإستدعى الأب الابن. أندهش الأب عندما رأى ابنه الشاب متغير بشكل ملحوظ، كان وجهه شاحب ومخطوف، بل وجسمه بالكامل يظهر عليه المعاناة.
سأله الأب: "كيف يظهر عليك مثل هذا التحول يا ابني؟"
أجابه الابن: "أبي وسيدي، كيف لا أتغير وكل يوم يمر علي يجعلني أقرب إلى الموت؟"
قال الملك: "جيد يا بني، بما أنك من الواضح قد عدت إلى صوابك، سوف أعفو عنك. لكن يجب عليك أن تبقي على هذا الطبع المتيقظ كل أيام حياتك".
أجابه الابن: "يا أبي هذا مستحيل. كيف يمكنني أن أقاوم الإغراءات والتجارب التي لا تحصى؟"
ثم أمر الملك بإحضار وعاء مملوء بالزيت، وقال لابنه: "خذ هذا الوعاء وأحمله وسر في كل شوارع المدينة. سوف يتبعك جنديان بسيوف حادة. إذا سكبت من الوعاء ولو قطرة واحدة، سوف يقطعون رأسك".
الابن أطاع. وبخطوات حذرة مشى في كل الشوارع، والجنود يرافقانه، ونجح في أن لا يسكب أي قطرة.
عندما رجع إلى القلعة، سأله الأب: "يا بني، ماذا رأيت أثناء سيرك خلال المدينة؟"
أجابه: "لا شيء"
قال الملك: "ماذا تعني بلا شيء، اليوم عطلة لا بدَّ أنك رأيت المحلات بكافة المعروضات، العديد من العربات، الحيوانات، الناس ..."
أجاب الابن: "أنا لم ألاحظ أي شيء. كل إنتباهي كان مركزاً على الزيت الذي في الوعاء. كنت خائفاً لئلا أسكب أي قطرة فأفقد حياتي".
قال الملك: "هذا صحيح يا بني. أبقي هذا الدرس في عقلك طول أيام حياتك. كن يقظاً على روحك كما كنت اليوم يقظاً على الزيت الذي في الوعاء. حوِّل أفكارك بعيداً عن الأشياء العابرة سريعاً، وإجعل تركيزها في ما هو أبدي. لن يتبعك جنود مسلحين بل سوف يتبعك الموت، الذي نقترب منه أكثر فأكثر كل يوم. كن حذراً جداً في حراسة روحك من كل التجارب المدمرة".
طاع الابن أبوه وعاش سعيداً.
"إسهروا . اثبتوا في الإيمان. كونوا رجالاً. تقوَّوا " (1 كو 13:16).
يعطي الرسول هذه النصيحة المهمة للمسيحيين، لكي يوجه إنتباههم للخطر الذي في العالم، فيطلب منهم فحص قلوبهم بإستمرار، لأنه بدون ذلك من السهل على الشخص أن يجلب الدمار لنقاوة وتوهج إيمانه، وبدون أن يدري يعبر إلى جانب الشر والجحود.
وكما أنه من الإهتمامات الأساسية أن يراعي الإنسان صحته الجسدية ويتجنب أي شيء يضر بها، كذلك يجب أيضاً على إهتمامنا الروحي أن يسهر وينتبه لأي شيء يمكنه أن يضر حياتنا الروحية وعمل الإيمان والخلاص. لذلك إمتحن بعناية ويقظة دوافعك الداخلية: هل هي من الله أم من روح الشر؟ إحذر من الإغراءات التي في هذا العالم، ومن الأصدقاء الدنيويين. إحذر من التجارب الداخلية المخفية التي تأتي من روح اللامبالاة والإهمال في الصلاة، ومن تناقص المحبة المسيحية.
إذا إنتبهنا إلى عقلنا، سوف نلاحظ سيل من الأفكار المتعاقبة. هذا السيل مستمر. أنه يتسابق في كل مكان وفي جميع الأوقات: في البيت، في الكنيسة، في العمل، عندما نقرأ، عندما نتحدث. وكما يكتب القديس ثيؤفان الناسك، أنه عادة يدعى "تفكير"، لكنه في الحقيقة إضطراب عقل، تبعثر، فقدان التركيز والإنتباه. نفس الشيء يحدث للقلب. هل سبق وراقبت حياة القلب؟ حاول ذلك ولو لفترة قصيرة وإتنتبه لما تجد: شيء غير سار يحدث فتصير غاضباً، بعض سوء الحظ يحدث فتشفق على نفسك، ترى شخص ما تكرهه فتدفق العداوة داخلك، تقابل شخص ما نظيراً لك لكنه إجتازك بعض الشيء في السلم الإجتماعي فتبدأ تحسده. تفكر في مواهبك وقدراتك فتبدأ بالشعور بالفخر والتكبر ... كل هذا نتانة: مجد باطل، شهوة جسدية، شراهة، كسل، حقد الواحد على الآخر .. إنها تُحطم القلب. وكل هذا يمكنه العبور خلال القلب في ظرف دقائق. لهذا السبب، قال أحد النساك - وهو محقاً في ذلك - "قلب الإنسان مملوء بالثعابين السامة. فقط قلوب القديسين هي الخالية من هذه الثعابين أو الأهواء".
لكن مثل هذه الحرية تُحقق فقط بواسطة عملية طويلة وصعبة من المعرفة الذاتية، من خلال العمل الدؤوب على النفس، والسهر واليقظة تجاه حياة الإنسان الداخلية أي النفس.
كن حذراً. إسهر على نفسك! حوِّل أفكارك بعيداً عن تلك الأشياء التي سوف تعبر قريباً، وإهتم بما هو أبدي. حينئذ سوف تجد السعادة التي تطلبها نفسك والتي يتعطش إليها قلبك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.