التناول من الأسرار المقدسة - القديس يعقوب السروجى




التناول من الأسرار المقدسة
القديس يعقوب السروجي
تعالوا أيها الحكماء الأتقياء ننعم اليوم بمائدة طعومها حلوة المذاق أشهى من العسل. تعالوا تلذذوا بمائدة مليئة بطعوم الحياة تُمنح لمن يستحقها. لا تخمة فيها ولا يجوع من يتناولها. هلّموا أيها الأحباء اتكئوا في المجالس الروحية، فقد دعتكم المحبة إلى مائدتها الإلهية. إن المحبة الكلمة (كلمة الله) دعاكم اليوم إلى مائدته. فمن كان جائعاً بالروح فعليه أن لا يتوانى عن الحضور. إن عروس الملك أقامت حفلاً لخاصتها لأنها تريد أن تفرح معهم الفرحة الكبرى. انها لمحبتها الفائقة فتحت الأبواب العالية أمام الداخلين، ليجلسوا معها على مائدة الختن الملك. دعوتها شملت جميع الأمم والشعوب، في كل الدروب في الأسواق والزوايا. وقفت تدعو الجميع على السواء للحفل والعشاء. انها تقطّع جسد الختن وتضعه على المائدة ليأكل منه المستحقون من رعاياها، أنه طعام لا ينتهي. 
لَمست جنبه وتحسّسته ووصلت إلى النبع الأزلي. أخذت تنهل منه ماء الحياة في كل يوم هي ومدعوّوها، فالينبوع الوحيد الذي فتح بالحربة فوق الجلجلة فاضت مياهه وطافت، وارتوى منها سكان الأرض جميعاً. الينبوع دُقَّ بالمسامير وحُفر بالرمح فوق الجلجلة، فاضت مياهه وطافت، وارتوى منها سكان الأرض جميعاً. الينبوع دُقّ بالمسامير وحُفر بالآلام وفُتح بالرمح، ومنه تدفق نهر الحياة. ماؤه من الأعالي نزل ليسيل على الأرض، موطن الأموات ليمنحهم الحياة. إن البئر التي حفرها موسى لشعب اسرائيل في البرية تدفقت مياهها من الأعماق إلى الأعالي إلى الأرض، وعندئذ هتف لها رؤساء الشعوب، لأنها من باطن الأرض ارتفعت إلى فوقها بدعواتهم، أما ينبوع الجلجلة فأصله في الأعالي. أُعدَّ ليسيل على الأرض، ولهذا فطغمات الروحيين كانوا يسبحون قائلين: تنازلي أيتها البئر السماوية وأروي بمياهك سكان الأرض. فُجّرت فوق الجلجلة، فسالت من رأس المرتفع إلى الأرض. فجَّرت نفسها لتسقي الأموات في الأعماق، فلولاها لظلّ الأموات في ظمأ إلى الأبد. من رأس مرتفع الصليب تفجّر الينبوع، ليرتوي بمائه جميع الظمأى والمحرومين. ينبوع الحياة تفجّر من أعلى الأعالي، وملأ أعماق الهاوية، ليمنح الحياة، الحياة الجديدة الأبدية. لأن مياهه المقدسة ممزوجة بالدم. أنه مزيج من شراب إلهي يقضي على الموت والعبودية. فالأرقّاء والعطاش الذين سقطوا في أرض لا ماء فيها، وشربوا منه تحرّروا، وزالت عنهم آلامهم وأوجاعهم. 
إن الكنيسة في هذا العالم هي ميناء الأمان وملجأ الضائعين. فمن كان متعباً تائهاً ولجأ إليها وجد المأوى واستراح. إن أبوابها مفتوحة على الدوام. عيناها حانيتان وقلبها عطوف. مائدتها دوماً عامرة، وخمرها معتقة تُعطى للمستحقين. فادخلوها أيها المتعبون. أيها المتمسكون بالمادة انزعوا عنكم تيه العالم الشرير، واستريحوا في مخادع الحنان والخير. وأنتَ أيها العامل المكدود، أيها الراكض وراء المال، لماذا هذا العناء سعياً لشيء قد لا تدركه. وأنت أيها الغني مَن سيترك ماله بعد حين فلا يفيده، اقتن ما يفيدك، عُد إلى الله ولا يفتننُك غناك. وأنت يا جامع الذهب الويل لك منه، أنه سيقضي عليك. أيها الطامعون في جمع المال اصغوا إليَّ وألقوا عن كواهلكم هذا الحمل الثقيل أنه لن يفيدكم. إن ما تتهافتون على جمعه سوف لا تنالون منه سوى الضرر فمحبتكم له وبال عليكم. أيها الذين تسلكون شتى الطرق للحصول عليه، وتستنبطون مختلف الأساليب لتكديسه، أنه شرُّ مستطير فابعدوا عنه تخلصوا من عبوديته. أنه قيد لنفوسكم وحبل تختنقون به. فمن تمسّك به عانى الآلام وحصد الشرور، فيا أيها الراكضون وراء العالم المادي وقد أُنهكتم تعباً تعالوا إلى قصر النور حيث الراحة والنعيم، ففيه السعادة الهانئة، فيه الأخيار المخلصون، فيه الغنى الحقيقي، والعيش الخالي من الهموم. لا تغمضوا أعينكم وتتجاوزونه إن أصوات المصلين تدعوكم إليه فلا تصُّموا آذانكم. 
إن المريض لا يذهب إلى عيادة الطبيب إلا إذا كانت جراحه تؤلمه، فالجراح تدفعه إليها دفعاً، فإذا كانت نفسك مجروحة أيها الإنسان بادر مسرعاً واعرض نفسك على طبيبك الروحي، الذي يعالجك ويحلّك من خطاياك، ويمنحك السعادة بدون أجرة يعالجك. يشفي جرحك ويخفّف آلامك. اذهب إليه وانظر كيف تعالج جروح الآثام، وكيف تُشفى ندوب الخطيئة. هلمَّ واشرب ماء الحياة من جداول الطهارة، الجداول المتدفقة من ينابيع النبوَّة. تأمل الأغنام الناطقة الرابضة في المروج الخصبة، فقد أصبح ابن الله راعياً لها. اشرب وارتو من ماء الحياة الجاري من ينبوع فَتَحه الرمح فوق الجلجلة. إن المروج الخصبة هي الكتب المقدسة فاشبع منها أيها المؤمن وتنعم وعش بسلام وطمأنينة. 
هلمَّ إلى الصلاة أيها الأخ، وليكن عقلك معك، لا تدعه في السوق يفكّر بالأعمال. إذا أتيت للصلاة فليكن عقلك معك وتفكيرك معك. لتكن أنت بجميع حواسك الإنسانية داخل الكنيسة المظفّرة. فإن شتَّ تفكيرك وأخذ يتوه في الأمور الدنيوية، فأنت لست هنا بل معه هناك. أنه ينغمس في الحسابات والفوائد، يبحث في الأسواق، بينما أنت قد جئت إلى الكنيسة طلباً للكسب الروحي والمغفرة. لا تقف فيها بالجسد فقط وتترك عقلك خارجاً. إن هذا الانقسام يذهب بصلاتك، يلغيها. بل قف بكل كيانك بورع وتقوى وانتباه، فتنال من الله كل ما تطلبه منه. إذا كنت قد أتيت تطلب الرحمة، فلِمَ تخرج قبل أن تنالها؟ في عيادة الطبيب تلحُّ على الشفاء من مرضك، فلماذا لا تفعل ذلك في حضرة طبيب النفوس؟ لِمَ لا تلحُّ وتلحّ. أكثِر من الطلب والالتماس. اذرف دموع التوبة والرجاء. فإن لم يستجب لطلباتك فوراً، فقد يستجيب إليك لالحاحك. كن ملحاحاً ولا تتوقف عن الطلب. لماذا جئت؟ كرّر التماسك. ثابر على الصلاة فهو غفور رحيم. وسوف تنال عفوه ورحمته، فهو يمنحها لمن يطلبهما. 
أيها المؤمن التائب، أطلب من واهب الخيرات، فهو كريم مجيب الدعوات، لا تتقاعس. لا تفكر بحضرته بشؤؤنك الدنيوية فهذه لها أوقاتها، ولأمورك الروحية أوقاتها. فكما ينصرف كل اهتمامك في الأسواق بشؤون الأعمال، كذلك يجب أن ينصبّ تفكيرك هنا بالأمور الروحية. لا تعد أوقات الصلاة هدراً للوقت بل أوقاتاً ثمينة. انها تقربك من مَن خلقك. لا تقف بحضرته ذاهلاً بارداً صامتاً بل صليّ وابتهل. فأنت في عالم الفناء والموت، وهناك عالم الحياة والخلود. أنت في الشؤون الدنيوية يقظ وماهر، فلا تكن في الشؤون الروحية غافلاً وكسولاً. إن الكنيسة بيت الله ومقر الملائكة فلا ينام بها أبناء النهار. فاستيقظ ولا تغفل عوِّد نفسك على الصلاة. انك ستنال بواسطتها ما تطلب. لقد فتحت لك أبوابها فادخل تجد الكثير من الفوائد. فيها الرحمة والغفران. ادخل وأطل البقاء فيها فلن يذهب وقتك سدى.
استمع إلى الترانيم الشجية واصغ إلى قيثارة داود وكلمات النبوّة. انصت إلى تراتيل العذارى العفيفات والألحان السماوية، إلى التسابيح والابتهالات، فحكمة العلي منحت القداسة للكنائس بيوت الله، حيث تتلى أقوال الأنبياء ذهباً مصفىَّ. تسكب في أفواه المؤمنين اكسير الحياة، فكلمات الرسل كجداول الأنهار تروي حدائق النفوس. انها جداول العلي جداول الملك. ألق نظرة على المنبر الألهي فهو مملوء بأثمن الجواهر. جواهر العهدين القديم والجديد. ففي هذين العهدين ينابيع الحياة الأبدية. استمع لما فيهما تجد انهما يُظهران لك الحق ويصفان لك الحقيقة. جاء في العهد القديم ان أربعة أنهار ستجرى من ينبوع عدن المبارك، وفي العهد الجديد تتحقق هذه النبوة بخروج الرسل الأربعة إلى أقاصي الأرض، وجهاتها الأربع، مبشرين بكلمة الله.
إن شجرة الحياة تحمل ثمارها وهي معدّة لمن يشتهيها، فهلموا أيها الذين لسعتهم حية الخطيئة التي أغوت آدم، والتجأوا إليها، كلوا من ثمارها، فهي تشفيكم. عوّدوا أنفسكم على العبادة المليئة بالنِعَم. فتُمنحوا ثمار الابتهال والتسبيح لرب جنة عدن. تُمنحوا الحياة الأبدية والخيرات الأرضية، ثمرات العبادة في بيوت الله. فيا محبي الخلاص والسلام لا تُعرضوا عنها.
إن نفس الإنسان تتأثر بما ترى وتسمع، فعويل النائحات يحرك في نفسك شعور الحزن، ويستدرّ من عينيك الدموعن وصوت المزمار وحفلات الرقص تفيض في نفسك البهجة والحبور فتضحك. إن أخبار السوء تخلّف الأحزان والخوف. والأخبار السارة تفرّج الأسارير. فالنفس تتأثر وتميل بفاعلية ما يحيط بها. إن سماع الصلاة والابتهالات في بيوت الله يجذب النفس روحياً ويدنيها من محبة الله. فتحتقر العالم الشرير وتبتعد عن غواياته. تندمج في التأملات الإلهية وتشترك بالمناجاة الروحية. تبتعد عن عالم المادة ومغرياته وتقترب من عالم القداسة ونورنياته. تدفع عنها الأفكار الجسدية وتُعرض عن الأهواء الدنيوية، الداعية إلى الشرور والانحلال. وكلما استمرت النفس على هذه الحال زاد تمسكها بالفضيلة والإيمان، وتعلقت بفضائل التقوى والصلاح. فمن هنا يجب أن نطيل البقاء في بيوت الله.
ندخل إليها ونصلي، فالكنيسة هي الملجأ هي المعلم والمرشد. هي مشفى الأرواح تضمد جروح من يدخلها. تستنير النفس بتعاليمها فتتجه إلى التوبة. وبهذا تنتصر على ظلام الموت عندما يهاجمها. 
أيها الفتيان، يا من انغمستم بالشهوات وتدنسّت نفوسكم، تعالوا إلى الكنيسة إلى بيت الأنوار. اغسلوا نفوسكم بتعاليمها المقدسة. لا تسرعوا بالخروج منها. بل انتظروا العشاء الذي أعدته هذه العروس لكم وللعالم أجمع. لا تغادروها عند تقديس القربان كالغرباء. فأنتم من أهل البيت، لقد تعمدتم، والعماد جعلكم من أبنائها، فلماذا تخرجون مع الغرباء. إن الكاهن يطرد غير المعمدين، فلمَ تعتبرون أنفسكم من هؤلاء؟ إن المعمودية هي شعار الملك وأنتم من رعاياه. خُتمتم بالمعمودية ومُسحتم بالزيت. ورُسمت على وجوهكم شارة الصليب. فأنتم أخوة للمسيح وأبناء لأبيه السماوي. فعندما تصلون تقولون: يا أبانا. ولأنكم مؤمنون يحق لكم أن تدعوا الله بقولكم يا أبانا. فلا تغادروا بيت أبيكم كالغرباء، مع مَن هم غير معمّدين. لا ينصرف غير الكذبة والمنافقين من بين الصادقين، مَن لم يولد ثانية بالعماد، لئلا يضطر أن يدعو مع الداعين ويقول: يا أبانا، وهو بذلك يتعمّد الكذب. فيُفسدُ التراتيل التي ينشدها الجمع الطاهر المؤمن المعتمد، لذلك يُطرد، فهو مولود ولادة واحدة، أما أنتم فيليق بكم أن تصلوا قائلين "يا أبانا"، فأمكثوا وصلوا. 
إن العريس ينزل من عليائه ليرى المخطوبة له، فامكثي أيتها النفس داخل الخدر ليراك الختن. لا تخرجي قبل أن يراكِ، فهو يحمل لكِ النعيم والسعادة. هوذا الكاهن يدعوه فامكثي عنده، فقد يغضب عندما لا يراكِ. إن المؤمنين جميعاً مع الكاهن يتضرعون إلى الآب كي يرسل ابنه ويحلّ في القربان، وليحوّل الروح القدس بقوته الخبز والخمر إلى جسد ودم. وكل من في البيت يصلي ويتضرع قائلاً: "يا أبانا". 
أنهم كلهم يتقدسون ويصبحون أبناء جدداً، فالروح القدس يحلَّ فيهم. فيصبحون معه واحداً بالأسرار، كما هو مكتوب، فمن كان غائباً يخسر. يطلبونه ليصلي "أبانا" فلا يجدونه. انه حرم نفسه من النعمة، ولم يحرمه أحد. انه تائه في أسواق الدنيا في الأعمال التي لا تجدي. فلا تخرجوا أيها المؤمنون من البيت عند تقديم الأسرار، بل ظلّوا فيه. إن عدوكم اللدود ساهر يسعى لايذائكم. أنه يحاول منعكم من جني ثمار إيمانكم، وخاصة في تلك اللحظة. حيث بإبعادكم عن البيت يسبب لكم الضياع، بوسائله الدنيوية المختلفة. يفرزكم عن الجمع الهاتف: قدوس .. قدوس.
إن الشيطان يضيق ذرعاً بأصوات المصلين وأنوار القداسة، ويتمنى لو بامكانه أن يلقي بالعالم كله خارجاً. فلا يبقى أحد في بيت الأقداس يصلي ويقول: "يا أبانا". فيُحرموا جميعاً من التوبة ونعمة الغفران، لأنه يدرك أن بيت الأقداس مملوء بهما، ويعلم أيضاً أن العروس عندما تقول: "اغفر لي خطاياي"، فالعريس الملك المفعم بالحنان والرأفة سوف يغفر لها. لهذا فهو يحاول جاهداً أن يبقى البيت خالياً فلا ينال أحد مغفرة ولا يُمنح نعمة. فقد يتوب الخاطئ ويتبرر، فالله يمنح موهبة الغفران للجميع. إن رحمته كالشمس والمطر تشمل الأشرار والأبرار. وعندما يتضرع المؤمنون طالبين الرحمة من الآب يهبها للجميع. ويستفيد منها الخطاة الموجودون، ولهذا الأسباب يجتهد ابليس أن يبعد الناس في وقت الأسرار عن طلب النعمة، سواء بتشتيت أفكارهم أو بتحويل العقل إلى الإهتمام بالمشاكل الدنيوية إلى أمور تافهة. يحاول هذا الشرير بشتى الأساليب بالطرق الملتوية الخبيثة، أن يظل الناس في غوايتهم فلا يستفيدوا من النِعَم، ويجردهم من الطهارة والقداسة.
ورب قائل يقول: لأذهب وأعمل، وحين يحلُّ وقت التقديس، وتفتح الأبواب، ادخل وأتناول. إن هذا التفكير أيها الأخ المؤمن هو الخطأ بعينه. دع لنفسك مجالاً لتضمّد جرحها. دعها تنتظر الطبيب في عيادته لئلا تنزف. اتركها تلتمس منه أن يرأف بها فيعالجها. لقد فتح الطبيب أبواب عيادته لاستقبال المرضى والمصابين، فدعها تدخل تنتظره وترجو منه أن يشفيها، فهو يعالج بالمجّان. إن عيادته مفتوحة على الدوام لمعالجة مَن يطلب الشفاء، فلا تتردد، لا تتأخر عن الدخول. 
أيها الإنسان، أوفِ الدين الذي يثقل كاهلك. مزِّق الصك الذي يقيّدك. إن ابن الله يُذبح ويُعد على مائدة الخلاص، من أجل الخطاة للتوبة والمغفرة. لقد فتحت أبواب الهياكل لتدخل الذبيحة، وتعطي المغفرة والرحمة للخطأة التائبين، فلا تخرج حين دخولها أو قبل دخولها. لئلا تفوتك مائدة الخلاص فتخسر الرحمة. تخسر المغفرة من الفادي الذي فداك. 
ويل للنعجة التي تقع بين أنياب الذئاب. ويل للنعاج الضالة. تعالي إلى حظيرة الأمان أيتها النعاج الطيبة القلب، الحزينة الهادئة. امسحي شفاهك بدم الراعي. هناك خارج الحظيرة يكمن الذئب، ينتظر خروجك ليفترسكِ. إحذري لا تخرجي، اسخري منه. 
أيتها النفس، لقد نزل العريس وأعطاكِ جسده وختمكِ بدمه، فلا تخرجي من خدره. إن طريق العالم مملوءة بالمغريات والأشواك والعثرات، فالأبالسة ينصبون شباكهم عند الحصون وعلى مداخل ومفترق الطرق، وهم يتصيّدون الأنفس الضعيفة باغرائها، للإجهاز عليها. فهم متعطشون لسلبها النِعم المخزونة فيها. فخاخهم متنوعة وأساليبهم متعددة. إنهم متشوّقون إلى تشويه جمالها. فحاذري أيتها النفس. لك حصن وعَندك سلاح، ولكِ مخلّص يحميك ويحفظك من كل مزالق وحيل العدو. يدلك على طريق السلامة والأمان فاسلكيها. انه يوصلك إلى أبيه السماوي. باسم الابن يقبلك الآب. فبدم الابن مُسِحَ الذين سيقبلهم الآب.
أيتها النفس، عندما يوضع جسد ابن الله على المائدة، ادخلي وقدّمي طلباتك بتقوى وإلحاح، اظهري جراحك، عدّدي ما يؤلمكِ ويوجعكِ. اذرفي الدموع التمسي الرحمة. وعندما يقوم الكاهن بتقديم الذبيحة الإلهية اركعي وصلي بخشوع وبصوت عال قولي للآب:
هوذا ابنك ذبيحة أمامك مات من أجلي، لأتخلّص من دنس الخطيئة ، هوذا قربانك اقبله مني فهو منك ، ارضِ به واقبلني
سفك دمه الطاهر الثمين فوق الجلجة من أجلي ، فأقبل توبتي من أجله ، مهما كانت خطاياي كثيرة فان مراحمك أكثر وأوسع
تحمّل ابنك الصلب ، دُقت يداه ورجلاه بالمسامير وطُعن جنبه بالحربة ، لأنني أخطأت ، فهل من فدية أعظم وأجلَّ من هذه الفدية؟
إن ابليس يلاحقني ليرميني بسهامه فاحمني منه ، جَرَحني بالآثام فضَمِد جراحي يا ملكي ومخلصي
انني ضعيف ضئيل فقوني برحمتك ، واجعلني قادراً على المقاومة
هكذا يجب أن تفعل أيها الخاطئ. وبهذا الشعور يجب أن تقف أمام الأسرار الإلهية. فهي تُقدَم من أجلك. لا تخرج قبل تقديمها، فالكاهن يقدمها من أجل التائبين. فإذا كنت تائباً فلمَ تخرج؟ إن الكاهن يطلب لك الرحمة والغفران، فامكث واطلب معه العفو والمغفرة. إن الكنيسة هي بيت المعتمدين والأتقياء، أخوة المسيح أبناء الله. ولا يخرج منها سوى الغرباء. أنها بيت العريس المفتوح لعرائسه أنفس المؤمنين. لقد قدّم جسده ودمه للتائبين المتقين، تضحية عظمى وفداء اعظم. فتبارك الذي فدانا بدمه ووهبنا جسده لننعم به.
المرجع: مختارات من قصائد مار يعقوب أسقف سروج الملفان، ترجمها من السريانية إلى العربية مار ملاطيوس برنابا متروبوليت حمص وحَماة وتوابعهما للسريان الأرثوذكس. دار الرّها حلب. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010