قراءة من القديس مار افرام السرياني
حديثنا في البكرعن مولده وهو في عيده معونتنا الخفية،
لا تحسبنّ ليلة العيد هذه مثل سائر الليالي عيده هو أجرهُ يسمو مئة الغيرة،
عيد يقاتل السهر والنعاس فيه، وفيه المُنشد يقاتل الصمت بألحانه،
والعيد حامل الخيرات واول الاعياد ومبدأ الافراح بأسرها.
اليوم الملائكة ورؤساء الملائكة هبطوا الارض،
وسبحوا تسبيحة جديدة انهم لها بطون الى العيد العجيب،
ومبتهجون مع الساهرين وحين سبحوا كانت التجذيف من الافواه
بورك بمولد فيه ردد العالم منها ليلة المجد.
هذا الليل هو من ضم الساهرين في السماء الى الساهرين في الارض.
اتى الملاك ليجعل في الارض ملائكة فغدا الساهرون شُركاء الملائكة،
وغدا المُسبحون شركاء السارفيين.
فطوبى لمن غدا كنّارة تُسبحك وغدا ثوابهُ نعمتك.
مار إفرام السرياني (كنّارة الروح القدس)
إذا لم يختلف النور
فالظلمة لا تقوى على الظهور
وإذا لم يلم النور أشعته
فالظلمة لا تبسط جناحيها السوداوين
مادام الكرى بعيدا عن عينك أيها الساهر
القديس إفرام، أشهر الأدباء الأراميين قاطبة، نُعت بتاج الأمة الأرامية السريانية ومنار الكنيسة ، معلم العلماء وقطب دائرة الشعراء، نبي السريان وعمود الكنيسة. قال عنه القديس يوحنا الذهبي الفم: (إفرام كنّارة الروح القدس)
لقب بالقاب عدة كقيثارة الروح القدس وشمس السريان ، وهو احد اباء ومعلمي الكنيسة الذي تجمع على قداسته جميع الطوائف المسيحية الرسولية
حياته ورسالته
ولد عام 306 ميلادية في مدينة نصيبين شمال شرق سوريا الفاصلة بين دولتيّ الروم والفرس
يقول بعض المؤرخين، السريان خصوصاً، انه ولد من أبوين
مسيحيين تّقيين، ربما استناداً الى ما ورد في إحدى خطبه: «إني ولدت في طريق الحقيقة ولو أن صباي لم يشعر بذلك». بينما يقول غيرهم: إن والده كان وثنياً من الرها وأمه فكانت مسيحية، ولما عرف الأب بميل إبنه الشاب الى المسيحية واحتقاره الديانة المجوسية، غضب عليه وطرده من البيت، فالتجأ الى أسقف مدينة نصيبين القديس يعقوب، وقبل العماد المقدّس في السنة الثامنة عشرة من عمره تقريباً.
ثم «لازمه ملازمة الظل»
تتلمذ للقديس يعقوب اسقف نصيبين ولما اراد أن يرسمه كاهنا، اعتذر لتواضعه، واكتفى بأن يبقى شماساً إنجيلياً. ثم أقيمَ استاذاً لمدرسة نصيبين الشهيرة التي ذاع صيتها في بلاد الشرق ، فانكبَّ على التدريس والتأ ليف حتى بلغت تلك المدرسة أوج الازدهار وكان تلاميذها من مشاهيرالعلماء السريان وبرز منها عدد كبير من الكتّاب والملافنة والقديسين منهم أفراهاط الحكيم الفارسي مؤلف كتاب «البراهين»، وغريغوريوس الراهب الأهوازي صاحب كتاب «السيرة الرهبانية»، في أواخر القرن الرابع.
علّم مار إفرام في مدرسة نصيبين زهاء 38 عاماً، وكان يغتنم بعض أوقات الفراغ للتأليف شعراً ونثراً.
بعد وفاة القديس يعقوب اسقف نصيبين واصل إفرام مهمته التعليمية بنجاح وتفوّق في عهد خلفائه الثلاثة،
وهم: بابو (338 ـ343)
أولغاش (343 ـ 361)
إبراهيم (361)
والذين تولوا كرسي أسقفية نصيبين.
أنشد إفرام مناقبهم الجليلة في ميامر عديدة،
وصف فيها
مار يعقوب بالغيرة والحزم
وبابو بالتواضع ومحبة الفقراء
وأولغاش بالعلوم والأد ب
وإبراهيم بالوداعة ومحبة الفقر
ويُحكى أن شابور الثاني ملك الفرس رفع الحصار عن مدينة نصيبين سنة 338 بفضل صلوات مار إفرام السرياني وأعجوبة حد ثت على يده. أما إفرام فنسب ذلك الحدث العجيب الى شفاعة راعي الأبرشية القديس يعقوب.
بعد الحروب بين الفرس والرومان إلتزم الإمبراطور الروماني جوفيان أن يوقع معاهدة مع الفرس، العام 363، تقضي بالتنازل لهم عن مدينة نصيبين. فرحل القديس افرام مع كثيرين من مواطنيه الى مدينة الرها، مروراً بمدينة آمد
وفي الرها واصل التعليم في مدرسة عُرفت بمدرسة الفرس، لأنها تأسست خصيصاً للسريان النازحين من مدينة أصبحت تحت حكم الفرس، وأكثر معلّمي المدرسة كانوا من النازحين أيضا مع افرام السرياني.
مارس هذا المعلّم الشهير التعليم حتى أواخر حياته، عام 373. وكان يشغل أوقات فراغه بالمطالعة والتأليف والتأمل، مختلياً في جبل الرها، المدعو الجبل المقدس، لأنه اشتهر بكثرة مغاوره التي اتخذها النسّاك صوامع لهم.
يتفق المؤرخون على أن إفرام السرياني كان ورعاً تقياً نقياً وديعاً. ورغم سمو قداسته وسعة علمه اعتبر نفسه غير أهل لدرجة الكهنوت، بسبب تواضعه، فاكتفى بأن يكون شماساً لكنيسة الرها. بشّر بملكوت الله وخدم القريب، لاسيما المعوز
والجائع
والمريض
ازدهرت الحياة الرهبانية في القرن الرابع للميلاد ، وظهر نساك في براري سورية الشمالية والوسطى ، وملأت الأديرة والجبال ما بين النهرين ، ودخل فيها آلاف الرهبان والراهبات .
وقيل أن مار افرام تنسك على اثر دخوله في مدرسة مار يعقوب اسقف نصيبين . وأتم نذوره الرهبانية الثلاثة :
الطاعة
والفقر
والبتولية
وكان مار افرام لا يأكل سوى خبز الشعير والبقول المجففة ، ولا يشرب سوى الماء ، ولا يلبس الا أطمارا بالية
قال عنه باسيليوس الكبير (331-379): «ان مار افرام جوهرة نادرة المثال، غالية الاثمان، اختفى بحجاب تواضع عميق عن أعين البشر، مستأثراً بدرس الفضيلة والحكمة السامية ليحوز القربى لدى الله تعالى العارف بخفايا القلوب ومكنونات الصدور
منذ وفاته، العام 373، رفع افرام السرياني على المذابح، واعلنه البابا بندكتس الخامس عشر ملفانا للكنيسة الجامعة في 5 تشرين الاول سنة 1920
بدأت الطقوس الكنسية في فجر المسيحية كأدعية تُتلى ومزامير تُرنم في اجتماعات المؤمنين للصلاة والاحتفال بالقربان المقدس . واهتم مار أفرام بالحياة الطقسية في الكنيسة إذ أدخل إليها أناشيده المنظومة على ألحان خاصة . كما نظم جوقة مختارة من فتيات الرها اللواتي علمهن ما اقتبسه من الأنغام الموسيقية وما نظمه من القصائد الروحية والتراتيل التي ضمنها العقائد الدينية وناهض بها الهراطقة . وقد صارت أناشيد أفرام وأشعاره جزءا لا يتجزأ من الطقس الكنسي في حياته وماتزال الكنيسة السريانية تترنم بها صباح مساء
والى مارافرام يعود فضل تنظيم الحياة الطقسية في الكنيسة السريانية وتنظيم الجوقات الكنسية التي تصدح اليوم آذان المؤمنين في الكنائس وتخلق في نفوسهم الخشوع وتساعدهم على التعبد للرب والاهتداء الى الإيمان الأفضل
مؤلفاته
جميع مؤلفاته كتبها باللغة السريانية وترجمت لمختلف لغات العالم و تعد من روائع الادب المسيحي السوري ، وتمتاز مؤلفاته الكثيرة بالرقة و بجمال التفكير والتعبير ومازالت تتلى حتى اليوم كجزء من ليتورجيات الكنائس السريانية المختلفة ، كتب الكثير في مدح السيدة العذراء
برع القديس افرام السرياني بتفسير الكتاب المقدس- وعقائد الإيمان القويم واتبع في ذلك الطريقة الشعرية حيث ابدع اجمل ما كتب في شرح وإيضاح المعاني الروحية لكلمة الله ، إضافة إلى ذلك اهتم بالكرازة وعاش حياة المتصوفين
هذا وقد ترجمت مؤلفاته الى اليونانية في حياته أو في العقد الأول بعد وفاته نظرا لأهميتها ، كما نقلت بعدئذ الى لغات شتى ، أهمها العربية .. فقد ترجم الى العربية ابراهيم بن يوحنا الانطاكي سنة 980 عددا من مقالات أفرام في الرهبنة ،اضافة الى ما ذكره رئيس أساقفة دمشق للسريان الكاثوليك ، غريغوريوس يعقوب حلياني 1750، وفيه يتحدث عن الشعر السرياني والدور الريادي الذي قام به مار افرام كماأن ثمة 51 مقالة نقلت الى العربية من اليونانية حوالي القرن الحادي عشر ، هذا وأصلها السرياني مفقود
كتابات افرام السرياني كثيرة ومتنوعة، ويغلب فيها الشعر على النثر. ذكر المؤرخ اليوناني سوزومين (423 ب.م) ان القديس افرام السرياني كتب زهاء ثلاثة ملايين من الاشعار، وقال القديس ايرونيموس (340-420) ان منظومات مار افرام السرياني المنيفة على ثلاثة ملايين من الأبيات الشعرية فرضت وجودها بامتياز في الكنائس المسيحية منذ كان بعد في قيد الحياة».
اهتم بعض العلماء في الشرق والغرب بنشر مؤلفات مار افرام استناداً الى المخطوطات اللندنية والفاتيكانية وغيرها. واشهر من اهتم بهذه الاثار الكتابية النفيسة هو الراهب البندكتاني الالماني ادموندس بك الذي نشر، بطريقة علمية حديثة، كتابات مار افرام، باللغة الالمانية في 14 مجلداً كبيرا، من 1955-1970 ضمن مجموعة «الكتبة المسيحيين الشرقيين». واخذ عنه كثيرون في ما بعد، وترجمت كتاباته الى لغات عدة.
روحانيته
كان افرام السرياني، شاعرا ورجل تأمل وصلاة، تعمق في روحانية الوحي الالهي، وفي اقوال الانبياء والرسل، فجاءت كتاباته امتدادا طبيعياً لروحية العهد القديم والجديد، من يطالع شروحه للكتب المقدسة ويقرأ اناشيده في الحقائق الالهية يواجه روحاً نبوية ممتاز بالرؤى الروحانية السماوية».
بعدما تشبّع افرام وارتوى من منبع الاسرار الالهية، عبّر عما يختلج في اعماقه باناشيد وترانيم شعرية رائعة، تعلمها منه الفتيان والفتيات فأ نشدوها ورتلوها في الكنائس والشوارع والبيوت والحقول.
روحانية افرام تظهر بخاصة في عبادته للعذراء مريم. هذه العبادة كانت عميقة وثابتة. ولقد ردد مراراً: «عظامي تصرخ من القبر: ان مريم قد ولدت ابن الله. وما اكثر الاناشيد والقصائد التي خصصها لمديح مريم!
وتسمو روحانيته كذلك في توقه الحار الى القداسة، فالقداسة ثمرة «الطريق الحرج» طريق الصليب الذي تكلم عنه المسيح مراراً.
فما أصدق كلام ابن سيراخ اذ طبق على افرام السرياني: «في جميع اعماله حمد القدوس العلي بكلام مجد، وبكل قلبه انشد واحب الذي صنعه. اقام المرتلون امام المذبح ليرسلوا الحانهم العذبة. جعل للأعياد رونقاً وللحفلات بهاء تاماً ليسبّح الرب القدّوس...» (ابن سيراخ47/8-10).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.