تأمل فى مثل الكرم والكرامين ، وارتباطه بالقداس الغريغورى [ لوقا 20 : 9 – 19 ]
من هم هؤلاء العبيد الثلاثة الذين سبقوا الوارث، الذين اضطهدوا الكرامين عوض تقديم الثمار لحساب صاحب الكرم؟
+ العبد الأول الذي أرسله الرب ليجمع لحسابه هو الناموس الطبيعي الذي وهبه الله للبشرية حتى قبل الناموس الموسوي، وقد كسر الإنسان هذا الناموس الطبيعي، الأمر الذي وضح بقوة في قتل هابيل، فقدم قايين رائحة الحسد الملطخة بدم برئ عوض الحب الأخوي، وقد عاش رجال الإِيمان قبل الناموس تحت ضيقات كثيرة من قِبل الأشرار.
نتأمل صلوات القداس الغريغورى :
العبد الاول : الناموس الطبيعى
" من أجل تعطفاتك الجزيلة كونتنى إذ لم أكن ، أقمت السماء لى سقفا ، وثبت لى الأرض لأمشى عليها . من أجلى ألجمت البحر ، من أجلى أظهرت طبيعة الحيوان ، أخضعت كل شىء تحت قدمى ، لم تدعنى معوزا شيئا من أعمال كرامتك . أنت الذى جبلتنى ووضعت يدك على ، ورسمت فى صورة سلطانك ، ووضعت فى موهبة النطق ، وفتحت لى الفردوس لأتنعم ، وأعطيتنى علم معرفتك ، أظهرت لى شجرة الحياة ، وعرفتنى شوكة الموت "
يرد الشعب : يارب أرحم
+ العبد الثاني الذي بعث به الرب هو الناموس الموسوي على يدي موسى، ومع هذا فقد عانى موسى الأمرين من قبل اليهود بتذمرهم غير المنقطع. كما عاش الناموس الموسوي مُضطهدًا من كل القيادات اليهودية بتحويله من الروح إلى الحرف القاتل. فإن كان قادة اليهود قد ظهروا كغيورين على الشريعة ومحافظين عليها، إنما في المظهر الخارجي البرّاق، أما بحياتهم وسلوكهم فقد قتلوها وأفسدوا غايتها ورسالتها بتعليمهم الحرفي.
العبد الثانى : ناموس موسى
" ربطتنى بكل الأدوية المؤدية إلى الحياة . ....... أعطيتنى الناموس عونا . أنت الذى خدمت لى الخلاص لما خالفت ناموسك ، كنور حقيقى أشرقت للضالين وغير العارفين .
يرد الشعب : يارب أرحم
+ العبد الثالث الذي قدمه صاحب الكرم هو النبوة، فقد بُعث مجموعة من الأنبياء يحثوا الشعب على التوبة ويعلنوا عن مجيء المسيا المخلص، وكان نصيب الأنبياء الضيق والاضطهاد والقتل.
يمكننا أن نقول بأن السيد المسيح وهو يحدث اليهود خاصة قادتهم، فإن هؤلاء الحاضرين أنفسهم مسئولون عن قتل هؤلاء العبيد الثلاثة. فالقادة الحاضرون في عصر السيد المسيح كانوا يعملون ضد الناموس الطبيعي، كما ضد الناموس الموسوي، وأيضًا ضد النبوة. فمن جهة حياتهم وسلوكهم لم يراعوا حتى الناموس الطبيعي نفسه، ومن جهة تعليمهم قتلوا الناموس الموسوي بتطبيقه بطريقة حرفية جامدة فتمسكوا بالظل والرمز دون الاهتمام بالحق والمرموز إليه، ومن جهة النبوات رفضوها لأنهم رفضوا المخلص غاية الناموس وموضوع النبوات.
العبد الثالث : إرسال الأنبياء
" ربطتنى بكل الأدوية المؤدية إلى الحياة ، أنت الذى أرسلت لى الأنبياء أنا المريض ...... "
يرد الشعب : يارب أرحم
أخيرا إرسال إبنه !!
ربما يستصعب البعض دعوة السيد المسيح نفسه بالوارث، فهل مات الآب ليرثه الابن؟ حاشا، إنما تقدم الوارث لا ليسحب من الأب ماله، إذ ما هو للآب فهو للابن، لكنه دعي نفسه وارثًا بكونه قد ترك مجده بإرادته مخليًا ذاته ليكون ممثلاً لنا ونائبًا عنا، حتى متى مات السيد المسيح بالجسد وقام نال باسمنا ماله كميراثٍ لنا بشركتنا معه في المجد. لقد حمل هذا اللقب "وارثًا" كرأس للكنيسة لكي ترث باسم رأسها ومعه وفيه ما هو له. لذلك يقول القديس أمبروسيوس :[المسيح هو وارث وفي نفس الوقت وصي.]
+ يمكننا أن نفهم من العبارة التالية: "فلما رآه الكرامون، تآمروا فيما بينهم قائلين: هذا هو الوارث، هلموا نقتله لكي يصير لنا الميراث" [14]. أراد السيد المسيح أن يوضح لهم أن ما يرتكبوه ضده لا يتم عن عدم معرفةٍ، وإنما عن حسدٍ. إنهم خلال الناموس والأنبياء يدركون أنه المسيا، لكنه ليس حسب أهوائهم، لذا قتلوه عمدًا على الصليب.
+ يُفهم من العبارة: "فأخرجوه خارج الكرم وقتلوه" [15]، من الجانب الحرفي أنه صُلب على جبل الجلجثة خارج أورشليم، كما يمكن أيضًا أن يُفهم بأن اليهود - وهو كرم الرب - سلموا الوارث لبيلاطس والجند الرومان ليقتلوه، سلموه خارج الكرم! ويمكننا أيضًا أن نفهم أن إخراجه خارج الكرم لقتله يعني رفضه. أخرجه الجاحدون الأشرار خارج قلوبهم، كرم الرب الداخلي، فقدموا له الآلام عوض الحب! بهذا يمكننا أن نفهم عبارة الرسول بولس: "فلنخرج إذًا إليه خارج المحلة حاملين عاره" (عب 13: 13) بمعنى أننا إذ صرنا أتباع المصلوب، نُرفض نحن أيضًا من العالم، فلا يكون لنا موضع في القلوب. فنُطرد خارج قلوبهم ونُسلم لبغضتهم حاملين كل تعييراتهم ومتاعبهم من نحونا. بمعنى آخر لا ينتظر المؤمن وهو يقدم كل الحب للعالم أن يرد له العالم الحب بالحب، وإنما يرد له محبته بالطرد خارجًا ليحمل مع فاديه صليبه ويقبل عاره!
أخيرا : إرسال إبنه الوحيد
" أتيت إلى الذبح مثل حمل حتى إلى الصليب . أظهرت عظم اهتمامك بى ........ "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.