المسيح قام...بالحقيقة قد قام (1)
==================
بقلم المتنيح: الأنبا غريغوريوس
===================
عيد القيامة المجيد أكبر أعيادنا المسيحية شأنا وأعظمها أهمية.فلولا القيامة لما كان الميلاد ولا كان الغطاس,ولا كانت المسيحية أيضا...وإذا كان عيد الميلاد هو في حقيقته الكبري هو عيد التجسد الإلهي,الله ظهر في الجسد والكلمة اتخذ جسدا.وحل بيننا (يوحنا1:14) فإن عيد القيامة هو عيد انتصار الحياة علي الموت.أين شوكتك أيها الموت.أين غلبتك أيها القبر,وأيتها الهاوية! لقد ابتلع الموت في الغلبة (هوشع13:14),(.1كورنثوس15:55,54) لقد قام المسيح من القبر ناقضا آلام الموت,إذ لم يكن ممكنا أن يمسكه الموت (أعمال الرسل2:24).
لقد دخل المسيح إلي القبر كأنه ميت -وهو الحي- ليحارب الموت في عرينه فيصرعه ويبطل قوته وينزع شوكته ويبطل سمه...وكيف يموت من قال عن نفسه:أنا هو القيامة والحياة,من آمن بي وإن مات فسيحيا.وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت إلي الأبد (يوحنا11:26,25),(14:6)...وقال عنه الإنجيل:في البدء كان الكلمة...وكان الكلمة هو الله...كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان.فيه كانت الحياة,والحياة كانت نور الناس.والنور يضئ في الظلمة,والظلمة لم تدركه... (يوحنا1:1-5).
المسيح قام,فليس له في القبر جسد أو رفات,وإنما قبره فارغ وقد تحول إلي مذبح تقدم فيه وعليه القرابين,ومنه يبزغ النور في كل عام,في السبت الذي يعرف بالسبت الكبير,وسبت النور,وسبت الفرح...قبر المسيح ليس فيه عظام...وليس فيه هوان الفناء للإنسانية,بل أشرق ويشرق فيه نور ويتجدد منه وفيه الأمل والرجاء والإيمان بقيامة الأموات والحياة في الدهر الآتي.قال الوحي الإلهي علي فم النبي إشعياء عن المسيح:إياه تترجي الأمم,ويكون قبره ممجدا (إشعياء11:10).
لقد مات المسيح يسوع,لأنه كان لابد لخلاص آدم وبنيه من فاد مخلص طاهر من كل إثم يقبل أن يموت بدلا من الإنسان الذي أخطأ فيفديه,وبهذا وحده ترتفع عن الإنسان العقوبة الأبدية المحكوم بها عدلا علي آدم وعلي بني آدم الذين ولدوا منه بعد أن سقط في المعصية فماتوا جميعهم به وفيه (.1كورنثوس15:22).
ولذلك فإن موت المسيح ليس عارا للمسيحيين,لكنه طريق الخلاص من العقاب الأبدي ولرفع وزر الخطيئة...مات المسيح ليهبنا الخلاص وليمنحنا السلام القائم علي العدل الإلهي,ولكي يردنا إليه في كنف أبوته,ولكي نحظي معه بمجده في فردوس النعيم وملكوت السماوات.
علي أن المسيح يجمع بين كونه إلها وبين كونه إنسانا,في وقت واحد.فبصفته إلها لا يموت لأن الله حي لا يموت,ولا تقبل طبيعته الموت...إنما الذي مات هو الإنسان يسوع المسيح أي المسيح بصفته إنسانا (.1تيموثيئوس2:5).
وموت يسوع المسيح معناه انفصال وافتراق بين جسده وروحه اللذين يتألف ويتكون منهما ناسوته أو إنسانيته.أما لاهوته المتحد بناسوته فلم يفارق لا روحه الإنسانية ولا جسده.
إذن كان المسيح حيا في موته...كان حيا باللاهوت المتحد بناسوته,لأن اللاهوت لا يموت.فإذا كان الكتاب المقدس يقرر أن المسيح مات بأن أسلم الروح علي الصليب (متي27:50),(مرقس15:37),(لوقا23:46),(يوحنا19:19) فموته معناه أن روحه الإنسانية قد فارقت جسده.أما اللاهوت فظل متحدا بكل من الروح والجسد,ولم يفارق لا روحه ولا جسده.وهذا هو السبب في أنه علي الرغم من الموت بهذا المعني,فإنه عندما أخذ لونجينوس قائد المائة,الحربة وطعن بها جنب المخلص علي الصليب بعد أن أسلم الروح جري وتدفق من جنب المخلص ماء ودم (يوحنا19:34),(.1يوحنا5:6-8) وهو أمر لا يمكن حدوثه لميت.إذن فيما مات المسيح بانفصال مؤقت في ناسوته أو إنسانيته بين الروح والجسد,كان حيا باللاهوت المتحد به.وهو ما حدا بقائد المائة الروماني الوثني الذي طعنه بالحربة أن يصيح قائلا:حقا كان هذا الإنسان ابن الله (متي27:54),(مرقس15:39).
ذاك إذن هو الميت الحي.
قدوس الله,قدوس القوي,قدوس الحي الذي لا يموت الذي صلب عنا,ارحمنا!.
هذا هو السبب في أننا لا نخجل من أن نقول أن مسيحنا مات,لأنه لم يمت عن ضعف وإنما مات عن قوة لكي ينتزع لنا بالموت حقا في الحياة إلي الأبد...فموته إذن هو عن حب,ولأجل خير يعود علينا وما من حب أعظم من أن يبذل أحد نفسه عن أحبائه (يوحنا15:13).
وفي هذا المفهوم الروحاني نعيش أحداث الصلب والصليب في يوم الجمعة العظيمة ونحن نردد مع القديس أثناسيوس الرسول حامي الإيمان الأرثوذكسي:
قدوس الله الذي من أجلنا صار إنسانا من دون تغير,وهو الإله.
قدوس القوي الذي أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة.
قدوس الذي لا يموت الذي صلب من أجلنا,وصبر علي موت الصليب,وقبله في جسده,وهو الأزلي الذي لا يموت....
وعلي ذلك فيوم الجمعة الذي نحتفل فيه بصلب المسيح هو يوم عظيم وكبير وجليل,ولذلك يسمي يوم (الجمعة العظيمة) أو (الجمعة الكبيرة) وذلك لأن فيه قد تم الخلاص.هكذا نؤثر أن نسميه,وذلك نظرا لخطره وقيمته في تدبير وتحقيق الفداء والخلاص للبشرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.