يســـوع يعلم اسراره

المقدمة

يُخْبِرُنا الكِتَابُ المُقَدَّسُ كَيْفَ أَرْسَلَ اللهُ ابنَهُ يَسُوعَ لِيُطْلِعَنا عَلى أَسْرارِ اللهِ ، وَيَدُلَّنَا إلى سَبِيْلِ الانْضمَامِ إلى مَلَكُوتِهِ .

كَانَ يَسُوعُ يَلْقَى مُتْعَةً فِي إِطْلاع النَّاسِ عَلَى أَسْرارِ اللهِ التّي يُمْكِنُكَ اكْتِشافُها فِي كِتابِكَ المُقَدَّسِ ، فِي إنْجِيْلَيْ مَتَّى ولُوْقا .

ذَاتَ يَوْمٍ احْتَشَدَ جَمْعٌ كَثِيرٌ جِدّاً لِسَمَاعِ يِسُوْعَ ، بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مَحَلٌّ عَلَى شَاطِئِ بُحَيْرَةِ الْجَلِيْلِ ، وكانَ النَّاسُ لا يَنْفَكُّونَ يَدْفَعُوْنَ يَسُوعَ إِلَى الْوَراءِ نَحْوَ مَاءِ الْبُحَيْرَةِ .

وَهكذَا اضْطُرَّ يَسُوعُ إلى رُكُوْبِ سَفِيْنَةِ أَصْدِقائِهِ الَّذِيْنَ دَفَعُوْها قَلِيْلاً إلَى عَرْضِ الْبُحَيْرَةِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ الْجَمٍيْعُ مِنْ سَمَاعِهِ .

وَخاطَبَهُمْ يَسُوعُ مِنْ فَوْقِ الْمِيَاهِ السَّاكِنَةِ الصَّافِيَةِ قَائِلاً : " ما الّذي تُحِبُّوْنَ سَمَاعَهُ الُيَوْمَ ؟

" هَلْ جِئْتُمْ فَقَطْ لِلتَّسْلِيَةِ وَالتَّفَرُّجِ عَلَى شِفَاءِ بَعْضِ الْمَرْضَى ، وَلِسَمَاعِ الْقِصَصِ ، أَمْ أَنَّكُمْ حَقّاً رَاغِبُوْنَ فِي

مَعْرِفَةِ الْمَزِيْدِ عَنِ اللهِ ؟ أَنْصِتُوْا ، فَسَأُطْلِعُكُمْ عَلَى بَعْضِ أَسْرَارِ مَلَكُوْتِ اللهِ .

" يُشْبِهُ مَلَكُوْتُ اللهِ بِذْرَةَ خَرْدَلٍ . هِيَ صَغِيْرةٌ جدّاً بِحَيْثُ تَكادُوْنَ ر تَرَوْنَها . يَأْخُذُها فَلاَّحٌ ، وَيَبْذُرُهَا فِي حَقِلْهِ ، وَلا يَشْعُرُ أَحَدٌ بِوُجُوْدِها فِيْهِ .

" وَلكِنَّها عِنْدَما تَنْمُوْ ، تَبْسُطُ غُصُوْناً تَسْتَطِيْعُ الطُّيُوْرُ بِنَاءَ أَعْشَاشِهَا فِيْها .

" هكَذا هُوَ مَلَكُوْتُ اللهِ ، يَبْدُو الآنَ صَغِيْراً ، وَلكِنَّهُ سَيَنْمُوْ وَيَنْمُوْ .

" وَيُشْبِهُ مَلَكُوْتُ اللهِ خَمِيْرَةً ، تَبْدُو مَيْتَةً ، كَأَنَّها قَبْضَةُ صَلْصَالٍ .

" وَلكِنَّها تَمْتَزِجُ فِي الْمِعْجَنِ بالطَّحِيْنِ وَالْمَاءِ ، وَتَخْتَلِطُ كُلُّها مَعاً ، بِحَيْثُ يَضِيْعُ أَثَرُ الْخَمِيْرَةِ .

" وَيَعْمَلُ الْدِفْءُ فِعْلَهُ فِي الْعَجِيْنِ ، فَيَنْتَفِخُ وَيَتَضَخَّمُ ، وَذلِكَ كُلُّهُ بِفَضْلِ تِلْكَ الْعَجِيْنَةِ الصَّغِيْرَةِ .

" هكَذا هُوَ مَلَكُوْتَ اللهِ ، يَعْمَلُ فِي هُدُوْءٍ ، وَلكِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَغْيِيْرِ كُلِّ شَيْءٍ .

" وَيُشْبِهُ مَلَكُوْتُ اللهِ كَنْزاً مَدْفُوْناً فِي حَقْلٍ . وَذاتَ يَوْمٍ فِيْمَا كَانَ فَلاّحٌ يَجْهَدُ فِي نَقْبِ ذلِكَ الْحَقْلِ ، اصْطَدَمَ مِعْوَلُهُ بِشَيْءٍ صَلْبٍ ، فَكَادَ لا يُصَدِّقُ أَنَّهُ عَثَرَ عَلَى كَنْزٍ .

" فَغَطَّاهُ ، وَاحْتَفَظَ بِهِ سِرّاً ، وَمَضَى فَبَاعَ كُلَّ مَا

يَمْلِكُ لِيَحْصُلَ عَلَى قَدْرٍ كَافٍ مِنَ الْمَالِ ، يَسْتَطِيْعُ بِهِ شِرَاءَ الْحَقْلِ ، بِحَيْثُ يُصْبِحُ الْكَنْزُ مُلْكَهُ.

" هكَذا هُوَ مَلَكُوْتُ اللهِ ، إِنَّهُ أَثْمَنُ مِنْ أَيِّ شَيْءِ آخَرَ نَمْتَلِكُهُ " .

وَقَالَ يَسُوْعُ أَيْضاً : " سَأُطْلِعُكُمْ عَلَى سِرٍّ آخَرَ : إنَّ اللهَ يَرْغَبُ ، حَقّاً ، في أَنْ تَكُوْنُوا مِنْ أَبْناءِ مَلَكُوْتِهِ .

" هَلْ حَدَثَ لَكُمْ أَنْ فَقَدْتُمْ شَيْئاً مِنَ الْمَالِ ؟ إِذَا حَدَثَ ذلِكَ ، فَإِنَّكُمْ تَبْحَثُوْنَ فِي الْبَيْتِ كُلِّهِ حَتَّى تَجِدُوْهُ .

" وَعِنْدَما تَجِدُونَهُ تُسْرِعُوْنَ فَتُبَشِّرُوْنَ الْجَمِيْعَ بذِلِكَ ، وَتَغْمُرُكُمُ السَّعادَةُ .

" هكَذا هُوَ أَمْرُ مَلَكُوْتِ اللهِ ، أَيْضاً : فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يُشْبِهُ قَطْعَةَ نَقْدٍ مَفْقُوْدَةً ، وَإِنَّ سَعَادَةَ لَعَظِيْمَةٌ عِنْدَما يَجِدُكُمْ .

وَقَالَ يَسُوْعُ : " لا مُبَرِّرَ لِخَوْفِكُمْ ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَظِيْمُ الأَهَمِيَّةِ فِي عَيْنِ اللهِ ، فَهُوَ يُعْنَى بِصِغَارِ الْعَصافِيْرِ إذا أَصَابَها أذىً ، وَأَنْتُمْ أَعْظَمُ شَأْناً مِنَ الْعَصافِيْرِ .

" لا بَلْ إِنَّ اللهَ يُحْصِيْ كَلَّ شَعْرَةٍ فِي رَأْسِكُمْ " .

وَضَحِكَ الْجَمِيْعُ ، وَتَطَلَّعَ الأَطْفَالُ أَحَدُهُمْ إلَى الآخَرِ ، فَقَدْ كَانَتْ شُعُوْرُهُمْ كَثِيْفَةً سَوْدَاءَ ، فَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ يُحْصِيَ اللهُ كُلَّ شَعْرَةٍ فِيْها ؟

وَقَالَ يَسُوْعَ : " فِي اسْتِطَاعَتِكُمْ فَهْمُ بَعْضِ أَسْرارِ اللهِ ، بِمُجَرَّدِ التَّأمُّلِ فِي مَا حَوْلَكُمْ . أُنْظُرُا إلَى تِلْكَ الشَّجَرَةِ هُنَاكَ : أَلا تَسْتَطِيْعُوْنَ الْقَوْلَ إِنَّها شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ ؟ فَإنَّ أَغْصَانَها مُثْقَلَةٌ بِالثِّمَارِ الْكَثِيْرَةِ.

" وَلكِنَّ تِلْكَ الشَّجَرةَ ، فِي الْجَانِبِ الآخَرِ مِنَ السُّوْرِ هِيَ شَجَرَةٌ رَدِيْئَةٌ ، فَإِنَّ أَغْصَانَها هَزِيْلَةٌ وَدَقِيْقَةٌ ، وَثِمَارَهَا لا تَسْتَأْهِلُ أَنْ تٌقْطَفَ .

" وَعَلى هذَا النَّحْوِ يُمْكِنُكُمُ الْحُكْمُ عَلَى أَيِّ إِنسَانٍ ، هَلْ هُوَ صَالِحٌ أَمْ شِرِّيرٌ ، وَفْقاً لِمَا يَفْعَل وَيَقُوْلُ " .

وَقَالَ يَسُوْعُ : " لَنْ أَبْقَى دَائِماً مَعَكُمْ ، وَعِنْدَما أَكُوْنُ بَعِيْداً عَنْكُمْ ، أُرِيْدُ أَنْ تُحْسِنُوا اسْتِخْدامَ وَقْتِكُمْ . إِنَّ لِكُلٍّ مِنْكُمْ مُؤَهِّلاتِهِ ، فَاحْذَرُوْا الْكَسَلَ . بَلِ امْلأُوْا أَيَّامَكُمْ بِالْعَمَلِ مِنْ أَجْلِي .

" قَامَ ، يَوْماً ، إنْسانٌ بِرِحْلَةٍ ، وَلكِنَّهُ قَبْلَ سَفَرِهِ أَعْطَى كُلاًّ مِنْ خُدّامِهِ بَعْضَ الْمَالِ ، أَعْطَى أَحَدَهُمْ مَبْلَغاً كَبِيْراً ، فِي حِيْنَ أَعْطَى الآخَرَ مَبْلَغاً صَغِيْراً ، وَلكِنَّهُ كَانَ يَتَوَقَّعُ مِنْ كِلَيْهِما أَنْ يَسْتَغِلاّ مَا حَصَلا عَلَيْهِ لِتَحْقِيْقِ بَعْضِ الرِّبْحِ " .

وَقَالَ يَسُوْعُ : " ذَاتَ يَوْمٍ سَأَعُوْدُ . اذْكُرُوا هذَا السِرَّ كُلَّما بَدَتْ لَكُمُ الأُمُورُ كُلُّها مُسْتَعْصِيَةً . حيْنَئِذٍ سَيَعْلَمُ الْجَمِيْعُ أَنَّنِي الْمَلِكُ ، وَأَنَّ اللهَ أَوْكَلَ إِليَّ شُؤُونَ مَلَكُوتِهِ .

" حِيْنَئِذٍ سَتَتَعَالَى أَصْواتُ الأَبْوَاقِ ، وَسَيَتَجَمَّعُ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِيْنَ يَخُصُّوْنَ مَلَكُوْتَ اللهِ ، مِنْ كَلِّ أَرْجَاءِ الأَرْضِ ، فَاحْرَصُوْا عَلَى أَنْ تَكُوْنُوا مُسْتَعِدِّيْنَ !" هُنَاكَ طَرِيْقَانِ تُؤَدِّيَانِ إِلَى نِهَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ .

" فَالطَّرِيْقُ الْعَرِيْضَةُ سَهْلَةٌ وَمُرِيْحَةٌ ، وَلكِن إِيَّاكُمْ أَنْ تَسْلُكُوْهَا لأَنَّها تَقُوْدُ إِلَى مَلَكُوْتِ إِبْلِيْسَ .

" أَمَّا الطَّرِيْقُ الّتِيْ يَتَوَجَّبُ عَلَيْكُمُ انْتِهَاجُها فَهِيَ

ضَيِّقَةٌ ، وَعْرَةُ المَسالِكِ ، يَصْعُبُ العُثُوْرُ عَلَيْهَا ، وَلكِنَّها هِيَ الطَّرِيْقُ الّتِيْ يَنْبَغِي اخْتِيَارُهَا لأَنَّهَا تَنْتَهيْ إِلَى مَلَكُوْتِ اللهِ . فَاحْرَصُوْا عَلَى اكْتِشَافِها .

" هذا هُوَ أَعْظَمُ الأَسْرَارِ جَمِيْعِهَا " .





خاتمة

" من الكتاب المقدّس " سلسلة قصصيّة من 52 رواية للأطفال . كلّ قصّة قائمة بذاتها ويؤلّف مجموعها الكتاب المقدّس ، أي قصّة حبّ الله للبشر ، في كلّ زمان ومكان .

إن الأعداد ( من 31 إلى 52 ) مقتبسة من العهد الجديد وتخبرنا عن حياة يسوع ابن الله وعن تعليمه . وإن هذه القصص تحدّثنا عمّا فعل يسوع وقال ، وعن الشعب الذي لاقاه . إن كلّ ما نعرفه عن حياة يسوع مدوَّن في الأناجيل الأربعة التي كتبها كلٌّ من متى ومرقس ولوقا ويوحنّا . وكلمة " الإنجيل " تعني البُشرى السعيدة .

وختامُ السلسلةِ أربعُ قصصٍ تحدّثنا عن المسيحيّينَ الأوّلينَ الذينَ نشروا بُشرى السعادة هذه بينَ الناسِ ، كما أمرهُم يسوعُ . وما زالَ أحفادُهم يلهجونَ بها حتى أيّامنا الحاضرة .

الأسرارُ التي رَواها يسوعُ ، أو الأمثالُ ( تلكَ القِصصُ التي تَنطوي على مغزىً خاصٍّ ) حولَ ملكوتِ اللهِ ، مستقاةٌ منَ العهدِ الجديدِ ، فَأمثالُ حبةِ الخردلِ والخميرة والكنزِ المخفيِّ واردةٌ في إنجيل متّى في الفصل 13 ، ومَثَلُ قطعةِ النقدِ المفقودة ، في إنجيل لوقا ، في الفصل 15 ، ومَثَلُ الشجرةِ وثمارها في إنجيل لوقا ، في الفصل 6 ، والوزنات في إنجيل متى في الفصل 25 ، أمّا مَثَلُ الطريقينِ ففي إنجيل متى في الفصل 7 .

في هذه الحياة ، كلٌّ مِنّا حرٌّ في اختيار طريقه ، ولكنَّ الطريقين يؤديان إلى اتجاهينِ معاكسينِ ، واللهُ يريدُ أن نختارَ الطريقَ المؤدّيَ الى ملكوتهِ .

الكتاب التالي (38) ، في هذه السلسلةِ عينها ، عنوانهُ " قصّةُ السامريِّ الرحيم " ، وهيَ أَحدُ أَشهر أمثال يسوعَ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010