يسوع يطعم الشعب

المقدمة

يُخْبِرُنا الكِتَابُ المُقَدَّسُ كَيْفَ أَرْسَلَ اللهُ ابنَهُ يَسُوعَ لِيُطْلِعَنا عَلى أَسْرارِ اللهِ ، لِيُرِيَنَا مَنْ هُوَ اللهُ وَيُعَلِّمَنَا كَيْفَ نَدْخُلُ مَلَكُوتَهُ .

عَاشَ يَسُوعُ في الجَلِيلِ ، في بَلَدٍ اسْمُهُ فَلِسْطِينُ .

كَانَ يَسُوعُ ابْنَ اللهِ الخَاصَّ ، فَتَصَرَّفَ تَصَرُّفَ إِنْسَانٍ غَيْرِ عَادِيٍّ . وَكَثِيراً مَا جَرَتْ عَلَى يَدِهِ أُمُورٌ غَرِيبةٌ عَجِيبةٌ ، أَثْبَتَتْ أَنَّ قُدْرَةَ اللهِ كَانَتْ مَعَهُ . لَقَدِ اسْتَرْعَتْ هذِهِ الأَحْدَاثُ جَمِيعَ الَّذِينَ عَاشُوا مَعَهُ مِنَ الشَّعْبِ ، فَسَمَّوْهَا عَجَائِبَ .

إِلَيْكَ قِصَّةً تَحْكِي فُصُولَ حَفْلَةِ طَعَامٍ في الهَوَاءِ الطَّلْقِ ، لَمْ يَذْكُرِ التَّارِيخُ يَوْماً أَهَمَّ مِنْهَا ، وَقَدْ أَظْهَرَ يَسُوعُ فِيهَا قُدْرَةَ اللهِ العَامِلَةَ فِيهِ .

تَجَمَّعَتْ حَوْلَ يَسُوعَ جَمَاهِيرُ مِنَ الشَّعْبِ تَسْمَعُ كَلامَهُ .

وَقَدْ رَاقَهَا أَنْ تُصْغِيَ إِلَيْهِ يُحَدِّثُها عَنْ مَلَكُوتِ اللهِ . وَكَانَ يَسُوعُ يَرْتَاحُ كَثِيراً إِلَى التَّحَدُّثِ إِلَى هذِهِ الجَمَاهِيرِ .

وَاصْطَفَى يَسُوعُ لِذَاتِهِ رُفَقَاءَ مِنْ صَيَّادِي السَّمَكِ كَانُوا يُقِيمُونَ عَلَى ضِفَافِ بُحَيْرَةِ الجَلِيلِ ، وَيَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ إِلَى صَيْدِ السَّمَكِ .

وَفي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ ، أَخَذَ الصَّيَّادُونَ يَسُوعَ في زَوْرَقِهِمْ ، وَرَكِبُوا البُحَيْرَةَ ، وَابْتَعَدُوا عَنِ الجَمَاهِيِر . وَلَمَّا بَلَغُوا الشَّوَاطِئَ المُقَابِلَةَ ، وَجَدُوا الشَّعْبَ مُلْتَفّاً حَوْلَ البُحَيْرَةِ ، وَقَدْ جَاءَ يُلاقِيهِ مَرَّةً أُخْرَى .

أَحَاطَتِ الجَمَاهِيرُ بِيَسُوعَ ، وَفِيهَا الفَقِيرُ الَّذِي لا مَالَ لَهُ وَلاَ عَمَلَ ، وَالغَنِيُّ الرَّافِلُ بِثِيَابِهِ الثَّمِينَةِ.

وَفَرِحَ الأَطْفَالُ كَثِيراً في هذَا اللِّقَاءِ . فَتَرَاكَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى الأَعْشَابِ ، وَاخْتَبَأَ بَعْضُهُمْ وَرَاءَ الصُّخُورِ . وَلَمَّا تَعِبُوا ، تَسَلَّلُوا بَيْنَ الكِبَارِ حَتَّى اقْتَرَبُوا مِنْ يَسُوعَ ، وَأَخَذُوا كُلُّهُمْ يُصْغُونَ إِلى كَلِمَاتِهِ .

فَخَاطَبَ يَسُوعُ الكِبَارَ ، وَقَالَ لَهُمْ مُنَبِّهاً : " إِذَا شِئْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ اللهِ ، فَكُونُوا مِثْلَ الأَطْفَالِ الصِّغَارِ ، وَإِذَا مَا فَعَلْتُمْ ذلِكَ ، رَحَّبَ اللهُ بِكُمْ في مَلَكُوتِهِ " .

فَسَأَلَهُ بَعْضُهُمْ قَائِلاً : " مَا هُوَ مَلَكُوتُ اللهِ ؟ "

أَجَابَ يَسُوعُ : " إِنَّهُ يُشْبِهُ اللُؤْلُؤَةَ الفَائِقَةَ الجَمَالِ . كُلُّ مَنْ رَآهَا شُغِفَ بِهَا ، وَرَضِيَ أَنْ يُضَحِّيَ بِكُلِّ شَيْءٍ لِلْحُصًولِ عَلَيْهَا " .

فَقَالَ الجَمِيعُ في أَنْفُسِهِمْ : " يَا لَهُ مِنْ مَلَكُوتٍ جَمِيلٍ ! "

مَضَى الوَقْتُ سَرِيعاً ، وَأَقْبَلَ المَسَاءُ . وَإِذَا هُمْ بَعِيدُونَ كَثِيراً عَنْ أَقْرَبِ قَرْيَةٍ . وَقَدْ أَخَذَ الجُوعُ يَنْتَابُهُمْ .

وَرَأَى رِفَاقُ يَسُوعَ أَنْ يَصْرِفُوا الجُمُوعَ إِلَى بُيُوتِهِمْ ، فَقَالَ لَهُمْ : " لاَ بُدَّ مِنْ بَعْضِ الطَّعَامِ يَأْكُلُونَهُ ، قَبْلَ مُغَادَرَتْنَا .

أَعْطُوهُمْ مَا تَوَفَّرَ لَكُمْ مِنْ طَعَامٍ " .

أَجَابَ رِفَاقُ يَسُوعَ ، وَقَالُوا : " كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى ذلِكَ ؟ إنَّ عَدَدَهُمْ كَبِيرٌ جِدّاً " .

وَتَدَاوَلَ رِفَاقُ يَسُوعَ الأَمْرَ في مَا بَيْنَهُم ، وَسَاوَرَهُمُ الهَمُّ : فَمِنْ أَيْنَ الحَوَانِيتُ في هذِهِ القِفَارِ ؟ وَمِنْ أَيْنَ المَالُ لابْتِيَاعِ مَا يَلْزَمُ مِنَ الطَّعَامِ لِهذَا العَدَدِ الكَبِيرِ؟

وَكَانَ هُنَالِكَ غُلاَمٌ صَغِيرٌ قَدْ قَضَى اليَوْمَ كُلَّهُ بِرِفْقَتِهِمْ .

فَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ : " لَقَدْ نَسِيتُ أَنْ آكُلَ زَادِي ، لأَنَّنِي كُنْتُ أُصْغِي إِلَى يَسُوعَ . هَا هُوَذَا ! تَفَضَّلُوا وَخُذُوهُ ! "

فَتَنَاوَلَ يَسُوعُ الزَّادَ . إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ ، بَلْ طَلَبَ مِنْ أَصْدِقَائِهِ أَنْ يُجْلِسُوا الجُمُوع عَلَى العُشْبِ ، وَيَتَأَهَّبُوا لِوَلِيمَةٍ كَبِيَرَةٍ أَعَدَّهَا لَهُمْ في الهَوَاءِ الطَّلْقِ .

فَعَلَ أَصْدِقَاءُ يَسُوعَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ ، مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْمِلُ إِلاَّ زَادَ الغُلاَمِ . وَكُلُّ مَا فِيهِ خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ

صَغِيرَةٍ ، وَسَمَكَتَانِ صَغِيرَتَانِ .

فَقَالُوا في مَا بَيْنَهُمْ : " هذَا الطَّعَامُ لاَ يَكْفِينَا وَحْدَنَا ! "

حِينَئذٍ وَقَفَ يَسُوعُ ، وَشَكَرَ للهِ أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ مَا يَكْفِي مِنَ الطَّعَامِ .

وَتَنَاوَلَ قُفَّةَ الغُلاَمِ الصَّغِيرَةَ مِنَ الأَرْضِ ، وَخَاطَبَ أَصْدِقَاءَهُ ، وَقَالَ لَهُمْ : " خُذُوا كُلُّ وَاحِدٍ قُفَّةً وَاحْمِلُوا الطَّعَامَ وَوَزِّعُوهُ عَلَى هذِهِ الجُمُوعِ " .

وَابْتَسَمَ يَسُوعُ وَقَالَ : " انْظُرُوا أَيَّ مَسَافَةٍ سَتَقْطَعُونَ لِتُوصِلُوا الطَّعَامَ " . ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الهَضَبَةِ وَالشَّعْبِ المُنْتَشِرِ عَلَيْهَا .

فَأَذْعَنَ أَصْدِقَاءُ يَسُوعَ لأَوَامِرِهِ ، وَتَنَاوَلَ كُلُّ وَاحِدٍ قُفَّةً ، وَجَعَلَ فِيهَا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الأَرْغِفَةِ وَالسَّمَكِ . ثَمَّ اتَّجَهُوا ، كُلٌّ بِقُفَّتِهِ ، إِلَى مُخْتَلِفِ أَنْحَاءِ المُنْحَدَرِ ، وَأَخَذُوا يُوَزِّعُونَ الطَّعَامَ عَلَى الشَّعْبِ .

في بِدَايَةِ الأَمْرِ ، أَعْطَوْا كُلَّ وَاحِدٍ حِصَّةً صَغِيرَةً ، وَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الطَّعَامَ مُتَوَفِّرٌ ، قَدَّمُوا حِصَّةً ثَانِيَةً .

وَمَا لَبِثُوا أَنْ أَدْرَكُوا أَنَّ الطَّعَامَ قَدْ تَوَفَّرَ لِكُلِّ المُشْتَرِكِينَ في الوَلِيمَةِ ، في الهَوَاء الطَّلْقِ .

أَمَّا أَصْدِقَاءُ يَسُوعَ فَزَالَ الارْتِبَاكُ عَنْ أَوْجُهِهِمْ ، وَعَلَتِ الابْتِسَامَةُ شِفَاهَهُمْ ، بَلْ سَيْطَرَ عَلَيْهِمِ الضَّحِكُ لَمَّا رَأَوْا

أَنْفُسَهُمْ وَكَأَنَّهُمْ في عِيدٍ لِلشَّبَابِ ، يَسُودُهُ الأُنْسُ وَالفَرَحَ . أَمَّا الغُلامُ الصَّغِيرُ ، فَقَدِ ابْتَهَجَ ابْتِهَاجاً عَظِيماً ، لأَنَّه سَها وَقْتاً مَا عَنْ أَكْلِ زَادِهِ .

وَلَمَّا انْتَهَى العِيدُ ، أَقْبَلَ الجَمِيعُ يَلْتَقِطُونَ فَضَلاتِ الطَّعَامِ .

وَجَمَعُوا مَا لَمْ يَنْفَذْ مِنَ الطَّعَامِ ، وَمَلأُوا مِنْهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً .

كَادَتِ الجُمُوعُ لاَ تُصَدِّقُ مَا رَأَتْهُ بِعَيْنَيْهَا وَقَالَتْ : " يَا لَهَا مِنْ مُعْجِزَةٍ ! لَمْ يَأْخُذْ يَسُوعُ في يَدِهِ سِوَى خَمْسَةِ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَيْنَ ، وَهَا نَحْنُ كُلُّنَا شَبِعْنَا طَعَاماً ، وَالقُفَفُ فَاقَتْ حَاجَتَنَا ! "

فَقَالَ يَسُوعُ : " ارْفَعُوا شُكْرَكُمْ إِلَى اللهِ . وَاعْلَمُوا أَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يَحْتَوِي عَلَى خُبْزٍ أَفْضَلَ مَنْ هذَا الخُبْزِ . إِنَّ خُبْزَ

المَلَكُوتِ لاَ يُفْسِدُهُ الزَّمَنُ . فَلِمَاذَا لاَ تَطْلُبُونَهُ هُوَ أَيْضاً ؟ "

فَسَأَلُوا قَائِلِينَ : " مِنْ أَيْنَ للهِ خُبْزٌ يَدُومُ إِلَى الأَبَدِ ، وَلاَ يَفْسُدُ ؟ "

فَابْتَسَمَ يَسُوعُ وَقَالَ : " أَنَا هُوَ الخُبْزُ الآتِي مِنْ عِنْدِ اللهِ .

أَنَا خُبْزُ الحَيَاةِ . لَقَدْ أَتَيْتُ لأُعْطِيَكُمْ حَيَاةً إِلَى الأَبَدِ ! "





خاتمة

" من الكتاب المقدّس " سلسلة قصصيّة من 52 رواية للأطفال . كلّ قصّة قائمة بذاتها ويؤلّف مجموعها الكتاب المقدّس ، أي قصّة حبّ الله للبشر ، في كلّ زمان ومكان .

إن الأعداد ( من 31 إلى 52 ) مقتبسة من العهد الجديد وتخبرنا عن حياة يسوع ابن الله وعن تعليمه . وإن هذه القصص تحدّثنا عمّا فعل يسوع وقال ، وعن الشعب الذي لاقاه . إن كلّ ما نعرفه عن حياة يسوع مدوَّن في الأناجيل الأربعة التي كتبها كلٌّ من متى ومرقس ولوقا ويوحنّا . وكلمة " الإنجيل " تعني البُشرى السعيدة .

وختامُ السلسلةِ أربعةُ قصصٍ تحدّثنا عن المسيحيّينَ الأوّلينَ الذينَ نشروا بُشرى السعادة هذه بينَ الناسِ ، كما أمرهُم يسوعُ . وما زالَ أحفادُهم يلهجونَ بها حتى أيّامنا الحاضرة .

قصّة " يسوع يُطعم الشّعب " مأخوذة من الفصل السادس من إنجيل يوحنّا وكثيراً ما عُنونت هذه المعجزة باسم " إطعام الخمسة آلاف " . وهي واردة في الأناجيل الأربعة كلّها .

ربط يوحنّا هذه القصّة بمَا قال يسوع : " من يٌبل إليَّ فلن يجوع أبداً ، ومن يُؤمن بي فله الحياةُ الأبديّة . أنا خبزُ الحياة " . أقبل يسوع إلى العالم ، لا لكي يُشبع الجياعَ فقط ، ولكن لكي يمنحَ الحياة للعالم .

القصّة اللاحقة (37) في السّلسلة عينها ، وعنوانها " يسوع يعلن أسراره " ، تتكلّم عن ملكوت الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010