بالخطوط والألوان طفل ذكى وفنان
حينما نسمع كلمة فن يتداعى لأذهاننا صورة الخط، اللون، الشكل،....
بكل ما في هذا المفردات من جمال وحرية، ولكن لعلماء النفس والتربية إضافة أخرى فقد انتبهوا لأهمية الفن كمقياس للذكاء، وأيضًا كوسيلة من وسائل تنمية هذا الذكاء لما تتضمنه التجربة الفنية من عمليات فعلية متعددة تثري الخبرة العقلية جنبًا إلى جنب مع الخبرة الجمالية، ويصبح الأمر مميزا إذا ما ارتبط بتنمية ذكاء الطفل منذ صغره.
إننا نستطيع أن نقيس مستوى ذكاء الطفل عن طريق الرسوم؛ حيث إن الرسم أحد الأساليب الأدائية لقياس الذكاء- هذا ما بدأتنا به د.عبلة حنفي، والاختبار يقيس المفاهيم العينية التي تعكس تفاعل الفرد الإدراكي مع بيئته ويتضمن عمليات عقلية مثل الإدراك والتصميم والتجريد.
بكل ما في هذه المفاهيم من عمليات معقدة.. وهذه المفاهيم العينية، مثل: نسبة الرسوم- كمية التفاصيل– المواضع– الأحجام– الرسوم المسطحة والمجسمة- التنظيم الإدراكي للأشياء- التعبير عن الكليات.
ويفضل عند هذا الاختبار استبدال مفهوم الذكاء بمفهوم النضج العقلي.. فاختبارات الرسم تتشبع بالمفهوم التقليدي للذكاء، ولكنها تقيس مفهوما أقل تحديدا، وهو الأداء السيكولوجي عامة، أو النضج العقلي على وجه الخصوص، كما أنها توضح تكوين الطفل للمفاهيم العينية والإثارة والحفز العقلي، ورغم اختلاف هذه المفاهيم عن الذكاء فإنها تقع جميعًا في المجال المعرفي للطفل.
وتضيف د. عبلة حنفي: إن رسوم الأطفال أحد أشكال بناء النفس في المجال المعرفي والعقلي والمزاجي والوجداني، فهي ليست مجرد تخطيطات عديمة المعني، بل تعني الكثير للطفل أو لمن يهتم به، فهو يستنطق من خلال رسومه كل ما يعتريه من آمال، ومخاوف، وأفكار، ومفاهيم؛ ولذا لا يكون اهتمامنا منصبًا على النواحي الجمالية، وإنما يتسع ليكشف الصلة بين خصائص النمو الفني ونواحي النمو الأخرى.
نعم.. الطفل شخص مبدع
هذا ما أجابت به د. عبلة حنفي حينما سألناها عن الطفل والإبداع: نعم... ثم نعم، الطفل يتمتع بصفات إبداعية؛ لأنه يتمتع بذكاء قائم على الدهشة والتعجب، كما أنه مولع بحب الاستطلاع وكشف كل محيطه، وذلك من خلال روح اللعب المسيطرة على أنشطته. وتعد هذه الصفات جوهر اكتساب المعرفة، والتفكير الإبداعي الابتكاري، كما أن الطفل شخص خيالي يمارس أنشطته الخيالية بدون حدود، ويتعجب مما يراه البالغون عاديًا ومألوفًا، كما أنه يمارس أنشطته التعبيرية بطلاقة وتنوع ويتمتع بالمرونة في أنشطته الحرة؛ فهي غير ثابتة وسريعة التغير، وبذلك يتضح أن الطفل يتمتع بهذه الصفات الابتكارية.. وهدفنا تشجيعه على استخدام أفكاره الذاتية من خلال تعبيراته الفنية.
قيم إبداعه عبر...
وتتلخص المعايير التي يمكن أن تحدد من خلالها الأعمال والمنتجات الإبداعية للطفل في: الجدة والأصالة (والتميز)، ويجب ألا ننظر إلى الإبداع في فنون الطفل بطريقة مطلقة، أو من خلال رسوم البالغين وقربها من الواقع، وإنما يحدد ذلك من خلال تميزه على أقرانه في نفس العمر، ولا بد أن يكون القائم على تقييم إبداع الطفل مدركًا لمراحل النمو الفني لدى الأطفال حتى يمكنه أن يحدد مستوى هذه الأعمال، وما إذا كانت تتماشى مع مستواه العمري أو أعلى أو أدنى... وفنون الطفل لها سمات تختلف عن إنتاج الكبار؛ فالطفل خيالي في رسومه ولا يلتزم بالواقع.
وتتحدد ابتكارية الطفل في تلقائيته وقدرته على التعبير من جوهره، ومدى إحكامه لعناصر الرسم داخل الصفحة، أو علاقة الألوان بعضها ببعض، والتنوع في كيفية صياغة أشكاله، والقدرة على إبراز شخصيته، كما أن النشاط الفني لا يتطلب حلا واحدًا متبعًا لمقياس الخطأ والصواب، وإنما يتطلب الإتيان بحلول مختلفة متنوعة، وتكون كلها صحيحة فقد ينتج طفلان عملين مختلفين تمامًا لنفس الموضوع، ولهما نفس القيم الإبداعية.
وعلى هذا يتوقف الإبداع
يتلخص ذلك في أن يكون المعلم ذاته –أو الأهل- على معرفة وإدراك بأهمية الإبداع ومكتسبًا له، وداعمًا للاتجاهات الإيجابية التي تعين على فعل الإبداع لدى الطفل، ومن المسلم به أن القدرات الإبداعية تتواجد لدى كل الأفراد، ولكن بدرجات متفاوتة تتسع أو تضيق وفق استعداداتهم الطبيعية من جهة، أو إلى طريقة استغلالهم لها من جهة أخرى، فليس من المهم تواجد هذه القدرات الإبداعية، ولكن الأهم هو تشجيع ممارستها عن وعي، فرغم أن الإبداع استعدادًا فإن هناك عوامل أخرى يتوقف عليها أن يكون الفرد مبدعًا أو غير مبدع، مثل دوافع الفرد واتجاهاته وفرص تنمية هذه الطاقات الإبداعية في البيئة المحيطة؛ فالقدرات الإبداعية هي عبارة عن مجموعة مهارات قابلة للنمو والتحسن عن طريق ا لتدريب.
وقد أثبتت الدراسات أن الوالدين والمعلمين الذين يؤمنون بإبداعية أطفالهم يصبح أبناؤهم أكثر نشاطًا ويقظة وطموحًا ومغامرة، وأعلى قدرة على الإبداع؛ فالأطفال يلعبون دورا إبداعيًا إذا ما هيأنا لهم تفاعلا نشطًا أثناء اكتسابهم لمعارفهم من العالم الخارجي، ويتوقف هذا الدور الإبداعي على كيفية تدريبهم وتنظيمهم للمعرفة، وتفاعلهم مع المثيرات البيئية المختلفة التي يتفاعلون معها.
الفن مثير للذكاء أيضًا
اختلف علماء النفس حول دور العوامل البيئية المكتسبة في تغيير نسبته الذكاء الموروثة، وقد أثبتت الدراسات أن دور كل من الوراثة والبيئة في تكوين نسبتي الذكاء للفرد هي نسبة 80: 20، ولكن أثر البيئة يمكن أن يزداد إذا كانت محفزة ومثيرة للأفراد، فقد اتضح أن نسبة الذكاء تظل في نمو حتى سن الثلاثين في ظل البيئة المثيرة ثقافيًا، بينما لا تكون هناك زيادة بعد سن السادسة عشرة بدون مثل هذه الاستثارة، وقد تتوقف قبل ذلك في حالة الحرمان الثقافي.
ولكن يجب أن نوضح أنه لا يمكن تحويل الشخص الغبي إلى عبقري، ويمكن تحسين نسبة الذكاء في حدود معينة من خلال إثراء خبرات الطفل من خلال الأنشطة الفنية، وذلك لأنها تيسر عمليات تعلمهم للأنشطة الإبداعية المختلفة، وتساعد على تفاعلهم مع الوسائط والخامات والتعبيرية، والتعرف على الشكل واللون والملمس، ويجب أن نجعل الطفل يمر بالخبرة الفنية بمراحلها المختلفة من ا لملاحظة والاكتشاف والتعرف والتمييز والتدريب الإدراكي والتحليل والتفضيل الجمالي والتذوق للفن إلى جانب التقييم النقدي الذي ينمي القدرات التحليلية لدى الطفل.
ويجب أن ندعم الطفل أثناء إنتاجه الفني بالخبرات اللفظية التي تربط بين الشكل واللفظ، وهي ما تسهل الاكتساب والتخزين، وتسهل عملية الاستدعاء وقت الحاجة لهذا المخزون.
والنشاط الفني للطفل عبارة عن أسلوب منظم داخل عملية التعلم؛ فهو خلالها يمكن أن يمر بخبرات ذات أبعاد عقلية وجسمانية ووجدانية وأيضًا اجتماعية.
منقول ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.