ما هى طبيعة التجسد الإلهى ؟



ما هى طبيعة التجسد الإلهى ؟
==================


القديس كيرلس الكبير قال : إن التجسد الإلهى هو اتحاد حقيقى بحسب الطبيعة بين اللاهوت والناسوت . اتحاد اقنومى يفوق العقل والإدراك ، أو اتحاد حقيقى بحسب الطبيعة. ليس هو اتحادا بين أشخاص بل اتحاد بين الطبيعتين فى شخص واحد.


اتحاد طبيعى أو بحسب الطبيعة according to nature ويسمى الأتحاد الفيزيقى.


متى يكون الاتحاد طبيعيا ؟


حينما تكون الطبائع الداخلة فى تكوينة، طبيعة واحدة مع بعضها البعض . وأشهر قول للقديس كيرلس الكبير هو


( ميا فيزيس تو ثيؤلو غو سيساركومينى)

ومعناه : طبيعة واحدة متجسدة لكلمه الله أو لله الكلمة.

فالاتحاد الطبيعى هو الذى يتكون من طبيعتين أو أكثر فى طبيعة واحدة. ومثال لذلك الإنسان الذى يتكون من طبيعتين مختلفتين متبانيتين فى عنصرهم، من جوهرين هما الجسد والروح، وحينما تتحد هاتين الطبيعتين تتكون الطبيعة الإنسانية التى هى طبيعة واحدة.


هل تتحول الروح إلى جسد فى إتحادها بالجسد فى الإنسان ؟ أو هل الجسد يتحول إلى روح؟ بالطبع لا.. فها هو اتحاد بين طبيعتين يكونان طبيعة واحدة بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير . وهو يسمى اتحادا طبيعيا أو اتحاد بحسب الطبيعة وباليونانية


فبما أن الروح ليست جسدا والجسد ليس روحا، لكن الإتحاد بينهما كون طبيعة واحدة هى الطبيعة البشرية، هكذا بالنسبة لكلمة الله فقد اتحد اللاهوت بالناسوت والطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية ليكونا طبيعة واحدة هى طبيعة الله الكلمة المتجسد، بغير اختلاط ولا أمتزاج ولا تغير، لأن الله غير متغير.


هل اللاهوت تحول إلى جسد؟ وهل الناسوت تحول إلى لاهوت ؟

لم يتحول اللاهوت إلى جسد ولا الناسوت إلى لاهوت، لكن فى اتحادهما ونتيجة لهذا الإتحاد كان شخص السيد المسيح الذى يفرح القلوب.. كان السيد المسيح مثلا يمجرد أن يلمس أبرصا يطهر من برصه، فهذه اليد ليست يد عادية لأنها متحدة بالاهوت. قال له الأبرص" إن أردت تقدر أن تطهرنى .. فمد يده ولمسه .. وللوقت.. ذهب عنه البرص( مر 1: 40- 42 ). ولذلك تعجبنى وتشد انتباهى دائما فى القداس الإلهى العبارة التى نقول فيها ( أخذت خبزا على يديك الطاهرتين اللتين بلا عيب ولا دنس الطوباويتين المحييتين) فيد السيد المسيح هى اليد مانحة الحياة

القديس كيرلس الكبير عمود الدين يقول: حينما تتحد النار بالحديد يمكن للحديد أن يكوى. فيقال مثلا فلان كوى بالسيخ فقط ولا يذكر الحديد، لكن السامع يفهم أن السيخ كان محمى بالنار . وكانت نتيجة اتحاد النار بالحديد أن الحديد صار يكوى ويحرق. ولذلك.. حينما نقول ( يديك المحييتين ) نشعر أن يد السيد المسيح كانت مانحة للحياة، فهى لم تعد يدا عادية بل صارت تتألق بمجد اللاهوت، لكن السيد المسيح لم يبين المجد المرئى حتى تحتمل الناس رؤيته. فكان مجده يظهر من خلال أعماله، أكثر مما يظهر فى مناظر ترى بالعين. مع أنه أظهر شعاعا من مجده على جبل التجلى، فصار وجهه يضئ مثل الشمس وهى تضئ فى قوتها، فلم يكن من المستطاع أن يرى أحد وجهه من شده الضوء.

أخفى السيد المسيح مجده وأخلى ذاته وظهر فى الجسد لكى يتمم الفداء لأنه لو تألق فى كامل مجده من كان يتجاسر أن يقترب منه ويدق فى يده المسمار.


الناسوت لم يتغير إلى لاهوت فأصبح هذا الجسد هو جسد كلمة الله، لكن لا ننسى أنه يوجد اتحاد تام بين اللاهوت والناسوت يفوق العقل والإدراك لذلك حينما نقول" كنيسة الله التى اقتناها بدم الإلهى" نقولها لأن هذا الدم متحدا باللاهوت . فنقطه منه كافية لتحرق الخطية الموجودة فى العالم كله. تماما مثلما قلنا عن قطعة الحديد التى صارت تكوى باتحادها بالنار. هكذا فإن نقطة من دماء السيد المسيح لها فاعلية مثل فاعلية الأوتوكلاف مثلا التى تدخل الجراثيم داخلة ليخرج الشئ معقما.

أصبح دما مطهرا، دما محييا، لم يعد دما عاديا. ولذلك حينما سفك السيد المسيح دمه على الصليب كانت قيمه هذا الدم فى نظر الله الآب تستطيع أن تفى كل دين الخطية التى فى العالم . لذلك يقول" أرسل ابنه كفارة لخطايانا ( 1 يو 4: 10) " ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا "( 1 يو 2: 2)

نقطه واحده من دم المسيح تكفى لخلاص العالم كله. لأنها متحده باللاهوت مع أنها لم تتغير عن كونها نقطة دماء .

فى الأفخارستيا يتحول الخمر الذى فى الكأس إلى دم السيد المسيح. لكن هذا الدم لا يتكون من كرات دم حمراء وهيموجلوبين وبلازما، لأنه كان كذلك لشممنا رائحة الدم . هو خمر ممزوج بالماء، تحول بفعل الروح القدس سرائريا، وأصيح دما إلهيا محييا فيه قوة الحياة الأبدية. أما من ناحية طعمه وتكوينه ومواصفاته تحت المجهر فهو لم يتغير..

البعض قد يشرد فكرهم ويطلبون تحليل الدم المقدس ليتأكدوا إن كانت فيه كرات أم لا. والبعض يقول خرافات كثيرة ونسمع عن معجزات كثيرة فيجب الرجوع للكنيسة لنعرف إن كان ما يقال يتفق مع الخط المصتقيم والفكر اللاهوتى العقيدى الصحيح أم أنها خرافات. يوجد فى تاريخ الكنيسة معجزات ونحن نقرأ السنمكسار كل يوم لكننا نرفض تأليف المعجزات.

حينما تتحول الخمر فى الكأس تصير لها فاعلية الحياة الأبدية التى لدم السيد المسيح، بحيث أن الدم الذى سفك على الصليب والدم الذى فى الكأس هما دم ابن الله. لكن الدم الذى فى الكأس له أعراض الخمر مع أنه دم إلهى. فلا يجب أن تكون فيه كرات لكى نعتبره دم، فهو خمر غير عادى لأنه خمر إلهى.


وهذا يتفق مع المثال الذى ذكرناه عن الحديد والنار، فقبل أن يتحد الحديد بالنار لا تكون له فاعلية أن يحرق . هكذا الخمر أيضا فى الكنيسة فأنه يكون خمرا عاديا قبل حلول الروح القدس لكن بعد حلول الروح القدس يكون دما إلهيا مطهرا للخطية ومانحا للحياة الأبدية. هذا الدم هو نفس دم السيد المسيح الذى سفك على الصليب ولكن سرائريا. بمعنى أننا لا نستطيع أن تضعه تحت المجهر لنرى كرات الدم فيه، فهذا تفكير مادى ولا يصح أن نفكر فى أسرار الكنيسة بهذه الطريقة .

الاتحاد بحسب الطبيعة:

حينما تتحد روح الإنسان بجسدها الخاص تستطيع أن تكون ما يسمى الاتحاد الفيزيقى أو الاتحاد بحسب الطبيعة. لكن إذا افترضنا أن روح إنسان أو شيطان أو ملاك دخلت فى قرد أو غوريلا واتحدت به فهل هذا يكون إنساناً؟!؟

هذا ما نعنية بعبارة الاتحاد الطبيعى : إن هذه الروح هى لهذا الجسد وهذا الجسد لهذه الروح. فحينما خلق الله جسد الإنسان خلقه، ثم نفخ فى أنفه نسمة حساة. فصار آدم نفسا حية"( تك 2: 7).

آدم ليس ملاكا + قرد.. لكن آدم طبيعة بشرية واحدة مكونة من عنصرين يتكاملان يالاتحاد هذا الجسد لهذه الروح وهذه الروح لهذا الجسد . إذن لكى يوجد اتحاداً طبيعياً، لا ينفع أن يتحد قرد بملاك مثلا لآن طبيعة هذا ليست لذلك. ولذلك فحينما كانت الأرواح النجسة تدخل فى الحيوانا أو البشر كان هذا وضعا غير طبيعيا.

حينما أخرج السيد المسيح الشياطين من المجنون الأعمى الأخرس وسمح لها أن تدخل فى قطيع الخنازير جرى القطيع إلى الجرف وغرق لأنهم لم يحتملواللجيئون الذى كان فى الإنسان. اللجيئون هم سته ألاف شيطانا كانوا فى هذا الإنسان المسكين، لم تحتملهم الخنازير ( انظر مر 5: 1- 20)

لا ينفع إن يسكن الشيطان فى إنسان ولا فى خنزير لأن هذا الجسد لم يعمل للشيطان الخبيث، وحتى لو سكن فيهم الشيطان فهى سكنى باطلة مستعارة ومؤقتة، لا يمكن أن تدعى إتحادا


لذلك فإننا نصمم على فكرة الطبيعة الواحدة فى المسيح، لأن نسطور كان يعتبر أن الله الكلمة حل فى إنسان وسكن فيه كما يسكن الإنسان فى مسكن بدون اتحاد طبيعى.

الاتحاد الطبيعى بالنسبة لله الكلمة:

من خصائص كلمة الله أنه قادر أن يتجسد ، ومنذ اللحظة الأولى لتكوين الجسد الخاص بالمسيح أى ناسوته ( الجسد والروح الإنسانية) من العذراء مريم، فقد تكون هذا الجسد لكى يتخذه الكلمة جسدا له ، أى أن هذا الجسد عمل خصيصا لأجله.


كلمة الله له القدرة أن يتجسد ، كما أن الجسد الذى كونه لنفسه تكون خصيصاً لكى يتحد به اتحاداً طبيعياً. لم يأخذ كلمة الله شحصاً من البشر ليتحد به ولكنه أخذ طبيعة واتحد بها. لذلك هى ليست اتحاداً بين أشخاص إنما اتحاداً بين طبيعتين فى شخص واحد. لأن هذه الطبيعة التى تكونت خصيصا وحيكت – لو جاز التعبير – لكى يتحد بها الله الكلمة ليظهر فى الجسد .

ولكن كيف تم هذا؟ تم عن طريق أنها تكونت دون أن يكون لها شخص خاص بها. لذلك فإن المسيح ليس شخصين – إله وإنسان – لكنه شخص واحد جمع الطبيعتين فى شخصه الواحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010