تفسير الاصحاح الرابع من سفر نشيد الاناشيد

دراسة تطبيقية فى الإصحــــاح الــرابــــع من سفر نشيد الأناشيد
==================================

مقـــــــــــدمة
-----------------

سفر نشيد الأناشيد هو سـفر الغَزَل الروحانى المقدس ، الذى فيه يمتدحنا الله ونمتدحه .. فهو سفر الحب الحقيقى الذى فيه نرى المسيح كعريس سماوى لكنيسته العروس المجيدة .. كما نرى فيه الرب يسوع عريساً شخصياً لكل نفس تقبله وترحب به ليدخل ويتعشى معها وهى معه (رؤ 3 : 20) ..
ويقول قداسة البابا الأنبا شنوده الثالث : [ الروحيون يقرأون هذا السفر فيزدادون محبة لله .. أما الجسديون فيحتاجون فى قراءته إلى مرشد يفسر لهم ، لئلا يسيئوا فهمه ، ويخرجوا عن معناه السامى إلى معانٍ عالمية .. ]
من أجل هذا وجب علينا أن نتحذر من أن نحبس أفكارنا فى نطاق الجسد والجسديات ونحن نغوص فى أعماق هذا الحب السماوى المقدس فى هذا السفر .. بل يجب أن تتحول أنظارنا إلى العريس السماوى الذى قال عنه معلمنا بولس الرسول : " فإني أغار عليكم غيرة الله لأني خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح " (2كو 11 : 2)
وأكد هوشع النبى نفس المعنى بقوله : " وأخطبك لنفسى إلى الأبد وأخطبك لنفسى بالعدل والحق والإحسان والمراحم .. أخطبك لنفسى بالأمانة فتعرفين الرب " (هو 2 : 19 ، 20) .

وحين يعزف الرب يسوع ألحانه الشجية على أوتار القلب المتلهف للحب الحقيقى ، فإننا نرى هذا القلب وقد سُبى فى حب من مات لأجله ، وتخرج من جدران قلبه أنغام الهيام بعشقٍ سماوىٍ مقدسٍ ، ويفيض فمه بأعذب الأنغام فلا يرى أعذب من نشيد الأناشيد لينطق به .. وهو نشيد الحب الذى يحمل إنعكاسة حب المسيح الأسمى..

لذا قال القديس يوحنا سابا ( الشيخ الروحانى ) :
[ أولئك الذين أشرقت عليهم بشعاع من حبك.. لم يحتملوا السكنى بين الناس ، بل ألقوا عنهم كل حب جسدانى وتغربوا عن كل شئ فى طلب الحبيب ..

نزعوا كل أفراحهم وذهبوا يلتمسون طريق الحبيب بدموع ، بكوا لما وجدوا أنفسهم فى الطريق غير مستأهلين لجمال المحبوب .. ساعة أن أدركوا شهوة الحب حب الوحيد ما صبروا أن يبقوا فى أفراح العالم لحظة ، ولما لم يجدوا عندهم شيئاً يليق بتقديمه إليك .. قدموا ذواتهم بالحب على مذبحك واسلموا أجسادهم حتى الموت .. فرحين إذ وجدوا شيئاً يقدمونه إليك ..
آه منك أيها الحبيب .. لقد سلبت منهم كل شئ .. ]
لذا فهذا السفر الجليل يدور حول هذا الحب المتبادل بين المسيح العريس ، والكنيسة أو النفس البشرية كعروس لهذا العريس السامى .. ولقد سار هذا الحب فى ثلاث مراحل .. يمكن على أساسها تقسيم هذا السفر إلى ثلاثة أقسام ، هى :

أولاً : لهفـــة الحـب الأول .
ثانياً : رباط الزيجـة الأكــمل .
ثالثاً : عودة إلى الحياة الأفضل .

** أولاً : لهفة الحب الأول :
( نش 1 : 1 إلى 3 : 5 )
ونرى فى هذا الجزء :
1) أشواق العروس الملتهبة وتلهفها للعريس (1 : 1 ـ 8)
2) حضور العريس استجابة لأشواقها (1 : 9 ـ 2 : 7)
3) أغنيات العروس عن ذكريات حبها وامتزاجه بفتنة الربيع وبهجة المراعى .. (2 : 8 ـ 3 : 5)

** ثانياً : رباط الزيجة الأكمل :
( نش 3 : 6 إلى 5 : 1 )

ونرى فى هذا الجزء وصفاً بديعاً لحفلة العرس ، ومشاعر العروسين فيُصور لنا :
1) تخت [ موكب ] سليمان محاطاً بالحراس يتقدم نحو أورشليم ، وعلى رأس الملك تاج ساطع صنعته له أمه ليوم عرسه ، وهذه اللمحة الخاطفة توحى لنا بعظمة هذا العرس (نش 3 : 6 ـ 11)
2) أناشيد هيام متبادلة بين العريس والعروس (نش 4 : 1 ـ 5 : 1)

** ثالثاً : عودة إلى الحياة الأفضل :
( نش 5 : 2 ـ 8 : 14)
فطالما أن الإنسان حبيس فى هذا الجسد، فهو معرض للأخطار ، وهذا ما حدث للعروس ، فقد تجمعت سحب الضعف الداكنة لتحجب حرارة شمس المحبة عنها ، لكنها لم تطق الإنفصال ، فهبت عائدة إلى أحضان عريسها ، وهى هنا تحكى لنا مرارة البعد عن أحضان العريس السماوى الدافئة ، ثم تعود لتشدو بلحن الرجوع واستئناف الحياة السعيدة مع عريسها ..

يا لروعة هذه العلاقة المجيدة التى ترفعنا من مزبلة الخطية لتمتعنا بالخطبة السماوية الروحانية لملك الملوك ورب الأرباب !!!

الإصــحاح الــرابـع مـن سـفر النشـيد

فى هذا الإصحاح الرابع من هذا السفر العذراوى المقدس ، نلتقى بأناشيد الهيام والعشق التى فيها يتغزل العريس السماوى فى محبوبته التى اشتراها بدمه الثمين على عود الصليب ، فيراها جميلة بلا عيب فيها ..
كما يشرِّفها بلقب : أختى العروس .. الذى يتكرر أربع مرات فى هذا السفر ، يحظى هذا الإصحاح بثلاثٍ منها .. فيناديها :

 " قد سبيت قلبي يا أختي العروس قد سبيت قلبي " (نش 4 : 9)
 " ما أحسن حبك يا أختي العروس كم محبتك اطيب من الخمر وكم رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب " (نش 4 : 10)
 " أختي العروس جنة مغلقة عين مقفلة ينبوع مختوم " (نش 4 : 12)
 " قد دخلت جنتي يا أختي العروس قطفت مري مع طيبي أكلت شهدي مع عسلي شربت خمري مع لبني كلوا أيها الأصحاب اشربوا واسكروا أيها الأحباء " (نش 5 : 1)

ويُعتبر هذا الإصحاح منعطفاُ خطيراً ينزلق إليه الجسديون الذين يفـتقرون إلى البصيرة الروحية فيخلطون بين الذهب والتراب .. فحين يلتقـون بكلمات العشق السماوى المقدس التى فيها يتغزل العريس فى محبوبته العروس الثمينة ، فعلى الفور يتعثرون ويتساءلون : كيف يمكن لكلمات الوحى الإلهى أن تنطق بمثل هذه الكلمات ، وكيف يكون الروح القدس هو كاتبها ؟؟
والواقع أن كلمة الله تقدم لنا التفسير الواضح لحالة هؤلاء الجسديين فتقول : " ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً " (1كو 2 : 14) ، لكن حين تسقط القشور من على العيون ، وتتوارى سحب المادة ، تستطيع النفس أن تعاين وترى ما لا يُرى ... فترى بالروح وتعاين السماويات بالروح وتقرأ الكتاب وتفهمه وتطبقه عملياً بالروح .. فترى الكنوز السماوية الموجودة خلف الكلمات فتخلص وتدخل وتخرج وتجد مرعى (يو 10 : 9)

كذلك يلفت الأبصار ، شدة إعجاب العريس السماوى بعروسه النفس البشرية ، فهى التى قيل عنها قبلاً : " كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه .. " (إش 53 : 6) لقد ضلت وتشتت وسارت وراء الباطل فصارت باطلاً (إر 2 : 5) .. فكيف يمكن أن يجد فيها جمالاً ؟ وما هو سر هذا الجمال الذى استطاع أن يراه فيها ليمتدحها ؟

نلتقى بهذه الواقعة المغيِّرة فى الإصحاح السادس عشر من سفر نبوة حزقيال النبى وهو يتكلم عن النفس البشرية التى إلتقى بها العريس السماوى فغيّر حالها من النجاسة إلى القداسة ، ومن العرى إلى الثياب المطرزة ، ومن قارعة الطريق إلى ملكوت إبن محبته ... تعال بنا نقرأ ما سجله الوحى عن هذا اللقاء ... حتى يعمل الرب فينا نفس هذا التغيير قبل أن ندخل إلى أقداس العشرة والغزل السماوى فى هذا الكتاب :

" مخـرجك ومولـدك من أرض كنـعان [ أرض الطبيعة البشرية الفاسدة (تك 9 : 26) ] .. أبوك أموري وأمك حثية [ من الأمم اللذين حاربوا شعب الله ] .. أما ميلادك يوم وُلِدت فلم تقطع سرتك [ استمرار الإتصال بالعالم والخطية ] ، ولم تغّسلي بالماء للتنظف ولم تملحي تمليحاً ولم تقمطي تقميطاً [ وهى أشياء كانت تعملها الأم لتحمى وليدها من الميكروبات علامة اهتمامها به وعلامة أنه طفل مهم ومرغوب فيه ، وعدم عمل مثل هذه الأشياء دلـيل على أنها كانت مكروهة حتى من أمها .. ] ، لم تشفق عليك عين لتصنع لك واحدة من هذه لترق لك بل طرحت على وجه الحقل بكراهة نفسك يوم ولدت .. فمررت بك ورأيتك مدوسة بدمك [ مبادرة الحب الأبوى من المسيح الذى جاء ليصالحنا مع الآب بدم نفسه .. ] .. فمـررتُ بـك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب فبسطت ذيلي عليك وسترت عورتك [ علامة أن المسيح عرض أن يكون عريساً سماوياً للنفس البشرية ] وحلفت لك ودخلت معك في عهد يقول السيد الرب فصرت لي .. فحممتك بالماء [ المعمودية ] وغسلـت عنك دماءك [ طهرتك من الخطية الموروثة ] ومسحتك بالزيت [ مسحة الميرون ] وألبسـتك مطرزة [ بثياب البر ] ونعلـتك بالتـخس [ ألبستك أحذية من جلود ثمينة رمزاً لذبائح الغفران والتطهير ] وآزرتك بالكتان وكسوتك بزاً [ رمز البر والنقاء ] وحليتك بالحلي [ أى زينة الروح القدس وفضائله التى يزين بها النفس ] فوضعت أسورةً في يديك وطوقاً في عنقك ووضعت خزامة في أنفك وأقراطاً في أذنيك وتـاج جـمالٍ على رأسـك [ وهى ثمار الروح التى يمنحها الله لأولاده فيجمِّلهم بالخلاص ] فتحليت بالذهب [ بالقداسة ] والفضة [ بالإستقامة ] ولباسك الكتان والبز [ النقـاء الداخلى ] والمطرز وأكلت السميذ [ جسد الرب ودمه ] والعسل [ كلمة الله ] والزيت [ الشبع بعمل الروح القدس ] وجملت جداً جداً فصلحت لمملكة وخرج لك أسم في الأمم لجمالك لأنه كان كاملاً ببهائي الذي جعلته عليك يقول السيد الرب .. " (حز 16 : 3 ـ 14)

هذا هو سر التحول الجِذرى الذى حدث فى النفس البشرية ، فنقلها من قارعة الطريق إلى أن صلُحَت لمملكة .. والسر هو فى قوله: " كان كاملاً ببهائى الذى جعلته عليك .. " فحين تفتح حياتك لنور المسيح ليدخل إلى قلبك فيضيئ بنوره فى ظلمة الخطية الرابضة فى القلب ..
اسمعه وهو يقول : " كن غيوراً وتب .. هنذا واقف على الباب وأقرع إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي .. " (رؤ 3 : 19 ، 20)

أخى الحبيب ، هل تأتى معى لندعوه ليدخل إلى القلب الذى خلقه ليكون له ، فنقول له كما نصلى فى قطع صلاة الساعة الثالثة من الأجبية المقدسة :

[ أيها الملك السماوى المعزى روح الحق الحاضر فى كل مكان ، والمالئ الكل .. كنز الصالحات ومعطى الحياة، هلم تفضل وحل فينا وطهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص نفوسنا .. ]

من الرب نسأل أن يمتعنا ببركة دراسة هذا السفر دراسة عملية تطبيقية ، حتى نتمتع بعريس النفس الغالى الرب يسوع المسيح ونحن فى غربة وبرية هذا العالم ببركة صلوات أمنا القديسة والدة الإله العذراء مريم ، وسائر آبائنا القديسين ، وبركة صلوات خليفة القديس مار مرقس الرسولى البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث .. أدام الرب حياته .. آمين .

عريس نفسى الغالى الرب يسوع المسيح ، أشكرك لأنك حملتنى على ذراعيك الأبديتين وغسلّتنى بالمعمودية ومسحتنى بالميرون .. صرت أنت ثوب برى .. أختفى فيك .. بل صرت أكلى وشربى .. فرحتى وبهجتى .. أشرقت ببهائك علىَّ فصارت أعماقى جميلة ببهائك ..
حسبتنى إبناً لك .. عروساً مقدسة لملك الملوك .. اجلستنى فى السماويات .. ناديتنى : أختى العروس ...
من يهتم بى مثلك .. تعال إلى قلبى يا عريس نفسى .. لتدخل وتتعشىَّ معى ، فأنا عروسٌ لك ولغيرك لن أكون ..
أحبك يا من أحببتنى ..
==============================


دراسة تطبيقية فى الإصحــــاح الــرابــــع من سفر نشيد الأناشيد
=================================

مقـــــــــــدمة
-------------------

سفر نشيد الأناشيد هو سـفر الغَزَل الروحانى المقدس ، الذى فيه يمتدحنا الله ونمتدحه .. فهو سفر الحب الحقيقى الذى فيه نرى المسيح كعريس سماوى لكنيسته العروس المجيدة .. كما نرى فيه الرب يسوع عريساً شخصياً لكل نفس تقبله وترحب به ليدخل ويتعشى معها وهى معه (رؤ 3 : 20) ..
ويقول قداسة البابا الأنبا شنوده الثالث : [ الروحيون يقرأون هذا السفر فيزدادون محبة لله .. أما الجسديون فيحتاجون فى قراءته إلى مرشد يفسر لهم ، لئلا يسيئوا فهمه ، ويخرجوا عن معناه السامى إلى معانٍ عالمية .. ]
من أجل هذا وجب علينا أن نتحذر من أن نحبس أفكارنا فى نطاق الجسد والجسديات ونحن نغوص فى أعماق هذا الحب السماوى المقدس فى هذا السفر .. بل يجب أن تتحول أنظارنا إلى العريس السماوى الذى قال عنه معلمنا بولس الرسول : " فإني أغار عليكم غيرة الله لأني خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح " (2كو 11 : 2)
وأكد هوشع النبى نفس المعنى بقوله : " وأخطبك لنفسى إلى الأبد وأخطبك لنفسى بالعدل والحق والإحسان والمراحم .. أخطبك لنفسى بالأمانة فتعرفين الرب " (هو 2 : 19 ، 20) .

وحين يعزف الرب يسوع ألحانه الشجية على أوتار القلب المتلهف للحب الحقيقى ، فإننا نرى هذا القلب وقد سُبى فى حب من مات لأجله ، وتخرج من جدران قلبه أنغام الهيام بعشقٍ سماوىٍ مقدسٍ ، ويفيض فمه بأعذب الأنغام فلا يرى أعذب من نشيد الأناشيد لينطق به .. وهو نشيد الحب الذى يحمل إنعكاسة حب المسيح الأسمى..

لذا قال القديس يوحنا سابا ( الشيخ الروحانى ) :
[ أولئك الذين أشرقت عليهم بشعاع من حبك.. لم يحتملوا السكنى بين الناس ، بل ألقوا عنهم كل حب جسدانى وتغربوا عن كل شئ فى طلب الحبيب ..

نزعوا كل أفراحهم وذهبوا يلتمسون طريق الحبيب بدموع ، بكوا لما وجدوا أنفسهم فى الطريق غير مستأهلين لجمال المحبوب .. ساعة أن أدركوا شهوة الحب حب الوحيد ما صبروا أن يبقوا فى أفراح العالم لحظة ، ولما لم يجدوا عندهم شيئاً يليق بتقديمه إليك .. قدموا ذواتهم بالحب على مذبحك واسلموا أجسادهم حتى الموت .. فرحين إذ وجدوا شيئاً يقدمونه إليك ..
آه منك أيها الحبيب .. لقد سلبت منهم كل شئ .. ]
لذا فهذا السفر الجليل يدور حول هذا الحب المتبادل بين المسيح العريس ، والكنيسة أو النفس البشرية كعروس لهذا العريس السامى .. ولقد سار هذا الحب فى ثلاث مراحل .. يمكن على أساسها تقسيم هذا السفر إلى ثلاثة أقسام ، هى :

أولاً : لهفـــة الحـب الأول .
ثانياً : رباط الزيجـة الأكــمل .
ثالثاً : عودة إلى الحياة الأفضل .

** أولاً : لهفة الحب الأول :
( نش 1 : 1 إلى 3 : 5 )
ونرى فى هذا الجزء :
1) أشواق العروس الملتهبة وتلهفها للعريس (1 : 1 ـ 8)
2) حضور العريس استجابة لأشواقها (1 : 9 ـ 2 : 7)
3) أغنيات العروس عن ذكريات حبها وامتزاجه بفتنة الربيع وبهجة المراعى .. (2 : 8 ـ 3 : 5)

** ثانياً : رباط الزيجة الأكمل :
( نش 3 : 6 إلى 5 : 1 )

ونرى فى هذا الجزء وصفاً بديعاً لحفلة العرس ، ومشاعر العروسين فيُصور لنا :
1) تخت [ موكب ] سليمان محاطاً بالحراس يتقدم نحو أورشليم ، وعلى رأس الملك تاج ساطع صنعته له أمه ليوم عرسه ، وهذه اللمحة الخاطفة توحى لنا بعظمة هذا العرس (نش 3 : 6 ـ 11)
2) أناشيد هيام متبادلة بين العريس والعروس (نش 4 : 1 ـ 5 : 1)

** ثالثاً : عودة إلى الحياة الأفضل :
( نش 5 : 2 ـ 8 : 14)
فطالما أن الإنسان حبيس فى هذا الجسد، فهو معرض للأخطار ، وهذا ما حدث للعروس ، فقد تجمعت سحب الضعف الداكنة لتحجب حرارة شمس المحبة عنها ، لكنها لم تطق الإنفصال ، فهبت عائدة إلى أحضان عريسها ، وهى هنا تحكى لنا مرارة البعد عن أحضان العريس السماوى الدافئة ، ثم تعود لتشدو بلحن الرجوع واستئناف الحياة السعيدة مع عريسها ..

يا لروعة هذه العلاقة المجيدة التى ترفعنا من مزبلة الخطية لتمتعنا بالخطبة السماوية الروحانية لملك الملوك ورب الأرباب !!!

الإصــحاح الــرابـع مـن سـفر النشـيد

فى هذا الإصحاح الرابع من هذا السفر العذراوى المقدس ، نلتقى بأناشيد الهيام والعشق التى فيها يتغزل العريس السماوى فى محبوبته التى اشتراها بدمه الثمين على عود الصليب ، فيراها جميلة بلا عيب فيها ..
كما يشرِّفها بلقب : أختى العروس .. الذى يتكرر أربع مرات فى هذا السفر ، يحظى هذا الإصحاح بثلاثٍ منها .. فيناديها :

 " قد سبيت قلبي يا أختي العروس قد سبيت قلبي " (نش 4 : 9)
 " ما أحسن حبك يا أختي العروس كم محبتك اطيب من الخمر وكم رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب " (نش 4 : 10)
 " أختي العروس جنة مغلقة عين مقفلة ينبوع مختوم " (نش 4 : 12)
 " قد دخلت جنتي يا أختي العروس قطفت مري مع طيبي أكلت شهدي مع عسلي شربت خمري مع لبني كلوا أيها الأصحاب اشربوا واسكروا أيها الأحباء " (نش 5 : 1)

ويُعتبر هذا الإصحاح منعطفاُ خطيراً ينزلق إليه الجسديون الذين يفـتقرون إلى البصيرة الروحية فيخلطون بين الذهب والتراب .. فحين يلتقـون بكلمات العشق السماوى المقدس التى فيها يتغزل العريس فى محبوبته العروس الثمينة ، فعلى الفور يتعثرون ويتساءلون : كيف يمكن لكلمات الوحى الإلهى أن تنطق بمثل هذه الكلمات ، وكيف يكون الروح القدس هو كاتبها ؟؟
والواقع أن كلمة الله تقدم لنا التفسير الواضح لحالة هؤلاء الجسديين فتقول : " ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً " (1كو 2 : 14) ، لكن حين تسقط القشور من على العيون ، وتتوارى سحب المادة ، تستطيع النفس أن تعاين وترى ما لا يُرى ... فترى بالروح وتعاين السماويات بالروح وتقرأ الكتاب وتفهمه وتطبقه عملياً بالروح .. فترى الكنوز السماوية الموجودة خلف الكلمات فتخلص وتدخل وتخرج وتجد مرعى (يو 10 : 9)

كذلك يلفت الأبصار ، شدة إعجاب العريس السماوى بعروسه النفس البشرية ، فهى التى قيل عنها قبلاً : " كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه .. " (إش 53 : 6) لقد ضلت وتشتت وسارت وراء الباطل فصارت باطلاً (إر 2 : 5) .. فكيف يمكن أن يجد فيها جمالاً ؟ وما هو سر هذا الجمال الذى استطاع أن يراه فيها ليمتدحها ؟

نلتقى بهذه الواقعة المغيِّرة فى الإصحاح السادس عشر من سفر نبوة حزقيال النبى وهو يتكلم عن النفس البشرية التى إلتقى بها العريس السماوى فغيّر حالها من النجاسة إلى القداسة ، ومن العرى إلى الثياب المطرزة ، ومن قارعة الطريق إلى ملكوت إبن محبته ... تعال بنا نقرأ ما سجله الوحى عن هذا اللقاء ... حتى يعمل الرب فينا نفس هذا التغيير قبل أن ندخل إلى أقداس العشرة والغزل السماوى فى هذا الكتاب :

" مخـرجك ومولـدك من أرض كنـعان [ أرض الطبيعة البشرية الفاسدة (تك 9 : 26) ] .. أبوك أموري وأمك حثية [ من الأمم اللذين حاربوا شعب الله ] .. أما ميلادك يوم وُلِدت فلم تقطع سرتك [ استمرار الإتصال بالعالم والخطية ] ، ولم تغّسلي بالماء للتنظف ولم تملحي تمليحاً ولم تقمطي تقميطاً [ وهى أشياء كانت تعملها الأم لتحمى وليدها من الميكروبات علامة اهتمامها به وعلامة أنه طفل مهم ومرغوب فيه ، وعدم عمل مثل هذه الأشياء دلـيل على أنها كانت مكروهة حتى من أمها .. ] ، لم تشفق عليك عين لتصنع لك واحدة من هذه لترق لك بل طرحت على وجه الحقل بكراهة نفسك يوم ولدت .. فمررت بك ورأيتك مدوسة بدمك [ مبادرة الحب الأبوى من المسيح الذى جاء ليصالحنا مع الآب بدم نفسه .. ] .. فمـررتُ بـك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب فبسطت ذيلي عليك وسترت عورتك [ علامة أن المسيح عرض أن يكون عريساً سماوياً للنفس البشرية ] وحلفت لك ودخلت معك في عهد يقول السيد الرب فصرت لي .. فحممتك بالماء [ المعمودية ] وغسلـت عنك دماءك [ طهرتك من الخطية الموروثة ] ومسحتك بالزيت [ مسحة الميرون ] وألبسـتك مطرزة [ بثياب البر ] ونعلـتك بالتـخس [ ألبستك أحذية من جلود ثمينة رمزاً لذبائح الغفران والتطهير ] وآزرتك بالكتان وكسوتك بزاً [ رمز البر والنقاء ] وحليتك بالحلي [ أى زينة الروح القدس وفضائله التى يزين بها النفس ] فوضعت أسورةً في يديك وطوقاً في عنقك ووضعت خزامة في أنفك وأقراطاً في أذنيك وتـاج جـمالٍ على رأسـك [ وهى ثمار الروح التى يمنحها الله لأولاده فيجمِّلهم بالخلاص ] فتحليت بالذهب [ بالقداسة ] والفضة [ بالإستقامة ] ولباسك الكتان والبز [ النقـاء الداخلى ] والمطرز وأكلت السميذ [ جسد الرب ودمه ] والعسل [ كلمة الله ] والزيت [ الشبع بعمل الروح القدس ] وجملت جداً جداً فصلحت لمملكة وخرج لك أسم في الأمم لجمالك لأنه كان كاملاً ببهائي الذي جعلته عليك يقول السيد الرب .. " (حز 16 : 3 ـ 14)

هذا هو سر التحول الجِذرى الذى حدث فى النفس البشرية ، فنقلها من قارعة الطريق إلى أن صلُحَت لمملكة .. والسر هو فى قوله: " كان كاملاً ببهائى الذى جعلته عليك .. " فحين تفتح حياتك لنور المسيح ليدخل إلى قلبك فيضيئ بنوره فى ظلمة الخطية الرابضة فى القلب ..
اسمعه وهو يقول : " كن غيوراً وتب .. هنذا واقف على الباب وأقرع إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي .. " (رؤ 3 : 19 ، 20)

أخى الحبيب ، هل تأتى معى لندعوه ليدخل إلى القلب الذى خلقه ليكون له ، فنقول له كما نصلى فى قطع صلاة الساعة الثالثة من الأجبية المقدسة :

[ أيها الملك السماوى المعزى روح الحق الحاضر فى كل مكان ، والمالئ الكل .. كنز الصالحات ومعطى الحياة، هلم تفضل وحل فينا وطهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص نفوسنا .. ]

من الرب نسأل أن يمتعنا ببركة دراسة هذا السفر دراسة عملية تطبيقية ، حتى نتمتع بعريس النفس الغالى الرب يسوع المسيح ونحن فى غربة وبرية هذا العالم ببركة صلوات أمنا القديسة والدة الإله العذراء مريم ، وسائر آبائنا القديسين ، وبركة صلوات خليفة القديس مار مرقس الرسولى البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث .. أدام الرب حياته .. آمين .

عريس نفسى الغالى الرب يسوع المسيح ، أشكرك لأنك حملتنى على ذراعيك الأبديتين وغسلّتنى بالمعمودية ومسحتنى بالميرون .. صرت أنت ثوب برى .. أختفى فيك .. بل صرت أكلى وشربى .. فرحتى وبهجتى .. أشرقت ببهائك علىَّ فصارت أعماقى جميلة ببهائك ..
حسبتنى إبناً لك .. عروساً مقدسة لملك الملوك .. اجلستنى فى السماويات .. ناديتنى : أختى العروس ...
من يهتم بى مثلك .. تعال إلى قلبى يا عريس نفسى .. لتدخل وتتعشىَّ معى ، فأنا عروسٌ لك ولغيرك لن أكون ..
أحبك يا من أحببتنى ..
=================================


دراسة تطبيقية فى الإصحــــاح الــرابــــع من سفر نشيد الأناشيد
==================================

حــياة التــكريس
--------------------


" ها أنت جميلة يا حبيبتي .. ها أنت جميلة عيناك حمامتان من تحت نقابك .. شعرك كقطيع معز رابض على جبل جلعاد .. " (نش 4 : 1)

نأتى إلى الصفة الثانية فى العروس التى يتغزل فيها العريس السماوى .. فبعد أن تكلمنا عن عينى العروس اللتين كالحمامتين ، نعود لنرى العريس فى نفس العدد الأول من هذا الإصحاح الرابع ، نراه يتحدث عن شعر العروس فيقول : " شعرك كقطيع معز رابض على جبل جلعاد .. "
والمنظرُ جميلٌ .. فالجبل عالٍ ، وحين يربض الماعز الإسود اللون عليه يصير المنظر كشعرٍ أسود يعلو رأس العروس ويتدلى على كتفيها ... هكذا عروس المسيح كالجبل العالى ، وشعرها كالماعز الرابضة على قمته والنازلة إلى سفحه ...
ونحن نلتقى مع هذا الشعر فى سفر العدد الإصحاح السادس حين يتكلم الوحى المقدس عن شريعة النذير فيقول :
" إذا انفرز رجل أو إمرأة لينذر نذر النذير لينتذر للرب [ أى ليصبح ملكا للرب بالكامل ] .. فعن الخمر والمسكر يفترز [ أى يبتعد ] ولا يشرب خل الخمر ولا خل المسكر ولا يشرب من نقيع العنب [ أى الأباركة ، فنحن لا نشرب الأبـاركة فى التناول ، بل نتناول جسد الرب ودمه ] ولا يأكل عنباً رطباً ولا يابساً [ أى لا يشرب حتى النبيذ ] .. كل أيام نذره لا يأكل من كل ما يُعمل من جفنة الخمر من العجم حتى القشر .. كل أيام نذر إفترازه لا يمر موسى على رأسه إلى كمال الأيام التي إنتذر فيها للرب يكون مقدساً ويُربي خصل شعر رأسه [ فتكون العروس التى تربى خصل شعر راسها نذيرة للرب ] .. إنه كل أيام إنتذاره مقدسٌ للرب .. ويحلق النذير لدى باب خيمة الإجتماع رأس إنتذاره ويأخذ شعر رأس إنتذاره ويجعله على النار التي تحت ذبيحة السلامة .. " (عدد 6 : 2 ـ 18) ، فتأتى العروس بشعرها الذى هو تاج جمال لرأسها .. تأتى به إلى الذبيح الحبيب الرب يسوع المسيح ، فيكون علامة تكريسها وتخصيصها للرب يسوع وحده كعريس حقيقى لقلبها ..

والواقع أن هذا الموضوع ، أى موضوع التكريس ، ليس هو قاصر على القلة الذين فضلوا حياة البتولية أو الرهبنة على الزواج ، أو قرروا ترك وظائفهم ليخصصوا كل وقتهم فى الخدمة ... لكن الواقع أن حياة التكريس هى الحياة التى يطلبها الرب فى عروسه المحبوبة النفس البشرية التى اشتراها بدمه لتكون له وحده وليس لسواه ... فقد تكون أنت أعزباً أو متزوجاً ... موظفاً أو متفرغاً ... لكن السؤال المهم هو : هل لك القلب المكرس المخصص للرب وحده ولا سواه .. أم أن هناك شريكاً للرب فى القلب .. علاقات ؟ ممتلكات ؟ ذكريات ؟ ملاهى وملذات ؟ إلخ فإما أن تكون نذيراً للشيطان أو أن تكون نذيراً للمسيح ... إن المؤمن فى العهد الجديد هو شخص مكرس ومخصص لله ، والكتاب يلزمنا بالتكريس للمسيح وحده فيقول : " فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية .. " (رو 12 : 1)
وسنركز الحديث فى حياة التكريس حول ثلاث كلمات :
o أعــظم نصــيب .
o ســلامٌ عجــيب .
o مـرعى خصــيب .

أولاً : أعــــظم نصــــيب

يقول العريس : " شعرك كقطيع معز رابض على جبل جلعاد " ما أعظم هذه الثروة التى لا تعوضها كنوز الأرض وما فيها ... فعندما يأخذ الإنسان المسيح نصيبه ، فيتحقق فيه ما قاله الرب لمريم : " اختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها "(لو 10 : 42) فيجد فى المسيح:
1) كنــزٌ وحيد :
كثيرون يرفضون الحياة مع المسيح ظانين أنه سيحرمهم من مباهج الحياة ، فمعه سيخسرون ملذات العالم وتصير حياتهم صفقة خاسرة ...
يا للعجب .. إن إبليس إله هذا الدهر يبدل الحقائق مع أمثال هؤلاء ، فيرون فى الكنز الوحيد خسارة ، وفى اللؤلؤة الفريدة ضياع .. والكتاب يخبرنا عن التاجر الذى كان يطلب لألى حسنة، ولما وجد لؤلؤة واحـدة كثيرة الثمن مضى وباع كل ما كان له واشتراها (مت 13 : 46)
ألم يترك القديس العظيم الأنبا أنطونيوس 300 فدان من أجود أراضى الصعيد ليقتنى اللؤلؤة ...
لذا ، فما أسعد النفس التى تجد فى المسيح كنزها الوحيد ، فتكرس له شَعر جمالها لتقتنى العريس السماوى أعظم نصيب للشعوب ..

2) ثبات شديد :
إن النفس التى تختار المسيح نصيبها وتخصص حياتها وحبها له، فتتمتع بثبات شديد حتى حين يتزعزع الآخرون ... فتراه جبل جلعاد الذى لا يتزعزع ..
هل تذكر معى يعقوب أبو الآباء وهو هارب من لابان ، فلحقه لابان فى جبـل جلعاد .. لكن الله مصدر الثبات والأمان تراءىَ للابان فى حلم وحذره من أن يؤذى يعقوب .. ويسجل ذلك لابان بقوله : " في قدرة يدي أن أصنع بكم شراً ، ولكن إله أبيكم كلمني البارحة قائلاً احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر .. " (تك 31 : 29) .. نعم ، فى قدرة يد الشيطان أن يصنع بنا الشر كل الشر ، لكن حين نكرس حياتنا للمسيح فسنتمتع بالأمان والطمان فى أحضان العريس السماوى ، فلا يلاقينا شر ولا تدنو ضربة من خيمتنا ...

3) شفاءٌ أكيد :
قديماً كانت تشتهر جلعاد بنوع فريد من النباتات أسمه البلسان .. مشهور برائحته الطيبة ، كما أنه معروف بقدرته على علاج العديد من الأمراض والجروح .. لذا تساءل إرميا قائلاً : " أليس بلسانٌ في جلعاد أم ليس هناك طبيب فلماذا لم تُعصب بنت شعبي " (إر 8 : 22) ، فحين تُجرح شجرة البلسان بفاس فيخرج العصير من قشرتها ، ويتلقاها المرضى فى أنية خزفية مُعدة لذلك ...
وهكذا ، لقد جُرِحَ المسيح على عود الصليب بالحربة فى جنبه فسال منه دماً وماء لتطهير خطايانا ولشفاء الجراح التى جرحتنا بها الخطية .. لذا فالمسيح هو الطبيب الحقيقى الذى لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا ..

أخى الحبيب ، هل وجدت فى المسيح نصيباً فريداً ؟ هل تأتى إليه معى كآنية خزفية يتجمع فيها بلسان الحبيب الغالى شفاءاً لجراحات الماضى وعلاجاً لضعفات الحاضر وضماناً لمخاوف المستقبل .. فنقول مع الأب الكاهن فى القسمة المقدسة :
[ صعد إلى الصليب عرياناً ليكسونا بثوب بر .. وفُتِحَ جنبه بالحربة لكى ندخل إليه ونسكن فى عرش نعمته ولكى يسيل الدم من جسده لنغتسل من آثامنا .. وأخيراً مات ليقيمنا من موت الخطية ويحينا حياة أبدية .. ]



ثانياً : ســـلامٌ عجــــيب
يقول العريس عن النفس التى تتكرس له بالكلية : " شعرك كقطيع ماعز رابضٌ على جبل جلعاد .. " .. أى مستلقى ومستريح .. لقد كانت تسأل العريس قائلة : " أين ترعى أين تربض عند الظهيرة .. " لذا فإن الراحة الحقيقية والسلام القلبى العميق لا يمكن أن يتحققا فى كنوز الدنيا الفانية ولا فى ملذات الشهوة الردية ولا فى آمال الشهرة العالمية .. بل فى ذاك العريس الذى قال عن نفسه : " تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم " (مت 11 : 28)

هل تذكر بطرس الرسول حين كان محروساً فى السجن بأربع أرابع من العسكر ، وكان هيرودس ينوى قتله كما فعل يعقوب قبلاً ، لكنه كان فى سلام عجيب يرقد نائماً فى قلب هذه الزنزانة .. حتى أن الملاك الذى أرسله الرب لينقذه اضطر أن يضربه فى جنبه ليوقظه .. إنه السلام الذى قال عنه المؤمن الذى ذاق الراحة والإطمئنان فى المسيح : "بسلامة أضطجع بل أيضاً أنام لأنك أنت يا رب منفرداً في طمأنينة تسكنني " (مز 4 : 8) .. لقد كان بنيامين يتمتع بهذا السلام إذ قال عنه الكتاب: " لبنيامين قال حبيب الرب يسكن لديه آمنا يستره طول النهار وبين منكبيه يسكن " (تث 33 : 12) ...
لذا فسلام المؤمن لا يُبنى على ممتلكات أو علاقات بل على إله لا يتغير كجبل جلعاد بل حتى وإن زالت الجبال أو تزعزعت الآكام ، فهو يبقى قلعة الراحة والأمان وسط المخاوف والأحزان ..

أخى الحبيب .. ونحن فى عصر الحروب والمجاعات والزلازل والأوبئة وغيرها مما يسبب الهلع والإضطراب وأمراض العصر كالسكر والضغط والقلب .. إلخ ، أين تجد راحتك وما هو منبع سلامك ؟ هل وجدته فى العريس الحبيب ؟ فبرغم البرية القاحلة ، إلا أن الغنم رابضة مستريحة مستندة على مصدر السلام العجيب ...

** قصة : فى مسابقة للفنون فى أحدى البلاد ، أعلن الملك موضوع المسابقة وهو عن : السلام .. وتبارى الفنانون فى رسم لوحاتهم .. وفى يوم المسابقة جاء الملك ليرى اللوحات التى رسمها الفنانون عن السلام .. فوجد الكثير من الأفكار التقليدية عن السلام .. لكن لفرط دهشته وجد لوحة ممتلئة بالعواصف والزوابع والرياح والأشجار التى كادت تقلعها الرياح العاتية .. فسأل الفنان الذى رسم اللوحة عن السلام فى وسط هذه اللوحة المليئة بغضب الطبيعة .. فأجاب الفنان بكل ثقة قائلاً : سيدى الملك إن السلام الحقيقى يبدو واضحاً فى هذا العصفور المغرد الذى يقف على الغصن ثابتاً مهللاً لا يخشى من الرياح ولا يعبأ بالعواصف بل يستند على رئيس السلام الذى يهب سلامه العجيب لمن يتكل عليه مهما تقلبت ظروف الحياة ...

ثالثاً : مرعـــى خصـــيب

يقول العريس لعروسه : " شعرك كقطيع ماعز رابض على جبل جلعاد .. " وهذا الجبل معروف بوفرة العشب .. فيرمز لحياة الشبع مع المسيح .. فالعريس هنا يجد أن محبوبته قد وجدت شبعها فيه وحده ولا سواه ..
لذا قال الرب وهو يعد شعبه بالراحة والشبع فيه : " أرد إسرائيل إلى مسكنه .. فيرعى كرمل وباشان وفي جبل افرايم وجلعاد تشبع نفسه .. " (إر 50 : 19) فحين تجوع فى رحلة الحياة ، لا تجد مثله مرعى خصيب قال عنه داود فى مزموره : " في مراعٍ خضرٍ يربضني إلى مياه الراحة يوردني " (مز 23 : 2)
فلا يمكن أن يشبعك العالم ولا الشهوة والبحث عن الذات .. فالحكيم يقول : " العين لا تشبع من النظر والأذن لا تمتلئ من السمع "(جا 1 : 8) فحين يكون لك 100 جنيه تريدهم 1000 والـ 1000 تريدهم مليون .. ومن له أبن يريد الثانى .. ومن بنى الدور الثانى يريد الثالث .. ومن يتسلسل بالمسلسلات التليفزيونية يريد المزيد .. وحين سقط الإتحاد السوفيتى وصارت امريكا القوة الوحيدة فى العالم لم يكفيها الوصول إلى القمر ، بل سعت للوصول إلى المريخ ... وهكذا قال القديس اغسطينوس للرب فى اعترافاته :

[ أرواحنا خرجت منك ولن تستريح إلا فيك .. ]

لكن ما أروع النفس التى تتكرس للحبيب الغالى فتستظل بظله وتستريح فى خضرته وترعى فى مرعاه الخصيب وتشبع من دسم بيته فتنعم بالسلام ..

أخى الحبيب .. إنها فرصة أن تأخذ قراراً بأن تتكرس عيناك للمسيح فلا يغريهما مباهج العالم .. وأن تتكرس أذناك فلا تطرب لأغانى الشر المفسدة ، وفمك فلا ينطق إلا بتسابيح السماء لا بالكذب أو الحلفان أو الشتيمة والنميمة ، ويداك لا تمتد للحرام ، بل ترفعهما كذبيحة مسائية للعريس الغالى ، وأقدامك لا تجرى إلا خلفه بحثاً عن الضال والشارد من قطيعه حتى تجده .. بل يتكرس القلب بالكلية له وحده فأنت نذيره .. فهل تتوجه ملكاً تتبعه اليوم وكل الأيام ... فتقول له :

سيدى الرب يسوع المسيح عريس نفسى الغالى .. اشكرك لأنك أعظم نصيب يمكن أن أختاره ..
أشكرك لأنك تريدنى مكرساً ومخصصاً لك ..
ها حبى وقلبى وحياتى .. ماضىّ وحاضرى ومستقبلى .. تنازل اقبلهم ذبيحة حبٍ على مذبح التكريس والتخصيص لك كل الأيام ..
اسمح أقبل منى ما أعطيتنى فأنا لك ولغيرك لن أكون .. آمين
** ترنيمة :
قرار : أكرس نفسى لك سـيدى أخصـــص حبى لكَ ملكى2
فقدس حياتى فكرى ومقصـدى لأحيا لشخصك وحدك لا سواك

1) لك نظرى لك سـمعى لك قلـــبى ورغباتى2
لك لمسى لك همسى لك ميلى وإرادتـــى2

2) أقدم عمرى أسلم أمرى أقدم حاضرى ومستقبلى
كل ما أملك وما يدى تمسك الكلُ لديك أيها العلى

3) أرفع صوتى أضع عهدى أقدم وعدى أن أحيا لكَ
فامتلكنى بجملتى . وباركنى فى خدمتى . واستخدمنى سيدى فى كرمك
=================================

دراسة تطبيقية فى الإصحــــاح الــرابــــع من سفر نشيد الأناشيد
===============================

حـــــياة التــــــأمل
------------------------

" أسنانك كقطيع الجزائز الصادرة من الغسل
اللواتي كل واحدة متئم وليس فيهن عقيم .. "
(نش 4 : 2)

يواصل العريس حديثه عن أوصاف عروسه النفس البشرية التى فداها بدمه ... فبعد أن وصف عيناها كحمامتين رمزاً للنقاء والبصيرة الروحية ، وكذلك شعرها كقطيع ماعز رابض على جبل جلعاد رمزاً لحياة التكريس التى يجب أن يحياها كل مؤمن كنذير للمسيح .. نراه هنا وهو يستكمل وصفه فى الجانب الثالث فى العروس فيتحدث عن أسنانها كقطيع الجزائز [ أى الخراف المجزوز صوفها رمزاً للبياض والطهارة ] الصادرة [ أى الراجعة ] من الغسل [ أى استحمت وخرجت نظيفة ] ، ثم يصف أسنانها بأنها : كل واحدة متئم أى أن كل واحدة من أسنانها قد أنجبت توأماً وليس فيهن عقيم ...

والمعنى المقصود بالتأكيد ليس معنى جسدى ، بل هو معنى روحى سامى ، ترتفع فيه الأبصار وتسمى على كل جمال جسدى وتدخل إلى الأعماق فى بهاء روحى وسمو مقدس .. فترمز الأسنان إلى الشبع بكلمة الله ، كما قال إرميا النبى : " وُجِدَ كلامك فأكلته فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي " (إر 15 : 16) ، وفى المزمور الأول يتأكد نفس المعنى : " لكن في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً " (مزمور 1 : 2) ، والمعنى الحرفى لكلمة " يلهج " هى " يجتر " .. والحيوانات المجترة هى الحيوانات التى تأكل البرسيم ثم تخزّنه فى معدتها ثم تعود لتختلى بنفسها فتُخرج بعضاً من هذا البرسيم لتمضغه وتتمتع بأكله ، ثم تبلعه ممضوغاً ...

إذن الأسنان تشير إلى اجترار كلمة الله وإلى التمتع بها والتأمل فيها .. فيأكل المؤمن آيات الكتاب المقدس ، ثم يعود ويجترها أى يتغنى بها ويتأمل فيها فتصير فى داخله روح وحياة ...
لهذا فشبع العروس بكلمة الله وهضمها لآيات الكتاب أمر أثار اهتمام وانتباه العريس فمدحها عليها ..

ولنا فى هذه الصفة ثلاث نقاط جوهرية ، هى :
o أولاً : تجــرد كــامل .
o ثانياً : نــقاء شــامل .
o ثالثاً : إيــمان عامـل .


أولاً : تجــرد كــامل
يقول العريس لعروسه : " أسنانك كقطيع مجزوز .. " وهذا هو التجرد الكامل .. فحين يأتى المؤمن ليدخل إلى حضرة الرب يسوع ليتأمل فى جماله وليشبع بعشقه ، فلا بد له أن يتجرد بالكلية من الإنشغال بالعالم ومباهجه ليدخل إلى العشرة الهنية مع الحبيب السماوى .. فيكون كالقطيع الذى خلع صوفه الكريه الرائحة وتخلص مما به من حشرات تؤلمه وتضايقه وصار أبيضاً بهياً ...
أخى الحبيب ، إن وجود عازل بيننا وبين إلهنا هو السبب الأساسى فى عدم الإستمرارية فى الحياة الروحية ، فنبدأ ولا نستمر .. كعامل دهان السيارات التى ينظف السيارة تماماً من أى قاذورات قبل أن يدهنها ، حتى لا تصبح هذه القاذورات عازلاً للدهان ، فيفسد حين يتعرض للشمس ..
فحين نأتى لنصلى فى القداس الإلهى أو فى الشركة الفردية .. تكون هناك عوازل تفصل بيننا وبين التمتع الحقيقى بحضرة الرب .. لذا كان محذوراً على الكهنة أن يلبسوا أى ملابس تحوى الصوف عند الدخول إلى الهيكل .. بل كانت ملابسهم مصنوعة بالكامل من الكتاب الأبيض الذى يرمز إلى النقاء .. بل كانت الوصية تمنع الكاهن حتى من لبس الصوف مع الكتان : " لا تلبس ثوباً مختلطاً صوفاً وكتاناً معاً " (تث 22 : 11) فأية شركة للظلمة مع النور .. وإي إتفاق للمسيح مع بليعال وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن " (2كو 6 : 15)
إن سر جمال العروس أنها تجردت من صوف العالم ومباهجه .. من شهوة الجسد ، ومن شهوة العيون ، ومن تعظم المعيشة .. لقد تخلصت من البغضة للآخرين ، ومن التمركز حول الذات ومن اللذة والشهوات .. وصارت فى تجرد كامل .. لذا قال معلمنا بولس الرسول : " بل إني أحسب كل شيء أيضا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح " (في 3 : 8)
ويقول قداسة البابا الأنبا شنوده فى قصيدته الرائعة عن التجرد الروحى والإنحلال من الكل للإتحاد بالواحد الرب يسوع :

قد تركت الكلَ ربى ما عـداك ليس لى فى غربة العمر سواك
ومنعت الفكر عـن تجــواله حيثـــما أنت فـأفكارى هناك
قد نسيت الأهل والأصحاب بل قد نسيت النفس أيضاً فى هواك
قد نسيت الكلَ فى حُبِكَ يــا متعة القلب فلا تنـسى فتــاك

أخى الحبيب ، أردنا أو لم نرد ، فكما دخلنا العالم بلا شئ ، فلا بد أن نخرج منه بلا شئ .. فعرياناً خرجت من بطن أمى وعرياناً أعود إلى هناك (أى 1 : 21) ... لذا فقد نملك الأشياء ، لكننا لا نسمح لها أن تملكنا ..



ثانياً : نقــاء شــامل
يقول العريس عن عروسه : " أسنانك كقطيع الجزائز الصادرة من الغسل .. " أى أن هذا القطيع بعد أن تخلى وتجرد عن صوفه وتحرر من رائحته وحشراته ، نزل به صاحبه إلى المياه فتنقى واغتسل وتطهر فزادته المياه نقاءاً وبهاءاً ..
إن من يعيش فى حياة التأمل فى كلمة الله ، والعمق فيها ، فإن الكلمة تسكن فيه بغنى وتثمر فى داخله نقاءاً شاملاً لكل جوانب الحياة ..

هل تذكر معى ما عمله الرب مع جدعون فى العهد القديم إذ أخذ معه 32000 جندى .. خاف منهم 22000 وبقى 10000 ، فقال الرب لجدعون لم يزل الشعب كثيراً انزل بهم الى الماء فأنقيهم لك هناك " (قض 7 : 4) .. فكانت النتيجة أن بقى معه 300 جندى فقط .. وبهؤلاء الأبطال الذين نقاهم الرب فى الماء صنع الرب خلاصاً عظيماً ..

وقد تكون المياه فى حياة المؤمن واحداً مما يلى :

1) مياه المعمودية :
وهى أول سر يتمتع به الطفل فى حياته .. وفيها يتنقى من الخطـية الموروثة التى قيل عنها : " بالآثام حُبلَ بى وبالخطية ولدتنى أمى .. " ، فيتحقق فيه القول : " قم واعتمد واغسل خطاياك داعياً باسم الرب " (أع 22 : 16) ، وفى المعمودية موت وقيامة وحياة مع المسيح .. ففيها نموت معه ونُدفن معه ونقوم فى جدة الحياة أى فى الحياة الجديدة لذا قال الكتاب : " الذي مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية لا إزالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح " (1بط 3 : 21)

2) دموع ضرورية :
وهى دموع التوبة التى هى معمودية ثانية كما تعلمنا الكنيسة .. فالذى اغتسل قبلاً بالمعموديـة ، ليـس له حاجة إلا لغسل قدميه .. ففى مسيرتنا فى هذه البرية تتسخ أقدامنا وتحتاج أن تُغسل بدموع التوبة ..
لذا يصلى الأب الكاهن فى القداس الكيرلسى ويقول : [ اعط ماء لرؤوسنا ، وينابيع دموع لأعيننا لكى نبكى نهاراً وليلاً أمامك على زلاتنا ، لأننا نحن شعبك وخراف قطيعك .. تجاوز عن آثامنا ، واصفح عن زلاتنا .. ]

3) الكلمة المنقية :
وما أروع الغسل الذى تُغسل به حياتنا بفعل كلمة الله التى حين ندخل إلى الخلوة اليومية الصباحية وتنكشف حياتنا أمام إشعة كلمة الله ، التى قيل عنها : " أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به " (يو 15 : 3) ، فحين نسمع ونقرأ الكلمة ، ثم نتأمل فى أبعادها ونترك لها المجال لتسكن فينا فنخضع لقيادتها لحياتنا إذ نطبقها ونسلك بمقتضاها ، يتحقق فينا قول الكتاب : " لكي يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة .. " (أف 5 : 26)

لذا يقول الأب الكاهن فى أوشية الانجيل : [ فلنستحق أن نسمع وأن نعمل بأناجيلك المقدسة بطلبات قديسيك .. ]

4) الأسرار السماوية :
فحين نتناول من جسد الرب ودمه ، تسرى فى عروقنا فنتقدس ونتطهر فيصير لنا بهما نقاءاً كاملاً كما قال الرب يسوع : " لان هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا " (مت 26 : 28)

لذا يصلى المتناول بعد التناول ويقول : [ ليصر تناولى علامة للخلاص ، ولباساً للنعمة ، وحلة للميلاد الجديد ، وطهارة وقداسة للنفس والجسد والروح ، ونقاوة للحب ، وفرحاً وسروراً أبدياً ، ولجواب حسن أمام منبرك الرهيب . ]

أخى الحبيب ، أين نحن من هذا النقاء الشامل الذى وجده الرب فى عروسه ..؟؟ هل نثق فى تنقية الرب لحياتنا ، إذ يكسونا بثوب بره فتتغطى خطايانا .. ولا يظهر عرينا ، بل يكون دمه كفارة لخطايانا ؟؟ هل لنا دموع التوبة التى تغسلنا من خطايانا فنصير أبيض أكثر من الثلج .. ؟؟ لنصلى مع داود النبى قائلين : اغسلنى كثيراً من إثمى ، ومن خطيتى تطهرنى ؟؟
ثالثاً : إيمـان عامـل
إن الإنسان الذى تمتع بالرب فى حياة التأمل والعشرة الهنية ، لا يملك إلا أن يأتى بثمر ويدوم ثمره فيه .. لذا قال العريس عن أسنان عروسه : " كل واحد متئم ، وليس فيهن عقيم .. " ، متئم أى يلد بالتوأم اثنين اثنين .. فيكون له الثمر المتكاثر لمجد المسيح .. فبطرس الرسول فى يوم الخمسين ربح 3000 نفس للمسيح .. والسامرية أتت بالمدينة باكملها .. والقديس مرقس الرسول ربح مصر والخمس مدن الغربية للمسيح ..
فهذا النقاء الشامل الذى تتمتع به النفس كنتيجة أكيدة للوجود فى حضرة الرب ، لا بد أن يُثمر فى ربح البعيدين للمسيح ، فبعد أن كنت معثراً لهم ، تصير مؤثراً فيهم .. فتصير كسهام مبرية فى يد جبار يستخدمك بحسب مشيئته حسبما شاء ...
لقد إنتشرت المسيحية فى العصور الأولى كنتيجة حتمية لنقاء التلاميذ الذين قال عنهم الرب : " ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم لكي يعطيكم الاب كل ما طلبتم باسمي " (يو 15 : 16) .. لقد كان انسيمس لصاً لكن نعمة الله تعاملت معه بسبب كرازة بولس الرسول فى السجن ، فتغيرت حياته وصار خادماً ومساعداً نافعاً للرسول بولس ، الذى قال عنه : " الذي كان قبلاً غير نافع لك ولكنه الآن نافع لك ولي " (فل 1 : 11)
إنه الإيمان العامل الذى يأتى بالثمر المتكاثر فلا تكون عقيماً على المستوى الروحى ، بل تكون مثمراً ..

هل تذكر معى ما حدث مع رأوبين بكر يعقوب الذى سماه ابوه بهذا الاسم الذى معناه [ انظروا ابناً .. ] وكان ينتظر منه أن يكون شخصاً صالحاً .. لكن يا للأسف .. لقد صعد على فراش أبيه ودنس مضجعه مع بلهة سرية أبيه (تك 35 : 22) .. وكان يستحق الموت لأن أجرة الخطية هى موت .. لكن شكراً لنعمة الله التى فتحت الباب من جديد لرأوبين ولأمثاله من الخطاة الذين أولهم أنا .. فيأتى موسى فى بركته لسبط رأوبين فيقول : " ليحي رأوبين ولا يمت ولا يكن رجاله قليلين " (تث 33 : 6) .. لقد صار مثمراً وأصبح له رجال كثيرون ..
لقد كان أغسطينوس زانياً .. لكنه صار معلماً فى الكنيسة واسقفاً وكذلك القديس موسى الأسود صار أباً لرهبان كثيرين .. والسامرية أصبحت سبب بركة وخلاص للمدينة بأكملها بعد أن كانت مصدر عثرة ونجاسة لهم ...

أخى الحبيب ، هل أنت مؤثِّر أم معثِّر ؟ كم عدد الذين ربحتهم لملكوت الله ؟ وكم نفس كنت سبب بركة وبناء ونمو وتقدم روحى لها ؟ هل أنت ناقد فقط لعمل الله ولخدمة الآخرين ؟ أم أنك تعمل لبناء وتقدم أخوتك ودفعهم للأمام فى طريق محبة الله ؟ أم أنك كشجرة التين الممتلئة أوراقاً لكنها خالية من الثمر فلعنها المسيح ؟
ليس الأمر يحتاج إلى دراسات حتى تتعلم أن تجذب الآخرين للمسيح ، بل يتعلق بقلب ملتهب بالحب للمسيح والغيرة على ربحهم للمسيح .. كما قال قداسة البابا الأنبا شنوده الثالث ( فى كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحى ص 93) عن الخادم الروحى :

[ إنه إنسان عاش مع الله واختبر الطريق الموصل إلى الله ، وهو يحكى للناس عن هذا الطريق الذى اختبره وسار فيه زماناً .. فيحكى كل ذلك بطريقة موضوعية بعيدة عن الذات .. ]

ويضيف قائلاً :
[ الخادم الحقيقى هو إنسان حامل الله (ثيئوفورس) .. إنه إنسان عاش مع الله وذاق حلاوة العشرة معه ، وهو يقدم هذه المذاقة إلى الناس ... ]

سيدى الرب يسوع المسيح عريس نفسى الغالى .. اشكرك لأنك تريدنى نقياً بفعل دماك التى جرت لتطهير حياتى ولغسل أوساخى ..
اسمح هبنى دموعاً نقية لأبكى على خطاياى التى سببت لك كل هذه الآلام ..
أشكرك لأنك وعدت أن تجعل العاقر في بيت أم اولاد فرحانة (مز 113 : 9) اشفنى من مرض العقم الروحى فأربح بك ولك الكثيرين .. آمين ..
** ترنيمة :
1) أنت هدف أهداف العـمر اللى أنا بأحياه علشان أرضيك
أنت حبيب أحباب القلـب اللى أنت ملكته وأصـبح ليك
قـــــرار
عايـش بأعلن بين الناس أن الدم اللى فـــدانى ثمين
سر خلاصى وبيه تقديسى ورســم دخــول المفديين
2) ياللى شفيت النفس بجرحك لما سفكــت الدم هـــناك
فوق الخشبة حملت آثامى وأصبح لىَّ مـكان فى سماك
3) لما انظر لصليبك ترخص فى عينىَّ أمجــــاد الكون
وأحسب عارك هوَّ غنايـا وربح سماوى فيـك مضمون
4) قلبى سبيته بحــبك لىَّ ومحـلاها العــبودية معاك
دى الحرية ودى الأبديـة وفرح المجــــد يتم هناك

=================================

دراسة تطبيقية فى الإصحــــاح الــرابــــع من سفر نشيد الأناشيد
==================================

حــياة التســبيح
--------------------

" شفتاك كسلكة من القرمز وفمك حلوٌ .. " (نش 4 : 3)
" شفتاك يا عروس تقطران شهداً تحت لسانك عسلٌ ولبنٌ .. "
(نش 4 : 11)

يواصل العريس حديثه فى مدح عروسه التى فى بره يراها عروساً بهيةً بلا عيب فيها .. فبعد أن تكلم عن عينيها اللتين كالحمامتين فى وداعتهما وفى بصيرتهما الروحية .. وعن شعرها الذى كقطيع المعز كمثال لحياة التكريس والنذر للعريس السماوى .. وكذلك عن أسنانها التى كقطيع الجزائز كمثال لحياة التأمل والشبع بكلمة الله .. نراه اليوم وهو يتكلم عن الصفة الرابعة فى عروسه فينتقل من الأسنان إلى الشفاه .. وإن كانت الأسنان ترمز إلى أكل كلمة الله ، فإن الشفاه ترمز إلى النطق بكلمات التسبيح .. لذا قال مرنم المزمور : ٍ" يا رب افتح شفتىَّ فيخبر فمي بتسبيحك " (مز 51 : 15)

والتسبيح هو موسيقى الحب الإلهى معزوفة على أوتار القلب المسبى بحب الحبيب السماوى .. ولقـد قـال القديـس أغسطينوس : [ التسبيح غذاء لنمو الروح .. ]
والتسبيح هو أسمى درجات الصلاة لأنه خالى من الطلب .. فهو وقوف أمام عرش الله لمناجاته ووصف جماله ومجده تشبهاً بطغمات الملائكة المقدسين .. لذا نصلى فى القداس الغريغورى ونقول : [ الذى أعطى الذين على الأرض تسبيح السيرافيم .. ]

والواقع أن كنيستنا القبطية الأرثوذكسية هى كنيسة التسبيح .. ففيها التسبحة الكيهكية والتسبحة السنوية أى تسبحة نصف الليل التى يقوم فيها أولادها ليقولوا :
قوموا يا بنى النور لنسبح رب القوات ..

كذلك تمتلئ صلوات الكنيسة بالتسبيح .. ففى بداية قداس المؤمنين وبعد إنتهاء قداس الموعوظين ، يبدأ الأب الكاهن فى تسبيح الرب على مواهبه وعطاياه وخلقته إيانا .. ثم يرتفع بالشعب إلى السماء ليرى بالإيمان طغمات الملائكة ورؤساء الملائكة القيام حول عرش المسيح .. ويستمر فى التسبيح حتى يشترك معه الشعب فى تسبيح الجالس على الشاروبيم إذ يقول الشعب : الشاروبيم يسجدون لك والصيرافيم يسبحونك صارخين قائلين قدوس قدوس قدوس رب الصاباؤوت .. السماء والأرض مملوءتان من مجدك الأقدس .. ثم يواصل الأب الكاهن تسبيحه للرب على قداسته فيقول : أجيوس أجيوس أجيوس قدوس قدوس قدوس أيها الرب إلهنا ..
إنها حياة التسبيح التى ترفع أولاد الله من مزبلة الإنشغال بالفانيات لتجلسهم مع الرب الذى قيل عنه : " أنت القدوس الجالس بين تسبيحات اسرائيل " (مز 22 : 3) ...

ولنا فى هذه الشفاه المقدسة ثلاث كلمات ، هى :
1) شــفاه النـقاء .
2) نصــرة السماء .
3) كلــمات البـهاء .

أولاً : شـــفاه النــــقاء

يقول العريس عن عروسه : " شفتاك كسلكة من القرمز .. " والسلكة هى خيط رفيع ينظم فيه الخرز ، والقرمز هو اللون الأحمر .. لذا فشفتا العروس حمراء اللون لتعلن عن نضارة هذه العروس وعن حيويتها .. فلم تعد تحتاج لمساحيق الوجه لتجملها ، بل لها الجمال الطبيعى السماوى الذى يهبه العريس لعروسه .. إنه زينة الروح الوديع الهادى الذى هو قدام الله كثير الثمن .. " (1بط 3 : 4)
كذلك كانت العروس تتمتع بالنقاء الطبيعى فى كلماتها ، فلم تحتاج أن تلوِّن كلماتها بالكلمات المعسولة فى نفاق أو خداع .. كالذين قال عنهم الرب : " يقترب إليَّ هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً وباطلاً يعبدونني " (مت 15 : 8 ، 9)

والواقع أن مصدر النقاء والتغيير الذى حدث فى العروس فصارت شفاهها نقية ، بعد أن كانت كالذين قال عنهم الكتاب : " حنجرتهم قبرٌ مفتوح بألسنتهم قد مكروا .. سم الأصلال تحت شفاههم " (رو 3 : 13) إن مصدر التغيير نراه واضحاً فيما حدث مع إشعياء النبى ، إذ يسجل هو بنفسه هذه الحادثة المغيِّرة فيقول :
" رأيت السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل .. السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة بإثنين يغطي وجهه وبإثنين يغطي رجليه وبإثنين يطير وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الارض فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وإمتلأ البيت دخاناً فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكنٌ بين شعب نجس الشفتين لأن عينيَّ قد رأتا الملك رب الجنود فطار إلي واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقطٍ من على المذبح ومس بها فمي وقال إن هذه قد مست شفتيك فانتزع إثمك وكُفِرَ عن خطيتك .. ثم سمعت صوت السيد قائلاً من أرسل ومن يذهب من أجلنا فقلت هانذا ارسلني .. " (إش 6 : 1 ـ 8)
وهنا يمكننا أن نرى مصدر النقاء والتغيير فيما يلى :
1) رؤية مجد الله التى تكشف خطايانا .. (إش 6 : 1)
2) التواجد فى مكان القداسة ، فى الكنيسة بيت الله والملائكة لنرى طغمات الملائكة المقدسين لنتشبه بهم .. (إش 6 : 2)
3) إدراك قداسة الله تهز أساسات الضعف فى حياتنا..(إش6 : 3 ،4)
4) فى ضوء قداسة الله نكتشف خطايانا ، إذ نكف عن التشبه بالبشر ومقارنة ضعفاتنا بضعفاتهم .. (إش 6 : 5)
5) عدم الهروب من المجال الروحى الذى يكشف الضعف فى حياتنا بل نتواجه مع الضعف ونفضح الخطية ونعترف بها ونتركها .. (إش 6 : 5)
6) إدراك نجاسة أصدقاء السوء وقرناء الشر الذين نتشبه بهم فنرفض هذا التشبه ، ونتغير إلى صورة المسيح من مجد إلى مجد .. (إش 6 : 5)
7) التناول من جسد الرب ودمه كجمرة مقدسة تحرق وتقدس الشفاه بل والجسد كله فتنزع الإثم وتُكَفِر عن الخطية .. (إش 6 : 6 ، 7)
8) إحلال الشفاه الكارزة محل الشفاه النجسة ، وهذه تكون مستعدة لمجاوبة كل من يسألنى عن سبب الرجاء الذى فىَّ .. (إش 6 : 8)

أخى الحبيب ، هل لا زلت تتشسبه بكلمات الأشرار من شتيمة وحلف وإلتواء وأنصاف حقائق وسب ولعن .. إلخ ؟ أم قد تقدست وتطهرت شفتاك بعمل المسيح وبنور ونار جسده ودمه الأقدسين ؟ وهل تدرك وتمارس حضوره فى كل حين فلا تنطق إلا بما يليق فى حضرته كل حين ؟؟


ثانياً : نصـــرة الســـماء

ما أروع حياة التسبيح فى حياة أولاد الله ، لذا قال الكتاب : " طوبى للشعب العارفين الهتاف يا رب بنور وجهك يسلكون بإسمك يبتهجون اليوم كله وبعدلك يرتفعون لأنك أنت فخر قوتهم وبرضاك ينتصب قرننا " (مز 89 : 15 ـ 17)

لكن ما علاقة التسبيح بالنصرة فى الحرب الروحية ؟؟
نلتقى بواقعة عجيبة فى حياة يهوشافاط ، حين خرج لمحاربته بنو موآب وبنو عمون .. ففى 2 أخ 20 نراه وهو يرتعب ، لكن يحول خوفه واضطرابه إلى صلاة وصوم وإحتماء بالرب .. ثم جمع جيشه للقاء الأعداء وقال لهم : " آمنـوا بالرب إلهكم فتأمنوا .. أمنوا بأنبيائه فتفلحوا " ثم ما أعجب ما فعل .. تعال لنقرأ ما سجله الوحى :
" لما استشار الشعب أقام مغنين للرب و مسبحين في زينة مقدسة عند خروجهم أمام المتجردين وقائلين أحمدوا الرب لأن إلى الأبد رحمته ولما ابتداوا في الغناء والتسبيح جعل الرب أكمنة على بني عمون ومواب وجبل ساعير الآتين على يهوذا فانكسروا .. ولما فرغوا من سكان ساعير ساعد بعضهم على إهلاك بعض .. " (2أخ 20 : 21 ـ 23)
لعلها أعجب موقعة حربية فى التاريخ ، فيهوشافاط لم يعد الجيوش بالذخيرة والسلاح وآلات الحرب .. بل نراه هنا أقام مغنين للرب ومسبحين فى زينة مقدسة .. إنه التسبيح الذى يهب نصرة على الحرب ، فبينما كانوا يسبحون الرب ، كان الرب يحارب من أجلهم ..

كذلك نرى فى حرب يشوع لأريحا وتسبيح الرب الذى أمرهم بالدوران حول الأسوار وهم يسبحون الرب ، فكانت النصرة وسقوط الأسوار بسبب التسبيح للرب الذى يقاتل عن أولاده الذى يثقون فى قدرة إلههم فى الدفاع عنهم ونصرتهم .. (يشوع 6)
وفى العهد الجديد ، نلتقى بواقعة أخرى عجيبة نرى فيها قوة التسبيح التى تهب النصرة والحرية .. إذ يسجل أعمال 16 اختبار بولس وسيلا لقوة التسبيح .. لقد جُلِدوا ووضِعوا فى السجن الداخلى وقُيِدت أرجلهم بالمقطرة .. وإنى أتخيل أن أحدهم قال للآخر : [ إن ظهرى يؤلمنى وجروحى تنزف دماً .. لقد عاملنا السجان كمجرمى حرب .. آه آه ] فرد عليه الآخر وقال : [ أعتقد أننا يمكن الآن ونحن فى هذه الظروف المريرة أن نسبح الرب ونشكره أننا ما زلنا أحياء .. ونشكره لأننا نثق فى أنه سيعمل عملاً عظيماً من خلال هذا الموقف .. هيا بنا ] ويسجل الكتاب الموقف بقوله: " نحو نصف الليل [ حين تستيقظ الآلام والجراح ] كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهما .. " (أع 16 : 25)
لم يصرخ بولس وسيلا إلى الله لكى يخلصهم من السجن ، ولم يتذمروا من المقطرة .. لكنهم ببساطة كانوا يسبحون الله من أجل صلاحه وعظمته .. وماذا حدث ؟
" فحدث بغتة زلزلة عظيمة حتى تزعزعت أساسات السجن فانفتحت في الحال الأبواب كلها وانفكت قيود الجميع .. " (أع 16 : 26) وتنتهى القصة بأن السجَّان وكل أهل بيته اعترفوا وآمنوا بيسوع المسيح المخلِّص.. لقد استجاب الله لتسبيحاتهم ولم يحررهم فقط من السجن ، بل جذب كل بيت السجَّان من قبضة الشرير .. لقد تحول الشخص الذى كان سبباً فى معاناتهما إلى مؤمن يرحب بهما ، ويغسل جراحاتهما ، ويصنع لهما مائدة متهللاً ، وذلك كنتيجة حقيقية للتسبيح .. بل أن الولاة " جاءوا وتضرعوا إليهما وأخرجوهما " (أع 16 : 39)
إن التسبيح يخرجنا من دائرة الإلتفاف حول ظروفنا وصعاب الحياة من حولنا ، لننشغل بحب وتمجيد من مات لأجلنا .. فيأتى القول المبارك: " ليس عليكم أن تحاربوا في هذه .. قفوا اثبتوا وانظروا خلاص الرب معكم يا يهوذا و اورشليم لا تخافوا ولا ترتاعوا .. غداً اخرجوا للقائهم والرب معكم " (2أخ 20 : 17)
بنفس الحال كانت عروس النشيد عروساً منتصرة مرفوعة الرأس بسبب حياة التسبيح التى وهبتها النصرة على الضعف والخوف والخطية، فبالتسبيح يرتفع الأرضيون إلى السماء ليتحدوا بالسمائيين فيزداد إرتباط المؤمن المجاهد بالكنيسة المنتصرة ويتمتع بحياة النصرة والغلبة بفعل التسبيح للملك المسيح الذى غلب وخرج ليغلب ..
يقول القديس يوحنا ذهبى الفم :
[ لنسبح الرب على الدوام .. ولا نتوقف قط عن تقديم الشكر له على كل حال ، بالكلمات كما بالأعمال .. لأن هذه هى ذبيحتنا ، هذا هو قرباننا ، هذه هى أعظم ليتورجيتنا أو خدمتنا الإلهية ، بها نتشبه بالحياة الملائكية .. إن كنا نستمر نسبح له هكذا ، فسننهى حياتنا بلا ملامة متمتعين بالخيرات الصالحة الأبدية .. ]


أخى المحبوب ، هل تعانى من حروب اليأس والفشل والضعف؟ هل خارت قواك فى معاركك ضد الجسد والشهوة والشيطان والعالم ؟ هل غابت شمس الفرح من حياتك وتلبدت بغيوم الهموم والمشغولية وعدم الرضى والضجر ؟ ثق إنها فرصة الآن لتنتصر ويعظم إنتصارك وذلك بالتسبيح .. إنه السلاح الفتاك ضد العدو .. هيا سبح وسبح وافرح فى الرب كل حين ففرح الرب هو قوتك ..

ثالثاً : كلــــمات البهـــاء
يعود العريس ليعبِّر عن إعجابه بعروسه فيقول : " شفتاك يا عروس تقطران شهداً تحت لسانك عسل ولبن ورائحة ثيابك كرائحة لبنان" (نش 4 : 11) .. فالشفاة النفية التى تقدست بفعل عمل المسيح فيها ، نراها تفيض بكلمات البهاء والنقاء فتقطران شهداً ، كما قال الكتاب :
" لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم بل كل ما كان :
1) صالحاً للبنيان 2) حسب الحاجة 3) كي يعطي نعمة للسامعين " (أف 4 : 29)
والسر فى هذه الكلمات هو وجود العسل واللبن تحت لسانها .. ماهذا العسل واللبن إلا كلمة الله التى هى أحلى من العسل وقطر الشهاد ..

 فبعد أن كانت كلماتها مملوءة بالحزن ، صارت تقطر فرحاً ..
 وبعد اللعن والسب ، صارت تفيض بركة ..
 وبعد الضجر والتذمر ، صارت ممتلئة بالشكر والحمد والرضى.
 وبعد الكلمات البذيئة وغير المقدسة ، صارت تفيض بكلمات القداسة والطهارة ، وتشجع الآخرين على النقاء ..
 وبعد الصياح والغضب ، صارت لا تصيح ولا يسمع احد فى الشوارع صوتها ..
 وبعد النميمة ومسك السيرة ، صارت لا تذكر فى الآخرين إلا ما قاله الكتاب : " أخيرا أيها الأخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مسر كل ما صيته حسن .. إن كانت فضيلة وإن كان مدح ففي هذه افتكروا" (في 4 : 8) .. فتنضبط عن كل ما لا يُرضى روح الله روح التعفف وضبط النفس ..
 وبعد أن كانت تنجذب إلى مملكة الظلمة ، صارت تشهد عن عمل نعمة الله فى حياتها ، وتخبر بكم صنع بها الرب ورحمها وتكرز بالمسيح مخلصاً وفادياً ..

إنها كلمة الله التى تغير شفتى المؤمن ، فتصيرا شفتين تقطران شهداً ورائحة كلماته كلبنان .. فهل تواظب على قراءتها وتحفظ آياتها فتحفظ شفتيك من كل شر وشبه شر ؟؟

سيدى الرب يسوع المسيح عريس نفسى الغالى .. اشكرك لأجل روعة تغييرك للشفاة النجسة فتتحول إلى شفاه كالقرمز فى حيويتها ، وفى نقائها بفعل عمل روحك القدوس وأسرارك المحيية ,,
سامحنى على كلامى الذى خرج منى دون وعى أو إدراك ، بمعرفة أو بغير معرفة فنجس شفتى ..
اسمح هبنى شفاه نقية ، لا تنطق إلا بما تريد ، ولا تتفوه إلا بما يليق كأبن حقيقى لك ، وعروس مختارة ومفرزة لجلالك ..
سيدى الحبيب ، لتكن كلمات فمى وفكر قلبى مرضية أمامك يا رب صخرتى وولىِّ ..
بشفاعة كل من ساروا على دربك المقدس .. آمين ..

** ترنيمة :
قرار : قدوس قدوس أنت هو القدوس ندعوك للسكنى ندعوك للجلوس
وسط ذا التسبيح أُملك أيا قــدوس أنت هـــــــو القدوس

1) نحن شعبك وغنم مرعاك نحن ملكك وصنعة يـداك
نعظم اسمك نعظم فتـاك أنت هو القدوس 2
2) ليس غيرك يقدس الحياة أنت وحدك تخلص الخطاة
ليس مثلك قـدوسٌ يا الله أنت هو القدوس 2
3) يارأسنا المسيح تعال واستريح وسط أغانينا فى وسط ذا التسبيح
طهر أراضينا واشفى الجريح أنت هو القدوس 2

=================================

دراسة تطبيقية فى الإصحــــاح الــرابــــع من سفر نشيد الأناشيد
==================================

صفات ذات معنى
----------------------

" خدك كفلقة رمانة تحت نقابك ..
عنقك كبرج داود المبني للأسلحة ألف مجن علق عليه كلها أتراس الجبابرة ... ثدياك كخشفتي ظبية توأمين يرعيان بين السوسن .. "
(نش 4 : 3 ـ 5)

ما أجمل وأبلغ ما يصف به العريس عروسه المحبوبة .. فيتغزل فى جمال صفاتها .. فلقد رأيناه فى أربعة جوانب يصف جمالها .. فوصف عيناها بالحمامتين فى نقائهما وبصيرتهما المفتوحة .. ووصف شعرها بقطيع الماعز علامة التكريس والنذر للعريس السماوى .. ووصف أسنانها بقطيع الجزائز رمزاً لحياة التأمل والشبع بكلمة الله .. ثم رأيناه يصـف شفتيها بسلكة القرمز رمزاً لحياة التسبيح والهيام بالعريس السماوى ..
واليوم نلتقى به فى الثلاثة جوانب المتبقية فى وصفه لها فيكون الجميع سبع صفاتٍ .. رمزاً لكمال جمالها الذى عكسه عليها العريس السماوى .. فنلتقى بـ :
 خدها الذى كفلقة الرمان تحت نقابها [ أى البرقع الموضوع على الوجه ] علامة الجمال والاحمرار المستور دليل الإتضاع الشديد ..
 عنقها كبرج داود المبنى للأسلحة المعلق عليه أتراس الجبابرة دليل الإيمان الوطيد ..
 ثدييها كخشفتى ظبية [ أى كثدييى الظبية المرضعة ] والحديث عن الثدى هو حديث عن الغذاء المفيد الذى يعطى لبناً للصغار لينمو به ..

وهذه هى الصفات الثلاثة التى تحمل معانى ثلاثة ، هى :
1) اتضــاع شـــديـد .
2) إيـــمان وطـــيد .
3) غـــذاء مفــــيد .


أولاً : إتضاع شديد
يصف العريس عروسه بأن خديها كفلقة رمانة من تحت نقابها .. والرمان لونه أحمر .. تعبيراً عن أن خديها لونهما أحمر .. ولكن ليس كالقرمز الذى وصف العريس شفاه عروسه به رمزاً للنضارة الروحية ، كما سبق وتكلمنا .. لكن هذا الإحمرار من نوع آخر.. إنه احمرار الحساسية الروحية فى حشمة وحياء تحت نقاب يستر ويحمى كل هذه البركات الغنية الموجودة فى الداخل ..
وفى الرمانة نرى :
1) نظام دقيق :
فالرمانة مملوءة بفصوص مرصوصة بمنتهى الدقة وبرسم هندسى عجيب وجميل .. فيها فصوص حمراء وبيضاء فى نظام دقيق يعطيها منظراً لؤلؤياً عجيباً .. هكذا المؤمن يسلك فى نظام أى طقـس روحى يجد فيه غذاءه المفيد .. دون ضجر أو ملل .. لذا قال الكتاب : "وليكن كل شيء بلياقة وبحسب ترتيب " (1كو 14 : 40)
لذا فإنجيل البركة هو إنجيل النظام .. إذ نجد أن الرب يسوع قبل أن يصنع معجزة إشباع الجموع ، أمر التلاميذ أن يتكئوهم فرقاً فرقاً خمسين خمسين .. ثم أعطى التلاميذ وهُم بدورهم أعطوا الشعب ..

2) حــياء وتدقيق :
ففى الرمانة نجد هذه الفصوص المترتبة ، وقد تغطت بأغطية متعددة .. وما أحوجنا فى هذه الأيام إلى الحياء المسيحى ، أينما كنا وكيفما كنا .. فلقد أصبح الحياء المسيحى عملة نادرة قليلة الوجود .. ولا سيما بين بعض الشباب والشابات الذين يخيل إليهم عدو الخير أن المدنيِّة والعولمة هى الطريق إلى مسيحى يساير ويواكب المجتمع الذى يعيش فيه فيفقدون حياءهم ويخلعون برقع التدقيق ويخسرون إتضاعهم الحقيقى ..

ولننظر إلى سيدتنا وملكتنا وفخر جنسنا العذراء مريم ، حين جاء إليها الملاك ، وكانت شابة صغيرة فى مقتبل العمر .. فحين قال لها: " سلام لك .. " يقول الكتاب مسجلاً هذه اللحظة التاريخية التى نظر الرب فيها إلى حياء وقداسة العذراء : "وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية " (لوقا 1 : 29) ، من يكون هذا الشاب الذى يلقى علىَّ هذه التحية .. ما هى أغراضه وما هى نواياه .. إنها حكمة السماء التى تميز وتختبر ولا تندفع وراء أى كلام قد يبدو معسولاً ...
ليس الحياء للشابات الصغيرات فحسب ، بل ايضاً للمتقدمات فى الأيام كأسلوب حياة .. هل تذكر معى المرأة الشونمية التى دعاها رجل الله إليشع ليهبها الرب إبناً .. لقد كانت متقدمة فى الأيام وزوجها شاخ .. لكن انظر ماذا فعلت ، لقد قال لتلميذه أن يدعوها : " فدعاها فوقفت في الباب " (2مل 4 : 15) ..
لذا قال الكتاب : " فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء " (أف 5 : 15) .. تدقيق فى الملبس والكلام والسلوك والنظر والسمع .. تدقيق فى العلاقات وتدقيق فى الخدمة .. حتى يكون لنا الكمال المسيحى الحقيقى ..

3) مجد عميق :
بعد كل هذا نجد القشرة الخارجية فى الرمانة التى تكون حمراء اللون .. إنه الإتضاع القلبى الذى علمنا الرب إياه بقوله : " تعلموا مني لاني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم " (مت 11 : 29) فالإتضاع يكون بمثابة الدرع الواقى أو الصدفة الصخرية التى تحمى المحار وتخفى لؤلؤه الداخلى وكنوزه الثمينة ..
لذا كان القديس العظيم الأنبا أنطونيوس يتضع بشدة أمام الشياطين التى كانت تحاربه بالمجد الباطل وبسهام الذات والكبرياء .. لكنه كان يحرقها بتواضعه إذ يقول : [ من أنا الحقير الذى تحاربونه .. أنا اضعف من أن أحارب أصغركم .. ] فكان ينتصر عليهم بالإتضاع ..
فحين يتسرب إلى القلب كبرياء الذات ، وتبدأ أن تشعر أنك صرت عارفاً وعالماً وخادماً موهوباً .. على الفور تبدأ نعمة الله فى التخلى عنك ، وتنسحب معونة الروح القدس من حياتك تاركة إياك لذاتك فتكون بداية النهاية .. ليحفظنا الرب ..

ثانياً : إيمان وطيد

الرمز السادس الذى وصف به العريس عروسه هو : " عنقك كبرج داود المبني للأسلحة ألف مجن علق عليه كلها أتراس الجبابرة .. " هذا هو الإيمان الوطيد .. فالكنيسة هى جسد المسيح ، والمسيح هو رأس هذا الجسد .. والرباط الذى يربط الرأس بالجسد هو رباط الإيمان الوطيد .. ويشبّه العريس إيمان عروسه ببرج داود المقام للأسلحة .. فهذا الإيمان ليس إيماناً خاملاً أو ضعيفاً ، بل هو إيمان قوى مملوء بأسلحة الإيمان ..

هل تذكر موقف داود الفتى الصغير أمام جليات العملاق ؟ لقد رفض داود أسلحة الحرب التى وهبها له شاول .. فلقد كانت له أسلحة أخرى يمكنه بها أن يحارب جليات وينتصر عليه .. إنها اسلحة الإيمان الوطيد الذى يهب النصرة الحقيقية من خلال قوة المسيح .. لذا قال لجليات : " أنت تأتي إليَّ بسيفٍ وبرمحٍ وبترسٍ وأنا آتي إليك باسم رب الجنود .. هذا اليوم يحبسك الرب في يدي فأقتلك وأقطع رأسك وأعطي جثث جيش الفلسطينيين هذا اليوم لطيور السماء وحيوانات الأرض فتعلم كل الأرض أنه يوجد إله لاسرائيل .. " (1صم 17 : 45 ، 46)
يا لروعة هذا الإيمان الوطيد الذى تحلت به الكنيسة عبر العصور والأجيال .. فكان هو سر نصرتها ، كما قال الكتاب : " هذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا " (1يو 5 : 4) .. ولنا فى معجزة نقل جبل المقطم فى أيام البابا ابرآم بن زرعة على يد القديس سمعان الخراز أروع المثل على هذا الإيمان الوطيد .. تحقيقاً لوعد الرب الذى قال: " أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم " (مت 17 : 20)
والرقم ألف فى عدد الأسلحة يشير إلى كمال الإيمان الذى كان فى أبائنا الشهداء والقديسين الذين بدمائهم ارتوت شجرة الإيمان حتى وصل إلينا فى هذه الأيام الأخيرة إيماناً حياً وطيداً صلباً لا يلين ..
إنهم أباؤنا القديسون الذين دخلوا هذا البرج وتمتعوا بهذا الإيمان الوطيد .. الذين لخص كاتب سفر العبرانيين سيرتهم فى إصحاح الإيمان فقال : " الذين بالايمان قهروا ممالك صنعوا برا نالوا مواعيد سدوا أفواه أسود .. أطفاوا قوة النار نجوا من حد السيف تقووا من ضعف صاروا أشداء في الحرب هزموا جيوش غرباء .. " (عب 11 : 33 ، 34)

أخى الحبيب .. تُرى ما هو مستوى إيمانك ؟ هل تخور قواك الروحية أمام التجارب والضيقات والعثرات ؟ أم أنك تنظر إلى رئيس الإيمان ومكمله الرب يسوع .. وإلى سير أبائنا القديسين سحابة الشهود الذين غلبوا وانتصروا وهم يصلون عنا فى السماء لننتصر كما انتصروا إذ ننظر إلى نهاية سيرتهم ونتمثل بإيمانهم .. ؟؟ لقد بكّت الرب شعبه بأنهم " شعب صلب الرقبة " (خر 32 : 9) .. فإما أن تكون صلب الرقبة فى الخطية ، أو تكون صلب الرقبة فى الإيمان ..

فحين يضعف إيماننا فى معركة القداسة نرى عمل الله فى حياة يوسف الصديق مثال الشاب الطاهر فنتقوى ويشتد إيماننا .. وهكذا حين نرى حياة آبائنا وصلابة إيمانهم وجهادهم ضد الخطية ونضالهم ضد الطبيعة القديمة .. فيتوطد إيماننا وتتقوى عزيمتنا وننتفض مما اعترانا من ضعف ...


ثالثاً : غــــذاء مفــــيد
يختم العريس وصفه لعروسه فى هذا الجزء بالصفة السابعة فيقول : " ثدياك كخشفتي [ ثدى الغزال ] ظبية توأمين يرعيان بين السوسن .. " والثديين يرمزان إلى الطعام المفيد الذى تقدمه العروس لأولادها ..

ولكى يكون فى الثديين لبن ، لا بد من توافر ثلاثة شروط :
1) سمة البالغين :
فالثدى الممتلئ باللبن هو سمة الإنثى البالغة .. سواء فى الإنسان أو فى الحيوان .. وهكذا المعنى الروحى ، لا تمتلئ كلماتهم بالشبع الروحى إلا إذا تحقق فيهم قول معلمنا بولس الرسول : " لما كنت طفلاً كطفلٍ كنت أتكلم وكطفلٍ كنت أفطن وكطفلٍ كنت أفتكر .. ولكن لما صرت رجلاً أبطلت ما للطفل .. " (1كو 13 : 11) .. فتصير حواس هذا الخادم مدربة على السير فى طريق الرب وإتباع خطاه والتمييز بين الذهب الحقيقى وبين الذهب المزيف ، فلا يكون محمولاً على كل ريح تعليم ، بل يفرق بين الغث والسمين ، فيخلص نفسه والذين يسمعونه أيضاً ..

2) ولادة البنين :
وهى شرط أساسى لوجود اللبن ، فبدون ولادة لا يأتى لبن .. لذا فالمؤمن الذى لا يهتم بخلاص الآخرين يقف نموه الروحى وتخور قواه الروحية .. لذا لا بد للخادم أن يكون ولوداً .. كما قال الرسول بولس : "ابني إنسيمس الذي ولدته في قيودي " (فل 10) هذه هى أبوة الخادم الذى يجاهد ويصارع مع الله ويتمخض بأولاده حتى يتصور المسيح فيهم (غل 4 : 19) .. فيعرف ماذا ومتى وكيف يقدم لهم احتياجاتهم الروحية ، كما قال الرسول بولس : "سقيتكم لبناً لا طعاماً لانكم لم تكونوا بعد تستطيعون بل الآن أيضاً لا تستطيعون " (1كو 3 : 2)
ليحفظنا الرب من العقم الروحى الذى فيه تتقوقع حياتنا وتتمركز حول ذواتنا ونهمل الكرازة للبعيدين .. لذا قال القديس ذهبى الفم : [ إن كانت الخميرة لا تخمر العجين ، فهل تكون خميرة ؟؟ وإن كان العطر لا يعبق الجو المحيط به ، فهل يكون عطراً ؟ كذلك مسيحى لا يعمل من أجل خلاص غيره ، فهل هو مسيحى ؟ ]

3) شبع كل حين :
فلا يمكن أن يأتى اللبن الجيد من ثديي أم ضعيفة لا تتغذى بالغذاء الجيد .. ففاقد الشئ لا يعطيه .. فحين تتغذى الأم بالغذاء المفيد ، فإن ثدييها تدِّران اللبن المغذى لوليدها .. هكذا يجب أن يتغذى الخادم بكلمة الله كل يوم وأن يشبع بها وبتعاليم وسير آبائنا القديسين حتى يخرج من كنز قلبه الصالح جدداً وعتقاً (مت 13 : 52) .. لقد كان المسيح يقدم للتلاميذ فى معجزة الخمس خبزات ، وهم كانوا يقدمون للشعب .. فالجائع لايقدم طعاماً والعطشان لا يقدم ماءاً ... فالأمر لا يتعلق بنظريات أو دراسات ، بل يقول قداسة البابا الأنبا شنوده الثالث عن الخادم الروحى :
[ إنه إنسان عاش مع الله واختبر الطريق الموصل إلى الله ، وهو يحكى للناس عن هذا الطريق الذى اختبره وسار فيه زماناً .. فيحكى كل ذلك بطريقة موضوعية بعيدة عن الذات .. فالخادم الحقيقى هو إنسان حامل الله (ثيئوفورس) .. إنه إنسان عاش مع الله وذاق حلاوة العشرة معه ، وهو يقدم هذه المذاقة إلى الناس ... ]
ودعنى أهمس فى أذنك : نحن نشبع لنخدم الآخرين ، وأيضاً حين نخدم الآخرين نحن نشبع بالنفوس التائبة والعائدة إلى أحضان المسيح .. فالطبَّاخ الذى لا يعمل حفلة فى القصر الذى يخدم فيه ، فإنه يأكل أى طعام بسيط .. أما حين يعمل حفلة فإنه يأكل بالتاكيد مما يقدم للآخرين .. فالكتاب قال : " المُروي هو أيضاً يُروى " (أم 11 : 25)

هذه هى العروس فى صفاتها السبع التى وصفها بها العريس السماوى ، حتى يتشبه بها أولاده .. فيكون لهم :
o عيون كالحمام ذات بصيرة مقدسة ..
o شعرك مكرس ومخصص كالنذير ..
o أسنان تدرس كلمة الله وتشبع بها ..
o شفتان تقطران شهداً ، وفم حلو الحديث ..
o خد أحمر حياء وإتضاعاً كالرمان ..
o عنقك كبرج داود فى إيمان وطيد محمى بأسلحة الحرب الروحية المقدسة ..
o ثديان ممتلئان باللبن الروحى تقدمه للآخرين الذين نلدهم كأولاد روحيين ونغذيهم بالكلمة المقدسة ..
سيدى الرب يسوع المسيح عريس نفسى الغالى .. اشكرك لأجل هذه الصفات التى تريدها فى عروسك، تنازل وأطبع صورة جمالك على حياتى ، فيكون لىَّ الإتضاع الذى فيه أعرف إنى تراب وإلى التراب أعود فأتضع ..
ويكون لىَّ الإيمان الوطيد الذى يُبنى على ضخرة الثقة والإتكال على صدق وعودك ..
فتثمر بىّ وفىَّ بولادة البنين الروحيين .. فأترك ما للطفل وأنشغل بعملك فأشبع وأعطى الآخرين مما أعطيتنى .. آمين
** ترنيمة :
1) اليوم يـــوم بشارة واحنا ليـــــه ساكتـين
يا ويلى إن لم أبشــر بالرب فى كــــل حـين
قرار : يا رب ثقل قلوبـنا بربـــــح كل النفـوس
ثقلنا بالمســــئولية يا ربــنـا القــــدوس
2) يا ليت رأســى ماء عـينـىَّ ينــبوع دمـوع
لأبكى ليـــلاً نهاراً علـى الخـــطاة يا يسوع
3) يارب أعطينى قلبـك قلــبـك ملـئ بالحــنان
يبكى على كل خـاطئ مأسـور فى يد الشــيطان
4) أيدنى ربى بروحــك إنـى ضعـــيف يايسوع
وامسحنى مسحة قويـة وبكـت أنــت الجمــوع

================================


دراسة تطبيقية فى الإصحــــاح الــرابــــع من سفر نشيد الأناشيد
==================================

إنهــزام الظــلال
----------------------

" إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال ، اذهب إلى جبل المر وإلى تل اللبان .. كلك جميل يا حبيبتي ليس فيك عيبة " (نش 4 : 6 ، 7)



بعد أن أكمل العريس وصفه لعروسه التى صارت كاملة ببهائه التى عكسه عليها .. نراه هنا وهو يختم هذا الوصف البديع بهذه الكلمات عميقة المعانى ، فيقول : " إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال .. اذهب إلى جبل المُر وإلى تل اللبان .. " وما أكثر الظلال التى يعانيها أولاد الله فى رحلتهم فى برية هذا العالم .. وشوق قلوبهم أن تنهزم هذه الظلال ويفيح النهار ويأتى أصل وذرية داود .. كوكب الصبح المنير (رؤ 22 : 16) ويبدد الظلال ويهزم الظلام ويأخذ أولاده إلى جبل المُر ويصعد بهم إلى تل اللبان فى عشرة هنية تحت ظلاله البهية ..

ولنا فى هذه الكلمات الإلهية ثلاثة تأملات ، فنجد :

1) شــركة وجــدان .

2) جــبل الأحــزان .

3) تــــل اللبــان .

أولاً : شـــركة وجــدان



فى ختام الإصحاح الثانى تكلمت العروس بمثل هذه الكلمات فقالت : " إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال ارجع واشبه يا حبيبي الظبي أو غفر الايائل على الجبال المشعبة " (نش 2 : 17) وهنا يعود العريس ليجيب عروسه بنفس هذه الكلمات فيقول : " إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال ، اذهب إلى جبل المر وإلى تل اللبان .. " (نش 4 : 6) .. إنها شركة الوجدان التى تربط العريس بعروسه .. فكل ما يشغلها هو شغله الشاغل ، وكل ما يهتم به صار موضوع اهتمامـها .. لذا قال الكتاب : " وأما من إلتصق بالرب فهو روح واحد " (1كو 6 : 17) ..



وهنا نرى :

** وحدة قوية : فإذ تلتصق العروس بالعريس وتتمتع بأخذ جسده ودمه الأقدسين ، ترتبط العروس بعريسها فى وحدة قوية لا يفصلها عنه شئ .. فيشاركها هو آلامها .. وتحمل هى صليبه فى شركة آلامه .. فلم يعد بعيداً عنها ، ولم تعد بعيدة عنه .. لقد صارت لها نفس اهتمامات العريس ، وصارت تشترك معه فى رؤيته لخلاص العالم .. لم تعد أولوياتها عالمية مادية شهوانية ، بل صارت مشغولياتها سماوية روحية، لذا قال الرب يسوع : " أنا هو الباب .. إن دخل بى أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى .. " (يو 10 : 9) .. وهذا هو عمل الثالوث الأقدس فى المؤمن .. فهو يخلص بفعل عمل المسيح وبذله على الصليب .. ويدخل ويجد مرعى بفعل عمل الله الآب فى حبه وحنانه .. ويخرج ليبحث عن الضالين فى قوة الروح القدس .. ولنا فى حـياة يشـوع مثـالاً واضحاً لهذه الشركة ، إذ قال الكتاب : " يخرج أمامهم ويدخل أمامهم ويخرجهم ويدخلهم لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها فقال الرب لموسى خذ يشوع بن نون رجلا فيه روح وضع يدك عليه .. " (عدد 27 : 17 ، 18) وهنا نرى :



· الآب فى محبته : فيشوع راعى غنم يهتم بغنمه ..

· الإبن فى بذلـه : فهو يخرج ويدخل ويخرجهم ويُدخلهم ..

· الروح فى قوته : فهو رجلٌ فيه روح أخذها من موسى قائده ..



هذه هى شركة الوجدان التى فيها إنهزمت ظلال الاهتمام بالفانيات وينفرج نهار الإنشغال بما يشغل الله فى عالمنا .. فيخرج المؤمن من دائرة ذاته ومن التمركز حول ظروفه وآلامه ومشاكله ، لينفتح على رؤية الله للعالم ... وما أضيق ما يشغلنا فى عالمنا ، وما أرحب ما يشغل الله الذى يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون ..

أخى الحبيب ، تُرى ما هى نوع الشركة التى تربطك بالمسيح ؟ هل هى علاقة المنفعة والمصلحة ، ام أنك خرجت من ذاتك وانهزمت ظلال المادية ، وبدأ نهار الحب والإنشغال باهداف الله للعالم تفيح فى حياتك ؟



ثانياً : جــــبل الأحــــزان





يقول العريس : " أذهب إلى جبل المُر .. " لماذا يا تُرى سيذهب العريس إلى جبل المُر ؟؟ لأجل عروسه التى أحبها .. فجبل المُر كان تعبيراً حقيقياً صادقاً عن محبة العريس لعروسه .. ويوضح القديس بولس الأمر فيقول : " يسوع نراه مكللاً بالمجد والكرامة من أجل ألم الموت لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد " (عب 2 : 9) لقد ذهب إلى جبل مُر الصليب وشرب الكأس بأكملها ، ولم يقبل أن ينزل من عليه إلا بعد أن قال قولته المدوية :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010