رعاية الشباب .. مقال لقداسة البابا شنودة الثالث



رعاية الشباب .. مقال لقداسة البابا شنودة الثالث
===========================

في‏ ‏اهتمامنا‏ ‏بالشباب‏,‏يجب‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏رعايتنا‏ ‏له‏ ‏رعاية‏ ‏شاملة‏:‏رعاية‏ ‏روحية‏ ‏وثقافية‏ ‏واجتماعية‏ ‏ورياضية‏,‏وترفيهية‏ ‏أيضا‏...‏

نتعامل‏ ‏معه‏ ‏غير‏ ‏متجاهلين‏ ‏نفسيته‏ ‏وعقله‏ ‏وطبيعة‏ ‏سنه‏.‏
وفى هذا المجال نضع أمامنا النقاط الآتية:

ارتفاع المستوى الثقافى الحالى: نحن الآن فى عصر الكمبيوتر والإنترنت عصر ارتفع فيه المستوى الثقافى والفكرى بالنسبة إلى الجيل كله. فلا يجوز أن تكون المناهج التى نقدمها للشباب فى مستوى ما كنا نقدمه له قديماً.إن كانت الكنيسة لا تعطى الشباب ما يشبعه فكرياً وروحياً، فإنه سوف لا يحضر إلى الكنيسة بحجة أنه لا يستفيد. لذلك ينبغى أن نهتم بإعداد خدام الشباب. فخادم الشباب:له مواصفات معينة، منها أن تكون شخصيته جذابة يرى فيها الشباب أمثولة معينة، وأن يكون واسع الإطلاع عميق المعرفة فى معلومات كثيرة، وليس فى الموضوعات الروحية فقط. وأن يكون قادراً على إجابة أى سؤال يوجه إليه، بأسلوب مقنع. وأن يكون دارساً لنفسية الشباب، وعارفاً بمشاكلهم. وأن يكون واسع الصدر لا يضيق بما يصدر أحياناً من شباب فى سن المراهقة. ولا يكون متزمتاً فى أفكاره وفى معاملاته وفى فهمه للأمور.
والشباب فى سنه يناسبه الحوار، وليس التلقين :التلقين قد يصلح لمرحلة الطفولة، ولو أننا الآن نجد أطفالاً أيضاً يتحاورون، ولا يقبلون كل شئ، فكم بالأولى الشباب..
الشاب يريد أن يقتنع بالمعلومات المقدمة إليه، حـتى لـو كانت مـن البديهيـات أوالمسلمات فى نظر مدرسه. وهو يطابق الدين أحياناً بما يعرفه من نظريات العلم، وخادم الشباب يلزمه أن يكون دارساً للعلاقة بين العلم والدين، أو على الأقل يدرس بإتقان ما يعرض عليه من مشاكل فى هذا الشأن.ونفس الوضع بالنسبة إلى مشاكل العقيدة التى تثيرها الطوائف المسيحية الأخرى، وتحتاج إلى ردود قوية مقنعة.
وهنا ينبغى لخادم الشباب أن يكون دارساً للاهوت المقارن وللدين المقارن.
ويضع أمامه الآية التى تقول "مستعدين دائما لمجاوبة كل من يسالكم، عن سبب الرجاء الذى فيكم، بوداعة وخوف" (1بط 15:3). وبهذا يزود تلاميذه من الشباب بفهم عميق، وصمود راسخ أمام جميع الشكوك.
والشباب لا يحب مطلقاً الانغلاقية فى التفكير : بحيث تغلق عليه فى دائرة أنت مقتنع بها، وهو يريد أن يسأل! لا تستطيع أن تقول له: هذا حرام، وهذا غير مقبول روحياً، دون أن توضح له لماذا هذا حرام وهذا غير مقبول وثق أن الشىء الذى تقنعه به عقلياً يكون أكثر ثباتاً فى عقله وفى قلبه.. خذ مثلاً موضوع الكومبيوتر. إن قلت له أنه حرام، سيعرض عليك أنواع برامج لا يمكنك أن تقول عنها أنها حرام، بل لا شك فيها فائدة. إذن عليه أن يميز بين ما يفيده من البرامج وما يضره، ثم أن يكون عنده ضبط نفس بحيث يقتصر على ما يفيد ويبتعد عن الباقى.
ثم تأتى مشكلة الوقت، وكم يأخذ الكومبيوتر من وقته الذى يحتاج إليه فى أمور أخرى أكثر فائدة، وحينئذ تبحث معه مسألة التوازن فى استخدام الوقت فى ما هو أساسى وجوهرى له، وما هو مفيد، وما قد يضر.
بهذا الأسلوب تكون مقنعاً للشباب، وتكون فى نفس الوقت عادلاً ومنفتحاً، ويشعر أنك لا ترغمه على الحياة فى دائرة معينة أنت مقتنع بها. كما يشعرأنك لا تبعده عما يقدمه العالم من علم ومن مخترعات يمكننا أن نأخذ النافع منها ونترك المضر. وبالمثل يمكن أن تناقش معه أموراً أخرى مشابهة مثل التليفزيون، وباقى أنواع الفنون، والقراءة.. وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى وهو الناحية الثقافية فى حياة الشباب.
ماذا أعددنا لثقافة الشباب؟
ينبغى أن تكون فى الكنيسة مكتبة فيها من الكتب ما هو مفيد لثقافة الشاب، كما هو مفيد لثقافة الفتى والطفل..الكنيسة بلا شك تهتم بالثقافة الدينية البحتة من جهة الروحيات ودرس الكتاب المقدس، وكتب التفسير والعقيدة واللاهوت، وتاريخ الكنيسة وسير القديسين، وكتب الطقوس.. وما أشبه.. ماذا يمنع أيضاً من وجود كتب أخرى فى الثقافة العامة؟
الشاب يريد أن يعرف وأن يقرأ، ولا يغلق عليه فى نطاق الثقافة الدينية وحدها, وإن لم نقدم له ما يمكنه قراءته من الكتب الثقافية الأخرى، فسيذهب إلى قراءتها من مصادر أخرى.
وحينئذ سيخرج من ضبط الكنيسة وإشرافها.. وعلينا أن نلاحظ أن الإكليريكية الأولى كانت تدرس فيها علوم الفلسفة والمنطق والطب والموسيقى إلى جوار العلوم الدينية. فلماذا لا تحتوى مكتباتنا على كتب ثقافية؟
ما المانع من وجود بعض دوائر المعارف، ومجموعة كتب (المعرفة)، ودائرة المعارف الطبية، ودائرة معارف التكنولوجيا، وكتب (كيف تعمل؟) عن كثير من المخترعات والأجهزة وكيف تعمل. كلها ثقافة نافعة ومسلية فى نفس الوقت.
بل إن قراءته لمثل هذه الكتب تشغل ذهنه، وتمنع عنه الكثير من الأفكار الشريرة.. كذلك كتب عن الآثار وأبطال التاريخ وعن الرحلات.. سواء الآثار القبطية أو أشهر الآثار فى العالم. وكما يدرس الشاب تاريخ الكنيسة وأبطالها، لماذا لا يدرس مشاهير الشخصيات فى العالم، وكيف نشأوا ونموا؟
وماذا كانت مميزاتهم وفضائلهم؟ وماذا كانت نواحى النقص فى بعضهم مما أدى إلى سقوطه وضياعه؟..
كذلك هناك كتب فى علم النفس والاجتماع...
خلاصة القول إننا نريد تكوين عقلية الشاب وشخصيته، بحيث يمكنه أن يتكلم فى أى موضوع بفهم سليم وثقافة شاملة. ولا يجلس فى المجتمع خارج الكنيسة، يتكلم كلاماً كإحدى الجاهلات (أى 10:2).
معرفة مواهب الشباب وتنميتها:
أحياناً يعانى الشباب المتدين من مشكلة (وقت الفراغ) لأن شباب العالم يقضى أوقاته فى كثير من الملاهى والمتع التى يبعد عنها المتدين من شباب الكنيسة، فيجد نفسه فى فراغ يحتاج أن يستفيد منه، بدلاً من أن يكون من دواعى مشاكله.
وهنا تأتى مسألة المواهب علينا أن نكتشف مواهب الشاب ونشغلها بما يفيده.. فبعض الشباب تكون لهم مواهب فى الموسيقى، أو فى الرسم، أو فى الشعر، أو فى التمثيل، أو فى كتابة القصص، ومواهب أخرى..
إذن لا مانع أن نعلم الشاب الموسيقى، أو أن أصحاب المواهب الموسيقية منهم يكونون خورس الكنيسة، وينشدون الترانيم الكنسية أو بعض الألحان على الآلات الموسيقية فى الحفلات وشتى المناسبات، خارج الطقس الكنسى. فنشبع بذلك مواهبهم، بدلاً من اتجاههم إلى الخارج! كذلك أصحاب المواهب فى التمثيل: يمكن أن تتكون منهم فرقة فى الكنيسة، تقوم بتمثيل بعض الروايات الدينية. يضاف إلى هذا استخدام مواهب أخرى فى نطاق التمثيل، مثل استخدام مواهب الشباب فى التصوير، لتحويل المسرحية إلى فيلم، واستخدام مواهب من يتقنون مواهب فى الكهرباء، لتوزيع الأضواء أثناء التمثيل. كذلك استخدام مواهب الرسم فى تحضير المناظر اللازمة، وبخاصة فى خلفية المسرح. يضاف إلى هذا مواهب فى تنسيق المسرح وأثاثاته.كذلك نضيف بأن هواة التصوير، يمكن أن يعطوا فرصة لتصوير بعض آثارنا القبطية كالأديرة والكنائس القديمة، وبعض الأسـرار الكنسية. وهكذا نشغل وقت الشباب، ونستفيد من مواهبهم وننميها من خلال المهرجانات مثل مهرجان الكرازة السنوى.
من نواحى رعاية الشباب ما يقام لهم من النوادى والحفلات والندوات.
بالإضافة أيضاً إلى النوادى والرحلات، توجد أيضاً الندوات والمناظرات والبحوث، فالندوة يشترك فيه أكثر من متكلم، فتعرض أكثر من فكر، أو أكثر من أسلوب لعرض الفكر، والمناظرات يقف فيها فكر أمام فكر آخر، والمستمع يحكم وفى كلا الأمرين تنشيط لفكر الشاب، وتدريب له على عدم الاعتماد على فكر واحد أو أسلوب واحد.
أما البحوث فهى ما يقوم به الشباب من استخراج المادة الموضوعية اعتماداً على المكتبة والمراجع، ويمكن أن تنشر هذه البحوث أو أجزاء منها فى مجلة الشباب التابعة للكنيسة.
إن الشباب أمانة فى أعناقنا، وهو مستقبل الكنيسة، وعلينا أن نهتم به من كل ناحية، نهتم بصحته وفكره ونفسيته وروحياته، ونهتم أيضاً بمواهبه وتنميتها.

وكثيرا‏ ‏ما‏ ‏قلنا‏ ‏هذه‏ ‏العبارة‏:‏ كنيسة‏ ‏دون‏ ‏شباب‏,‏هي‏ ‏كنيسة‏ ‏دون‏ ‏مستقبل‏.‏ فعلينا‏ ‏أن‏ ‏نسأل‏ ‏أنفسنا‏ ‏باستمرار‏:‏ماذا‏ ‏فعلنا‏ ‏لأجل‏ ‏الشباب‏.‏لا‏ ‏نحكم‏ ‏عليه‏,‏إنما‏ ‏نعمل‏ ‏لأجله‏.‏لأنه‏ ‏جيلنا‏ ‏القادم‏. ‏


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010