قوة الكلمة لأنها من الله
=============================
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
===============================
بمناسبة صوم الرسل, أود أن أحدثكم عن كلامهم وكيف كان قويا, وعميقا في تأثيره,. ثم نسأل لماذا؟
هنا, أقف في الحقيقة متعجبا جدا أمام عبارة كتبها القديس بولس الرسول في رسالته إلي أهل أفسس, يقول فيها: 'مصلين بكل صلاة وطلبة, كل وقت بالروح...لأجلي لكي أعطي كلاما عند افتتاح فمي, لأعلم جهارا بسر الإنجيل' (أف6:18, 19).
بولس الرسول المملوء من كل علم وفهم,الذي يسمونه فيلسوف المسيحية, الذي تهذب تحت قدمي غمالائيل (أع22:3), بولس الذي تعب في الكرازة أكثر من جميع الرسل (1كو15:10), والذي صعد إلي الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها (2كو12:4), بولس هذا يحتاج إلي كل صلاة وطلبة لكي يعطي له كلاما عند افتتاح فمه!!
إن كان القديس العظيم بولس الرسول هكذا, فماذا نقول نحن عن أنفسنا؟!
هذا الرسول العظيم لا يريد أن يتكلم من ذاته, إنما يطلب من الله أن يعطيه كلاما يوصله إلي الناس.
فلا يكون هو المتكلم, إنما يكون مجرد حامل لكلام الله, وناقل لكلام الله, وكأنه يقول عن كرازته للرب 'كل شئ بك كان وبغيرك لم يكن شئ مما كان' (يو1:3).وهذا ما قاله فعلا '.....ولكن لا أنا, بل نعمة الله التي معي' 'ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة' (1كو15:10)
كلمة الله علي أفواه الرسل, هي التي وعدهم بها الرب قائلا: 'لأن لستم أنتم المتكلمين, بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم' (مت10:20) ما أكثر الناس الذين يتكلمون, وما أكثر ما يقولون,ولا يكون لكلامهم أي تأثير, ولا فاعلية علي القلوب!!ذلك لأنهم لم يأخذوا من الله ما يقدمونه للناس...وكما قال داود 'أما هو كلام!؟' (1صم17:29)
أما الآباء الرسل,فما كانوا يتكلمون عن ذواتهم..إنما كانوا يحملون كلمة الله إلي الناس..إني ألاحظ عبارة قالوها عند سيامة الشمامسة السبعة..قالوا للشعب 'انتخبوا أيها الإخوة سبعة رجال منكم مشهودا لهم ومملوئين من الروح القدس والحكمة, فنقيمهم نحن علي هذه الحاجة.وأما نحن فنواظب علي الصلاة وخدمة الكلمة' (أع6:3, 4)
ماذا كان يقصد الرسول بخدمة الكلمة؟أية كلمة؟
إنها الكلمة التي يعطيهم الله إياها,لكي يوصلوها إلي الناس لذلك كانت كلمتهم قوية,لأنها صادرة أصلا عن الله,إلي هؤلاء الرسل الذين قالوا 'نواظب علي الصلاة'قبل قولهم'خدمة الكلمة'......
لهذا نجد أن كلمة ألقاها بطرس في يوم الخمسين,جعلت ثلاثة آلاف رجل ينخسون في قلوبهم,ويؤمنون ويعتمدون في نفس اليوم (أع2:37, 41).إنها كلمة من الروح القدس كانت لها قوتها وفاعليتها وكما قال الكتاب:'لأن كلمة الله حية وفعالة,وأمضي من كل سيف ذي حدين وخارقة إلي مفرق النفس والروح....'(عب4:12)
إنها الكلمة التي قالها بولس الرسول عن البر والدينونة والتعفف,فمن قوتها ارتعد فليكس الوالي (أع24:25) وهي الكلمة الحية الفعالة التي تحدث بها أغريباس الملك,فقال لبولس (الأسير أمامه): 'بقليل تقنعني أن أصير مسيحيا' (أع26:28)
هكذا كانت الكلمة التي يضعها في أفواه قديسيه
وهنا نتذكر قصة موسي النبي الذي أراد الله أن يرسله, فاعتذر قائلا 'لست أنا صاحب كلام منذ أمس,ولا أول من أمس,ولا من حين كلمت عبدك.بل أنا ثقيل الفم واللسان' (خر4:10) فأعطاه الرب هارون أخاه وقال له: 'أنا أكون مع فمك ومع فمه,وأعلمكما ماذا تصنعان' (خر4:15)
حقا ما أعجب هذا.وما أعمق أن يضع الله كلاما في أفواهنا يفتح الله فم موسي,الذي قال عن نفسه 'ها أنا أغلف الشفتين' (خر6:30)...ويضع الله كلاما علي شفتيه, ويقول له 'اذهب,وقل....'
وبنفس الوضع نقرأ 'وكان كلام الرب إلي إيليا قائلا' (1مل17:2, 8), (1مل21:17).وأيضا كانت كلمة الرب إلي إرميا (إر1:4, 11).وما أجمل ما يتحدث به إرميا في ذكرياته هذه مع الله,إذ يقول:
'ومد الرب يده ولمس فمي.وقال الرب لي 'ها قد جعلت كلامي في فمك' (أر1:9)وعن هذا كله يقول القديس بولس الرسول, في رسالته إلي العبرانيين '....الله كلم الآباء بالأنبياء قديما,بأنواع وطرق شتي' (عب1:1)...كلمهم فوصلوا كلامه إلي الناس.نقلوا إليهم أوامره ووصاياه...
ولكن صدقوني,أن أعجب من كل ما قد قلته لكم,هو عبارة وردت في حديث ربنا مع يسوع المسيح مع الله الآب,إذ يقول في تقريره عن خدمته,قبل ذهابه إلي المحاكمة والصلب:
'الكلام الذي أعطيتني,قد أعطيتهم.....' (يو17:8)أنه درس عجيب لنا,أن الله الكلمة,'المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم' (كو2:3) يقول 'الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم'!!هو من الناحية اللاهوتية كلمة الله,هو أقنوم العلم والمعرفة..ومع ذلك فأنه يقول -من جهة طبيعته البشرية- 'الكلام الذي أعطيتني'...
ياليت هذه العبارة تكون أمامنا قبل أن نلفظ أية كلمة...بل يصلي كل منا ويقول 'افتح يارب شفتي,فيخبر فمي بتسبيحتك' (مز50).أنا لا أفتح شفتي من ذاتي.إنما أنتظر حتي تمد يدك وتلمس فمي.فتفتح أنت شفتي...وتقول لي كما قلت لعبدك إرميا 'ها قد جعلت كلامي في فمك'....
عندما يجعل الله كلامه في فم الإنسان,يعطي حينئذ قوة المتكلم,ونعمة للسامع.
قوة المتكلم,فيكون لكلامه تأثير وإقناع,وقدرة علي الدخول إلي القلب فينخسه.ويعطي نعمة للسامع,فيفتح قلبه,ويقبل الكلام بفرح,كما ينال قدرة علي العمل والتنفيذ...وهذا هو الذي حدث في يوم الخمسين (أع2:37, 41).الكلمة كانت لها قوة.والسامعون نخسوا في قلوبهم,وقبلوا الكلام بفرح,واعتمدوا......
وعن هذا أيضا,قال الرب لتلاميذة القديسين:
'الكلام الذي أكلمكم به,هو روح الحياة' (يو6:63)هو روح بعمل روح الله القدوس فيه.وهو حياة لأنه يتحول فيكم إلي حياة...حقا:هذه هي قوة الكلمة,أن تتحول إلي حياة وبالنسبة إليك أنت:حاول أن تتلمس كلمة الله إليك.تدركهاوتقبلها وتحولها إلي حياة....وكلمة الله قد تأتيك بأنواع وطرق شتي:
قد تأتيك كلمة الله أثناء قراءتك للكتاب,فتجد آية معينة قد ثبتت أمامك,وأحدثت في نفسك تأثيرا خاصا.
تحس في داخلك أنها رسالة الله إليك.وأن الله قد أعد قلبك لقبولها,وأعد عقلك للدخول في أعماقها والتأثر بها.....
هذا هو الذي للقديس الأنبا أنطونيوس الكبير: لا شك أنه سمع في الكنيسة فصلا من الإنجيل.ولكن آية معينه في هذا الفصل تركت تأثيرها في نفسه,وشعر بأنها رساله خاصة إليه,وهي قول الرب'إن أردت أن تكون كاملا,اذهب وبع كل مالك,وأعطه للفقراء,فيكون لك كنز في السماء,وتعال اتبعني' (مت19:21)
وكان الله أعد قلب أنطونيوس لقبول هذه الآيه وتنفيذها.وذلك حينما شعر قبلا -في وفاة أبيه- بفناء الحياة وبطلان الغني.وهكذا وصلته الكلمة من الله,في وقت مناسب,ولقلب مستعد.فكانت لها قوتها وفاعليتها.
قد تصل إليك كلمة الله في مناسبات أخري.
قد تتأثر بها,وأنت تصلي مزاميرك.فتقف أمامك عبارة معينة تقدم لك معني ربما لم تفكر فيه من قبل.أو تصل إليك كلمة الله أثناء سماعك القداس الإلهي.أو في أثناء مرضك,أو مرض أحد أحبائك,أو في وفاة إنسان عزيز عليك,أو في أثناء مرورك بتجربة أو ضيقة معينة...أو ما أشبه..تصل إليك كلمة الله واضحة وسريعة...ترن في أذنيك,وتضغط علي فكرك ومشاعرك,وتستمر في ذاكرتك...إنها رسالة.
المهم في في كلمة الله إليك -أن تكون لك الحواس مدربة (عب5:14) علي التقاط رسالة الله إليك,وإدراكها والتأثر بها.
وقد تصلك هذه الرسالة أثناء عظة:جملة معينة تتعلق بذهنك وتدرك أنك أنت المقصود بها.وقد لا تشغلك باقي العظة,وإنما هذه الجملة فقط...
حذار أن تصلك الكلمة,فتهملها!أو تجعل تأثيرها عارضا,أو تؤجل ما يوحي به الله إليك أن تعمله.واذكر قول الكتاب'من له أذنان للسمع فليسمع' (مت13:43)
قد تقرأ مثلا فصلا من الكتاب.وتقف عند قول الرب 'ما لك ههنا يا إيليا؟!' (1مل19:13).أو عند قول الرب في فصل آخر 'كفاكم قعودا بهذا الجبل' (تث1:6). وتشعر شعورا عميقا بأن هذا الموضع الذي أنت فيه لا يليق...وأنه يجب عليك أن تبعد عنه...وتبقي بعد هذا نوعية استجابتك.
إنما يجب عليك أن تتأكد أولا أن هذا الصوت من الله فإن ميزت صوت الرب,تقول مع شاول الطرسوسي'ماذا تريد يارب أن أفعل؟' (أع9:6) أو كما قال اليهود للرسل في يوم الخمسين'ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة؟' (أع2:37)..
لا تقف إذن عند حد السماع أو حد التأثر.وإنما الكلمة التي قد القاها الله في قلبك,بذرة في أرض جيدة,أعطاها فرصة أن تنبت نباتا...فتمتد جذورها في قلبك,ويكون لها ثمار في حياتك.
وهكذا نسمع عن كلام الرسل في يوم الخمسين وما بعده,أنه كانت له نتيجة واستجابة,هي قول الكتاب 'وكان الرب في كل يوم يضم إلي الكنيسة الذيم يخلصون' (أع2:47)
إذن الكلمة كان يمكن أن نسميها (كلمة الحياة)أي كلمة تمنح حياة لمن يسمعها,أو كلمة تنقلة من الموت إلي الحياة.فيقول البعض عن كلمة مثل هذه قد سمعها: 'هذه الكلمة غيرت حياتي'..
انظروا مثلا لقاء مصيريا بين فيلبس والخصي الحبشي.قابله فيلبس في الطريق,وكلمه كلاما انتهي إلي إيمانه وعماده 'وذهب في طريقه فرحا' (أع8:39).لا شك أن ذلك الخصي الحبشي لم ينس لقاء فيلبس ولا كلماته...كانت بالنسبه إليه كلمات حياة,وكلمات مصير,أرسلها الله إليه علي فم فيلبس...
إن وصلتك كلمة من الله,تمسك بها,وقل مع المرتل: 'خبأت كلامك في قلبي,لكي لا أخطئ إليك' (مز119:11)
لا تتركها في الطريق فيخطفها الطير (مت13:4, 19).ولا تسمح للشوك أن يخنقه.بل احتفظ به في قلبك,والهج فيه النهار والليل (يش1:18).ولا تنشغل عنه بأمور كثيرة,كما فعلت مرثا (لو10:41).ولا تكن مثل الشاب الغني الذي سمع الكلمة ومضي حزينا (مت19:22)لأن محبة العالم التي في قلبه,منعت عنه تأثير الكلمة والعمل بها.
حاول أن تفتح قلبك لكلمة الله,وأن تقبلها وتتأثر بها,وتعمل بها أيضا.وإن لم تصل إليك كلمة الله,فقل له مع المرتل في المزمور:
'علمني يارب طرقك.فهمني سبلك'
'علمني الطريق التي أسلك فيها'
أحدث الموضوعات
From Coptic Books
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010
المشاركات الشائعة
- اكلات صيامى بمناسبة بدء الصوم كل سنة وانتم طيبين
- مسابقة فى صورة اسئلة مسيحية
- افكار تنفع مدارس الاحد { وسائل الايضاح }
- الحان اسبوع الالام mp3
- صور تويتى للتلوين
- دراسة كتاب مقدس ... لابونا داوود لمعى
- صور يسوع المسيح ( مصلوب )
- صلوات الاجبية بالصوت mp3
- حصرياً : اعلان نتيجة مهرجان الكرازة & شعار مهرجان الكرازة 2010 Mp3 ومنهج الألحان
- أرشيف الترانيم والمدائح أون لاين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.