هل تستطيع أن تقول أنا محبوب ؟!!



هل تستطيع أن تقول أنا محبوب ؟!!
======================

صديقي... صديقتي ..
من أهم مظاهر النمو في فترة ما قبل العشرين مباشرة ، هو النمو العقلي.

فما هى أهم علامات هذا النمو؟
قدرات وملكات جديدة

مثلما يحدث في جسدك طفرة في النمو الجسمي، كذلك تحدث طفرة أخرى في نمو ملكات العقل وإمكانياته.

فأنت تشعر بأنك أصبحت أكثر قدرة على التعبير عن نفسك، وأصبحت أكثر قدرة على التعبير عن نفسك، وأصبحت أكثر قدرة على التركيز والإنتباه والتذكر والإدراك المعنوي للأمور...وأنت تشعر أنك أصبحت أكثر قدرة على التحصيل وفهم الأمور وتحليلها، كذلك استيعاب المواد العلمية الأصعب.

ومع هذه القدرات التي تزداد تألقاً فيك يوم بعد يوم، ينمو داخلك نهم شديد لمعرفة تشبعه بالأسئلة التي لا تنتهي عن كل شيء وعن أي شيء، ويغذيه المشاهدات المختلفة التي تراها فيما حولك وفيمن حولك، وخاصة مع ثورة المعلومات والإتصالات التي تميز هذا العصر، ومع سهولة الحصول على أي معلومة تريدها من مواقع شبكات الإنترنت المختلفة.

لذلك أنت تحاول أن تشبع هذا النهم من خلال القراءات المتنوعة، التي تدور معظم موضوعاتها حول المعلومات العامة، وقصص الأبطال، والنجوم، وحكايات المغامرات، كذلك مشكلات الشباب واهتمامتهم، وخاصة ما يدور حول الجنس الآخر، والموضوعات الجنسية. ومع إزدياد حجم المعلومات العامة التي تحصل عليها، تنمو أيضاً قدرتك على التخيل، ويتجاوز عقلك التفكير في الأمور المحسوسة والمرئية إلى قدرة جديدة على إدراك الأمور المجردة، فتنمو داخلك المفاهيم المعنوية مثل: الخير والعدالة والحرية والفضيلة والنقاوة، تغذيها نزعة المثالية القوية التي تملأ مشاعرك وتسيطر على معظم مقاييسك وأحكامك... ولا يخلو الأمر من نزعات تحلق بك في أحلام اليقظة فترسم بنفسك صورة لنفسك بعد سنوات!!

ميول وهوايات متعددة

وفي هذه الفترة الرائعة من حياتك تتفجر داخلك ميول وهوايات متعددة، بعضها يعكس موهبة حقيقية فيك، وبعضها يكون مجرد تنفيس عن مشاعرك، وتعبير عن أفكارك وخواطرك. فقد تشعر بميل إلى الرسم أو الموسيقى والغناء أو الكتابات الأدبية والشعرية وتدوين المذكرات... كما أنك تعتز كثيراً بكل هذه الهوايات وبكل إنتاجك فيها.

كذلك قد تستهويك بعض الهوايات اليدوية والحرفية، أو الهوايات العملية (مثل الأعمال الخشبية كالأركت، والفك والتركيب واستكشاف الأدوات الكهربائية أو الآلات الموسيقية، وإعادة تكوين بعض لعبك القديمة! وربما تحاول أن تحقق تصميمات مبتكرة تقدرها جداً، وتعتبرها أختراعات قيمة!

والقيمة الحقيقية في كل هذه الهوايات هى أنها تعبير عن قدرات العقل. وتعتبر بمثابة إنماء (أي تنمية) له ربما أكثر من قيمتها الحقيقية كمواهب متميزة... فهي تعبر عن نمو كمي في قدرات العقل، ربما أكثر من أن تكون نمواً نوعياً فيها... إلا أنه من المفيد الاستمرار فيها، لصقل المواهب الحقيقية منها، ولتنمية ثقتك في نفسك ونمو قدراتك.

أسئلة لا تنتهي

ومع كل هذه القدرات والإمكانيات العقلية الجديدة التي تنمو فيك تكثر تساؤلاتك التي يبدو لك، ولمن حولك، أنها لا تنتهي عند حد... فأنت الآن تفكر وتحلل وتستنتج وتستدل وتبحث، وتريد أن تعرف وتقتنع، ولسان حالك يكاد أن يقول: أنا أسأل... إذاً أنا موجود!!.

والواقع أن هذه التساؤلات. بالرغم مما قد تثيره فيك من حيرة، وما قد تثيره فيمن حولك من ضيق، إلا أنها علامة صحية وخطوة طبيعية في إتجاه نضوجك، بل ووزنة مباركة من الله الذي خلق معجزة الإنسان الكبرى، وأودعها في عقله الذي يتحكم حقيقة في كل أجهزة الجسم ووظائفه، ويمثل أعقد كمبيوتر عرفه الإنسان.. ولاشك أن وسائل الاعلام والإتصال المختلفة، أصبحت تشكل مصدراً هاماً من مصادر المعرفة والثقافة عندك وعند الآخرين.. فنحن الآن محاطون بشبكات هائلة من الإتصالات، جعلت العالم كله مثل قرية صغيرة. ومن خلال شبكات الأخبار ومواقع الإنترنت، أصبح كم المعلومات والمعارف المتاحة كماً هائلاً ذا تأثيرات عميقة، وآثار إيجابية وسلبية في آن واحد... فبقدر ما لها من فائدة في نشر العلم والتكنولوجيا والوسائل التي تساهم في رفاهية الإنسان والمجتمع، يمكن أن يكون لها آثار مدمرة في نشر ثقافة العنف، وتسرب روح الإنحلال، ونقل مفاهيم غريبة على قيمنا الروحية والأسرية المترابطة، وخاصة إذا قبلت بدون تمييز.

والواقع أنه بقدر ما تكون هذه المعارف سليمة ومناسبة لك كإبن لله بقدر ما تكون إيجابية وبناءة "كل الأشياء تحل لي ولكن ليس كل الأشياء تبنى" (اكو 10: 23) وبالتالي تساهم في نمو عقلك وإتساع مداركك وإثراء شخصيتك... ولذلك من المهم أن نتعلم، كيف نميز ونقيم وننقي ما نقرأ ونسمع ونشاهد، قبل أن نقبله ونقتنع به.

من يجيبني؟

صديقي.. صديقتي تحت العشرين... لعلك تتساءل الآن "إذ كان نهمي للمعرفة هو علامة صحية من علامات نموي، فكيف أشبع هذا النهم بطريقة صحيحة؟!".

والإجابة تتلخص في "أين" و "كيف" استقي معارفي ومعلوماتي:

- فالإرتباط بشخص محب ومختبر يقدم لي الحل من خطيتي والحل لتساؤلاتي... التي أخجل من مصارحة الآخرين بها.

- والاندماج في وسط روحي مقدس ينمي شخصيتي، ويتيح لي المعرفة السليمة من مصادر سليمة (من خلال مدارس الأحد والاجتماعات الروحية والأنشطة الصيفية).

- والتعرف على خدام الكنيسة المختبرين والمثقفين، يشكل مصدراً غنياً للإجابة على اسئلتي والقضايا التي تشغل تفكيري.

- والانفتاح على وسط اجتماعي وثقافي صحي (من خلال أنشطة المدرسة أو الجامعة الثقافية والاجتماعية البناءة) يساهم في نمو ملكاتي العقلية وهواياتي المختلفة، كما يبني شخصيتي وعلاقاتي مع الآخرين حتى ولو اختلفوا عني.

- والاستخدام الرشيد لوسائل الإعلام والاتصال المختلفة (مثل التليفزيون والراديو والإنترنت) تحت إرشاد وضبط السرة ينمي قدراتي على الانتقاء والاستقبال الواعي.

- والاهتمام بالقراءة والإطلاع على المعارف العامة، وعدم الاستغناء عنها بوسائل المعرفة الأسهل (مثل التليفزيون و الإنترنت) يوسع المدارك ويبني أساس متين لثقافة عميقة شاملة.

- كل هذا يمكن أن يشكل مصادر معرفة سليمة لكل ما يثور داخلك من تساؤلات، ومصادر خبرات إيجابية تستعين بها وأنت تنمي شخصيتك، وتشكل أتجاهاتك الفكرية في الحياة.

أنا محبوب ... إذن انا موجود!!

حديثنا هنا ذو شجون!! فنحن نقترب معاً من منطقة هامة في كيانك الأنساني الرقيق الذي ينمو يوماً بعد يوم... المنطقة التي تشارك في تشيكل شخصيتك، وأنت تعبر هذه المرحلة الثرية في حياتك: رحلة النضوج... أو ما يسمونه: المراهق!

نحن اليوم نقترب من مشاعرك وأحاسيسك... من إنفعالاتك وعواطفك... من قلبك الذي تمر من خلاله كل وسائل الإتصال بك في هذه الفترة من حياتك... فما الذي نراه؟! تعال نستعرض معاً بعض ملامح النمو الإنفعالي والعاطفي، كما تلاحظه أنت في نفسك، وكما يسجله الذين سبقوك.

تأرجح المشاعر... سمة لابد منها!

مشاعرك شاهد على عصرك!!.. فأنت تحب وتكره بسرعة... تصادق وتخاصم بسرعة... ومع هذه السرعة يلهث وراءك آخرون!!

وأنت رومانسي وحساس بطبعك... أحلامك أطول من نومك... ويقظتك تملأ الكون حركة وحماساً وربما ضجيجاً!! تتغير مشاعرك في اليوم الواحد عشرات المرات...فأنت في الصباح تلميذ هادئ ومطيع، وفي الظهيرة معاند ومتمرد، وفي المساء ساهر ومتأمل، وسكونك في الليل هو هدوء يسبق عواصف النهار!!

في الكنيسة... تطلعات القادة تغمرك وبذور الإيمان المغروسة فيك منذ الطفولة تثمر أزهاراً من التأملات الحلوة، والصلوات التلقائية الصادقة، وحماس الإنخراط في أنشطة خدمة الآخرين... تتوحد مع أبطال الإيمان وتداعب خيالك سير الرهبان والقديسين، فتسرح معهم بعيداً في البرية وتؤسرك سيرهم وبطولاتهم في العبادة والشهادة...

وتعود للمنزل فتتأرجح أنفعالاتك بين فرح وسرور وإنطلاق، وبين إكتئاب وإنسحاب وضيق... بين رغبة عارمة في تحمل المسئولية والإعتماد على النفس، وبين إرتداد طفولي إلى الأنانية والتذبذب واللامبالاة... بين سلاسة الطاعة والخضوع، وبين غضب لأتفه الأسباب، وعناد يفتقد لأي تبرير...

ويحتار معك الجميع: ماذا تريد وكيف يرضونك؟ وتخلو إلى نفسك فتزداد حيرتك: "هل أنا مقبول ... هل أنا محبوب؟!"...تراجع أفعالك فتأسف على بعضها، وتعتذر عن البعض الآخر، وتحتار في معظم الأحيان، هل أخطأت في التعبير؟ أم أنهم أساءوا التفسير؟!

نعم يا أخي وأختي العزيزة، قد تكون أخطأت في التعبير وقد يكونون أساءوا التفسير... إلا أنهم وأنت معهم سوف تعانوا من تأرجح مشاعرك وتناقض إنفعالاتك.. ولكن إلى حين!

الإحساس نعمة .. ولكن!!

وبالرغم من أن إنفعالاتك قد تتسم باللاسيطرة وبالمغالاة، إلا أنها غالباً ما تخفي وراءها نفساً حساساً وقلباً يذوب شوقاً إلى الحب والتقدير، والتوافق مع الآخرين... وهذه الحساسية التى يسميها علماء النفس "الحساسية الإنفعالية" كثيراً ما ترتبط بمظاهر النمو الآخرى.

بمعنى أن الشخص الذي يشعر بالتوافق الإجتماعي مع الآخرين، والعلاقات الأسرية الدافئة، والأحساس بالأمان الداخلي، وضبط الميول الجنسية غالباً ما يحظى بمشاعر متوازنة، وردود أفعال سوية تتناسب مع حجم الأفعال والمواقف. وبالرغم من أن الأحساس كما يقولون نعمة؛ إلا أن حساسيتك المفرطة قد تكون مصدراً مستمراً للمعاناة لك وللآخرين إذا ما أنحصرت حول ذاتك... فمع رغبتك في تأكيد ذلك وحساسيتك الزائدة تجاه ما تعتبره إهانة لكرامتك قد تفقد الكثير من الأصدقاء!!

أحلامك... إنتاج خاص!

وانت تحلم كثيراً في هذه المرحلة... وأحلامك معظمها من صنعك... فأنت المؤلف والبطل والمخرج... ولأن الحلم في تفسيره العلمي هو إستمرار لنشاط المخ أثناء النوم فهو تعبير عن كثير من أفكارك ومشاعرك ومخاوفك عن أمور تحدث في يقظتك، وتجد متنفساً لها في أحلامك... ولذلك التعامل مع أحلامك من هذا المنطلق يساعدك في وضعها في حجمها الصحيح. أما أحلام اليقظة day dreams فهي خليط من الواقع والخيال... تدور معظمها حول رغباتك وطموحاتك وحاجاتك الغير مشبعة، تحت ضغوط اجتماعية أو قصور الإمكانيات، كما قد تشكل مهرباً من المواقف التي لا تستريح إليها... وبقدر ما تكون أحلام اليقظة غير مبالغ فيها، وغير مسيطرة على حياتك وسلوكك العام، فإنها تكون ظاهرة عادية من مظاهر النمو الطبيعية لهذه المرحلة، بل أن بعض العلماء يراها فرصة لشحذ طاقات الطموح لحاضر ومستقبل أفضل... إلا أن الاستغراق المفرط فيها، قد يحولها إلى مهرب وهمي، من التحديات والصعوبات التي تواجهك...

الخوف والعنف.. وجهان لعملة واحدة!!

مع رومانسية الأحلام، وبطولات أحلام اليقظة تتنامى داخلك مشاعر القلق والخوف... فأنت قلق على إتجاهك العلمي والعملي والاجتماعي، وعلى قدرتك على كسب إعجاب الآخرين... ويزيد من هذا القلق حساسيتك المفرطة تجاه ذاتك سواء بالنقد أو بالمديح... والخوف يا صديقي وصديقتي العزيزة شعور إنساني طبيعي بقدر ما يدفع صاحبه إلى مواجهته بالاجتهاد والتحدي... إلا أنه يتحول إلى معطل خطير لنمو الإنسان لو أدى إلى الهروب منه بأحلام اليقظة أو بالوسائل الدفاعية السلبية كالإنسحاب والتبرير والكبت... وقد يكون العنف الظاهري في الأولاد، أو المغالاة في الإهتمام بالمظهر الخارجي للبنات تعبيراً عن قلق وخوف داخلي عميق... فتطرف السلوك غالباً ما يعكس قلق داخلي وخوف عميق من المجهول، لا يعالجه سوى إيمان حقيقي بضابط الكل، وتسليم كامل للحياة لملك السلام.

أنا أحب... إذاً أنا موجود!!

وكلمة "الحب" لها وقع خاص عندك... فأنت تشعر أنك كائن يتغذى على الحب... تتقدم بحذر لاختبار طاقتك على حب الآخرين في نفس الوقت الذي تسعى فيه للتأكد من حب الآخرين، وقبولهم لك!!

وأن يشغلك الحب كمعنى ربما أكثر من "شخص محبوب" والذي يتشكل في عقلك الباطن وأحلام يقظتك كل يوم عدة مرات... ولذلك لا عجب أن تتغير مقاييس إعجابك بالجنس الآخر عدة مرات عبر سنوات شبابك! فالشكل الذي أعجبك بالأمس لا يعود يؤسرك اليوم، إذا وجدت ان الوجه الجميل يخفي بداخله عقل هزيل، وأن الجسد الفارع يحوي بداخله شخص فارغ!! كما أن "العقل" وحده لا يريحك إذا إكتشفت أنه يقابل عنادك بعناد، ويسوده منطق البقاء للأذكى!! ...

واللسان الحلو قد يخفي وراءه طباعاً منفردة، كما أن الوعود المتحمسة بالخطوبة والزواج، لا تملك قوة إلزام أو إلتزام، بينما أنت تستعد لامتحانات مصيرية للتخرج من ثانوي أو جامعة قد تضيف نتائجها البعيدة معايير جديدة للتوافق العلمي والعملي المطلوب لأي مشروع زواج!! وهكذا تتكتشف أن الإنبهار الناتج عن "النظرة الأولى" لا يستمر بالضرورة مع النظرة الثانية والثالثة، وعندئذ تدرك أن النظرة الأولى تمت غالباً وأنت مغمض العينين، ترى الصورة التي رسمتها بنفسك للآخر لا صورته الحقيقية... ومع نموك في الحكمة والقامة والنعمة، وإمتزاجها بخبراتك بالحياة وبالناس تدرك أن الحب الحقيقي يتجاوز البعد الجسدي الحسي والنفسي والعاطفي، الذي يقدمه العالم لأولاده، إلى نموذج الحب الروحي الناضج الذي يقدمه الله لأولاده.

فما هى سمات هذا الحب؟! وكيف يسمو هذا النموذج فوق النماذج المشوهة التي يقدمه العالم؟!

صديقي/ صديقتي تحت العشرين...

إن قدس أقداس كيانك الإنساني الرقيق هو قلبك.. فأنت في هذه الفترة الخصبة من حياتك تتحرك بقلبك قبل قدميك... وصوت مشاعرك أعلى من صوت أفكارك.. تتنفس الحياة حباً وشوقاً لحب الآخرين لك وإعجابهم بك، ولسان حالك يكاد أن يقول: "أنا أحب إذاً أنا موجودا!!" .

فكلمة "الحب" لها واقع خاص عندك... تسمعها في كل مكان حولك وتتجلجل أصداؤها داخل قلبك الرقيق، ومشاعرك المرهفة وكيانك المتأهب للحب... تسمع عنها مع الأصدقاء، وتطالعها عيناك في الصحف والمجلات... تقرأ عنها في القصص والروايات، وتراها في الأفلام والمسلسلات... يتهامس أصدقاءك سراً عن خبرات ومغامرات يسميها بعضهم حباً، والبعض الآخر إعجاباً، والبعض الثالث غراماً وهياماً!! وتحتار معهم! هل هم صادقون، أم واهمون، أم حالمون في سحر هذه الكلمة؟!

ثم تفتح كتابك المقدس فتجد أن كلمة الحب أكثر الكلمات تكراراً، وأكثر الموضوعات المحورية في رسالة الإنجيل... فتزداد حيرتك: هل هى إحتياج مباح أم سر لا يباح؟!

لماذا الحب؟!

نعم يا صديقي وصديقتي العزيزة... فالحب إحتياج إنساني، بل ووصية إلهية.. لأن غاية الوجود الإنساني هو الحب... فالحب هو نقطة إلتقاء الإنسان مع أخيه الإنسان ... ونقطة إلتقاء الإنسان مع الله.

فكلمة الحب أكثر كلمة استخدمها العالم في القرن العشرين، حتى أن بعض الفلاسفة أسماه "عصر الحب"... فمع كل الحروب (حربين عالميتين وعشرات الحروب الأهلية والصراعات الإ قليمية)

أدرك العالم أن إحتياجه إلى الحب يفوق إحتياجه إلى العلم والتكنولوجيا...

كذلك كلمة "الحب" هى أعمق وصف للرسالة التي قدمها المسيح للعالم بتجسده، والمعنى المستتر وراء الفداء والخلاص. "هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد" (يو 3: 16) ولذلك عندما سئُل المسيح عن أهم الوصايا كلها في كلمة واحدة، هى الحب

"تحب الرب إلهك وتحب قريبك كنفسك... بهذا يتعلق الناموس كله والأنبياء" (مت 22: 37- 40)

بل عندما أراد القديس يوحنا الحبيب أن يصف الله قال: "الله محبة"

"ومن يثبت في المحبة يثبت فيه الله والله يثبت فيه" (1يو 4: 16)

الكلمة واحدة ولكن شتان بين المعاني!

فإذا كان لكلمة الحب هذه الأهمية هل معناها واحد لدى الجميع؟!

قطعاً لا.. لأن مفهوم الحب الذي يقدمه العالم لأولاده، يختلف تماماً عن مفهوم الحب الذي يقدمه الله لأولاده...فما هو هذا الفرق؟

الحب الذي يقدمه العالم يخلط بين الحب الجسدي والحب النفسي، ولا يعرف الحب الروحي... وهناك فروق كبيرة بين الثلاثة أنواع، أو مستويات الحب.

فالحب الجسدي ويسمى أحياناً باللغة اليونانية "الأيروس" هو المستوى الذي يخاطب الغريزة ويلبي نداءها... وهو يتفجر مع البلوغ الجنسي للإنسان، ويسعى إلى الإشباع الحسي.. يشترك فيه الحيوان مع الإنسان، إذ أن غايته حفظ النوع ودافعه المباشر هو اللذة الجنسية... والعلاقة بين الجنسين في هذا المستوى، هى علاقة حسية بحتة... تنتهي بمجرد إنتهاء الهدف، وهو الإشباع الحسي... وهذا النوع يتسم بأنه سفلي، أناني، ومؤقت.. وأبرز مثال له قصة أمنون الذي أحب ثامار حباً جسدياً منحرفاً، تحول إلى كراهية شديدة، وصفها الكتاب المقدس "أن البغضة التي أبغضها إياها كانت أشد من المحبة التي أحبها إياها" (2صم 13: 15)

أما الحب النفسي ويسمى أحياناً "فيلو" فهو درجة أرقى من المستوى الأول، إذ يخاطب نفس الإنسان وعواطفه... وفيه إلتقاء للمشاعر والعواطف والأفكار بين الجنسين، يغذيه ميل كل جنس للجنس الآخر، كسمة من سمات النمو العاطفي الطبيعي للإنسان... إلا أن هذا المستوى قاصر على النفس الإنسانية بكل نقائصها وتقلباتها... لذلك تجده أنانياً ومتقلباً ومشروطاً، شعاره: "أنا أحبه لأنه يشبع عواطفي ويرضي أحلامي"... فالشخص هنا يحب الآخر الذي يفي الصورة التي رسمها للمحبوب ويريدها له... فإذا تغيرت هذه الصورة، تغيرت المشاعر، وفتر الحب، وربما انتهى إلى رفض وكراهية وانفصال...

ولأن دوافعه الذات ومحركه هو العاطفة، لذلك لا عجب أن تشوبه مشاعر الغيرة وحب التملك، وسلب شخصية وحرية الآخر، بدعوى "الفناء من أجل المحبوب"!!

وأبرز مثال لهذا النوع هو "الحب الرومانسي" الذي يتسم باللاواقعية لأنه يتجاهل توافر الحد الأدنى من التوافق والملاءمة والتوقيت السليم، ويندفع نحو أحلام اليقظة لإرضاء الذات، ولذلك لا عجب أن ينتهي إلى الإحباط والفشل!

أما الحب الروحي (الأغابي) فهو أرقى أنواع الحب، لأنه يخاطب البعد الروحي في الإنسان، ويتمثَّل بنموذج حب المسيح للكنيسة "إذ أحبها وأسلم نفسه لأجلها" (أف 5: 25) لذلك لا يتجلى هذا الحب إلا في الزواج المسيحي (أف 5: 23 – 33).

وهذا النوع من الحب يتجاوز البعد الجسدي المؤقت، والبعد النفسي المتقلب، إلى حب أكثر ديمومة واستقراراً، لأن فيه قبس (لمحة) من حب الله للإنسان.. فهو حب دائم ومستمر وهاديء ومستقر... هو حب معطاء وباذل وغير مشروط شعاره: "أحبه بالرغم من ضعفاته ونقائصه".. وهو حب ناضج يحترم حرية الآخر، وتميزه ويقبله كما هو... وهو حب نامي إذ يزيده الحوار واحترام الآخر استقراراً، وتكسبه شركة الحياة عمقاً وأصالة... وهو حب فيه التزام أبدي، لأن الله شريك أساسي فيه.. وحب بهذه المواصفات يتطلب قدراً من النضوج المتكامل (روحياً ونفسياً وعاطفياً)، ولذلك لا عجب أن تتزامن القدرة على هذا الحب، مع نمو القدرة على اتخاذ القرار المناسب، مع الشخص المناسب، في التوقيت المناسب.

والآن يا صديقي وصديقتي العزيزة، لعلك تتساءل:

كيف أميز بين الحب الحقيقي والحب الكاذب؟ ما هي شروط الحب الناضج؟ وكيف أتحقق من وصولي للنضوج المطلوب؟ ما دور العاطفة والجسد في الزواج المسيحي؟ كيف أتعامل مع ميولي نحو الجنس الآخر؟!...

تعال نستعرض معاً في صراحة واستنارة، الإجابة على هذه الأسئلة.

نماذج مشوهة للحب!

ليس كل ما يسميه العالم "حباً" يستحق هذه الكلمة الخالدة... فنماذج الحب التي يقدمها العالم من خلال أغانيه ورواياته وأفلامه، نماذج مشوهة تخلط بين الحب الجسدي، والحب النفسي، ولا تعرف الحب الروحي... ويزداد هذا الخلط مع انفتاح وسائل الإعلام والاتصال، وتسرب ثقافات غريبة لا تناسب مجتمعنا وقيمنا الروحية والأخلاقية.. ثقافات تسودها المادة ويُلَّون الجنس مفرداتها ومعانيها...

فمديح الشكل والمظهر والتغني بجمال الجسد والملامح، يحجب القدرة على رؤية الجمال المخفي في الآخر، كشخص وليس كشيء، كإنسان وليس كسلعة، كنفس خالدة على صورة الله ومثاله، وليس كجمال مادي مصيره للشيخوخة ثم للزوال..

والتعلق العاطفي الذي يدفع صاحبه إلى إهمال دراسته أو عمله، والكذب على الأسرة ولقاءات الخفاء، واستجداء مشاعر الآخر، أو إثارة عواطفه بكلمات حالمة، وإثارة غرائزه بالقول أو بالشكل، لا يمكن لأن يسمى حباً، بل هو سلسلة من الأخطاء تشتت طاقة الإنسان وتضيع وقته، وتحزن الروح، وتبعده عن الله، وتفقده احترامه لنفسه وللآخرين..

والعلاقة التي يسعى فيها كل طرف لإثبات الذات وإخضاع الآخر والسيطرة عليه، والتي تتسم مفرادتها "بالغدر والهجر والغيرة والخصام!!" لا يمكن أن توصف حباً حقيقياً لأن الحب لا يعرف الذل والهوان والذوبان في شخص المحبوب، بل مثل هذه العلاقة هي حب مستتر للذات، يتخذ الآخر وسيلة لإرضاء الغرور!!

والتعلق العاطفي الذي يؤدي إلى السير خارج حظيرة المسيح في طريق مسدود لا يقبله الروح، ولا تباركه الأسرة، ولا توافق عليه الكنيسة، ليس حباً بل هو عناد وغشاوة، يدفع صاحبه ثمنه غالياً ولو بعد حين!

والعلاقات الجسدية العابرة – قبل الزواج أو خارج إطار الزواج – والتي يشتغل فيها الجسد بالشهوة، وينحرف فيها الشخص وراء الغرائز بدافع التجربة واكتساب الخبرة – لا يمكن ولا يليق أن تسمى حباً، بل هي خطية نجاسة، يرفضها الروح، وتمنعها وصية الإنجيل، ويدينها الله، "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح، أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية؟! حاشاً" (1كو 6: 15).. وهي تطفيء الروح وتسيء للجسد وتقود – ككل خطية - إلى عطش لا يروى "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً" (يو 4: 13) ويمكن لأن تؤدي إلى إدمان، مدمر للنفس والجسد والروح...

فإذا كانت هذه هي بعض النماذج المشوهة للحب، كما يقدمها العالم لأولاده، من خلال ثقافة "الجنس" وثقافة "الأنا" (أي الأنانية) فما هي سمات الحب السليم؟!

مفتاح السر: كلمة مناسب!!

الحب السليم يتسم على الأقل بأربع سمات أو شروط أساسية:

1- التوقيت المناسب: فالنضوج شرط أساسي لنجاح الحب واستمراره.. والنضوج هنا نضوج متكامل:

* نفسياً (أي الفطام النفسي – واستقلالية الشخصية).

* وعلمياً (اكتمال الدراسة وتحديد التخصص المهني).

* وعملياً (نمو الخبرة الحياتية والمهنية).

* واقتصادياً (القدرة على الاستقلالية وتحمل المسئوليات وتحمل المسئوليات المادية).

وعاطفياً (التوازن الانفعالي).

وروحياً (نمو القدرة على العطاء)!

2- اكتشاف الشخص المناسب: فالقبول المتبادل، والتوافق والتكامل مع الآخر – علامات مهمة عن مدى الملاءمة بين الطرفين، وعلى صحة "اختيار" –أو بمعنى أدق- "اكتشاف" شريك الحياة.

3- في الإطار المناسب: فالزواج المسيحي هو الإطار الذي يجسد الحب ويعمقه وينميه ويحصنه ضد تقلبات الجسد والعاطفة وعثرات العالم، في التزام أمام الله والنفس والمجتمع.

4- تحقيق الهدف المناسب: ففي الزواج شركة للحياة وطريق للخلاص ووسيط للخروج من دائرة الفردية المغلقة (أي إنكار الذات) للنمو في العطاء للآخر.

وهكذا بمقدار ما يشوه العالم معنى الحب وأشكاله، بقدر ما يقدم الزواج المسيحي نموذجاً للحب المتكامل.. فما هي ملامح هذا التكامل؟

الزواج المسيحي: نموذج للحب المتكامل

ففي الزواج المسيحي يلتقي البعد الروحي مع النفسي مع الجسدي، في منظومة واحدة من الحب المتكامل، يقدسها الروح، ويوحدها السيد المسيح، وتباركها الكنيسة، ويحترمها المجتمع...

* فالزواج المسيحي يقدس الجنس "ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد، والمضجع غير نجس" (عب 13: 4) ويوظفه لتدعيم الاتحاد بين الزوجين، على مستوى الجسد (يصيران جسداً واحداً) وكوسيلة لامتداد الأسرة.

* والزواج المسيحي يُعمِّد العاطفة ويوظفها لخدمة الاتحاد بين الزوجين، في شركة رائعة من البذل والعطاء المتبادل عبر رحلة الحياة بحلوها ومرها...

* والزواج المسيحي طريق للخلاص يتيح للروح فرصة رائعة للاتحاد بشريك للجهاد الروحي، وكرفيق لطريق الخلاص، وكوارث معها للحد السمائي.

والجهاد الزيجي (في الحياة الزوجية) هو اجتهاد الزوجين معاً، لأن يحافظا بعمل الروح القدس، والارتباط المستمر بوسائط النعمة – على هذا الاتحاد قوياً ونامياً، في تناغم وتكامل وتسامي "هذا السر عظيم" (أف 5: 32).

ولعلك تعود الآن لسؤالك: إذا كان الحب في مفهومه المتكامل لا يتحقق إلا من خلال الزواج المسيحي، فكيف أتعامل الآن مع عواطفي، إذا مالت نحو الجنس الآخر؟!

كيف أضبط عواطفي؟

صديقي صديقتي... تحت العشرين... إن الميل حو الجنس الآخر هو سمة طبيعية من سمات نموك الانفعالي والنفسي، في هذه المرحلة الهامة من حياتك/ مرحلة المراهقة.. ولكن هناك فرق بين كبت العاطفة وضبطها.. فالشاب المسيحي يتمتع –بنعمة السيد المسيح- بتوازن داخلي، وتصالح بين جسده وعقله وعواطفه وروحه.. وكما يقول قداسة البابا شنودة: "الإنسان الروحي روحه تقود جسده، والروح القدس يقود روحه".. وكما قال الكتاب المقدس: "النفس الشبعانة (بالمسيح) تدوس العسل (العالم والخطية)".

إن الانتظام في قراءة كلمة الإنجيل، والمواظبة على التوبة القلبية، والاعتراف الأمين، والتناول من جسد الرب ودمه، والانشغال بأنشطة الخدمة، والاختلاط الصحي في جو مقدس، والهروب من الشهوات والعثرات –كلها مصادر شبع، وضبط وشهادة.

صديقي صديقتي.. تحت العشرين..

نعم الحب احتياج إنساني عميق مثل الاحتياج إلى الأمن، والتقدير، والانتماء... ولكن سر الحب المسيحي، أنه طاقة رائعة إذا ما تسلمتها يد النعمة وقيادة الروح سخرتها لخدمة خلاص النفس والآخرين... لذلك يتخذ الحب المسيحي أشكالاً وأنماطاً أخرى كثيرة، بخلاف الحب المقدس بين الزوجين.. فهو يتسع للحب الوالدي والحب الأسري، وحب الأصدقاء، وحب الوطن، وحب الفضيلة والخير... وقبل الكل: الحب الإلهي الذي قد يدعو إنساناً لأن يكرس حياته، ووقته بالكامل لله.

موضوع اكتر من رائع




صلى لضعفى `16`

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010