+++ ألوان من الحب +++



ألوان من الحب
============


يتخذ الحب أشكالاً عديدة في حياتنا اليومية، فليس كل علاقة عاطفية حباً، إنما الحب درجات ومستويات، كما أنه يتطلب قدراً من النضج النفسي حتى يمكن أن يكون حباً راقياً.

إن الحب يتطور تدريجياً، ابتداءً من مراحل الطفولة الأولى، حيث يرى الطفل ذاته محوراً للكون وهو ما يُطلق عليه حب الإيروس Eros، و"إيروس" هو إله الحب عند الإغريق، وكان اليونانيون القدماء يعبدونه باعتباره إلهاً للشهوة، فحب "الإيروس" إذن، حب يتسم بالأخذ والامتلاك.. ومع نمو الطفل يتطور الحب إلى مستوى أعلى فيه الأخذ والعطاء، وهو ما يُطلق عليه حب "الفيليا" Philia.

غير أن هناك نوعاً راقياً من الحب، هو الحب الإنساني الأصيل الذي أوجده الله في الإنسان يوم خلقه، والذي فقده الإنسان بالسقوط، غير أن الله قد أعاده إلينا من خلال التجسد والفداء، فصار هو الحب المسيحي "الأغابي" Agape، الذي هو ثمرة ونتيجة لعمل الروح القدس فينا: "وأما ثمر الروح فهو محبة Agape، فرح، سلام..." (غلاطية 22:5).

حب الإيروس Eros

(الحب الطفولي – الحب الإناني الشهواني)

هو نوع من الحب يبدأ مع الطفل في سنوات حياته الأولى، فهو يشعر أن ذاته هي مركز الكون، وهو لذلك يريد أن يمتلك كل شيء.. هذا الحب الطفولي البدائي (أو الحب الأناني إذا جاز القول) مفروض أن يتحول إلى مستوى أرقى من خلال عملية النضوج النفسي للفرد، خروجاً من الطفولة مروراً بالمراهقة، وحتى الرشد.

غير أن بعض الناس يصلون إلى الرشد ومازال داخلهم هذا النوع الاستئثاري الامتلاكي من الحب.. وبدلاً من أن ينتقل الفرد إلى المرحلة التالية (حب الفيليا)، فإنه يظل متمركزاً حول ذاته حبيساً في سجن "الأنا"، ينظر إلى الآخرين كأدوات يستعملها ويُسخرها لتحقيق أغراضه.

إن هذه الأنانية التي أخذها الفرد معه من مرحلة الطفولة وامتد بها إلى مراحل عمره التالية، تنطبع بلا شك على حياته بوجه عام، وعلى حياته الجنسية بوجه خاص، فينظر إلى الجنس الآخر كجسد لا كشخص، "كشيء" يُمتلك ويستعمل ويستهلك ويستمتع به، ثم يُستغنى عنه أحياناً.. ويُصبح الجنس في نظره مجالاً لإشباع الشهوات إشباعاً بيولوجياً مجرداً تماماً مثل إشباع المعدة الجائعة.. هذا هو الحب "الإيروس"، الحب الطفولي، أو الحب الأناني الشهواني.

في الكتاب المقدس، نجد حب "الإيروس" واضحاً في قصة أمنون الذي أحب ثامار حباً شهوانياً، وعندما نال منها ما أراد استغنى عنها كشيء بلا قيمة.. "ثم ابغضها أمنون بغضة شديدة جداً، حتى أن البغضة التي أبغضها إياها كانت أشد من المحبة Eros التي أحبها إياها." (2صم 15:13).

أحب ذاتي فيك..!

في بعض حالات التعلقات العاطفية بين الجنسين نجد الواحد يحب "الآخر" لأنه صورة لذاته (الأنا)، وقد يعتبره امتداداً له، ولا ينتبه إلى كونه كياناً مستقلاً له تمايزه الشخصي، وله تفرده وخصوصيته، وأنه لا يمكن أن يكون امتداداً لذات أخرى لأن قيمته في شخصيته المتمايزة.. هذا نوع من الحب الامتلاكي يحاول فيه المُحب أن يشكل المحبوب على طريقته، أو على صورته (أي صورة ذات المحب)، وقد يزيف الحقيقة قائلاً: "إننا على نمط واحد، كل منا صورة طبق الأصل من الآخر..!"

هذا الافتراض بالطبع خيالي، لأنه إن كان التشابه بين شخصين ممكن، فإن التطابق أو التماثل بينهما أمر مستحيل.

إن من يحاول أن يبحث عن ذاته في "الآخر" ولا يرى سواها فيه، فقد تخلى عن الواقعية وعاش في وهم كبير.. فهو يرفض أن يقبل "الآخر" ويكتشفه كما هو، ومن ثم يحاول أن يشكل "الآخر" بطريقته، يصبه في قالب من صنعه (أي يقولبه)، فلا يلبث أن يصطدم حتماً بذات "الآخر"، إذ يكتشف أنها ذات مختلفة عن ذاته، لها اهتماماتها ومتطلباتها الخاصة، في وقت لا يريد من يحيا في هذا الوهم (وهم الذات) أن يرى على الساحة ذاتاً غير ذاته، أو يراعي الذوات الأخرى.. وهذا من أهم أسباب الخلافات بين الناس بوجه عام، وبين الزوجين بوجه خاص.

الحب الأناني:

ألا يمكن أن نُطلق على هذا النمط من الحب "الحب الأناني"، حيث "الأنا" لا المحبوب هو محور اهتمام المحب، ومن ثم لا يمكن أن يعتبر هذا حباً.. فالحب خروج عن "الأنا" إلى "الآخر"، أما الدخول من "الأنا" إلى "الأنا" فهذه هي "النرجسية"، أي الإعجاب بالذات، والتلذذ بإرضاء الرغبات، والتمركز حول "الأنا".

يرجع مصطلح النرجسية Narcissism إلى أسطورة إغريقية قديمة عن شاب وسيم يُدعى "نرسيسوس" Narcissus، حيث تزعم الأسطورة بأنه أفتتن بجمال صورته على صفحة المياه، ظاناً بأنها شخص آخر، ومن شدة افتتانه بها ضعفت صحته وذبل جسده حتى تحول إلى زهرة النرجس..!! ومن ثم يستخدم لفظ النرجسية للدلالة على الاهتمام الشديد بالذات، والأنانية التي لا تراعي وجود شخص آخر سوى الذات.

هذا "الحب الأناني" –إن صح التعبير- هو امتداد للحب الطفولي الذي ينشأ مع الطفل في سنواته الأولى.. إنه حب الإيروس Eros، والذي يفترض أن يكون ضمن سمات مرحلة طفولية مؤقتة، يتطور بعدها إلى حب أرقى يتسم بمزيد من العطاء، بلوغاً إلى حب ناضج فيه العطاء سمة أساسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010