القوة المتجددة للإيمان المسيحي

مجلة مرقس - دير ابومقار
هناك الكثير من الناس في أيامنا هذه يعتقدون أن الإيمان بالمسيح لا يتفق والمجتمع المعاصر، وهم يرون أن أقوال الإنجيل لا يمكن تحقيقها في عالم اليوم! أما الآباء الروحيون فيرون أن الإنجيل وتقليد الآباء الرسل وآباء الكنيسة يوافق عصرنا هذا كما كان موافقاً للعصور السالفة، وهذا ببساطة لأن المسيحية هي أداة إرجاع "الإنسان" إلى حالته الأولى، فحيثما وُجـِد هذا الإنسان، صَحَّ بل وَجَبَ أن توجد المسيحية.
أما القيامة فهي سرُّ قوة الكنيسة منذ عصر الرسل وحتى الآن، فهي قادرة على إعطاء الحياة للإنسان في وسط عالم مضطرب غارق في عبودية الآلام وحبيس لسجن الموت. غير أن المسافة التي نراها بين ما هو للكنيسة وما هو للعالم، ليست دليلاً على انفصال الكنيسة عن العالم، كما أنها ليست علامة على ضعف الكنيسة، ولكنها مسافة طبيعية وواجبة. فالله يجذب الكنيسة إليه، إلى فوق، ورئيس العالم (الشيطان) يجذب العالم إلى أسفل. ومن هنا نشأت هذه الفجوة والتي تعني عدم انحدار الكنيسة. والقيامة في فعلها تعطينا دفعة قوية بها نستطيع أن نحافظ على هويتنا من الانحدار تجاه ما للعالم.
ثقافة الخطية:
إن عصرنا هذا، وكما يُقال عنه، هو عصر المعلوماتية بكافة صورها، والتي أصبح العالم بها الآن "قرية صغيرة". وفي هذا العالم "القرية" لم يَعُدْ شيء خفي، فكل حق يُنشر، وكل فعل يُذاع، سواء كان هذا للصالح أم للشر. لقد اختلطت الأوراق جميعها ولم تَعُدْ الخطية "خاطئة" لكثرة تداولها والتحدُّث عنها، ونتج عن ذلك أن تحوَّلت الفضائل في بعض المجتمعات إلى رذائل والعكس!! لقد فقدت المجتمعات خصوصيتها لتعرُّضها لاختراقات الآخرين، وبدلاً من أن ينفتح الإنسان على الآخر نجده قد تقوقع على نفسه وتأصَّلت ذاتيته، وأصبح حبيساً لحريته الذاتية. وفي هذه "القرية" الأنانية نجد أن الخطية قد استشرت وانتقلت من مجتمع لآخر في حِمَىً من أهلها.
أما نحن الأساقفة والقسوس (المتحدِّث هو المطران سيرافيم) فحالنا هو الفتور والإهمال. لقد أخفينا هويَّتنا الحقيقية تحت زيِّنا الكهنوتي، وخلطنا بين مهمتنا الرعوية وبين ما للعالم، ورضينا بهذا وسكتنا، أو كما يقول عنا القديس بولس الرسول:
+ "ولكن اعلم هذا، أنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة. لأن الناس يكونون مُحبين لأنفسهم، مُحبين للمال، متعظِّمين، مستكبرين، مُجدِّفين، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، دنسين، بلا حُنُوٍّ، بلا رِضىً، ثالبين، عديمي النزاهة، شرسين، غير مُحبين للصلاح، خائنين، مقتحمين، مُتصلِّفين، مُحبين للَّذات دون محبةٍ لله، لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها..." (2تي 3: 1-5)
فعالمنا، إذن، عالم عاجز، رئيسه يجول حُرًّا في كل مكان يُغوِي ويُفسد ويُهلك، موجِّهاً ضربته الأساسية للكنيسة؛ فيشقُّ، ويقسم، ويضع حرومات، ويصنع خلافات بين إخوة لهم جسد واحد وإيمان واحد.
ففي عالم مثل هذا هل نجد مَن يُميِّز الخير من الشر؟ هل نجد مَن يدين الخطية؟ لا، لا يوجد، فثقافة الخطية قد أخرجت الإنسان من إنسانيته، فصنع لذاته صنماً يسهر هو على عبادته وحمايته بكل ما أوتي من قوة. لقد أصبح عالمنا قطعة من جهنم، لأنه أصبح مليئاً بالشر. فحتى الحق نفسه تحوَّل في أحيانٍ كثيرة إلى "عبادة أوثان"، وذلك لأن مَن يُنادي به ليس له من هدف إلاَّ تقديس ذاته وإعلاء كرامته.
هذه الأمور وغيرها الكثير، ليست خفية على أحد، وإنني لم أسردها بغرض الحُكْم على العالم، ولكنني أتحدث من واقع مسئوليتي الأبوية تجاه أولادي. فالشيطان عندما ينشر الشر إنما يفعل ذلك بغرض إيقاعنا في بالوعة اليأس الجارفة إلى الهلاك؛ أما الله فحينما يفتح بصيرتنا لنرى شر العالم، فهذا يكون بغرض إبعادنا وتنفيرنا من الخطية. فلا نيأس، إذن، فلنا قاعدة ثابتة وقوية نستطيع أن نقف عليها ونبني حياةً روحية سليمة أَلاَ وهي قاعدة القيامة.
القيامة والإيمان:
لقد أعمى الشر الخليقة، ولكن الروح القدس يُعطي للمؤمنين عيوناً لكي يَرَوْا بركة الله في كل شيء. فحينما تنتصر الخطية، يأخذنا الروح القدس إلى مسيح الجلجثة لنرى قوة القيامة تغطي العالم كله. أما جـِدَّة القيامة الخالدة فتأتي من كونها فِعْلَ حياة وليست حدثاً. وعلى ذلك فالمسيحية ليست أيديولوجية بقدر ما هي "إعلان". فالكنيسة تعيش حياة هي في جوهرها شركة لاختبار هذا الفعل جيلاً بعد جيل. فكل مَن اعتمد حقاً للمسيح قد دخل حقاً في خبرة القيامة.
ولكي تتحقَّق لنا هذه الخبرة علينا أن نخضع، بصدق، لسلطان الإيمان الذي يقود قلوبنا وعقولنا إلى قبول سرِّ القيامة الذي يفوق في طبيعته مستوى تفكيرنا.
فاليوم قد أُعْلِنَت القيامة للبشرية التي لديها خيار القبول أو الرفض لذلك الإعلان. فكل مَن يقبل القيامة كفعل حياة سينضم بروحه إلى كنيسة المسيح الخالدة، وسيزداد وعيه بلاهوت المسيح وبحقيقة رسالته. فالإيمان بالمسيح القائم من بين الأموات قاد كنيسة الرسل سابقاً، وهو يمتد ليقودنا نحن الآن في نفس طريقهم. وكلُّ مَن يقبل القيامة كأساس لفكره ولحياته ستسمو هي به وبإمكاناته، وستتخطَّى به كل ضعف بشري. فحقيقة المسيح توضِّح لنا أن القيامة أقوى من الموت، والحب أقوى من البغضة، والإيمان يصنع المعجزات، وهذا هو ما يجب أن تعيشه الكنيسة وتُسلِّمه لأبنائها؛ أما إن لم تفعل ذلك، فسوف تصاب بالعقم ثم الموت.
صلاة الإيمان:
إن صلاتنا أيضاً يمكن أن تكون "فعلاً إيمانياً" إنْ هي ناشدت محبة الله ورحمته وحكمته، تلك الأمور التي لا يتسنَّى لنا الإحساس بها إلاَّ بقوة الإيمان. وهنا وفي هذه الحالة لن يكون لخطايانا تأثير سلبي على قوانا الروحية والنفسية.
والروح القدس يلهمنا أيضاً أن نضع إيماننا في أن الاستجابة الحسية لطلباتنا سوف تتحقَّق لأن المسيح إله رحوم. فنحن لا نرى كل شيء ولا نعرف كل شيء، ولكننا نؤمن بأن الله يستجيب لطلباتنا استجابة مقدارها هو مقدار محبته لنا. فبمجرد أن أرفع صلاة إيمانية نحو الله، فإنه فوراً يُحقِّق طلباتي، ولكن ربما بطريقة غير التي أريدها أو أتوقَّعها أنا.
فإن آمنَّا بالمسيح إيماناً كاملاً، فسوف نرى يد الله تحرِّك كل شيء لصالحنا. فمثلاً: إن نحن ألقينا نظرة على حياتنا نلاحظ بعين الإيمان كم كان الله يقودنا ويحمينا، فهو يضع في طريقنا كل ما هو صالح لبنياننا من أشخاص وأحداث وكتابات مختلفة. فكم من مرة أنقذ الرب حياتنا من الهلاك، كم من مرة تدخَّل لكي يهبنا نعمته؟ لذلك نستطيع أن نقول إن الإيمان لا يؤتي ثماره داخل القلب إلاَّ من خلال نافذة القيامة التي تنير لنا الطريق وترفعنا فوق كل ضيقة وتنقلنا إلى ما وراء الموت.
الكنيسة وقوة القيامة:
وإيماننا القوي المتجدِّد بفعل القيامة لا نحصل عليه إلاَّ في الكنيسة. فالكنيسة هي قوة القيامة التي سَرَت أولاً في القبر، ثم منه إلى كل جسد البشرية. ففي الكنيسة تختبر النفس البشرية بصورة سرِّية قوة التجسُّد والقيامة، وذلك من خلال الأسرار؛ حيث إن النفس التي لها إيمان صادق غير مرتاب في شخص المسيح، يكشف لها الروحُ القدس ويمنحها كل ما في الأسرار من قوة فاعلة.
الإفخارستيا والقيامة:
يُعتبر سر الإفخارستيا - في كنيستنا الأرثوذكسية - فعلاً من أفعال القيامة. فالذي يريد أن يرى قوة القيامة، عليه أن يفهم سر الإفخارستيا على أنه شركة حب مع المسيح تتمثَّل في الإيمان القوي به والتعايش مع التجسُّد والآلام والصليب، ومِن ثمَّ رؤية حياة القيامة.
ولذلك تدعو الكنيسة إلى الاستعداد لممارسة هذا السر عن طريق الاعتراف بالخطايا، والصوم، والقراءات الروحية، والتصالح مع القريب. على أن تكون كل هذه الأعمال نتيجة لعمل الروح القدس وليست هدفاً في حدِّ ذاتها، أي أننا إذا طلبنا الله بنيَّة خالصة، فسيمنحنا قوة روحية نتغلَّب بها على ضعفاتنا، وتجعلنا أكثر استعداداً لقبول ما في الإفخارستيا من غِنىً. ولذا يقول القديس سمعان اللاهوتي الجديد: "يجب أن نتقدَّم لسر الشركة عن طريق الشركة"(1).
لذلك فإن كان هناك ضعف في الكنيسة، فهو ناتج عن استمرائنا لخطايانا، وعدم الاستعداد الحسن قبل التقدُّم لسر التناول. ونتيجة ذلك نجد أن الإيمان قد ضعف، والصلاة قد قَلَّتْ، فاستشرت الذاتية وضَعُف الإنسان. وهنا يقول القديس بولس الرسول:
إذاً أيُّ مَن أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرماً في جسد الرب ودمه. ولكن ليمتحن الإنسان نفسه، وهكذا يأكل من الخبز، ويشرب من الكأس. لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق، يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مُمَيِّزٍ جسد الرب." (1كو 11: 27-29)
القيامة والكتاب المقدس:
ولكي نعيش فرح القيامة يجب أن يكون لنا أيضاً ثقافة إنجيلية عميقة، يجب أن نتشرَّب الإنجيل ونعيش به، يجب أن يكون الكتاب المقدس هو القاعدة الصلبة التي نبني عليها إيماننا الأرثوذكسي. فالقراءة في الإنجيل الممزوجة بالصلاة تفتح لنا طاقات القوة الكامنة في إنساننا الجديد، والتي تتضمن الشعور الدائم بقوة القيامة والعيش الفَرِح نتيجة لتلك القوة.
إن هذا هو الطريق الذي رسمه لنا الآباء القديسون، والذي به يتجدَّد شبابنا ويزداد قوة فوق قوة. فالإيمان بالكلمة يُريح النفس ويُخصِبها، ويجعلها أهلاً لنوال فرح القيامة `17`
سلام ونعمة ليكم :
موضوع جميل وشكرا ليكى .
في حاجا كنت عاوز أقولها وهى أن لم نكون مثقفين فى الكتاب المقدس ه نقدر ندافع عنة وعن اى حد يحاول أن يقول كلام مش مظبوط وكمان نقدر نصحح أي معلومة غير صحيحة عند الآخرين زى مابيحصل مع اى حد .
وكمان اى حد يحب يعرف الحاجة الصح أو الفكرة المظبوطة عن الكتاب المقدس بس لو أنا او اى حد معندوش دراية .
* مش هيعرف يدافع عن فهم المسيحية عند الآخرين .
* مش ه تقدر أنك تكون على دراية كويسه وممكن تقول كلام مش صح .
*وكمان أنت ه تبقى معرفتك للكتاب المقدس محدودة .
بس أنت ممكن تنمى نفسك روحين يعنى ممكن كل واحد يقرأ أصحاح كل يوم ودي هاتكون أبسط طريقة ليك عشان تتثقف في الكتاب المقدس ... `17`

فلما قام من الاموات تذكر تلاميذه انه قال هذا فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع ..{من إنجيل يوحنا 2:22}

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010