+؛؛+ (( تأمل وهناك تذكرت )) +؛؛+

وهناك تذكرت { متى 5 : 23 }
=====================

القمص يوسف مسعود
--------------------------

أشكرك يا رب على كل حال ومن أجل كل حال .. وفى كل حال .. أشكرك لأنك أعطيتنى فرصة أن أذهب إلى هناك .. لأنه ما أجمل "هناك" حيث الطبيعة الصامتة والجبال الراسخة والسماء الصافية . والركب الساجدة والصلوات المتواترة .

- هناك حيث تأتى المعوتة الشاملة من خلال الجلسات الهادئة والقراءة النافعة والأوقات المثمرة .. عكس ما يوجد فى العالم .. حيث توجد الضوضاء وتكثر المشغوليات وتتشتت الأفكار ويسبح كل منا فى تيار معاكس للآخر ..

- فى العالم نرى الوقت وقد تبعثر فى البحث عن لقمة العيش الزائلة والجرى وراء المكاسب الفانية والفرح بأوراق الخدمة العارية والأنشطة الظاهرة الخاوية يضيع الوقت فى الأنظمة والرسميات المعثرة !

- فى العالم نرى العجلة دائرة لا تتوقف فما عملنا بالأمس نكرره اليوم وما نعمله اليوم سوف نعيده فى الغد وهكذا تدور الأيام دورتها ولا أحد يستطيع أن يقف فى وجهتها الكل يجرى ويتسابق بل ويتصارع إلى أين ومتى لا أدرى !!

- فى العالم تتركز كل أهتماماتنا كيف نرضى العالم .. كيف نجارى العالم بل كيف نكسبه .. كيف نكون مراضيين له ما دمنا فيه ناسيين قول الرب "لأنه ماذا يستفيد (ينفع) الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه" (مت 2:16)

- لقد دخلنا فى عمق اهتمامات العالم وقد أتجاسر وأقول أن العالم الآن دخل فى عمق اهتماماتنا .. فى العالم الآن كثر وجود (مرثا) التى قال لها الرب "أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة ولكن الحاجة الى واحد" (لو10 :40،41)

- نرى فى العالم كل واحد يهتم بما لنفسه أو بما لا يراه مناسباً لفكره وإنشغاله ولا يهتم حتى بالوسيلة ماذا تكون روحية أو غير روحية لا يهمه أن تكون حيلاً بشرية أو عالمية أو طرقاً خاطئة تركيز الاهتمام كله فى الوصول إلى الغرض حتى لو ضيع هذا الإنسان نفسه !

- وقد يهتم خادم أن يملء عقول سامعيه بالمعلومات دون أن يضع اهتمامه فى حياتهم الروحية كيف ينمون كل اهتمامه فى المعلومات لا فى الروحيات !!

- آخر يهتم كيف تمتلىء الكنيسة بالناس هذا هو كل هدفه ولا يهتم بأن يصل الناس إلى الله وربما يلجأ إلى وسائل عالمية !

- ولذلك فى العالم لا نستطيع أن نصل إلى نعمة التذكر والمحاسبة والمراجعة وأن يرجع كل واحد إلى نفسه ما لم يذهب ويعيد حساباته ويوضح أهدافه ويسعى إلى خلاص نفسه ما لم يذهب ويجلس هناك مع نفسه !

هناك تذكرت .. فماذا تذكرت ؟!
---------------------------------
- هناك تذكرت كلام الوحى "أذكر كيف أن زائل (مز89 :47) فتيقنت أن العالم لابد وأنه زائل ..فتنبهت إلى قول ربى "أعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقى للحياة الأبدية "(يو6 :27)

- هناك رن فى أذنى صوت الوحى منبهاً ومرشداً وقائلاً "أذكر خالقك فى أيام شبابك"(جا3) فتنبهت إلى أهمية حياة الشباب وبالتالى راجعت نفسى وخفت على أبديتى !!

- هناك تذكرت ورن فى أذنى عتاب المحبة فى عبارات رقيقة مملوءة حباً وحناناً وهدوءاً قائلاً لى بصوته الحلو نادانى .. "لكن عندى عليك أنك تركت محبتك الأولى فأذكر من أين سقطت وتب وأعمل الأولى"(رؤ2: 4،5) أمام هذه العبارات المملوءة حباً ذاب قلبى فى داخلى وأنكشفت كل سرائرى لأن ماتفعله المحبة أقوى ممل يفعله القانون !!" فقد ينفذ شخصاً القانون بمحبة ولكن من الصعب أن يمارس الآخر المحبة بالقانون "!

- ورحت أسأل نفسى سؤالاًُ حيرنى لماذا هناك تذكرت ؟! هناك تذكرت


أولاً :لأننى بمحبة الله شعرت .
-------------------------------
- عجيبة هى المحبة .. محبة الله الفائقة التى كنت أردد صداها كل يوم ولكن شعرت بها بالأكثر هناك فتذكرتها قائلاً"أنت يا سيدى حولت لى العقوبة خلاصاً كراع صالح سعيت فى طلب الضال كأب حقيقى تعبت معى أنا الذى سقط ربطتنى بكل الأدوية المؤدية الى الحياة" (القداس الغريغورى)

- تذكرت محبة الرب العظيمة فنظرت إليه وهو حامل صليبه من أجلى وقلت له "ما هذه الطريقة المؤدية للموت التى أنت سائر فيها يا إلهى ومخلصىأى شىء تحمل على منكبيك ؟ هو صليب العار الذى حملته عوضاً عنى !ما هذا أيها الفادى ؟! ما الذى جعلك ترضى بذلك! أيها العظيم ؟أيزل الممجد؟! أيوضع المرتفع يالعظم حبك !! نعم هو حبك العظيم الذى جعلك تقبل احتمال كل ذلك العذاب من أجلى .. "فلم أجد شىء أقوله إلا أن أرفع قلبى بلسان عاجز عن شكرى قائلاً :"أشكرك ياإلهى وتشكرك عنى ملائكتك وخليقتك جميعاً لأنى عاجز عن القيام بحمدك كما يستحق حبك فهل رأينا حباً أعظم من هذا ! (قسمة الإبن سنوى)

- فنهضت صارخاً مع بطرس قائلاً "أخرج من سفينتى يارب لأنى رجل خاطىء" (يو5: 8) شعرت أنى لا أستحق حبه الذى يطاردنى ويسعى إلى خلفى قائلاً "تعال وأقترب لكى تتبرر من خطاياك"قسمة للإبن سنوى "

- أمام هذا الحب الجارف الساعى لخلاص لم أجد كلاماً أنطق به إلا صرخات رجاء من قلب منسحق واقفاً من بعيد لم أشأ أن أرفع عينى نحو السماء بل قرعت صدرى وقلت "اللهم أرحمنى أنا الخاطىء "(لو18: 13)

- وبعدها أحسست براحة وسلام وتذكرت وعود الرب لنا قائلاً "تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال وأنا أريحكم"(متى11: 28) و"من يقبل إلى لا أخرجه خارجاً"(يو6: 37) مؤكداًلى "لأنى لم آت لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة "(متى 9: 13) حقاً لا يوجد حب أعظم من هذا !!


ثانيا:هناك تذكرت لأنى بالضيقة أحسست :
------------------------------------------
- حقاً الضيقات والتجارب تروضنا على عمل الفضائل والإلتصاق بالله كقول النبى "يارب فى الضيق طلبوك سكبوا مخافته عند تأديبك إياهم "(أش26: 16) وتذكرت كلام المرنم وقلتن معه"فى ضيقى التمست الرب"( مز77: 2)

- وأحسست بأهمية الضيقة فيما رأيت تأثيرها الإيجابى والروحى فى حياة نبى عظيم كيونان فهو لم يصرخ إلى الرب حينما ذهب إلى هناك "مكان خلوته الجميلة" فى بطن الحوت وكأنه يقول وهناك تذكرت !! فصلى يونان إلى الرب إلهه من جوف الهاوية فسمعت صوتى " يو2: 2،1 هناك فى الخلوة حينما يتعلم الإنسان فى مدرسة الضيقة يقول مع رئيس السقاة لفرعون "انى أتذكر اليوم خطاياى "(تك41: 9)



ثالثاً :هناك تذكرت لأنى بين أربعة جدران جلست !!
-------------------------------------------------------
- مباركة هى الجدران الأربعة إذ من خلالها أحسست بالهدوء والسكينة والدخول مع الله فى علاقة غير مكشوفة حيث المخدع والباب المغلق وشعرت بقيمة كلام الرب لنا "واما أنت فمتى صليت فأدخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصل إلى أبيك الذى فى الخفاء فأبوك الذى فى الخفاء الذى يرى فى الخفاء يجازيك علانية" متى6: 6 وتذكرت كلام النبى فى القديم "جيد للرجل أن يحمل النير فى صباه يجلس وحده ويسكت" (مراثى أرميا3: 28،27)

- فقد يسكت عما كان يفعله خارج الجدران فى ضوضاء العالم ومشغولياته ولكنه فى داخل الجدران تكون هناك علاقة دائمة مع الرب فى صلوات متواصلة وتاملات دائمة كقول أشعياء النبى "ياذاكرى الرب لا تسكتوا"(أش62: 6) وكقول أرميا النبى"أحشائى أحشائى توجعنى جدران قلبى يئن فى قلبى لا أستطيع السكوت...."(أر4: 19)

- جلست أعيد حساباتى .. انظم أوقاتى أراجع كلامى وتنهداتى .. جلست وخير ما جلست مع كتابى "الكتاب المقدس"لقد أعترف أنى خارج الجدران كنت بعيداً مشغولاً وكان لسان حالى ينظر إليه يقول كما قال فيلكس الوالى لبولس "متى حصلت على وقت أستدعيك"(أع24: 25)

- أما هنا فجاء الوقت بل أقول كل الوقت بل أجمل الوقت أقضيه مع كتابى حقاً بين الجدران الأربعة كان كتابى المقدس .. "كان هو السراج الموقد المنير"(يو5: 35) وشعرت بأهمية تنفيذ أمر المعلم الصالح القائل "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهى تشهد لى"(يو5: 39)



رابعاً :هناك تذكرت .... لانى فى أحضان الطبيعة تأملت :
-----------------------------------------------------------
- هناك فى الخلوة على أرض البرية هناك فى الجبال حيث يوجد مصنع الأتقياء والقديسين نرى الأرض الشاسعة .. الجبال الثابتة ..الرمال الناعمة .. الحركة الساكنة .. الطبيعة الساحرة كل هذا يجعل النفس صافية .. هادئة .. هائمة .. سابحة فى ذاك الذى بيده تثبت وأساس كل هذه

- وهناك تذكرنا وتعلمنا وعرفنا سر إنعزال المعلم الصالح القائل لنا "تعلموا منى" فترات عديدة هو وتلاميذه عن حياة العالم – مشغولياته ..

- نرى أن المسيح له المجد قبل أن يبدأ خدمته بدأها بعد أن قضى خلوة فوق الجبل " اربعين نهاراً وأربعين ليلة"(متى4: 2) .. ولما بدأ خدمته بدأها من على الجبل " ولما رأى الجموع صعد إلى الجبل"(متى5: 1 ...متى14: 13...،مر1: 35 ،متى14: 23 ، مر6: 46 ،متى 15: 29)

- بل معجزة إشباع الجموع لم تتم إلا فى البرية فى أحضان الطبيعة حيث الهواء فى البرية

- "متى15"

- حتى التجلى والعظمة الإلهية لم تظهر إلا من فوق الجبل .. لدرجة أنه جعل بطرس يصرخ ويقول "جيد يارب أن نكزن ههنا "(متى 17: 1-4 ، مر9: 1-8)

- بل أقول كان رب المجد يلزم تلاميذه بالإختلاء والإمتلاء ..فيقول "ثم صعد إلى الجبل ودعا الذين أرادهم فذهبوا إليه"(مر3: 13) .." وأما على إنفراد فكان يفسر لتلاميذه كل شىء

- "(مر4: 34)" .

- بل حينما عمل لهم أول مجمع مقدس كان فى خلوة منفردين عن العالم .فحيثما قدموا له تقريراً عن الخدمة مصاعبها وإحتياجاتها يذكر لنا معلمنا مرقس الرسول "وإجتمع الرسل إلى يسوع وأخبروه بكل شىء كل ما فعلوه وكل ما عملوا فقال لهم تعالوا أنتم منفردين إلى موضع خلاء وأستريحوا قليلاُ.." (مر6: 30)

ومن الملاحظ أن هنا نموذج لما نقوم به فى مجمع الآباء .. حيث الأب الأسقف "رئيس الكهنة" ..الأباء الكهنة.. التلاميذ ".. القداس الإلهى "حضور المسيح وسطنا " .. ثم إجابة الأسئلة وتقديم التقارير .. ثم قليلاً من الراحة .. ثم الأغابى والإنصراف !! .. بعد كل هذا لا يحق لى أن أقول بالحقيقة تذكرت ونعما ماتذكرت .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010