قصــة الاخـــويـــن

المقدمة

يُخْبِرُنا الكِتَابُ المُقَدَّسُ كَيْفَ أَرْسَلَ اللهُ ابنَهُ يَسُوعَ لِيُطْلِعَنا عَلى أَسْرارِ اللهِ ، وَيَدُلَّنَا إلى سَبِيْلِ الانْضمَامِ إلى مَلَكُوتِهِ .

هذِهِ قِصّةَ رَوَاها يَسُوْعُ لِيُظْهِرَ أَنَّ اللهَ مُتَأَهِّبٌ أَبَداً للِصَّفْحِ عَمَّنْ يَتُوبُونَ عَنْ عِصْيَانِهِ .

ويُمْكِنُكَ الْعُثُورُ عَلَى هذِهِ القِصَّةِ فِي كِتابِكَ المُقَدَّسِ ، في الفَصْلِ 15 مِنْ إنْجِيْلِ لُوْقا .

كَانَ مُعَلِّمُو الشَّرِيْعَةِ غَيْرَ راضِيْنَ عَنِ اخْتِلاطِ يَسُوْعَ بِبَعْضِ الْقَوْمِ . وَقَدْ تَذَمَّرُوا ، يَوْماً ، قَائِلِيْنَ: " إِنَّهُ يَحِيْدُ عَنْ طَرِيْقِ السُّلُوكِ الْقَوِيْمِ ، بِاسْتِقْبَالِهِ أَسْوَأَ مَا يَخْطُرُ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ مِنْ أَصْنَافِ النَّاسِ الْحَقِيْرِيْنَ " .

فَرَوَى لَهُمْ يَسُوعُ هذِهِ الْحِكَايَةَ :

كَانَ هُنَاكَ مُزَارِعٌ وَاسِعُ الْغِنَى ، وَلَهُ ابْنَانِ يَجْهَدَانِ مَعَهُ فِي الْعَمَلِ فِي حُقُولِهِ .

وَكَانَ الْوَلَدانِ يَعْلَمَانِ أنَّ تِلْكَ الْحُقُولَ سَتَؤُوْلُ إِلَيْهِمَا بَعْدَ وَفَاتِهِ . طَبْعاً ، لَمْ يَكُونَا رَاغِبَيْنِ فِي مَوْتِ أَبِيْهِمَا ، وَلكِنَّهُمَا كَانَا يَتَطَلَّعانِ إلى الْيَوْمِ الَّذِيِ يُصْبِحَانِ فِيْهِ مِنْ أصْحَابِ الْغِنَى .

وَقَالَ أَصْغَرُهُما لأَبِيْهِ ، يَوْماً : " ألاَ أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَحْصُلَ عَلَى حِصَّتِيْ مِنَ الإِرْثِ ، فِي الْحَالِ ؟ فَمِنَ الَحُمْقِ أَنْ أَظَلَّ أَتَرَقَّبُ وَفَاتَكَ حَتَّى أُصْبِحَ غَنِيّاً " .

وَكَانَ الأَبُ يُحِبُّ كُلاًّ مِنِ ابْنَيْهِ حُبّاً كَبِيْراً ، وَيَرْغَبُ فِي سَعَادَتِهِماَ . وَلِهذا قَسَمَ حُقُولَهُ مُنَاصَفَةً بَيْنَهُما .

وَعِوَضاً عَنْ مُتَابَعَةِ الْعَمَلِ الْجَادِّ ، تَأَمَّلَ الابْنُ الأَصْغَرُ فِي حِصَّةِ الإِرْثِ الَّتِي نَالَها ، وَقَالَ : " مَا نَفْعُ كُلِّ هذِهِ الأَرَاضِيْ وَالأَهْراءَاتِ ؟ وَلكِنْ ، إذَا بِعْتُهَا فَسَأَحْصُلُ عَلى مَالٍ أَسْتَطِيْعُ إِنْفَاقَهُ .

وَهكَذا بَاعَ حِصَّتَهُ مِنَ الإِرْثِ ، وَرَاحَ يَبْحَثُ عَنْ حَظِّهِ .

أَمّا الابْنُ الْبِكْرُ فَبَقِيَ فِي الْمَنْزِلِ وَواصَلَ عَمَلَهُ الشَّاقَّ فِي الْحَقْلِ مَعَ وَالِدِهِ .

وَمَضَى الابْنُ الأَصْغَرُ إِلَى مَدِيْنَةٍ كَبِيْرَةٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَلَّ فِي مِثْلِهَا مِنْ قَبْلُ ، وَحَيْثُ أَصْنَافُ الطَّعَامِ وَافِرَةٌ ، وَالنَّبِيْذُ غَزِيْرٌ ، وَالْفَنَادِقُ فَخْمَةٌ . وَكَانَ عَلَيْهِ ابْتِيَاعُ الْكَثِيْرِ مِنَ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ .

وَعِنْدَما رِأىَ شُبَّانُ الْمَدِيْنَةِ مِقْدَارَ غِنَاهُ ، سَرَّهُمْ أَنْ يَكُوْنُوا لَهُ أَصْدِقَاءَ ، وَيَتَمَتَّعُوا بِإِنْفَاقِ مَالِهِ .

وَذَاتَ صَبَاحٍ ، اسْتَيقَظَ الابْنُ الأَصْغَرُ ، وَبَعْدَ أَنِ ارْتَدَى ثِيَابَهُ ، وَتَنَاوَلَ إفْطَارَهُ ، أَخَذَ يُعِدُّ لِلْيَوْمِ خُطَّتَهُ . وَكَانَ كُلُّ ما أَرادَ أنْ يَفْعَلَهُ يَتَطَلَّبُ مَبَالِغَ مِنَ الْمَالِ . وَتَفَحَّصَ مِحْفَظَتَهُ ، فَإذَا هِيَ فَارِغَةٌ .

حِيْنَئِذٍ أَخْبَرَ أَصْدِقَاءَهُ قَائِلاً : " هَا قَدْ أَنْفَقْنَا كُلَّ ما كُنْتُ أَمْلِكُهُ مِنْ مَالٍ ، فَماذَا نَفْعَلُ الآنَ ؟ "

وَاكْتَفَى رِفَاقُهُ بِالضَّحِكِ ، وَانْصَرَفُوا عَنْهُ جَمِيْعُهُمْ ، وَلَمْ يَرَ ، بَعْدَ ذلِكَ ، أَحَداً مِنْهُمْ .

وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي ، وَجَدَ الابْنُ الأَصْغَرُ نَفْسَهُ مُتْعَباً وَجَائِعاً . فَقَالَ :

" عَلَيَّ أَنْ أَجِدَ عَمَلاً أَكْسَبُ مِنْهُ بَعْضَ الْمَالِ " .

وَبَحَثَ عَنْ عَمَلٍ ، فِي مَزْرَعَةٍ ، وَلكِنَّ الْعَمَلَ الْوَحِيْدَ الَّذِي وَجَدَهُ كَانَ حِرَاسَةَ الْخَنَازِيْرِ .

وَلَمْ يَكُنْ يَحْصُلُ مِنْ عَمَلِهِ سِوَى الشَّيْءِ الْقَلِيْلِ الّذِي لا يَكْفِيْهِ لابْتِيَاعِ قُوْتِهِ مِنَ الطَّعَامِ . وَبَاتَ يَتَمَنَّى أَنْ يُشَارِكَ الْخَنَازِيْرَ طَعَامَهَا مِنء شِدَّةِ جُوْعِهِ .

وَفَجْأَةً ، ذَاتَ يَوْمٍ ، بَعْدَ أَنْ أَطْعَمَ الْخَنَازِيْرَ ، قَالَ فِي نَفْسِهِ : " لا شَكَّ أَنَّنِي أَحْمَقُ . فَفِي مَزْرَعَةِ أَبِي يَحْصُلُ حَتَّى الْخَدَمُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِمْ مِنَ الطَّعَامِ .

" الآنَ عَلِمْتُ ما يَتَوَجَّبُ عَليَّ عَمَلُهُ . سَأَعُودُ إِلَى الْبَيْتِ ، وَسَأُخْبِرُ أَبِي أَنَّنِي نَادِمٌ حَقّاً عَلَى مَا فَعَلْتُ ،

وَأَرْجُوهُ أَنْ يَأْذَنَ لِيْ بٍِالْعَمَلِ كَخَادِمٍ مِنْ خُدَّامِهِ ، فَأَنَا مَا عُدْتُ أَسْتَأْهِلُ أَنْ أَكُوْنَ لَهُ ابْناً " .

وَكَانَ الْوَالِدُ ، مُذْ غَادَرَ ابْنُهُ الأَصْغَرُ الْمَنْزِلَ ، يَقْبَعُ كُلَّ يَوْمٍ يُرَاقِبُ الَّرِيْقَ المُؤَدِّيَ إِلَى الْمَدِيْنَةَ ، رَاجِياً أَنْ يَرَى ابْنَهُ عَائِداً .

وَعِنْدَمَا لَمَحَهُ ، أَخِيْراً ، مُقْبِلاً ، أَسْرَعَ إِلَى لِقَائِهِ ، وَطَوَّقَهُ بِذِرَاعَيْهِ ، وَقَالَ : " يَجِبُ أَنْ نُقِيْمَ احْتِفَالاً " .

وَأَمَرَ خَدَمَهُ بِإِحْضَارِ ثِيَابٍ نَظِيْفَةٍ وَخَاتَمٍ ذَهَبِيٍّ .

وَكَانَ الأَخُ الأَكْبَرُ يَعْمَلُ فِي الْحَقْلِ حَتَّى سَاعَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ . وَلَمَّا سَمِعَ الْمُوسِيْقَى ، سَأَلَ الْخَدَمَ عَن سَبَبِ الاحْتِفَالِ ، فَأَجَا[ُوه :

" إِنَّهُ مِنْ أَجْلِ أَخِيْكَ ، فَقَدْ كَانَ أَبُوْكَ يَظُنُّ أَنَّهُ

ضَائِعٌ ، وَيَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَاتَ ، وَلكِنَّهُ عَادَ سَلِيْماً مُعَافىً " .

فَبَقِيَ الابْنُ الأَكْبَرُ خَارِجَ الْبَيْتِ حَرِداً ، وَهُوَ يَقُولُ :

" لَيْسَ هذَا مِنَ الْعَدْلِ فِي شَيْءٍ . فَقَدْ كَانَ يَتَوَجَّبُ مُعَاقَبَتُهُ لِتَبْذِيْرِهِ كُلَّ مَالِهِ ، لا مُكَافَأَتُهُ بِإِقَامَةِ حَفْلٍ إِكْرَاماً لَهُ " .

وَخَرَجَ الْوَالِدُ ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِ ابْنِهِ الأَكْبَرِ وَقَالَ :

" أَنْتَ تَعْلَمُ كَمْ أَنَا أُحِبُّكَ ، وَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ كَانَ فِي اسْتِطاعَتِي أَنْ أَتَدَبَّر أُمُوْرِي ، لَوْلا مُسَاعَدَتُكَ . وَلكِنَّ أَخَاكَ قَدْ عَادَ سَالِماً ، فَلا بُدَّ مِنَ الاحْتِفَالِ " .

وَقَالَ يَسُوْعُ لِمُعَلِّمِي الشَّرِيْعَةِ : " هَلْ فَهِمْتُمْ ؟ إِنَّ اللهَ يَحِبُّكُمْ ، وَهُوَ مَسْرُوْرٌ بِعَمِلِكُمْ بِحَسَبِ وَصَايَاهُ ، وَبِسُلُوكِكُمْ بِمَا يُرْضِيْهِ . وَلكِنَّهُ يَمْتَلِئُ فَرَحاً عِنْدَما يَرْجِعُ أَحَدُ أَبْنَائِهِ الْعُصَاةِ إِلَى الْمَلَكُوْتِ .





خاتمة

" من الكتاب المقدّس " سلسلة قصصيّة من 52 رواية للأطفال . كلّ قصّة قائمة بذاتها ويؤلّف مجموعها الكتاب المقدّس ، أي قصّة حبّ الله للبشر ، في كلّ زمان ومكان .

إن الأعداد ( من 31 إلى 52 ) مقتبسة من العهد الجديد وتخبرنا عن حياة يسوع ابن الله وعن تعليمه . وإن هذه القصص تحدّثنا عمّا فعل يسوع وقال ، وعن الشعب الذي لاقاه . إن كلّ ما نعرفه عن حياة يسوع مدوَّن في الأناجيل الأربعة التي كتبها كلٌّ من متى ومرقس ولوقا ويوحنّا . وكلمة " الإنجيل " تعني البُشرى السعيدة .

وختامُ السلسلةِ أربعُ قصصٍ تحدّثنا عن المسيحيّينَ الأوّلينَ الذينَ نشروا بُشرى السعادة هذه بينَ الناسِ ، كما أمرهُم يسوعُ . وما زالَ أحفادُهم يلهجونَ بها حتى أيّامنا الحاضرة .

" قصة الأخَوَيْنِ " التي غالباً ما تدعى قصة الابن الشاطر مستقاة من العهد الجديد ، من الفصل 15 من إنجيل لوقا . وهذا الفصل يروي ثلاث قصص عن فقدان أشياء وأشخاص : الخروف الضائع ، وقطعة النقد المفقودة ، والابن الضالُّ .

وقد قال يسوع إنه جاء إلى عالمنا ليبحث عن كلِّ ضائع ويخلصه ، وهو يعني كلّ من سار في درب بعيد عن الله . وهذا الانحراف لا بد له أن يقودنا ، في نهاية المطاف إلى تعاستنا ، ولكن هناك ، أبداً ، متسعاً منَ الوقت لكي نعود الى رُشدِنا ، على نحو ما فعل الابنُ الأصغُر.

الكتاب التالي (41) ، في هذه السلسلة عينها ، عنوانه " قصة الوليمة العظيمة "، ويروي مثلاً آخر من أمثال يسوع ، ويخبرُنا عما يحدثُ عندما يوجّهُ الربُّ دعوةً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010