قصة ا لـــــــزارع

المقدمة

يُخْبِرُنا الكِتَابُ المُقَدَّسُ كَيْفَ أَرْسَلَ اللهُ ابنَهُ يَسُوعَ لِيُريَنَا مَنْ هُوَ اللهِ ، وَيُعَلِّمَنَا كَيْفَ نَدْخُلُ مَلَكُوتِهِ .

القِصّةَ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْكَ ، مَثَلٌ ضَرَبَهُ يَسُوعُ لِلشَّعْبِ ، لِيُسَاعِدَهُمْ عَلَى فَهْمِ حَقِيقَةِ اللهِ .

تَجِدُ هذِهِ الرِّوَايَةَ ، فِي كِتابِكَ المُقَدَّسِ ، في الفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ إنْجِيْلِ مَتَّى .

كَانَ عَدَدُ الَّذِينَ يَقْصُدُونَ يَسُوعَ لِيَلْتَقُوهُ يَزْدَادُ يَوْماً بَعْدَ يَوْمٍ . وَكَانَ فَرَحُهُمْ يَشْتَدُّ كُلَّمَا أَبْصَرُوهُ يَشْفِي أَحَدَ المَرْضَى . وَكَانُوا يُصْغُونَ لأَقوَالِهِ إِصْغاءً دَقِيقاً ، وَيَبْتَهِجُونَ ابْتِهَاجاً عَظِيماً كُلَّمَا رَوَى لَهُم قِصَّةً مِنْ عِنْدِهِ .

إِلَيْكَ وَاحِدَةً مِن هذِهِ القِصَصِ ، سَمَّاهَا يَسُوعُ قِصَّةَ الزَّارِعِ .

في يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ ، خَرَجَ أَحَدُ المُزَارِعِينَ إِلَى حَقْلِهِ يَعْمَلُ . لَقَدِ ارْتَدَى ثِيَابَهُ الخَشِنَةَ ، وَبَرَزَ مِنْهَا وَجْهُهُ المُتَجَعِّدُ ، وَيَدَاهُ السَّمْرَاوَانِ ، وَقَدِ اعْتَادَتَا العَمَل الشَّاقَّ ، في مُخْتَلِفِ الأَحْوَالِ الجَوِّيَّةِ .

كَانَ قَدْ أَمْضَى أَيَّاماً طَوِيلَةً في إِصْلاحِ حَقْلِهِ . فَنَظَرَ إِلَيْهِ وَتَأَمَّلَ تُرْبَتَهُ الدَّاكِنَةَ ، فَوَجَدَهَا خَصِيبَةً.

وَرَاحَ يَتَجَوَّلُ في حَقْلِهِ ، حَامِلاً عَلَى ذِرَاعِهِ وِعَاءً كَبِيراً ، مَمْلُوءاً بِذَاراً .

يَا لَهُ مِنْ بِذَارٍ صَالِحٍ ! إِنَّهُ أَجْوَدُ مَا لَدَيْهِ .

ثُمَّ أَخَذَ يَجُوبُ الحَقْلَ ذَهَاباً وَإِيَاباً ، وَفي يَدِهِ حَبٌّ يَنْثُرُهُ في كَلِّ مَكَانٍ .

وَكَانَتْ في الحَقْلِ دَرْبٌ يَسْلُكُهَا أَبْنَاءُ القَرْيَةِ كُلَّ يَوْمٍ ، في طَرِيقِهِمْ إِلَى بِئْرِ مَاءٍ .

وَكَانَتْ هذِهِ الدَّرْبُ وَعْرَةً مُنْبَسِطَةً .

فَمَا إِنْ سَقَطَتْ حُبُوبُ البِذَارِ عَلَيْهَا ، حَتَّى أَبْصَرَتْهَا الطُّيُورُ ، دُونَ عَنَاءٍ ، سَاطِعَةً تَحْتَ أَضْوَاءِ الشَّمْسِ ، فَانْقَضَّتْ عَلَيْهَا وَالتَهَمَتْهَا . وَقَضَتْ عَلَى كُلِّ أَمَلٍ لَهَا في النُّمُوِّ .

وَفِيمَا الزَّارِعُ يَنْثُرُ بِذَارَهُ في تُلُومِ الحَقْلِ ، سَقَطَ البَعْضُ مِنْهُ في أَرْضٍ حَجِرَةٍ . فَحَاوَلَ الزَّارعُ غَمْرَ الحَبِّ بِالتُّربَةِ ، وَلكِنَّهَا بَقِيَتْ رَقِيقَةً . وَكَانَ الصَّخْرُ مِنْ تَحْتِهَا صُلْباً ، صَلْداً .

فَلَمَّا سَقَطَ البِذَارُ فِيها ، نَبَتَ وَتَأَصَّلَ ، وَرَاحَ يَمُدُّ جُذُورَهُ في العُمْقِ حَتَّى اصْطَدَمَتْ بِالأَرْضِ الحَجِرَةِ ، فَتَوَقَّفَ نُمُوُّهَا .

وَلَمَّا كَانَتِ الصُّخُورُ تَخْلُو مِنَ المِيَاهِ ، مَاتَ الزَّرْعُ عَطَشاً .

وَتَابَعَ الزَّارِعُ نَثْرَ بِذَارِهِ الصَّالِحِ في ثَنَايَا الحَقْلِ ، فَسَقَطَ بَعْضُهُ جَانِباً في مُحَاذَاةِ التَّصْوِينَةِ .

وَكَانَتْ سِيقَانُ الشَّوْكِ كَثِيرَةً في هذَا المَكَانِ ، وَقَدْ تَسَاقَطَ بِذَارُهَا أَيْضاً في التُّرَابِ .

وَنَبَتَتْ حُبُوبُ الحِنْطَةِ ، وَنَبَتَ الشَّوْكُ إِلَى جَانِبِهَا ، وَلَمْ تِسْتَطِعْ أَنْ تَنْمُوَ ، لأَنَّ الشَّوْكَ أَخْشَنُ وَأَقْوَى ، فَامْتَصَّ كُلَّ مَا في التُّرْبَةِ مِنْ مِيَاهٍ وَغِذَاءٍ ، وَاخْتَنَقَتْ حُبُوبُ البِذَارِ ، وَمَاتَتْ .

وَأَكْمَلَ الزَّارِعُ نَثْرَ بِذَارِهِ الصَّالِحِ في ثَنَايَا الحَقْلِ ، فَسَقَطَ بَعْضُهُ في الأَرْضِ الصَّالِحَةِ . فَتَوَفَّرَ لَهُ الأَمَلُ بالنُّمُوِّ ، إِذْ قَدْ بَلَغَتْ جُذُورُهُ المِيَاهَ العَمِيقَةَ مِنْ تَحْتُ ، وَاسْتَنَارَتْ سَاقُهُ بِلَمَعَانِ الشَّمْسِ مِنْ فَوْقُ .

وَسُرْعَانَ مَا امْتَدَّتْ جُذُورُ البِذَارِ وَارْتَفَعَتْ سَاقُهُ الخَضْرَاءُ .

وَمَا إِنْ حَانَ مَوْسِمُ الحَصَادِ ، حَتَّى تَوَّجَ السَّاقَ سُنْبُلٌ زَاخِرٌ بِالحُبُوبِ ، جَاهِزٌ لِلْحَصَادِ ، صَالِحٌ لِلطَّحْنِ وَالخُبْزِ .

فَابْتَهَجَ الزَّارِعُ كَثِيراً عِنْدَ جَمْعِ غِلاَلِهِ .

أَعْجَبَتْ قِصَّةُ الزَّارِعِ هذِهِ أَصْدِقَاءَ يَسُوعَ . وَلَمَّا أَوَى الجَمِيعُ إِلَى بُيُوتِهِمْ عِنْدَ المَسَاءِ ، تَحَلَّقَ تَلامِيذُ يَسُوعَ لِتَنَاوُلِ الطَّعَامِ ، فَسَأَلُوهُ قَائِلينَ :

" لَقَدْ رَوَيْتَ اليَوْمَ لَنَا قصَّةً . فَمَا هُوَ المَقْصُودُ مِنْها ؟ "

فَأَجَابَ يَسُوعُ : " إنَّ كَلاَمِي يُشْبِهُ البِذَارَ الصَّالِحَ . أَمَّا المُسْتَمِعُونَ إِلًى كَلاَمي ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُشْبِهُ الأَرْضَ الصَّالِحَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ لاَ يُشْبِهُهَا " .

" إِنَّ البَعْضَ مِمَّنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي ، يُشْبِهُ تِلْكَ الطَّريقَ الَّتي وَقَعَ عَلَيْهَا الحَبُّ . وَسُرْعَانَ مَا يَنْسَوْنَ جَمِيعَ مَا نَطَقْتُ بِهِ .

وَإِنَّ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ يَسْمَعُ كَلاَمي ، يَشْبِهُ الأَرْضَ الحَجِرَةَ ، لأَنَّهُمْ يَهْتَمُّونَ كَثِيراً لِمَا يَسْمَعُونَهُ مِنِّي ، وَلكِنَّهُمْ لاَ يَدَعُونَ بِذَارَ كَلِمَةِ اللهِ يَنْمُو فِيهِمْ " .

" أَمَّا مِا قِيلَ في سِيقَان الشَّوْكِ ، فَيُشِيرُ إِلَى حَالَةِ أُولئِكَ الأَشْخَاصِ الَّذِينَ يُهَلِّلُونَ لِكَلِمَاتِي ، وَلكنَّهُم سُرْعَانَ مَا

يَرْتَدُّونَ عَنْهَا سَعْياً وَرَاءَ أُمُورِ مَعِيشَتِهِمْ . فَلاَ يَسَعُ بِذَارَ كَلِمَاتِي أَنْ يَنْمُوَ فِيهِمْ لأَنَّ هُمُوماً عَدِيدَةً تَشْغَلُهُمْ عَنْهُ " .

" اسْمَعُوا لِي وَتَبَصَّرُوا : إِنَّ بَعْضاً مِنْكُمْ يُشْبِهُ الأَرْضَ الصَّالِحَةَ . أَنْتُمْ تُصْغُونَ إِلَى كَلاَمِ اللهِ ، عِنْدَمَا تُصْغُونَ إِلَى كَلِمَاتِي ، وَكَلِمَاتِي هِيَ بِذَارٌ صَالِحٌ ".

" أَنْتُمْ عَازِمُونَ عَلَى العَمَلِ بِمَشِيئَةِ اللهِ ، وَقَدْ مَهَّدْتُمُ السَّبيلَ وَاسِعاً لِبِذَارِ الكَلِمَةِ ، لِنَنْمُوَ في قَلَوبِكُمْ . واللهُ يَتَوَقَّعُ أَن تَفِيضَ غَلَّةُ حَصَادِكُمْ " .

وَقَالَ يَسُوعُ : " لَقَدْ أَقَامَنِي اللهُ زَارِعاً ، وَقَدْ نَثَرْتُ البِذَارَ الصَّالِحَ ، وَوَجَبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُقَرِّرُوا أَيَّ أَرْضٍ تَكُونُونَ .

إِنَّ اللهَ يَتَطَلَّعُ إِلَيْكُمْ آمِلاً أَنْ يَحْصُدَ مِنْ حَيَاتِكُمُ الصَّالِحَةِ غِلاَلاً وَافِرَةً " .





خاتمة

" من الكتاب المقدّس " سلسلة قصصيّة من 52 رواية للأطفال . كلّ قصّة قائمة بذاتها ويؤلّف مجموعها الكتاب المقدّس ، أي قصّة حبّ الله للبشر ، في كلّ زمان ومكان .

إن الأعداد ( من 1 إلى 30 ) مقتبسة من العهد القديم وتروي لنا قصة أناس أحبهم الله وحوّطهم بعنايته في السرّاء والضرّاء ، فعرفوه وآمنوا به ، وكان منهم المسيحُ المخلّص الذي وعد الله بع فادياً للبشرية جمعاء .

" قصة الزارع " مستقاة من العهد الجديد ، الفصل الثالث عشر من إنجيل متى . إنها مثل من الأمثال ، والأمثال قصص لها مغزى خاص . وقد ضرب يسوع الأمثال لكي يطلع الشعب على ملكوت الله . وهو يتوخى أن يجهد الشعب نفسه ، فيعمل فكره ، ويستخلص من هذه الأمثال معناها المقصود . وقد شرح يسوع نفسه مثل الزارع لتلاميذه : فالبذار الصالح هو البشارة السعيدة التي جاء بها يسوع ، فأوصلها إلى كل إنسان . إن موقف كل امرئ من هذه البشارة يختلف اختلاف الأشخاص . وجلّ ما يطلب الله منا هو أن نسمع كلمته ونفهمها وتعمل بوحيها . وحينئذٍ تثمر غلالاً صالحة .

القصة اللاحقة (40) في السلسلة عينها ، وعنوانها " قصة الأخوين " ، هي مثل آخر من أمثال يسوع ، وتعرف أيضاً باسم قصة الابن الشاطر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010