مقدمة في سفر يوئيل

تعتبر نبوة يوئيل النبي من النبوات الهامة في الكتاب المقدس التي يستمتع المسيحي بقراءتها ودراستها وتطبيق ما جاء فيها عمليا في حياته اليومية. خاصة أنها تتحدث عن الانتعاش الروحي وحلول الروح القدس في كنيسة العهد الجديد. مما دفع الرسول بطرس إلى الاستعانة بها في حديثه إلى الجموع عند حلول الروح القدس في يوم الخمسين (أع 2 : 16).

ولا نستطيع أن نعرف عن شخصية يوئيل النبي أكثر مما جاء في مقدمة السفر:"قول الرب الذي صار الى يوئيل بن فثوئيل" (1: 1). واسم يوئيل lawy مشتق من كلمتين هما hwhy (يهوه) ومعناها الكائن وهو اسم الله ، و la (إيل) ومعناها الله، وعليه يكون معنى الاسم هو "يهوه هو الله". وفي الاسم اعتراف صريح بالإله الواحد في مقابل الآلهة الوثنية الكاذبة التي انتشرت في أرض يهوذا في ذلك الوقت حيث كانت نبوته.

وقد أكدت نبوة يوئيل أن الانتعاش الروحي إنما يأتي كنتيجة مباشرة للتوبة والاعتراف بالخطية:"ولكن الآن يقول الرب ارجعوا إلىّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح. ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر." (يوئيل 2 : 12 ، 13). فالمسيحي يستطيع أن يشعر بنعمة الله وعمل الروح القدس في حياته حينما يفتش قلبه بدقة عن كل خطية بغيضة، يتركها، يتوب عنها ، يعترف بها وحينئذ يتمتع بثمار الروح القدس في حياته ويكون غصناً مثمراً في كرم الرب.

وقد جاءت نبوة يوئيل بعد معاناة شديدة في ارض يهوذا بسبب غزو الجراد الفظيع الذي تعرضت له. فقد قضى الجراد على كل نبات ، على كل ثمرة ، بل وعلى كل عشب أخضر مخلفاً ورائه الخراب والدمار. فلم يجد لا الإنسان ولا البهائم أبسط أنواع القوت اليومي. وقد أوضح يوئيل أن هذه الضربة الشديدة إنما هي عقوبة سمح الله بها بسبب خطايا شعبه وابتعادهم عنه.

1. التحذير – ضربة الجراد (يوئيل 1)

كانت المجاعة المرعبة التي حدثت نتيجة لضربة الجراد الشنيعة وما صحبها من ندرة ودمار لفترة طويلة وموت للبشر والغنم نتيجة لنقص الطعام فرصة ليتحدث يوئيل إلى يهوذا مستخدماً هذه الضربة لدعوة شعبها إلى التوبة والرجوع إلى الله، متمنياً أن ينقذهم رجوعهم من قضاء أشد متمثلاً في دفعهم إلى أيدي أعداءهم وكأن الجراد هو تحذير أولي لشر أكبر سيأتي إليهم لو استمروا في شرَّهم وعنادهم.

وقد رسم لنا يوئيل النبي صورة واضحة لما حدث في ضربة الجراد مؤكداً أنه وبشهادة الشيوخ لم تحدث ضربة بهذه الشدة في أيامهم أو في أيام آبائهم - فعلى قدر الخطية كانت الضربة - طالبا أن يتناقلوا أخبارها إلى أولادهم وأحفادهم أيضاً حتى يتعلموا أن الابتعاد عن الله حتما سيؤدي إلى الخراب والدمار (يوئيل 1 : 2 ، 3). فقد تبارت أنواع الجراد في أطوارها المختلفة في دمار الأرض (1 : 4)، حتى أن سكارى الخطية لابد أن يتعقلوا ويصحوا ويولولوا على خطاياهم لأن العصير قد أنقطع عن أفواههم بسبب المجاعة. فطالما أنهم لم يستطيعوا أن يعودوا إلى الله بأنفسهم فربما يعودوا إليه بمنع أسباب الخطية إجباريا عنهم (1 : 5). لقد ناح الكهنة أيضاً بسبب انقطاع تقديم الذبائح والتقدمات والسكائب إلى هيكل الله (1 : 9). لقد كان الدمار شاملاً حتى أن بهائم الصحراء قد تأثرت به (1 : 20).

وقد دعا يوئيل الشعب للتوبة :" تنطّقوا ونوحوا أيها الكهنة.ولولوا يا خدام المذبح.ادخلوا بيتوا بالمسوح يا خدام الهي لأنه قد امتنع عن بيت إلهكم التقدمة والسكيب". ( 1: 13). ثم استمر في وصف الضربة الموجعة.

لقد دعاهم أن يتعرفوا على الأسباب الحقيقية للنكبة، يجب أن ينوحوا ويقدموا توبة حقيقية. لقد كانت مناسبة عظيمة للنبي أن يبين لهم خطورة حالتهم فقد كانت آذانهم مصغية لأي إنسان لكي يوضح لهم سبب البلوى التي تسببت في مصيبتهم. ونحن هل ننتظر التجربة لكي تكشف خطايانا؟ أم نفحص ذواتنا ونتوب في هذا الوقت المقبول لكي ننجو من دينونة السماء والعقاب الأبدي حيث النار التي لا تطفأ، حيث تكون جميع فرص التوبة قد ضاعت؟.

2. الوعد – الصوم (يوئيل 2)

يفتتح هذا الإصحاح بضرب الأبواق والمناداة في جبل الله ليرتعد الحضور من عقاب الرب القادم في يومه:" اضربوا بالبوق في صهيون صوّتوا في جبل قدسي.ليرتعد جميع سكان الأرض لان يوم الرب قادم لأنه قريب" (2 : 1). وينادي بصوم عام للجميع ليغيروا قلوبهم فيه تجاه الله ، يصوم الجميع الكبار والصغار بل والرضاع أيضاً :"اضربوا بالبوق في صهيون قدسوا صوما نادوا باعتكاف. اجمعوا الشعب قدسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الأطفال وراضعي الثدي ليخرج العريس من مخدعه والعروس من حجلتها(2: 16). ليبك الكهنة ويطلبوا الرب من أجل الشعب بين الرواق والمذبح ويقولوا:" أشفق يا رب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار حتى تجعلهم الأمم مثلا.لماذا يقولون بين الشعوب أين إلههم؟" (2 : 17). إنها فرصة عظيمة للتذلل أمام الله حينما نشعر أن حالتنا غير مرضية، حينما نشعر أننا نعمل ما لا يوافق إرادة الله، حينما نشعر أن الخطية والعقاب يحيط بنا من كل مكان. حينئذ يأتي الوقت للتذلل وطلب معونة الله الذي يستجيب حتما لندائنا. حينما نشعر أن جراد العالم ممثلاً في الخطية والانشغال الدنيوي وعدم الرحمة قد حول جنة حياتنا إلى صحراء موجعة فلابد لنا أن نتجه إلى الله الذي يسرع في الاستجابة:"ويجيب الرب ويقول لشعبه هانذا مرسل لكم قمحا ومسطارا وزيتا لتشبعوا منها ولا أجعلكم أيضا عارا بين الأمم"(2 : 19). الله برجوعنا له يعطينا الوعد بالشبع الروحي الذي لا يستطيع أحد أن بنزعه منا يعطينا الوعد بالفرح السماوي وبركات الروح القدس التي لا توصف ( 2 : 21 – 24). يعطينا النجاة من كل مصادر الشر والخطية والجوع والجراد الذي يدمر حياتنا :"والشمالي أبعده عنكم واطرده إلى ارض ناشفة ومقفرة مقدمته إلى البحر الشرقي وساقته إلى البحر الغربي فيصعد نتنه وتطلع زهمته لأنه قد تصلّف في عمله" ( 2: 20). يعوضنا عن السنين التي أكلها الجراد ، السنين التي مرت بلا ثمر، السنين التي ابتعدنا عنه بقلوبنا وعقولنا وأجسادنا (2 : 25). فنأكل ونشبع ونسبح كما تقول النبوة:"فتأكلون أكلا وتشبعون وتسبّحون اسم الرب إلهكم الذي صنع معكم عجبا ولا يخزى شعبي إلى الأبد" ( 2 : 26).

حلول الروح القدس:

ثم يتحدث عن حلول الروح القدس على جميع أبناء الله بكل أعمارهم ودرجاتهم وفئاتهم بلا تفرقة :"ويكون بعد ذلك أنى اسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاما ويرى شبابكم رؤى. وعلى العبيد أيضا وعلى الإماء اسكب روحي في تلك الأيام" ( 2 : 28 ، 29). فيتمتعون بملكوت الله ويصيرون مسكنا حياً له يعملون ما يرضيه حسب مشيئته الصالحة.

يوم الرب:

ثم يتنبأ يوئيل عن يوم الرب الذي يذكره خمس مرات في هذه النبوة القصيرة حيث يأتي السيد المسيح في مجده ومجد أبيه ليدين الأحياء والأموات ويعطي كل واحد كحسب أعماله:" وأعطي عجائب في السماء والأرض دما ونارا وأعمدة دخان. تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم المخوف." (2 : 30 ، 31). وينبغي أن ينتبه المسيحي ويلاحظ نفسه وحياته حتى يستحق الدخول إلى ملكوت الله "ويكون أن كل من يدعو باسم الرب ينجو. لأنه في جبل صهيون وفي أورشليم تكون نجاة.كما قال الرب. وبين الباقين من يدعوه الرب" (2 : 32).



3. المستقبل – البركات (يوئيل 3)

ثم يتحدث يوئيل عن البركات التي يعد الله شعبه بها: فجميع أعداء أبناء الله ينهزمون ( 1 – 15)، ومدينة الله تنجو ( 16 – 17)، وأرض الله تبارك (18)، ويهوذا تشفى (19 – 21) ويسكن الله في وسط شعبه.

وفي هذا نبوة عن عودة شعب الله من السبي ، وعودة جميع أبناء الله الذين قبلوا السيد المسيح من أسر إبليس والخطية المرة ، عن انتصار الكنيسة على كل قوى الشر والظلام فأبواب الجحيم لن تقوى عليها، عن البركات التي يسكبها الروح القدس على كنيسته ، عن شفاء جميع من طلبوا الشفاء ونجاة جميع من سألوا النجاة. حين يسكن السيد في وسط كنيسته ، يمتعها بجسده المكسور من أجلها ودمه المسفوك فداءاً وغفراناً. حينما نصير جميعاً أعضاء في جسده المبارك، نثبت فيه وهو يثبت فينا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010