مقدمة في سفر عوبديا

تعتبر مدينة "بترا" واحدة من عجائب الدنيا، فهي مدينة متفردة في نوعها بين جميع أعمال الجنس البشري لأنها تقع في مكان عال خطير مثل أعشاش النسور (عوبديا 4) في وسط جبل نائي منعزل من الصعب الوصول إليه. فالطريق الوحيد للوصول إلى هذه المدينة من خلال شق صخري عميق يصل طوله إلى أكثر من ميل، وعلى كل من جانبيه منحدر صخري شاهق يصل ارتفاعه إلى 700 قدم. وبهذا التكوين الطبيعي كانت المدينة قادرة على صد أي هجوم خارجي من الأعداء مما أصاب أهلها بالغرور والكبرياء.

وقد كان بهذه المدينة حوالي ألف هيكل وثني كانت محفورة في الصخرة الوردية المكونة لمنحدراتها الصخرية. كما كان سكانها من سكان الكهوف المنحوتة في الصخور الحمراء المكونة من الحجر الرملي في أماكن يصعب الاعتقاد بأن من الممكن أن تتسلق لها قدم إنسان.

وقد كانت هذه المدينة ومعنى اسمها "الصخرة" والتي تسمى الآن " المدينة الصامتة من الماضي المنسي" عاصمة ل "سعير" التي سكنها عيسو بعد أن باع بكوريته لأخيه يعقوب. وقد كان جبل سعير عبارة عن جبل أحمر شديد الانحدار مكون من الحجر الجيري جنوب البحر الميت وبجوار النجد العربي المتسع. وقد كان هذا الجبل مسكونا بالحوريين (تك 14 : 15 ، 16)، قبل أن يطردهم نسل عيسو منها (تثنية 2 : 12).

وقد أطلق اسم الأدوميين على نسل عيسو الذين كانوا يخرجون في حملات للغزو ثم يعودون إلى كهوفهم وقلعتهم الحصينة حيث كانوا يقيمون. وقد كانت هناك عداوة شديدة بين الأدوميين واليهود منذ الخلاف القديم الذي بدأ بين عيسو ويعقوب حينما سرق يعقوب البركة من أخيه.

ولم يمتنع الأدوميون يوما عن مضايقة إسرائيل ومساندة الجيوش التي كانت تحارب اليهود. واثناء حكم المكابيين أصبحوا العدو اللدود لليهود. وقد استطاعوا من خلال هيرودس الأدومي أن يكون لهم الحكم على إقليم اليهودية. وقد اختفى الأدوميين من التاريخ تماماً في نفس الوقت الذي تحطمت فيه أورشليم على يد تيطس سنة 70م.

ويعتبر سفر عوبديا من اسفار الأنبياء الصغار هو اقصر أسفار العهد القديم وعدد آياته 21 عدداً ولكنه يحتوي على موضوعين هامين جداً هما:

1. عقاب المتكبر

2. نجاة المتضع

فالسفر يتحدث مباشرة إلى آدوم وصهيون اللذان يمثلان ابني اسحق عيسو ويعقوب. ولكنه يتحدث أيضا إلى الإنسان بصفة عامة سواء كان إنساناً أرضياً كعيسو بما في حياته من انتفاخ وكبرياء. أو الإنسان الروحاني مثل يعقوب الذي اختاره الله الذي سلم حياته لله وطلب بركته.

1. عقاب المتكبر (عوبديا 1 – 16)

لا نعرف كثيراً عن عوبديا النبي فمعنى اسمه "عابد يهوه ، عابد الرب" ، وقد كان معاصراً لإرميا النبي على ارجح تقدير. أما مناسبة كتابة هذا السفر فنجدها في العدد 11 حينما يتحدث إلى آدوم:"يوم وقفت مقابله يوم سبت الاعاجم قدرته ودخلت الغرباء أبوابه والقوا قرعة على أورشليم كنت أنت أيضاً كواحد منهم". وعليه تكون مناسبة كتابة هذا السفر هو ذلك اليوم حينما سبى نبوخذ نصر مملكة يهوذا إلى بابل ، ويومها ساعد الأدوميين الغزاة فكانوا يمسكون باليهود الفارين من أمام ملك بابل ليبيعوهم كأسرى ، آخذين دور حلفاء الأعداء، ناظرين شامتين مهللين لضيقة أخوتهم (7 – 14).

وفي هذا السفر إدانة للكبرياء والأنانية واللامبالاة والروح العدائية التي أظهرتها آدوم نحو جيرانهم وأخوتهم

فلم يكتف الآدوميين بأن يتخذوا موقف سلبياً نحو تحطيم البابليون لأورشليم ولكنهم ساهموا جزئياً في سبيها وإفسادها. وكان الأولى بهم أن يساعدوها ضد أعداءها.

فالله أوصى اليهود بالأدوميين في سفر التثنية قائلا:"لا تكره أدومياً لأنه أخوك" (تث 23 : 7). ولكن آدوم قابلوا هذه المعاملة بالعكس بدءاً من عدم سماحهم لليهود أن يمروا بأرضهم وهم في الطريق إلى كنعان وهددوهم بالحرب (عد 20 : 14 – 21). إلى ما حدث في السبي البابلي حينما صرخ آدوم يشجع الأعداء أن ينالوا من أورشليم قائلين:"هدوا هدوا حتى إلى أساسها" (مزمور 137 : 7).

وبسبب ما صنعه الأدوميين في يوم شدة إسرائيل، بسبب كبرياءهم وكرههم وجشعهم فإن عوبديا يتنبأ عليهم قائلاً:" إن كنت ترتفع كالنسر وان كان عشك موضوعاً بين النجوم فمن هناك أحدرك يقول الرب" (4) ،"من أجل ظلمك لأخيك يعقوب يغشاك الخزي وتنقرض إلى الأبد" (10).

لا أمل لهم ، ولا يستطيع أحد أن ينقذهم لأنه " كما فعلت يفعل بك. عملك يرتد على رأسك" (15).

وفعلاً لم يمض خمس سنوات على سبي اليهود إلى بابل إلا وأتى نبوخذ نصر ملك بابل عابراً إلى مصر في الطريق الحربي عبر وادي عربة ، فقضى على الأدوميين - الذين سبق ووقفوا بجواره ضد يهوذا - في طريقه. ولم يعودوا يذكرون كشعب اعتباراً من سنة 150 ق.م . و زال اسمهم بالكامل في نفس وقت تحطيم الرومان لأورشليم سنة 70م. ولم تقم لهم أي قائمة.

2. نجاة صهيون (17 – 21)

ويختتم السفر بوعد بنجاة صهيون:" وأما جبل صهيون فيتكون عليه نجاة ويكون مقدساً" (17) ، وفي هذا وعد بعودة المسببين مرة أخرى إلى أراضيهم وليس لأراضيهم فقط بل ويأخذون ارض آدوم أيضاً (19). حتى تأتيهم النجاة الحقيقية على يد السيد المسيح الذي خلص العالم أجمع وفك أسره من قبضة إبليس وجنوده ، حينما صلب ومات وقام من بين الأموات، حينما كسر شوكة الموت والخطية، حينما فك أسرى الرجاء. مؤسساً كنيسته ، صهيون الجديدة ، واعدا كل من يؤمن به بأورشليم الجديدة في ملكوت السموات. حينما تدين الكنيسة المجيدة كل شر وخبث وكبرياء ممثلاً في الأشرار الذين قاوموا القديسين كما قاوم آدوم أبناء الله.


ملاحظات على النص:

عوبديا (1) hydbe اسم عبري معناه "عبد يهوه أو عابد يهوه" والكلمة مكونة من مقطعين dbe (عاباد) بمعنى عبد ، hy (ياه) وهو تصغير لكلمة hwhy (يهوه) بمعنى الكائن ، وهو اسم علم للرب في العهد القديم.

آدوم (1) Mda ومعناها "أحمر" وقد أطلق هذا الإسم على عيسو لحمرة بشرته، وعلى نسله من بعده، كما أطلق على الأرض التي سكنوها نسبة إلى أبيهم أو لطبيعة جبالها الحمراء اللون.

خصاصة (5) : الخصاصة هو ما يتبقى في الكرم بعد حصاده أي القليل جداً.

عيسو (6): اسم عبري معناه " مشعر "، وهو أكبر التوأمين اللذين ولدتهما رفقة " بنت بتوئيل لإسحق بن إبراهيم " والمقصود هنا الأرض التي سكنها نسله.

التخم (7): يقصد بها الحدود.

تيمان (9): مدينة في شمال آدوم مشهورة بأبطالها وحكمائها وتنسب الى تيمان بن اليفاز بكر عيسو.

يغشاك (10): يغطيك

سبت (11): السبي هو أسر الشعب ونقله إلى مكان بعيد عن أرضه.

الأعاجم (11): الذين يتكلمون بلسان غير لسان أهل البلد ، والمقصود الغرباء أو الأجانب.

تفغر فمك (12): أي تفتحه واسعاً دليل على الفرح والشماتة.

منفلتيه (14): الهاربين

أسئلة للدراسة:

1. عن أي الشعوب يتنبأ عوبديا النبي (1)؟ أذكر بعضاً من صفات هذا الشعب (2 ، 3 ، 10 ، 12 ، 13)؟

2. ماذا فعل هذا الشعب بشعب يعقوب (10 – 14)؟ وما العقاب الناتج عن هذا العمل (4 – 9)؟

3. تخبرنا الآيتان 15 ، 16 أن العقاب من نفس نوعية العمل. وضح ذلك.

4. ما هي البركات التي يحصل عليها شعب الله في الأعداد 17 – 20؟

5. العددان 17 ، 21 نبوة عن السيد المسيح وكنيسة العهد الجديد وضحها.

6. في ضوء نص اليوم ما هو موقفنا تجاه خطية الكبرياء؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010