ماهو مفهوم المحبة ؟

ما هو مفهوم المحبة؟
=============

أن المسيحية هي المحبة بعينها , لا مجموعة من النظريات والمبادئ الجافة الصماء . لقد جسد الله مفهوم المحبة بتجسده المعجز , ومات المسيح على صليب الجل جثة . فهل في هذه التضحية لأجل كل من يؤمن بالمسيح حب, أم عاطفة خالية من المعنى ?..

"ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه من أجل أحبائه " . هذا ما يؤكده يسوع المسيح نفسه في الإنجيل كما كتبه يوحنا البشير . وحيال هذا, أسأل نفسي وليسأل كل عاقل نفسه , هل يقدر أن يعبر إنسان عن محبته بأكثر من تقديم نفسه فداء لمن يحبه ?...

كثيرون هم الذين ينطقون بعبارات مملوءة تضحية وفداء وفي تاريخ البشرية أمثلة عديدة عن أناس ضحوا بأنفسهم فداء لسلامة أوطانهم أو أهلهم أو أبنائهم أو حياتهم . فالأم تقول لطفلها :" حياتي فداء لسلامتك يا بني ". وقد ترمي بنفسها في الهلاك لتخلص ولدها من الموت غرقا مثلا .

والمحب يقول لحبيبته :" فداؤك نفسي يا حبيبتي " . ومع أن هذا القول صورة أو تعبير عما في القلب , فإنه لا يخرج غالبا إلى حيزالتنفيذ إذا دعت الحاجة بسبب محبة الذات التي تفوق محبة الغير .

ولكن ...ولكن... من ذا الذي يقول لأعدائه سأقدم نفسي ذبيحة بدلا عنكم كي تنالوا الحياة ?من ذا الذي يرضى بالموت مسمرا على صليب من الخشب محتقرا ومخذولا كي ينقذ من العقاب عدوه ?. لا بشر مطلقا .

إنسان واحد ,يسوع المسيح , فعل ذلك لأنه جاء في جسد إنسان . فالبشر في محدودية مكانتهم وأعمالهم ومحبتهم لا يقدرون .يسوع وحده قادر أن يسكب المحبة في قلوبنا وأن يهب الحياة لأنه مات كي يميت الموت ويعطي الحياة .

المسيح مات مدفوعا بمحبته ولم يحب فقط الذين يحبونه , بل أحب حتى أعداءه ومات عنهم , لذلك فهو يطلب منا أن نحب أعداءنا أيضا , حيث يقول :" إذا أحببتم الذين يحبونكم فأي فضل لكم ? " ويقول لنا :" أحبوا أعداءكم ".إن محبة العدو تختلف عن محبة القريب. فهي ليست ناتجة من القلب فقط بل من إرادتنا أيضا , إنها إنتصار على مشاعر العداء التي هي شيء طبيعي فينا , إنها إرادة الخير لمن لا يحبوننا وخدمة أولائك الذين يسيؤن إلينا ويضايقوننا .

قد نتساءل من يستطيع أن يصل لمثل هذه المحبة , ولكن , ألا نعتقد بأن الله الذي خلقناوالذي يطلب منا أن نحب أعداءنا يقدر أن يجعل كل الناس هدف حياتنا , ويعطينا قوة لنسامح الآخرين عوضا عن مقابلة الشر بالشر ?.

وقد يقول البعض : إن التسامح ضعف , أو إن من يسمح ويغفر جبان لا يقدر أن يواجه الوقائع بشدة وعنف . من السهل جدا أن يقابل الشر بالشر , وأن يستخدم المرء قاعدة العين بالعين والسن بالسن . ولكن النبيل الكريم الشجاع هو الذي يتمهل ويتحكم بعواطفه ونزواته ويصفح عند الإساءة مبتسما . وهذه الإبتسامة ليست إلا المظهر أو الدليل أو المؤثر الذي يعطينا درجة حرارة الغليان في الصدر . وبينما تغبر العيون المحمرة عن الغضب والنقمة , تهزنا الإبتسامة وتسمو بصاحبها لأنها الوردة التي تتفتح فوق الأشواك والطيب يعطر أجواء العفونة والفساد . إن وردة الصفح والتسامح تسمو دائما فوق أشواك الغضب والرغبة في الإنتقام . وعندما يسامح أحدنا صديقا على زلة أو هفوة فإن ما يدفعه إلى ذلك محبته لهذا الصديق ورغبته العميقة في تناسي السيئة والحفاظ على الأخوة .

يقول المرنم :

إن من يذكر ذنبا منه إن زل صديق يتناسى الشر حالا ذلك الخل الحقيق ان من يذكر ظل كل ما فيها يزول فكما الأفراح تمضي هكذا الحزن يحول

يأمرنا الكتاب المقدس , كلمة الله قائلا : " كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض , شفوقين مسامحين بعضكم بعضا كما سامحكم الله في المسيح ".

المحبة ثمر الروح , ونتاج عمل الله في حياة كل مؤمن , وخلاصة تلك التجربة المعجزية , سكنى المسيح في قلب المرء . إنها إختبار شخصي , ونتيجة تفاعل داخلي لا يظهر لك منه إلا نوره وحرارته , أما هو فغامض بالنسبة لك , ولا يتضح إلا حين يصبح قلبك مركزا لتلك التفاعلات , فهل تريد أن تستنير بنور المحبة المسيحية وتستدفئ بحرارتها ? تعال إلى المسيح .
"إن كان لى كل الإيمان حتى أنقل الجبال و ليست لى محبة فلست شيئاً" (1 كو 13 : 2)

"نحن نعلم إننا إنتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الأخوة" (1 يو 3 : 14)

هاتان الآيتين دليل قاطع على شيئين:

1- قد يكون لك كل الإيمان حتى تصنع المعجزات فهذا لا يعنى قداستك و إنما يعنى أنك مستخدم من الله (أو فى بعض الأحيان الشيطان) لغرض معين. إما من الله لخدمة البشر، أو من الشيطان لخداع الغافلين. أما المحبة هى التى تثبت تبعيتك لله. يهوذا الاسخريوطى كان يخرج الشياطين ويشفى المرضى عندما أرسل الرب يسوع التلاميذ إثنين إثنين و رجعوا فرحين إذ كانت الشياطين تخضع لهم باسم يسوع. و لكن يهوذا لم تكن له محبة، و لذلك أسلم سيده للموت. و لم ينقل سمعان الخراز جبل المقطم إلا لحبه لله و تنفيذه الوصية الحرفية. فكان مستحقاً أن ينفذ آية نقل الجبل حرفياً أيضاً. و قد قال السيد المسيح "هذه هى وصيتى أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم" (يو 15 : 13). و لقد لخص السيد المسيح الناموس و الأنبياء فى كلمتين فقط "تحب الرب إلهك .. و قريبك كنفسك". بهاتان الوصيتان يتعلق الناموس كله و الأنبياء. أى لو أردنا تفسير أى آية فى الكتاب المقدس سنجدها بالفعل تصب فى المحصلة النهائية إما لمحبة الله، أو محبة الآخرين.

2- الآية الأخرى هى لترينا فعل المحبة القوى. فالمحبة تنقل من الموت إلى الحياة. فالذى لا يحب أخاه يمكن أن يشتمه، يغضب عليه، يكرهه، يبغضه، يسرقه، يخونه، أو حتى يقتله. و كلها خطايا تقود إلى المصير المخيف. أما من يحب أخاه فسوف يطعمه فى الجوع، يسقيه فى العطش، يستضيفه فى الغربة، يزوره فى المرض، لا يدينه، يسعى إلى كل ما يرضيه. و هذا هو طريق الحياة.

فليعطنا الله أن نحب بعضنا بعضاً حتى نكون أولاداً لله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010