"فيقول له ما هذه الجروح في يديك. فيقول هي التي جُرحت بها في بيت احبائي" (زك 6:12)
امر عجيب. هل المحبة تقسو؟ هل المحبة تضطهد؟ هل المحبة تجرح؟ هل المحبة تصلب؟ ان المحبة تتانى وترفق, المحبة لا تحتد, فما بالنا نسمع اليوم ان الجروح كانت في بيت الاحباء. وكيف تقسو قلوب الاحباء على حبيبهم؟ نعم لان الحسد يقلب الحب الى عداوة اذ ان "رؤساء الكهنة كانوا قد اسلموه حسدا" (مر 10:15)
ولماذا صار الاحبار مبغضين لحبيبهم. ولماذا هذا الحسد؟ ذلك لانه كان بارا وهم اشرار, والظلمة لا تتفق مع النور. فقد وجدوه ببره قد اظهر ما هم عليه من شر, كما تطلع الشمس فتكشف ما على الارض من الاقذار. هكذا كانت حياة يسوع الطاهرة النقية تبكيتا لفسادهم واثمهم. كان وجود داود علة شقاء شاؤل لعلمه بان داود افضل منه, وكان وجود المخلص علة حزن هؤلاء الاشرار.
ابغضوه لانه كان امينا في محبته: هو يعلم قبح الخطية وعظم عقابها ورآهم متعلقين بها, فكحبيب يشتهي رفع الشر عن احبائه ويحب نجاتهم من الخطر, حذرهم من الخطية. لو سكت ولم يوبخهم على نفاقهم لما ابغضوه لو كان غاشا. لاكرموه, ولكن لانه كان امينا مقتوه. والناس تكره الحق ولو كان صادرا من فم صدّيق وتحب الباطل ولو كان مصدره العدو, وهوذا الرسول بولس يقول: "افقد صرت اذاً عدواً لكم لاني اصدق لكم" (غلا 16:4).
ان الجروح لبثت ظاهرة بجسد المخلص بعد قيامته لكي يتعجب الجميع ما فعله الاحباء بحبيبهم. ولقد رآها النبي بعين النبوة فقال له "ما هذه الجروح في يديك؟" فاجابه والدموع تسيل على خديه. يعز علي ان اقول اين جرحت! لقد جرحت في بيت احبائي. الحبيب يضمد ولا يجرح. كلما اتذكر ان جروحي من احبائي تتججد الامي ويشتد حزني.
والان لنتامل في:
اولا: صعوبة الالام الصادرة من الاحباء... ان الم التجربة يعظم باعتبار الجهة الصادرة منها. الم تشعر مرارا كثيرة بانك لم تكن تبالي بالتجربة لو لم تات من حيث صدرت؟ اذا هزا بنا عدو لا نبالي كثيرا ولكن اذا وقعت علينا اهانة من صديق كريم فاننا نستاء جدا من اعتدائه علينا واستهانته بنا, ان كل جرح يؤلم ولكن الجرح الذي يجرحه الصديق يكون شديد الالم وينفذ الى القلب كسهم. قال المرتل: "لانه ليس عدو يعيرني فاحتمل, ليس مبغضي تعظم عليّ فاختبيء منه, بل انت انسان عديلي الفي وصديقي, الذي معه كانت تحلو لنا العشرة" (مز55: 12-14).
قيل ان يوليوس قيصر اعظم قيصرة الرومان تآمر عليه كبراء مملكته واتفقوا على قتله حسدا منهم, وكان بينهم بروتس صديقه الحميم الذي رقاه قيصر الى ارفع منزلة. ففي ذات يوم اغروه بالقدوم الى المحكمة, وما ان استقر به المقام حتى اوصدوا الابواب واشهروا عليه السيوف والخناجر فدافع عن نفسه طويلا دفاع الابطال. ولكنه لما رآى بروتس صديقه الحميم يهجم عليه وبيده الخنجر ليطعنه به احزنه نكرانه للجميل. فقال له مبكتا تلك الكلمة المشهورة "اوانت ايضا يا بروتس؟!!" وعندئذ توقف عن الدفاع وخر صريعا يتخبط في دمائه.
وهكذا كان يزداد حزن السيد كلما رآى بين قاتليه وصالبيه من احسن اليهم ووهبهم خيراته واحتمل الاتعاب لاجلهم. بل لما رآى الخليقة التي اتى ليوت عنها تنفذ فيه حكم موته.
1- "اجل وجرحه احباؤه" لان الخليقة التي كساها بالمجد والكرامة قد اهانته واحتقرته وعرته من ملابسه. الارض التي ابدعها انبتت له شوكاً ليغرس في راسه وخشباً ليصلب عليه. نعم قدم الله لخليقته كل خير ولكنها قدمت له كل شر. قدم لها كل نعمة ولم تجد بيديها شيئا تدفعه له الا الاثم والفساد. كيف لا وهو الذي اشبع الالوف منهم في البرية بعد ان بارك الطعام بيديه الطاهرتين, وهو قد اشبعوه من تعييرهم وامسكوا له عوض الطعام سيوفا وحرابا. لقد سقاهم الخمر في عرس قانا الجليل ولكنهم في عطشه رفعوا اليه مراً وقدموا له خلا. اخرج الشياطين فدعوه رئيس الشياطين!.. رد الخطأة منهم فدعوه خاطئا وهو قدوس وبار!.. سعى في احبائهم واقام لهم امواتهم فاماتوه على الصليب!..
الخليقة العاصية نظرت الى الخير كانه شر, قال لهم بيلاطس اي شر عمل؟ فما وجدوا شرا يذكرونه. قالوا فتح اعين العميان, وطهر البرص؟ وشفى اليد اليابسة واقام المخلع في يوم السبت! ارادوا ان يذموه فمدحوه, وهكذا ينظر الناس في كل حين الى خيرات الله كانها سيئات. فمن يتامل في هذا الفعل الشنيع الذي بدا من البشر نحو خالقهم لا يندهش اندهاشا عظيما. لا سيما اذا تامل ما حمل اليهم من الحسنات وما حملوا هم اليه من السيئات. اكرمهم فاهانوه. فعل القوات فجدفوا عليه. شفى مرضاهم فسعوا في تعذيبه. تنعموا في خيراته فاغرقوه في لجج معاصيهم. الطبيب الذي افتقدهم تقدموا نحوه وجرحوه. اسالوا الدماء من الراس المملوءة بالحنو عليهم وغرسوا فيها الشوك الحاد. حملوا عليه السيوف والعصي ليضربوه لانه ضمد جراحاتهم وشفاهم واحسن اليهم.
نعم بسطوا اليدين اللتين طالما امتدتا لهم بالدعوة الى الخلاص, واللتين طالما حملتا اليهم البركات ولمستا عللهم فازالتها. ثقبوا الرجلين اللتين كثيرا ما سعتا الى تخفيف مصائبهم وتقدمتا نحوهم لتزيل اتراحهم. ظهروا بمظهر الاعداء امام العنين اللتين طالما ذرفتا الدموع السخينة لاجلهم. جعلوه يبصر منظر نكران الجميل بكى لما راى محبيه يسيئون اليه. وبصياح تجاديفهم ولعناتهم صموا الاذنين اللتين سمعتا تنهداتهم. ومرروا الفم الذي بكلمات الحكمة والنعمة والتعزية. جرحوا القلب الذي حن عليهم فكسروه بالعار والقوه في السعير حتى ذاب كالشمع. طعنوا الجنب الذي كان مفعما بالعطف عليهم. كشف لهم جنبه المملوء حناناً ورحمة فانفذوا فيه الخراب. وتم القول: "بدل محبتي يخاصمونني. اما انا فصلاة. وضعوا علي شرا بدل خير, وبغضا بدل حبي." (مز109: 4-5).
أحدث الموضوعات
From Coptic Books
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010
المشاركات الشائعة
- اكلات صيامى بمناسبة بدء الصوم كل سنة وانتم طيبين
- مسابقة فى صورة اسئلة مسيحية
- افكار تنفع مدارس الاحد { وسائل الايضاح }
- الحان اسبوع الالام mp3
- صور تويتى للتلوين
- دراسة كتاب مقدس ... لابونا داوود لمعى
- صور يسوع المسيح ( مصلوب )
- صلوات الاجبية بالصوت mp3
- حصرياً : اعلان نتيجة مهرجان الكرازة & شعار مهرجان الكرازة 2010 Mp3 ومنهج الألحان
- أرشيف الترانيم والمدائح أون لاين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.