ذاتك و إساءات الآخرين

ذاتك و إساءات الناس
+++++++++++++++

قداسة البابا شنودة الثالث



ما هو شعورك و تصرفك عندما يسئ إليك الغير و يظن بك الظنون؟

ربما تفكر فى ذاتك إنك أهنت، و ربما تفكر فى كرامتك و هيبتك و الاحترام الواجب لك: فتغضب و تثور، و تثأر لذاتك، و تدافع عن نفسك. لست أنكر عليك هذا، فأنا إنسان فى الجسد مثلك جربت هذه المشاعر جميعاً، أو جُربت بهذه المشاعر جميعاً و لكن دعنا نناقش الأمر معاً..

ماذا يفيدك الغضب؟ ... إنه يعكر دمك، و يتلف أعصابك، و أخطر من ذلك كله أن الغضب يفقدك سلام القلب و راحته. ألم تسمع معلمنا يعقوب الرسول يقول "أن غضب الانسان لا يصنع بر الله" (يع 1: 20)، و غضبك من أجل ذاتك هو لا شك هو غضب إنسانى كالذى يقصده معلمنا يعقوب. تقول أن هذا الغضب ينفس عنك، و يفرج عن الثورة المكبوتة فى داخلك. و لكن لماذا تختزن فى داخلك ثورة مكبوتة تحتاج إلى التنفيس؟ السبب فى ذلك واضح طبعاً، هو أنك تفكر كثيراً فى ذاتك! إنطلق يا أخى الحبيب من هذه الذات و أنت تستريح.

إن أُهنت فلا تفكر فى ذاتك أنك أُهنت. و إنما فى ذلك الذى أهانك، إنه أخوك. و أنت كشخص روحى ممتلئ بالمحبة، عليك أن تفكر فى هذا الذى أخطأ: ما تفعل لأجله؟ أنك لا تريد طبعاً أن تنحدر نفسه الغالية إلى الجحيم، و تريد أن تقف إهانته عقبة فى طريق خلاصه. لذلك فأنت تطلب إلى الله ألا يقيم هذه الخطية و لا يعاقبه عليها، ثم أنت أيضاً تصلى من أجله أن يخلصه الله من الخطية ذاتها فلا يعود إلى إقترافها معك أو مع غيرك.

و عندما تفكر فى أخيك هذا الذى أهانك، قد تفكر فى السبب الذى جعله يفعل ذلك: ربما يكون مريضاً أعصابه تالفة، أو متعباً عقله مجهد، أو قواه منهكة، أو مرهقاً بمشاكل إجتماعية أو دراسية أو مالية ... فأنت تفكر فيما يمكن أن تفعله لأجله، و هكذا قد تخطر ببالك رحلة أو نزهة لطيفة تدبرها له، أو قد تساهم بجهد فى التخفيف أو الترفيه عنه. و إن لم تستطع شيئاً من هذا فعلى الأقل ترثى له، و تطلب له من اله معونة خاصة.

إن الناس يا أخى الحبيب لم يخلقوا أشراراً، لأن الله حينما خلق الانسان "نظر إلى كل ما فعله فإذا هو حسن جداً"، و أما الشر فانه يأتى إلى الناس من الخارج دخيلاً عليهم ...

و هذا الشخص الذى أهانك، ربما تكون لاهانته لك أسباب أخرى. ربما يكون قد أساء فهمك. و مثل ذلك تفاهم معه و اقنعه فى وداعة و محبة.

و لكن هناك نوعاً من الناس يهين الآخرين حباً فى إهانتهم، مستغلاً تسامحهم ليتخذهم مجالاً للفكاهة و التندر. مثل هذا الصنف أما أن تبتعد عنه، و أما أن تكلمه بلهجة حاسمة حازمة مؤدبة مظهراً له خطأه، و مانعاً إياه من تكراره. و لتفعل هذا ليس على سبيل الثأر للنفس، أو الاحتفاظ بكرامة ذاتية، و إنما حباً فى ذلك المخطئ حتى لا تترك له فرصة أخرى للخطأ، و مجالاً يسقط فيه و يهلك بذلك نفسه ...

و شتان بين توبيخك لخاطئ بغرض إنتقامى، توبيخاً يجعله يثور عليك و يحتك بك، و بين تأنيب المحبة الحازم الهادئ الذى يشعر فيه الشخص أن مؤنبه يحبه ...

هذا كله عن موقفك من جهة الشخص الذى تشعر أنه أهانك، و لكن اسمح لى أن أدخل قليلاً إلى أعماق نفسك لأناقش شعورك الباطن بينك و بين نفسك.

1- لماذا تحسب الكلام الذى يقوله غيرك أنه إهانة، أو إنه شتيمة؟ لماذا لا تكون تلك التى تحسبها إهانة هى كلمة صريحة لازمة لإصلاح نفسك؟ و إن كنت قد تضايقت منها فذلك لأنك تحب المديح، و تريد أن يقول فيك جميع الناس حسناً. افرح يا أخى بانتقاد الناس و تأنيبهم، فإن ذلك صالح لك ينقيك و يفيدك فى حياتك الأخرى. إذا إنتقدك شخص فأولى بك أن تشكره فربما يكون صوته صوت من الله. أقصد أن الله المحب لك ربما يكون قد أرسل هذا الانسان ليرشدك و يظهر لك خطأك حتى تتركه.

2- ربما تكون تلك الاهانات تأديباً لك من الله على خطايا أخرى، اقترفتها فى ماض قريب أو ماض بعيد. عندما سمع داود النبى إهانة كهذه قال فى انسحاق "الله قال لهذا الانسان أشتم داود" (2صم 16: 10). عندما يهينك غيرك يا أخى الحبيب تذكر خطاياك الماضية، و اعرف إنك لست بالشخص الخالص النقاوة الذى يسمو على التوبيخ ...

3- فى بعض الأحيان يكون الله قد عمل عملاً ناجحاً عن طريقك، فاتخذت أنت هذا النجاح سلاحاً تنتفخ به، و تحارب نفسك بالبر الذاتى، و خشى الله عليك من السقوط عن طريق الكبرياء فسمح لك أن تُهان، حتى يوجد توازناً بين مشاعرك، و يخفف شيئاً من كبريائك. كثيرون من الذين يهانون متكبرون، أما الودعاء فريفعهم الله من المزبلة ليجلسهم من رؤساء شعبه (مز 112) ...

4- ربما تكون قد أعثرت غيرك بتصرفك و أنت لا تدرى، و كان هذا هو سبب إهانتك. لذلك يحسن أن تدرس وجهة نظر من أهانك لعله على حق ...

5- قد تكون هذه الاهانة درساً لك فى المحبة و الاحتمال. قال لى أحد الآباء الروحيين عن راهب اعتزل و لم يختلط بالاخوة فى المجمع: "إن فترة الوجود فى المجمع لازمة للراهب لأنه إن لم يستطع أن يحتمل مشاكسات الاخوة فى المجمع، فكيف يستطيع أن يحتمل محاربات الشياطين فى الوحدة كما قال مار إسحق؟!".

6- ماذا يضيرك عندما يحكم عليك إنسان حكماً ظالماً. أو عندنا يظن فيك إنك مخطئ؟ ألعل هذا يعوقك عن ملكوت الله، أم أن الله يسعتمد على أحكام الناس؟

7- أم إنك تحب المديح و التطويب من بشر هم تراب مثلك؟ سيد يا صديقى "ظلم فلم يفتح فاه" (إش 53: 7)، "أحصى مع أثمة" أما هو فقبل هذا الصليب ...

8- أخيراً يا أخى الحبيب، إذا أُهنت فتضايقت، و كبرت عليك الاهانة على الرغم من أنك خاطئ مثلى، فتذكر كيف أننا نهين الله فيصبر علينا و يحبنا و يقبلنا إليه! ما أعظم إلهنا الحنون ليس له شبيه بين الآلهة ...

سلام الرب لكم :

كتير على الموضوع الجميل ده و على كل المناقشة الجميلة اللى فعلا كل واحد فينا كان محتاجها علشان يختبر نفسه .

ربنا يخلى لنا سيدنا البابا.
شكرا كثير على الموضوع فعلا كثير حلو ومفيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010