بولس فى دمشق



المقدمة

يُخْبِرُنا الكِتَابُ المُقَدَّسُ كَيْفَ أَرْسَلَ اللهُ ابنَهُ يَسُوعَ لِيُطْلِعَنا عَلى أَسْرارِ اللهِ ، وَيَدُلَّنَا إلى سَبِيْلِ الانْضمَامِ إلى مَلَكُوتِهِ .

بَعْدَ أنْ عَادَ يَسُوْعُ إِلى اللهِ الآبِ ، أَوْكَلَ إِلَى تلامِيْذِهِ مُهِمَّةَ تَبْشيِرِ الْعَالَمِ كُلِّهِ بِإِنْجِيْلِهِ وَبِمَلَكُوْتِ اللهِ .

وَقَدْ تَصَدَّى لِمُقَاوَمَتِهِم بُوْلُسُ ، وَهُوَ أَحَدُ أَعْيَانِ أُوْرَشِلٍيْمَ .

ويُمْكِنُكَ الْعُثُوْرُ عَلَى هذِهِ القِصَّةِ فِي كِتابِكَ المُقَدَّسِ ، فِي الفَصْلِ 9 مِنْ أَعْمَالِ الرُّسُلِ .

كَانَ بُوْلُسُ أَحَدَ زُعَمَاءِ أُوْرَشَلِيْمَ ، ذَائِعَ الصِّيْتِ ، حَادَّ الذَّكَاءِ ، غَيُوْراً عَلَى خِدْمَةِ اللهِ . وَكَانَ كَثِيْرُونَ يُقْبِلُونَ عَلَى اسْتِشَارَتِهِ ، إِذْ إِنَّهُ كَانَ وَاسِعَ الْعِلْمِ بِشَرِيْعَةِ اللهِ .

وَكَانَ بُوْلُسُ قَدْ سَمِعَ الْكَثِيْرَ عَنْ تَلامِيْذَ يَسُوْعَ الْمَسِيْحِ ، الَّذِيْنَ كَانَ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ خَوْفٌ شَدِيْدٌ ، بَعْدَ مَوْتِ يَسُوْعَ ، فَاخْتَبَأُوا جَمِيْعُهُمْ ، فِي عِلِّيَّةٍ ضَيِّقَةٍ.

غَيْرَ أَنَّ حَالَهُمْ قَدْ تَبَدَّلَتِ الآنَ ، وَغَدَوْا يَظْهَرُوْنَ فِي

كُلِّ مَكَانٍ ، يَقْصُدُونَ الْهَيْكَلَ لِلْعِبَادَةِ ، وَيُبَشِّرُوْنَ فِي زَوَايَا الطُّرُقَاتِ . وَشَاعَتْ أَخْبَارٌ عَنْ أُنَاسٍ شَفَاهُمُ التَّلامِيْذُ مِنْ أَمْراضِهِمْ بِاسْمِ يَسُوْعَ .

وَلَمْ يَكُنْ بُوْلُسُ يُؤْمِنُ حَقِيْقَةً أَنَّ يَسُوْعَ هُوَ ابْنُ اللهِ ، وَلاَ هُوَ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ قَدْ وَهَبَ لِتَلامِيْذِ يَسُوْعَ مُسَاعَدَةَ رُوْحِهِ الْقُدُّوسِ الْخَاصَّةَ ، بَلْ كَانَ يَظُنُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُثِيْرُوْنَ الشَّغَبَ فَقَطْ .

وَمِنْ ثَمَّ فَقَدْ تَصَدَّى هُوَ وَرِفَاقُهُ لِمُقَاوَمَتِهِمْ .

وَكَانَ بُوْلُسُ يَنْتَقِلُ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ ، وَحَيْثُمَا وَجَدَ أُنَاساً يُبَشِّرُوْنَ بِيَسُوْعَ وَبِمَلَكُوْتِ اللهِ ، كَانَ يَنْتَزِعُهُمْ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَيَزُجُّ بِهِمْ فِي السُّجُوْنِ حَيْثُ مَاتَ بَعْضُهُمْ .

وَكَانَ كَهَنَةُ أُوْرَشَلِيْمَ وَزُعَمَاؤُهَا يُقَدِّرُوْنَ عَمَلَهُ هذَا ، وَيُكْبِرُوْنَهُ .

وَذَاتَ يَوْمٍ غَادَرَ بُوْلُسُ أُوْرَشَلِيْمَ إِلَى دِمَشْقَ ، وَقَدْ سَمِعَ أَنَّ تِلْكَ الْمَدِيْنَةَ كَانَتْ تَضُمُّ أَتْبَاعِ يَسُوْعَ.

وَلكِنْ فِيْمَا هُوَ فِي الطَّرِيْقِ ، بَاغَتَهُ نُوْرٌ مُبْهِرٌ هَبَطَ عَلَيْهِ ، وَكَانَ أَثَرُهُ فِي عَيْنَيْهِ مِنَ الشِّدَّةِ بِحَيْثُ فَقَدَ بَصَرَهُ .

وَإِذَا بِصَوْتٍ يُنَادِيْهِ ، وَقَدِ اسْتَطَاعَ سَماعَهُ بِوُضُوحٍ ، يَهْتِفُ : " بُولُسُ ! بُولُسُ ! "

وَسَأَلَ بُولُسُ :

" مَنْ أَنْتَ ؟ إِنَّنِي لا أَرَى شَيْئاً ، بِسَبَبِ هذَا النُّوْرِ الْبَاهِرِ . أَلاَ قُلْتَ لِي مَنْ أَنْتَ ؟ "

وَجَاءَهُ الْجَوَابُ :

" إسْمِي يَسُوْعُ . أَنَا مَنْ تُقَاوِمُهُ ، وَإِنَّكَ لَعَلَى ضَلالٍ ، يَا بُوْلُسُ ، فَأَنَا حَيٌّ . انْهَضِ الآنَ ، وَامْضِ إِلَى دِمَشْقَ ، وَانْتَظِرْ هُنَاكَ حَتَّى يُقَالَ لَكَ مَا يَتَوَجَّبُ عَلَيْكَ عَمَلُهُ " .

وَكَانَ بُوْلُسُ فَرِيْسَةَ الْحَيْرَةِ وَالذٌّهُوْلِ ، فَهُوَ لا يَسْتَطِيْعُ مُجَادَلَةَ الصَّوْتِ ، وَلاَ رُؤْيَةَ أَيِّ نُوْرٍ ، وَقَدْ غَرِقَ فِي ظُلْمَةٍ مُطْبِقَةٍ . لَقَدْ أَصْبَحَ بُوْلُسُ ، الزَّعِيْمُ الْقَوِيُّ ، أَعْمىً ، عَدِيْمَ الْحِيْلَةِ وَالْقُدْرَةِ .

وَسَمِعَ رِفَاقُ بُوْلُسُ الصَّوْتَ الَّذِي كَلَّمَهُ ، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا أَحَداً .

وَسَاعَدُوا بُوْلُسَ عَلَى النُّهُوضِ ، وَاقْتَادُوهُ بِيَدِهِ ، حَتَّى بَلَغَ دِمَشْقَ ، وَهُوَ يَتَعَثَّرُ .

وَلَمْ يَخَفْ بُوْلُسَ ، فِي دِمَشْقَ ، أَحَدٌ ، إِذْ إِنَّهُ ظَلَّ قَابِعاً فِي الْمَنْزِلِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، لَ يَرَى شَيْئاً ، وَيَرْفُضُ الأَكْلَ وَالشَّرابَ .

وَلَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيْعُ سِوَى التَّأَمُّلِ فِي مَا حَدَثَ لَهث ، فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ .

كَانَ يَجْهَلُ أَنَّ اللهَ سَيُرْسِلُ لَهُ مَنء يُسَاعِدُهُ ، وَكَانَ اسْمُ ذلِكَ المُرْسَلِ حَنَانِيَا ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِمَّنِ انْضَمُّوا إِلَى مَلَكُوْتِ اللهِ . وَكَانَ قَدْ سَمِعَ بِمَا ارْتَكَبَهُ بُوْلُسُ مِنْ فَظَائِعَ ، وَعَلِمَ بِقُدُوْمِهِ إِلَى دِمَشْقَ.

وَكَلَّمَ الرَّبُّ حَنَانِيَا قَائِلاً :

" يَا حَنَانِيَا ، لَدَيَّ عَمَلٌ تُؤَدِّيْهِ لِيَ الْيَوْمَ . أُرِيْدُكَ أَنْ تَزُورَ رَجُلاً يُدْعَى بُوْلُسَ ، مَوْجُوداً الآنَ فِي دِمَشْقَ " .

وَتَلَعْثَمَ حَنَانِيَا مُعْتَرِضاً :

" وَلكِنَّنِي لا أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَفْعَلَ ذلِكَ ، فَهُوَ أَلَدُّ أَعْدَائِنَا ، وَقَدْ قَصَدَ دِمَشْقَ لِيَقْتَادَ شَعْبَكَ إِلَى السِّجْنِ ، فِي أُوْرَشَلِيْمَ " .

وَأَخْبَرَ الرَّبُّ حَنَانِيَا بِمَا جَرَى لِبُوْلُسَ عَلَى طَرِيْقِ دِمَشْقَ ، وَقَالَ :

" لَقَدْ أَنْبَأْتُهُ بِأَنَّكَ سَتَمْضِي إِلَيْهِ ، وَتُعِيْدُ لَهُ بَصَرَهُ " .

وَكَانَ حَنَانِيَا الْمِسْكِيْنُ يَرْتَعِدُ خَوْفاً . وَلكِنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ :

" لاَ تَقْلَقْ ، فَقَدِ اخْتَرتُ بُوْلُسَ لِمُهِمَّةٍ خَارِقَةٍ ، وَسَأُغَيِّرُ مَا فِي نَفْسِهِ ، مِثْلَمَا غَيَّرْتُكَ أَنْتَ . وَسَيُبَشِّرُ بِي شُعُوْباً كَثِيْرَةً وَلَنْ تَكُوْنَ مُهِمَّتُهُ سَهْلَةً " .

وَمَضَى حَنَانِيَا ، عَبْرَ شَوَارِعِ دِمَشْقَ ، إِلَى حَيْثُ كَانَ بُوْلُسُ يُقِيْمُ ، وَكَانَ وَاثِقِاً بِاللهِ ، مُؤْمِناً بِأَنَّهُ قَدْ وَهَبَهُ سُلْطَاناً خَاصّاً كَسُلْطَانِ يَسُوْعَ .

وَلكِنَّهُ مَا كَانَ قَادِراً عَلَى التَّنَبُّؤِ بِمَا سَيَحْدُثُ .

وَقَرَعَ حَنَانِيَا الْبَابَ ، وَدَخَلَ الْمَنْزِلَ الَّذِي حَلَّ فِيْهِ بُوْلُسُ ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى كَتِفَيْهِ وَقَالَ :

" يَا أَخِيْ بُوْلُسُ ، لَقَدْ أَرْسَلَنِيْ الرَّبُّ إِلَيْكَ ، كَيْ تَسْتَعِيْدَ بَصَرَكَ ، وَتَنَالَ مَوْهِبَةَ رَوْحِهِ القُدُّوْسِ".

وَفِيْ الْحَالِ ، عَادَ إِلَى بُوْلُسُ بَصَرُهُ ، وَعَرَفَ أَنَّ يَسُوْعَ هُوَ ابْنُ اللهِ ، وَأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ يُبَشِّرُ بِهِ أَتْبَاعُهُ عَنْهُ كَانَ حَقّاً . فَأَعْرَضَ عَنِ اضْطِهَادِهِمْ ، بَلْ عَزَمَ عَلَى مُسَاعَدَتِهِمْ ، فِي نَشْرِ بُشْرَى يَسُوْعَ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ .

وَكَادَ أهَالِي دِمَشْقَ لا يُصَدِّقُوْنَ ، وَهُمْ يَرَوْنَ مَا حَصَلَ لِبُوْلُسَ مِنْ تَبَدُّلٍ جَذْرِيٍّ ، وَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ:

" كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ بُوْلُسَ قَدْ جَاءَ لِيَزُجَّ بِنَا فِي السُّجُوْنِ ، وَلكِنَّهُ الآنَ لاَ يَكُفُّ عِنِ التَّبْشِيْرِ بِيَسُوْعَ " .

أَمَّا أَصْدِقَاءُ بُوْلُسَ الْقُدَامَى ، فَلَمْ يَسْتَطِيْعُوا فَهْمَ مَا حَدَثَ لَهُ ، وَكَانُوا يَقُولُونَ :

" كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ بُوْلُسُ مِنْ أَتْبَاعِ يَسُوْعَ ؟ نَحْنُ لا نَقْوَى عَلَى تَصْدِيْقِ ذلِكَ ! "

وَلكِنَّ ذلِكَ كَانَ وَاقِعاً مُحَقَّقاً ، إِذْ إِنَّ الرَّبَّ اخْتَارَ بُوْلُسَ ، ذَاكَ الَّذِي كَانَ قَدْ نَشَرَ فَسَاداً عَظِيْماً ، لِيَحْمِلَ بُشْرَى يَسُوْعَ لِشُعُوْبٍ كَثِيْرَةٍ .





خاتمة

" من الكتاب المقدّس " سلسلة قصصيّة من 52 رواية للأطفال . كلّ قصّة قائمة بذاتها ويؤلّف مجموعها الكتاب المقدّس ، أي قصّة حبّ الله للبشر ، في كلّ زمان ومكان .

إن الأعداد ( من 31 إلى 52 ) مقتبسة من العهد الجديد وتخبرنا عن حياة يسوع ابن الله وعن تعليمه . وإن هذه القصص تحدّثنا عمّا فعل يسوع وقال ، وعن الشعب الذي لاقاه . إن كلّ ما نعرفه عن حياة يسوع مدوَّن في الأناجيل الأربعة التي كتبها كلٌّ من متى ومرقس ولوقا ويوحنّا . وكلمة " الإنجيل " تعني البُشرى السعيدة .

وختامُ السلسلةِ أربعُ قصصٍ تحدّثنا عن المسيحيّينَ الأوّلينَ الذينَ نشروا بُشرى السعادة هذه بينَ الناسِ ، كما أمرهُم يسوعُ . وما زالَ أحفادُهم يلهجونَ بها حتى أيّامنا الحاضرة .

قصة اختيار الرب لبولس ، كي يبشر بيسوع ، واردة في سفر أعمال الرسل ، في الفصل 9 ، ومكررة في الفصلين 22 و 26 .

قصة تحول بولس ، من أروع قصص الاهتداء في جميع الأزمنة . ولكن اللهَ يريد مِنْ كلّ منا أن يتحول أيضاً ، فنكفَّ عنِ السير على هوانا ، كي نسير على طريقه .

فبموته من أجلنا ، وبقيامته ، هيّأَ لنا يسوع أن نبدأ من جديد حياة تليق بأتباعه .

الكتاب التالي (51) ، في هذه السلسلة عينها ، عنوانه " بولس وأصدقاؤه " ، ويروي قصة أسفار بولس ومغامراته ، عندما مضى يبشر بيسوع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010