بــــشــــــرى لكـــل النـــاس



المقدمة

يُخْبِرُنا الكِتَابُ المُقَدَّسُ كَيْفَ أَرْسَلَ اللهُ ابنَهُ يَسُوعَ لِيُطْلِعَنا عَلى أَسْرارِ اللهِ ، وَيُرْشِدَنا إلى سَبِيْلِ الانْضمَامِ إلى مَلَكُوتِهِ .

وَهذِهِ قِصّةَ ما حَدَثَ للِتَلامِيذِ ، بَعْدَ أَنْ غادَرَهُمْ يَسُوعُ ، وَعَادَ لِيُقيمَ مَعَ اللهِ الآب .

وَبإِمْكَانِكَ العُثورُ على هذِهِ القِصَّةِ فِي كِتابِكَ المُقَدَّسِ ، مَنَ الفَصْلِ 1 إلى الفَصْلِ 4 من أَعْمَالِ الرُّسُلِ .

كانَ يَسُوعُ قَدْ عَادَ إِلَى السَّمَاءِ لِيُقيمَ مَعَ اللهِ الآبِ ، ولكِنْ كَانَ عَلى التَّلامِيذِ أَنْ يَضْطَلِعُوا بمُهمّةٍ خَطِيرَةٍ ، أَلا وَهِيَ تَبْشِيرُ العَالَمِ كُلِّهِ بيَسُوعَ .

وَكَانَ يَسوعُ قَدْ قَالَ لَهُمْ : " سَتكُونُونَ في حَاجَةٍ إِلى عَوْنٍ خاصٍّ مِنَ اللهِ . فَعُودُوا إِلى أُوْرَشَليمَ ، وَانْتَظِرُوا هُنَاكَ " .

وَذَاتَ يَوْمٍ ، فِيمَا كانَ التَّلامِيذُ مُجْتَمِعيْنَ يُصَلُّونَ ، حَدَثَتْ ، بَغْتَةً ، ضَجَّةٌ ، وَكأَنَّ رِيْحاً شَدِيدةً قَدْ عَصَفَتْ بِالمَنْزِلِ .

وَحِينَئِذٍ رَأَوْا ما يُشْبِهُ أَلسِنَةً مِنْ نارٍ ، نَزَلَتْ وَحَطَّتْ عَلى كُلِّ واحِدٍ مِنْهُمْ ، فَأَخَذَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ،

وَأَخَذُوا يَتَكَلَّمُونَ ، فَإِذَا بِهِمْ يَنْطِقُونَ بِلُغَاتٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِهَا عِلْمٌ مِنْ قَبْلُ . فَأَصَابَهُمْ شُعُورٌ بالسَّعَادَةِ ، وَغَمَرَهُمُ الفَرَحُ .

وَهَتَفُوا : " ها إِنَّ الرَبَّ قَدْ أَرْسَلَ لنَا العَوْنَ الخاصَّ الَّذِي وَعَدَنَا بِهِ يَسُوعُ " . وَعَلَتْ أَصْواتُهُمْ ، فَتَجَمَّعَ مِنْ حوْلِهِمْ حَشْدٌ كَبِيرٌ مِنَ النَّاسِ .

وَتَحَرَّرَ التَّلامِيذُ مِنَ الخَوْفِ الذي كانَ مُسَيْطِراً عَلَيْهِمْ ، وَبَاتُوا لا رَغْبَةَ لَهُمْ سِوَى تَبْشِيرِ العَلَمِ أَجْمَعَ بِيَسُوعَ ، وَبِمَلَكُوتِ اللهِ .

وَكَانَتْ أُوْرَشَلِيْمُ ، آنَذاكَ ، تَغُصُّ بالزَّائِرِينَ ، مِنْ بُلْدانٍ أُخْرَى ، بِمُنَاسَبَةِ الاحْتِفَالِ بِعِيْدِ العَنْصَرَةِ .

وَانْدَفَعَ التَّلامِيْذُ ، خارِجاً ، وَأَخَذُوا يَرْوُونَ لِلْجَمَاهِيْرِ

قِصَّةَ يَسُوعَ الرَّائِعَةَ .

وَكضانَ بِوِسْعٍ كُلِّ مُسْتَمِعٍ أَنْ يَفْهَمَهُمْ ، إِذْ كَانَ كُلُّ زَائِرٍ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُوْنَ بِلُغَتِهِ .

وَكَانَتْ تِلْكَ عَجِيْبَةً ، إِذْ إِنَّ اللهَ أَمَدَّ التَّلامِيْذَ بِالعَوْنِ الخَاصِّ الذي كانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَيْه ، لِيُبَشِّرُوا الشَّعْبَ بمَلَكُوتِ اللهِ . صَحِيحٌ أَنَّهُمْ مَا عَادُوا قَادِرِينَ عَلَى مُشَاهَدَةِ يَسُوعَ ، وَلكِنَّ اللهَ أَرْسَلَ إِلَيْهِمِ الرُّوحَ القُدُسَ لِيَبْقَى مَعَ كُلِّ واحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى الأَبَدِ .

وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ إِدْهَاشاً سِمْعَانُ بُطْرُسُ . فَعِنْدَمَا ماتَ يَسُوعُ ، كَانَ قَدِ اسْتَولَى عَلَيْهِ الذُّعْرُ ، وَبَاتَ كُلُّ مَا يَتَمنَّاهُ هُوَ أَنْ يَعُودَ إِلَى صَيْدِ السَّمَكِ في بُحَيْرَةِ الجَلِيْلِ .

أَمَّا الآنَ ، فَقَدْ أَصْبَحَ سِمْعانُ بُطْرُسُ مُمْتَلِئاً بِقُدْرَةِ اللهِ ، يُواجِهُ الجَمِيعَ بِجُرْأَةٍ ، وَيُفَسِّرُ لَهُمْ بُشْرَى مَلَكُوتِ اللهِ ، وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَأَلَّقُ فَرَحاً وَابْتِهَاجاً .

وَبَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيْلَةٍ ، مَضَى سِمْعَانُ بُطْرُسُ ، وَتِلْمِيذٌ آخَرُ ، هُوَ يُوحَنَّا ، إِلَى الْهَيْكَلِ ، لِيَعْبُدَا اللهَ ، وَقَلْبَاهُمَا يَفِيضَانِ لَهُ شُكْراً .

كَانَا يُرِيْدَانِ أَنْ يَشْكُرَا لِلرَبِّ مَا مَنَّ بِهِ عَلَى التَلامِيْذِ مِنْ عَوْنٍ حَارِقٍ . وَلَدَى دُخُولِهِمَا بَوَّابَةَ الهَيْكَلِ ، شَاهَدَا رَجُلاً

لَمْ يَكُنْ قَدِ اسْتَطَاعَ يَوْماً أَنْ يَسِيرَ عَلَى قَدَمَيْهِ ، وَكانَ جَالِساً هُنَاكَ يَسْتَعْطِيْ .

وَكانَ أَصْدِقَاؤُهُ يَأْتُونَ بِهِ ، كُلَّ يَوْمٍ ، وَيُلْقُونَ بِهِ عِنْدَ بَوَّابَةِ الهَيْكَلِ ، بِحَيْثُ يَسْتَطِيعُ اسْتِعْطَاءَ الشَّعْبِ القَادِمِ إِلَى الهَيْكَلِ .

وَلَمَّا رَأَى سِمْعانَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا ، بادَرَهُمَا بِسُؤَالِهِ : " هَلاَّ تَكَرَّمتُمَا عَلَيَّ بِشَيْءٍ مِنتَ الْمَالِ ؟"

فَأَجَابَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ : " نَحْنُ لا نَمْتَلِكُ مَالاً ، وَلكِنْ لَدَيْنَا ما نُعْطِيْكَ : بِاسْمِ يَسُوعَ ، أَقُولُ لَكَ أَنْ تَنْهَضَ وَتَمْشِي " .

وَأَخَذَهُ بُطْرُسُ مِنْ يَدِهِ ، فَهَبَّ وَاقِفاً ، واشْتَدَّتْ قَدَمَاهُ وَسَاقَاهُ ، فَرَاحَ يَرْكُضُ وَيَقْفِزُ .

وَدَخَلَ مَعَهُمَا إِلَى الْهَيْكَلِ ، وَهُوَ يَهْتِفُ شُكْرَهُ للهِ بِأَعْلَى صَوْتِهِ .

وَعِنْدَمَا شَاهَدَهُ مَنْ كَانُوا في الْهَيْكَلِ ، تَعَجَّبُوا ، وَتَوَقَّفُوا عَمَّا كانوا فيه ، وَسَأَلُوهُ : " أَلَسْتَ أَنْتَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ يَقْبَعُ عِنْدَ بَوَّابَةِ الْهَيْكَلِ ؟ مَا الَّذِي جَرَى لَكَ ؟ " فَأَخْبَرَهُمُ الرَّجُلُ بِالأَمْرِ .

وَخَاطَبَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ الجُمُوعَ قَائِلاً : لَسْتُ أُدْرِكُ سَبَباً لِدَهْشَتِكُمُ البَالِغَةِ هذِهِ . فَنَحْنُ لَمْ نَفْعَلْ ذلِكَ بِأَنْفُسِنَا .

بَلْ إِنَّ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ ، الَّذِيْ أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ ، كانَ ابنَ اللهِ الخَاصّ ، وَاللهُ قَدْ أَعادَهُ إِلى الحَيَاةِ ، وَهُوَ الآنَ قَدْ عَادَ لِيُقِيْمَ مَعَ اللهِ الآبِ ، وَلكِنَّ الرَبَّ قَدْ وَهَبَنا قُدْرَتَهُ الخَاصَّةَ .

" إسْأَلُوا اللهَ الصَّفْح"َ ، نَادِمِيْنَ عَمَّا جَنَتْهُ أَيْدِيْكُمْ ، واللهُ سَيَغْفِرُ لَكُمْ . وَصَدِّقُونَا إِنَّ يَسُوعَ حَيٌّ " .

وَقَدْ أَثَارَ نَبَأُ قِيَامَةِ يَسُوعَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ ، وَلا سيَّمَا أُوْلئِكَ الَّذِينَ كانُوا قَدْ نَالُوا عَلَى يَدَيْهِ الشِّفَاءَ ، وَتَمَتَّعُوا بِالاسْتِمَاعِ إِلَى تَعالِيمِهِ .

وَآمَنَ كثيرُونَ ، فِي أُوْرَشَلِيمَ ، بِبُشْرَى مَلَكُوتِ اللهِ ، وَوَهَبَهُمُ اللهُ مِثْلَ مَا كَانَ قَدْ وَهَبَ يَسُوعَ مِنْ قُدُراتٍ مُتميِّزَةٍ .

وَيَوْماً إِثْرَ يَوْمٍ ، كَانَ النَّاسُ يَكْتَشِفُونَ حَقِيْقَةً أَنَّ يَسُوعَ مَا زَالَ حَيّاً ، وَأَنَّ تِلْكَ الحَقِيْقَةَ هِيَ الَّتِي كَانَتْ تُفْعِمُ قُلوبَ التَّلامِيْذِ فَرَحاً .

وَلكِنَّ الكَهَنَةَ وَزُعَمَاءَ أُوْرَشَلِيمَ قَدْ أَخافَهُمْ أَنْ يَرَوْا تَلامِيذَ يَسُوعَ يُخْبِرُونَ كُلَّ إِنْسَانٍ أَنَّ مُعَلِّمَهُمْ مَا زَالَ حَيّاً .

فَأَنْذَرُوا سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا قَائِليْنَ :

" كُفُّوا عَنِ التَبْشِيرِ بِيَسُوعَ " . وَلكنَّ التَّلامِيذَ أَجَابُوْهُم :

" لا يُمْكِنُنا الكَفُّ عَنْ ذلِكَ ، فَيَسُوعُ قَدْ أَمَرَنا أَنْ نُبَشِّرَ العَالَمَ أَجْمَعَ " .

وَظَلُّوا يُبَشِّرُونَ بِيَسُوعَ كُلَّ مَنْ يُصادِفُونَهُ .

وَكانَ أَتْبَاعُ يَسُوعَ يَتَكاثَرُونَ ، وَغَالِباً مَا يَلْتَقُونَ مَعاً فِي الْهَيْكَلِ ، فَيَشْكُرُونَ للهِ مَلَكُوتَهُ وَعَوْنَهُ .

وَكَثِيراً مَا كانُوا يَشْتَرِكُونَ فِي تَنَاوُلِ الطَّعَامِ مَعاً ، في مَنزِلِ أَحَدِهِمْ بِالتَّنَاوُبِ . وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ فَقِيرٌ ، لا يَمْتَلِكُ طَعَاماً ، كَانَ الآخَرُونَ يَقْتَسِمُونَ مَعَهُ طَعَامَهُمْ وَمَالَهُمْ .

وَكَانُوا ، حَقّاً ، يُحِبُّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، وَهُمْ مُدْرِكُونَ أَنَّ تِلْكَ المَحَبَّةَ كانَتْ نابِعَةً مِنَ الْعَوْنِ الخاصِّ الَّذِي أَيَّدَهُمْ بِهِ اللهُ .

فَقَدْ جَعَلَ مِنْهُمْ شَعْباً جَدِيداً ، بَعْدَ أَنْ مَنَحَهُمْ رُوحَهُ القُدُّوسَ ، فَتَحَوَّلُوا تَحَوُّلاً جَذْرِيّاً .

وَعَزَمَ الكَهَنَةُ وَزُعَمَاءُ أُوْرَشَلِيمَ عَلَى مَنْعِ الشَّعْبِ مِنَ التَّكَلُّمِ عَنِ مَلَكُوتِ اللهِ ، فَعَاقَبُوا أَتْبَاعَ يَسُوعَ ، وَأَجْبَرُوهُمْ عَلَى مُغَادَرَةِ المَدِينَةِ إِلى مُدُنٍ وَقُرىً أُخْرَى .

وَقَدْ صَنَعُوا حَسَناً بِإِبْعَادِهِمْ ، فَبِفَضْلِهِ انْتَشَرتْ بُشْرَى مَلَكُوتِ اللهِ ، في العَالَمِ أَجْمَعَ .





خاتمة

" من الكتاب المقدّس " سلسلة قصصيّة من 52 رواية للأطفال . كلّ قصّة قائمة بذاتها ويؤلّف مجموعها الكتاب المقدّس ، أي قصّة حبّ الله للبشر ، في كلّ زمان ومكان .

إن الأعداد ( من 31 إلى 52 ) مقتبسة من العهد الجديد وتخبرنا عن حياة يسوع ابن الله وعن تعليمه . وإن هذه القصص تحدّثنا عمّا فعل يسوع وقال ، وعن الشعب الذي لاقاه . إن كلّ ما نعرفه عن حياة يسوع مدوَّن في الأناجيل الأربعة التي كتبها كلٌّ من متى ومرقس ولوقا ويوحنّا . وكلمة " الإنجيل " تعني البُشرى السعيدة .

وختامُ السلسلةِ أربعُ قصصٍ تحدّثنا عن المسيحيّينَ الأوّلينَ الذينَ نشروا بُشرى السعادة هذه بينَ الناسِ ، كما أمرهُم يسوعُ . وما زالَ أحفادُهم يلهجونَ بها حتى أيّامنا الحاضرة .

" بشرى لكل الناس " ، مأخوذة من الفصول الأولى من أعمال الرسل . فالفصل الثاني منها يتضمن قصة العنصرة ( حلول الروح القدس ) ، والفصل الثالث يروي شفاء الرجل الكسيح ، والفصل الرابع يخبر عن صدام التلاميذ بزعماء اليهود .

لا أحد يستطيع رؤية الروح القدس . ولكن يسوع وعد أنه ، بعد صعوده ، سيرسل روحه القدوس . ولم يشك تلاميذ يسوع أن الروح القدس هو الذي هبط عليهم يوم العنصرة . فهم لم يسمعوا ما يشبه هبوب عاصفة ، ولم يروا ألسنة نار فقط ، ولكنهم شعروا أنهم تحرروا من الخوف ، فتمكنوا من مواجهة الجموع المحتشدة ، وبشروهم بيسوع ، بلغاتهم الخاصة .

القصة التالية (50) ، في السلسلة عينها ، عنوانها " بولس في دمشق " ، وتروي قصة ذلك الرسول العظيم المذهلة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010