الشباب والإستهتار:

كالنوع الذي لا يكف عن المزاح والضحك ، حتي داخل الإجتماع ، مفسدا الجو الروحي للإجتماع ... ولا يستجيب إلي نصيحة أو توبيخ ... وربما ليس في نيته - ولو حاليا – أن يتوب! وقد قالها واحد من الشباب للخادم "أنا لن أحضر إجتماع الشباب ، لأنني لو حضرت فسوف أتوب ، وأنا لا أريد أن أتوب"!!


وهذه النوعية من الشباب ، تحتاج إلي زلزال روح الله ، فمن يعطيه هذا إلا روح الله القدوس ... ربما بكلمة ... ربما بصرخة حب ... ربما بتجربة إلهية توقظه ... ربما بتوقيف الكاهن له حينما يأتي إلي التناول سائلا إياه عن الإعتراف محذرا إياه أن القدسات للقديسين ... هناك مداخل وأساليب كثيرة يستخدمها الله من أجل إيقاظ هذا الشاب المستهتر ، ليبدأ التفكير في خلاصه وأبديته.



إن المواجهة الحانية لهذا النوع من الشباب ، هامة للغاية ، عملا بتعليمات الرب لحزقيال "إن لم تتكلم لتحذر (الشرير) من طريقه ، فذلك الشرير يموت بذنبه ، أما دمه فمن يدك أطلبه" (خر 33 : 8).



2- الشباب والوسوسة:



هذا النوع له نفسية مرهفة ، يجعله يضطرب أمام أبسط شئ ، وأصغر خطأ ، ويكاد يصل إرتباك ويأس ومدمر ، إذا ما إرتكب خطيئة ما ... وربما – مثلا – حينما يتناول ثم يخطئ يتصور أن هذا تجديف علي روح الله ، أو أنها خطيئة إلي الله مباشرة ، ليس لها غفران ولا توبة ... إنها نفسية رهيفة ، لا تتحمل أن تعطيها حرية زائدة أو مطلقة ، فهذه تربكها بالأكثر ، بل علينا أن نجعله يتعرف علي جوهر التدين ، ومحبة المسيح ، وإتساع صدره ، فيسلك بثقة ، دون إنفلات أو إستهتار.



3- الشباب والناموسية :



ذلك النوع الفريس في أسلوبه ، يسلك بالحرف ، ويرتبك إذا ما قصر في قانونه الروحي ، حتي غي حالة العذر ، ويتعب ضميره أنه لم يصلي كل المزامير مثلا ، بينما بينما هناك ظرف خاص أجبره علي ذلك .



وهنا نتذكر ذلك الراهب الذي جاء إلي القديس أنطونيوس ، يشكو تعبا الضمير لأنه يصلي 200 صلاة فقط في اليوم . فأجابه القديس أنطونيوس أنه يصلي 150 صلاة فقط وضميره مستريح. ثم أردف القديس قائلا : لابد أنك تقدر أن تصلي أكثر ، ولا تفعل!!



المهم ... هو الإتصال الصادق بالرب ، في حرية الروح ، لا في عبودية الحرف ... وهذا بلا شك يحتاج إلي توجيه مستمر ، وإرشاد سليم ، لا ينحرف يمينا نحو الإهمال ، ولا يسارا نحو الفريسية ... بل يكون معتدلا يدفعه نحو حلاوة العشرة مع اله أكثر من البطولة في أداء الممارسات الدينية.



4- الشباب والروتينية:



الذي يكتفي بتنفيذ شكليات الدين ، دون الدخول إلي جوهره ... ربما يحضر القداس مبكرا ، ويخدم كشماس ، لكن في روتين وجفاف ، وليس بمشاعر صادقة وحارة أمام الله . ليس هناك إتصال حقيقي بالرب ... حتي الأجبية يصليها في روتينية جافة ، وكذلك الخدمة ، دون بذل جهد حيوي في حرارة الروح ، وتعب الكرازة الفعال.



وهذا النوع من الشباب يحتاج أن يدخل –بنعمة الله- إلي حيوية ممارسة وسائط النعمة ، الصلاة الحية ، القراءة المشبعة لكلمة الله ، الكتب الروحية ، الحضور المستفيد من الإجتماعات الروحية ... وتحريك القلب بالمطانيات وقرع الصدر قبل الصلاة ، أو بالشبع ببعض الآيات ، أو بترنيمة أو بلحن أو بجزء من القداس ، أو بالغوص العميق في فحص النفس ، أو التأمل في في محبة الله وعطاياه ، أو الذهاب إلي الأديرة في خلوات روحية ... أو الإعتراف الأمين بخطايا معينة تمنع فيض السلام الإلهي ... أو بالصلاة من أجل أخرين في ضيقة أو إحتياج ... لكي يخرج الإنسان من الروتينية إلي الحيوية ، فيمارس وسائط النعمة بروح الإبن لا بروح العبد أو الأجير .



5- الشباب والطموح:



إن الطموح الذي يتجه نحو أهداف أرضية مادية وبقوة الإنسان الذاتية ، هذا يختلف عن منهج "إستثمار الوزنات " حيث يكون الهدف هو تمجيد الله والوسيلة هي عمل الله فينا. لذلك فمن المهم أن يقنع الشباب بضرورة إعتماد هذا التمييز بين الأمرين ، فلا يتحرك نحو أهداف أرضية بقوته الذاتية ولمجده الشخصي ، بل عليه أن يستثمر ما أعطاه له الرب من مواهب ووزنات ، بقوة الله ، ولمجد الله ... وبالطبع سيكون هناك نجاحات أرضية ومادية وعلمية وإحتماعية ، ولكنها كلها ستكون لمجد الله وليس لتضخيم الذات ... وحتي الحياة الروحية الوخدمة ينطبق عليها نفس التمييز ... فهناك فرق بين جهاد روحي وكرازة وخدمة وأعمال محبة وصولت وأصوام لمجد الذات ، وبإقتدار بشري محض ، يهدف إلي الإحساس بالبطولة اولتميز الوتفوق ، ويسعي إلي حب المديح والمجد الباطل ... ويبين أن يقوم الإنسان بكل هذه الجهود الروحية والكرازية ، بقوة الله ، ولمجد الله . الخيط رفيع ، ولكنه هام وخطير ... ومن هنا تكون فضيلة الإفراز والتمييز –كقول القديس أنطونيوس- هي أهم وأخطر الفضائل.



ولهذا أوصانا الأباء ، أن نجتذب الشباب إلي أسفل حينما نراههم صاعدين إلي أعلي ، دون أساسات روحية من الإتضاع والإرشاد والتمييز ، خوفا من سقوطهم الرهيب ، في الصلف والكبرياء ، والإحساس بالتميز.



كذلك يحرص الأباء الروحيون ، علي إرشاد أبنائهم كيف يقرأون بستان الرهبان ، حتي لا يطمحوا إلي تدريب وممارسات روحية عالية ، قبل الوقت ، ودون أساسات سليمة ، مما قد يعرضهم إلي أمراض روحية خطيرة ، ليس أقلها الكبرياء ، وربما صغر النفس ، بل إلي أمراض نفسية وجسدية أو نفس جسدية!



6- الشباب والتقمص:



ذلك حين يقلد الإنسان شخصا أخر ، وهو معجب به ، فيحاكيه في كل شئ ظاهري ، الحركة وأسلوب الكلام ، سواء بطريقة شعورية أو لا شعورية . وبالطبع الغيرة في أمور حسنة وبدوافع مقدسة ، ولمجد الله تختلف عن "التقمص" الذي لا يعدو أن يكون "حيلةدفاعية لا شعورية" من أجل الإختفاء وراء شخصية أخر لإكتساب رضا الناس وللهروب من الإحساس بالفشل أو عدم القدرة علي الأداء الجيد.



وبالطبع فالعلاج هنا يكمن في إقتناع الشباب بأنه لا جدوي من التقليد والمحاكاة والتقمص ، فالرب الذي أعطي الأخر قادر أن يعطيني ، وما يناسبه من عطايا لا يناسبني أحيانا كثيرة. ينبغي أن يعرف الشاب أن الرب قادر أن يخلق منه أيقونة حلوة ، متميزة ، فريدة ، فإمكانيات روح الله الهائلة ، غير المحدودة قادرة أن تخلق من كل إنسان شيئا مختلفا ... المهم أن أخضع نفسي لعمل الله ، بدافع مقدس هو تمجيد الله ، والله قادر أن يعمل فيّ كما يعمل في غيري ، ليخلق منا جميعا أعضاء مقدسة في جسده الطاهر ، الكنيسة ، تختلف تماما في تكوينها ووظيفتها ، ولكنها تتكامل معا في وحدة وحب ووئام.



وهنا نتذكر كلمات الرسول "فإن الجسد أيضا ليس عضوا واحدا ، بل أعضاء كثيرة. إن قالت الرجل لني لست يدا ، لست من الجسد ، ألم تكن لذلك من الجسد؟ وإن قالت الأذن ، لأني لست عينا لست من الجسد ، ألم تكن لذلك من الجسد؟ لو كان كل الجسد عينا ، أين السمع؟ لو كان الكل سمعا ، أين الشم؟ وأما الأن فقد وضع الله الأعضاء ، لكل واحد منها في الجسد كما أراد . ولكن لو كان جميعها عضوا واحدا ، فأين الجسد؟ فالآن ... أعضاء كثيرة ، ولكن جسد واحد؟" (1كو 12 : 14-20)



الفنان يختلف كثيرا عن التاجر ، فالتاجر يطبع من الصورة ألف نسخة ، ليكتسب منها ، ولكن الفنان يجتهد –ربما لشهور- ليخلق صورة جميلة ، ولا يسعي إلي بيعها عموما ، بل يكفيه أن يراها أمامه في كل حين ، في غلاوة طفل عزيز لديه! هكذا روح الله ، الفنان العظيم ، قادرا أن يخلق من لك نفس صورة جميلة ، وعضوا حيا ، وأيقونة فريدة ، فلماذا أتقمص شخصية أخري، وألغي عمل روح الله فيّ؟!



إذن فليقتنع كل شاب أن يكون نفسه ولنخاطبه دائما Be yourself ، وهذا لا يعني تضخيم الذات ، ولكن إعطاء فرصة للتفرد الإنساني ، والعطايا الشخصية التي استودعها الله في كل نفس ، لكي تسهم في بنيان الجسد الواحد ، لمجد الله ، معطي الكل.



7- الشباب والرياء:



حين يظهر الإنسان م لا يبطن ... فيأخذ الشكل الخارجي للروحيات ، دون العمق الداخلي ... ويأخذ صورة التقوي، وينكر قوتها . والمطلوب طبعا هو الإهتمام بالداخل والخارج معا، فلا يهمل أي من الحياتين ، يجتهد أن يقدم صورة مسيحية جيدة ، نابعة من أعماق مسيحية جيدة.



يحتاج إذن هذا النوع من الشباب ، إلي التوجيه نحو الداخل ، نحو الجوهر والحقيقة ، نحو الرب الساكن فينا ، ليعرف أن الله يريد هذا البعد السري والعميق في حياتنا ، تماما كما يريد الصورة الأمينة الشاهدة له ، وهو الذي قال "ليكن تقدمكظاهرا أمام جميع الناس" (1 تي 4 : 15) كما قال أيضا "أبعد عن العمق" (لو 5 : 4).



هل نتذكر هنا القول المأثور المعروف "كل إناء ينضح بما فيه" أم نتذكر –بالأولي- كلمات الرب يسوع للفريسيين "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون ، لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة ، وهما من الداخل مملوءان إختطافا ودعارة! أيها الفريسي الأعمي ، نق أولا داخل الكأس والصحفة ، لكي يكون خارجهما أيضا نقيا" (مت 23 : 25 ، 26).



8- الشباب والخنوع:



كثيرا ما يسقط الشباب في خطايا معينة ويستمر سقوطهم فيها ، حتي رغم الجهاد ، وهكذا يدخل في إحساس بصغر النفس أمام الخطيئة ، ويسلك بخنوع تام ، ويأس مرير ، فاقدا روح الرجاء .



ولعل هذا النوع من الشباب ، يحتاج أن نذكره بقول الرسول "أن الله لم يعطنا روح الفشل ، بل روح القوة والمحبة والنصح" (2 تي 1 : 7) ليهتف بعد ذلك قائلا "أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني" ( في 4 : 13 ) ويرنم علي الدوام قائلا "في هذه جميعها ، يعظم إنتصارنا بالذي أحبنا"(رو 8 : 37).



وعليه ان يخاطب الخطيئة قائلا "لا تشمتي بي يا عدوتي لأني إن سقطت أقوم ، وإن جلست في الظلمة ، فالرب نور لي" (مي 7 : 8 ).



ألم يقل لنا نبي الروح يوئيل "ليقل الضعيف بطل أنا" (يوئيل 3 : 10) ولذلك يقول الرسول بولس "حينما أنا ضعيف ،فحينئذ أنا قوي" ( 2كو 12 : 10). ذلك بعد أن صرخ للرب ثلاث مرات ، أن تفارقه شوكة الجسد ( وهي غالبا قروح ذات رائحة صعبة) ، إذ قال الرب له "تكفيك نعمتي ، لأن قوتي في الضعف تكمل" (2كو 9 : 12). لهذا هتف قائلا "فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي (أي الضعف البشري طبعا وليس الخطيئة) ، لكي تحل عليّ قوة المسيح" ( 2كو 12 : 9).



كثيرا ما يحتاج الشباب إلي روح الرجاء ، حتي لا يظل خاضعا للخطيئة ، خاضعا تحت نيرها ، غير واثق من إمكانية النصرة في الرب يسوع.



وهنا ملاحظة أخري هامة ، إذ كثيرا ما يصير الجهاد السلبي للإنتصار علي خطيئة معينة ، غير مصحوب بجهاد إيجابي وهو الشبع الروحي ... وبدون شبع لا ينجح جهاد "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا" (يو 15 : 5) ... لهذا يجب إقناع الشباب ، بأن الشبع الروحي هو الطريق السليم إلي النصرة ، بل بالحري إلي الإتحاد بالرب ... فالهدف ليس فقط أن تنتصر علي الخطايا ، بل أن نتحد بالمسيح "والنفس الشبعانة تدوس العسل" (أم 27 : 7).



9- الشباب وحب الظهور:



في أعماق الشباب نداء نحو تحقيق الذات ، ولا شك أن هذا الإحتياح النفسي إحتياج مشروع ، لو أنه كان بالمسيح ولمجد المسيح ، أما الخطأ فهو أن يسعي الشباب إلي حب الظهور ، وإستجداء المديح ، وتضخيم الأنا ، وعبودية الذات ... فالذات هنا ستكون بديلا عن المسيح ، بعكس منهج يوحنا المعمدان ، الذي كان عنده السيد المسيح بديلا للذات "ينبغي أن هذا يزيد ، وأني أنا أنقص" ( يو 3 : 30) ، بعكس منهج الرسول بولس الذي قال "مع المسيح صلبت ، فأحيا ، لا أنا ، بل المسيح يحيا فيّ" ( غل 2 : 20).



هذا النوع من الشباب الذي يسمي Egocentric أو selfcentric أي المترمكز حول ذاته ، كثيرا ما يسقط في "المهرجانية " و "الإستعراض" أو سرق مجهود إخوته ، والبحث عن المديح والمكافأة ... إنما يعمل لحساب الذات ، وليس لحساب المسيح ، ويحتاج إلي مواجهة حانية من مسئول الخدمة أو المجموعة ، كما يحتاج إلي توجيه روحي نحو المسيح يسوع وخلاص النفس ، لأنه "ماذا ينتفع الإنسان ، لو ربح العالم كله وخسر نفسه" ( مر 8 : 36).



إن العالم بكل أمجاده والكرة الأرضية بكل ما فيها ، إذا وضعت داخل قلب الإنسان المثلث ، ستتبقي زوايا المثلث فارغة ، ولن يشبع قلب الإنسان المثلث إلا الله المثلث الأقانيم.



الشاب الأناني يكون علي الدوام مرفوضا من الكل : في الأسرة ، الكنيسة ، المجتمع ... لكن الأخطر من ذلك ، أنه يعرض نفسه للهلاك الأبدي! بينما يكون الإنسان المتضع ، محبوبا من الكل ، إذ يبرز دور إخوته في كل عمل ، ويختفي هو وراء رب المجد ، معطيا كل المجد لله ، الذي أعطاه كل ما لديه من عطايا أو وزنات "أنت الذي أخذت ، لماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟! أي شئ لك لم تأخذه" (1كو 4 : 7).



10- الشباب والسخط:



دائما غير راضين عن أي شئ ومهما كان العمل ناجحا ومفرحا ، تجده يفتش عن سلبيات قليلة ، ويركز عليها ، ويشيع جوا من التذمر والرفض والمرارة ، بدلا من أن يشيع جوا من التشجيع والنقد البناء.



ومعروف نفسيا أن هذا الشاب يعاني من سلبيات داخلية تجعله "إكتئابيا" بمعني أن يجنح إلي الحزن والكأبة بدلا من روح الفرح والإنطلاق والإيجابية.



وواضح أن الرب يسوع ، كان نموذجا رائعا في البحث عن الإيجابيات في بحر السلبيات! فها هو يشجع زكا ، ويمتدح السامرية ، ويشيد بتوبة المرأة الخاطئة!



بعضنا يري النصف الفارغ من الكأس ، ويركز عليه ، ويتناسي أن هناك نصف أخر مليئ. وقديما قال لنا الأباء "ليس عطية بلا زيادة ، إلا التي بلا شكر".



يحتاج شبابن إلي "النظرة الإيجابية" و "النقد البناء" الذي يري الإيجابيات أولا ثم يتحدث في السلبيات ليصلحها. وهذا مهم ، ليس في حياتنا العائلية والكنسية والمجتمعية فحسب، بل أنه مهم حتي في حياتنا الخاصة والشخصية ... لأن روح الرجاء والتوجيه الإيجابي ، أفضل من روح السخط واليأس . وليكن شعارنا دائما "أنسي ما وراء ، أمتد لما هو قدام" (في 3 : 13).

الانبا موسى . `16`
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010