أبآيات - كمال المحبة


أبآئيات :
كمــال المحبــة
القديس أغسطينوس
تفاح من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلها" _أم 25
"وبهذا نعرف أننا قد عرفناه إن حفظنا وصاياه" (1 يو 2) ... أي وصايا؟ 
"من قال قد عرفته وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه" 
لكنك مازلنا نتسائل: أي وصايا يقصد؟ 

"وأما من حفظ كلمته، فحقاً في هذا قد تكمَّلت محبة الله"

تعالوا نرى إذا ما كانت الوصية ذاتها تدعى المحبة. لأننا كنا نتسائل عن الوصية وهو أجاب: "أما من حفظ كلمته فحقاً في هذا قد تكمَّلت محبة الله". لننتبه للإنجيل، أليست هذه الوصية  نجدها في ما قاله الرب: "وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً" (يو 13). "في هذا نعرف أننا فيه"، إذا ما تكمَّلنا فيه. 
يدعوهم الرسول مكمَّلين في المحبة.

ما هو كمال المحبة؟ 

كمال المحبة هو محبة الأعداء، وأن تحبهم لهذه الغاية: أن يصيروا أخوة.
لأن محبتنا  يجب أن لا تكون محبة جسدانية. جيد أن تتمنى لانسان ما خيرات زمنية، ولكن حتى إن لم يحدث هذا فلتكن روحه سالمة. هل تتمنى حياة (أرضية) لأحد أصدقائك؟ أنت تفعل حسناً. هل تفرح بموت أحد أعدائك؟ أنت تخطئ. إذ ربما الحياة الطويلة التي تتمناها لصديقك تكون مُضرَّة له، والموت الذي تفرح به عند موت عدوك يكون لخيره. ليس مؤكداً أن تكون هذه الحياة الحاضرة التي نحياها مفيدة لإنسان ما أم غير مفيدة، ولكن بدون أدنى شك الحياة مع الله مفيدة. 
أحبب أعدائك بالطريقة التي بها تتوق أن يصيروا لك أخوة.
أحبب أعدائك وأنت تتمنى أن يصيروا في شركة معك.
لأن ذاك الذي عُلق على الصليب، أحبَّ بهذه الطريقة، وقال: "يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو 23). وبالطبع لم يقل: "يا ابتاه أعطهم العمر الطويل. هم بالفعل يقتلونني، لكن ليعيشوا هم". لكن ماذا قال؟ "يا ابتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون". لقد أبعد عنهم الموت الأبدي، بصلاة مملوءة رحمة، وبقوة فائقة القدرة. نعم الكثير منهم قد آمن، وغفرت لهم خطاياهم بدم المسيح المسفوك. لقد سفكوا دمه أولاً في ثورتهم، لكنهم عادوا فشربوا من دمه حينما آمنوا به. 
"بهذا نعرف أننا فيه"، إن تكمَّلنا فيه.
بشأن هذه المحبة الكاملة التي تحب الأعداء، أوصانا الرب قائلاً: "كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5)
لذلك، "من قال أنه ثابت فيه، ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضاً"........
كيف يتم ذلك أيها الأخوة؟ أيّة نصيحة يقدمها لنا؟ "من قال أنه ثابت فيه" - أي في المسيح - "ينبغي أنه كما سلك ذاك يسلك هو أيضاً" هل ينصحنا هنا بأن نمشي على الماء؟ بالطبع لا، بل ينصحنا بأن نسير في طريق البر. 
في أي طريق؟ لقد سبق وذكرته. ... لقد كان يسير في هذا الطريق ذاته وهو مُعلقاً على الصليب - أي طريق المحبة. "يا ابتاه أغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون". هكذا وبالتالي، إذا تعلمتم الصلاة لأجل أعدائكم، فأنكم تسيرون في طريق الرب. 
"أيها الأخوة لست أكتب لكم وصية جديدة بل وصية قديمة كانت عندكم من البدء. الوصية القديمة هي الكلمة التي سمعتموها من البدء". 
أية وصية قديمة؟ تلك "التي سمعتموها من البدء". فهي قديمة لأنكم سمعتموها قبلاً، - وإلا يكون مناقضاً لقول الرب: "وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً" - لكن لماذا هي قديمة؟ قديمة ليست لأنها تخص الإنسان العتيق، بل لأنكم سمعتموها قبلاً، وفي الوقت نفسه يوضح أنها جديدة إذ يقول: "وصية جديدة أكتب إليكم"، ليست وصية أخرى لكن نفس الوصية القديمة هي نفسها وصية جديدة .. ولماذا هي  جديدة؟ لأن "الظلمة قد مضت والنور الحقيقي الآن يضيء". تأملوا السبب في كونها جديدة: نظراً لأن الظلمة تخص الإنسان العتيق، أما النور فيخص الإنسان الجديد. إذ يقول القديس بولس: "أخلعوا الإنسان العتيق والبسوا الجديد" (كو 3)، ويقول أيضاً: "كنتم قبلاً ظلمة أما الآن فنور في الرب" (أف 5).
الآن يوضح المعنى قائلاً: "إن قال أحد أنه في النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة"، لننتبه الآن يا أخوتي، إلى متى نستحثكم أن تحبوا أعدائكم؟ وأنتبهوا أيضاً إلى ما هو أسوأ، أن تكونوا ما زلتم تكرهون أخوتكم. إن كنتم تحبون أخوتكم فقط فأنتم لستم كاملين، ولكن إن كنتم تبغضون أخوتكم، فماذا تكونون؟ ليفحص كل إنسان قلبه. ولا يحتفظ أحد بأي بغضة تجاه أخيه، بسبب كلمة جارحة أو بسبب نزاع حول شيء ترابي (أرضي) - حتى لا يصير تراباً.
ليمتنع من يبغض أخاه أن يقول أنه يسير في النور - يسير في المسيح. لأن "من قال أنه في النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة".
على سبيل المثال، شخص ما صار مسيحياً بعد أن كان وثنياً. عندما كان وثنياً كان في الظلمة، ولكن الآن صار مسيحياً. شكراً لله، والكل يفرح. يقول بولس الرسول مُعبراً عن هذا الفرح: "لقد كنتم قبلاً ظلمة، وأما الآن فنور في الرب" (أف 5). كان يعبد الأوثان وصار الآن يعبد الرب. كان يعبد الأشياء المصنوعة والآن يعبد ذاك الذي صنعه.  لقد تغيَّر، شكراً لله. يفرح بشأنه كل المسيحيين. لماذا؟ لأنه الآن يعبد الآب والابن والروح القدس، ويُمقت الأوثان والشياطين.
لكن يوحنا مازال قلقاً بشأن هذا الإنسان، وبالرغم من أن كثيرين فرحين بشأنه، إلا أنه لا يزال متشككاً. أيها الأخوة، لنعتنق بسرور هذا الإهتمام الأمومي. وليس بلا سبب تهتم وتقلق الأم بينما يفرح الآخرين. أقصد بالأم المحبة - المحبة التي كانت ساكنة في قلب يوحنا عندما نطق بهذا الكلام. وذلك لأنه خائف علينا، بينما الآخرين يغبطوننا.

ما الذي يخافه؟ 

"من قال أنه في النور" - ماذا يعني هذا؟ يعني: من قال أنه مسيحي - "وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة" ......  الكلام واضح ولا يحتاج أي شرح.
لنفرح إن لم توجد البغضة فينا، ولننتحب إن كانت موجودة في قلوبنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010