بقلم : للبابا شنودة الثالث .
أود أن اذكر ان لكل إنسان ثلاث حيوات مختلفة في النوع, وفي الزمان, والمكان..
أولها واقصرها هي هذه الحياة الحاضرة التي نحياها الآن نحياها علي الأرض, وفي هذا الجسد المادي بكل ما له من الحواس والغرائز والمشاعر والانفعالات, وبكل ما تحيطه من حروب من الذات, ومن المادة والشيطان.
وهي فترة نتدرج فيها من الطفولة إلي الكهولة, ولنا حرية ارادة تميل إلي الخير أو الشر, وفيما قد يسقط الإنسان ويتوب أو لا يتوب, ويكون نافعا لمجتمعه أو غير نافع
هذه الحياة تبدأ بالميلاد, وتنتهي بالموت, وهي فترة قصيرة جدا, إذا قيست بالابدية التي لا نهاية لها.
ولكن اهميتها القصوي أنها فترة اختبار يتوقف عليها المصير الأبدي للإنسان, لأنه فيها يختبر فكره وقلبه وارادته, ومدي نقاوته, ومدي طاعته لله, ومدي انتصاره في الحروب الروحية وعدم قبوله لإغراءات الشيطان وحيله, ومدي قيادة روحه لجسده.
ونجاح الإنسان في فترة الاختيار القصيرة هذه, يؤهله إلي استحقاق النعيم الأبدي, وحكيم من يدرك هذه الحقيقة, ويعمل لابديته, ويستفيد من كل عظة تطرق أذنيه, ومن كل انذار يأتي إليه, حتي إذا ما أتاه الموت, يجده مستعدا.
والموت ليس موتا كليا, أنه موت للجسد فقط, اما روح الإنسان فإنها لا تموت الجسد خلقه الله من تراب الأرض, وإلي تراب الأرض يعود, واتذكر قلت في ذلك الأبيات الآتية:
يا تراب الأرض يا جدي وجد الناس طرا
أنت أصلي أنت يا أقدم من آدم عمرا
ومصيري أنت في القبر إذا وسدت قبرا
هذا عن التراب, أما الروح فترجع إلي الله, ومن هنا تبدأ حياته الثانية: من لحظة الموت إلي يوم القيامة.
وهذه الحياة لا نعرف الكثير من اسرارها, لا نعرف كيف تخرج الروح من الجسد, ولا كيف يكون مسارها إلي أن تصل إلي مستقرها... ولكننا نعرف ما يقوله الكتاب عن الموتي إنهم يستريحون من اتعابهم, واعمالهم تتبعهم( رؤ14:13).
نعم, كل ما عمله الإنسان في حياته الأرضية, يتبعه في حياته الثانية, خيرا كان أو شرا.
فالإنسان الذي عاش في الخطية, ومات في خطيته, تتبعه كل خطاياه, إن كانت خطايا بالفعل أو بالحس أو الفكر أو باللسان, أو بأي نوع, تقف امامه وتزعجه يحاول ان ينساها فلا يستطيع.
يتشهي نعمة النسيان, ولكنه لا يجدها, والذكري تتعبه...
بل يتعبه ايضا ما يتذكره من تقصيره في عمل الخير, حين كان بإمكانه ان يفعله, ولكن الفرصة قد ضاعت منه بعد ان خلع الجسد, إنه يشتهي لو منح ساعات او حتي دقائق يعود فيها إلي حياته الأرضية ليفعل ما لم يفعله من بر, ويصحح ما ارتكبه من أخطاء شئ واحد كان يمكن أن ينجيه من كل تذكارات تلك الخطابا والتقصيرات, ذلك إن كان قد تاب عنها اثناء حياته الارضية.
لأن التوبة تمحو الخطايا, والله لا يعود يذكرها كما وعدنا من قبل( أر31:34), وبالتالي لا يذكرها الإنسان بعد موته, غير أنه قد يكون قلقا: هل تاب توبة حقيقية, وقد قبلها الله؟
وهل حياته السابقة قد ارضت الرب ام لا.
من اجل ذلك نحن نصلي, لأجل الميت ونقول نيح يارب نفسه والنياح كلمة سرياينة معناها الراحة, وحينما نطلب نياحا لنفس الميت, انما نطلب راحة لنفسه, حتي لا يكون قلقا او مضطربا علي مستقبله الابدي, فلا تتعبه نقائص تظل عالقة بذهنه تزعج ضميره, بل يريحه الرب بالمغفرة ومحو خطاياه, وبالثقة في الحياة الاخري.
ونحن نصلي من اجل هذا الميت ــ في حياته الثانية ــ ذلك لأنه يوم الدينونة والحساب لم يأت بعد, لأنه بعد القيامة. قلنا إن الحياة الارضية فترة اختبار, والحياة الثانية فترة انتظار انها انتظار ليوم القيامة( يوم البعث).
علي ان الروح في فترة الانتظار هذه, يمكن ان تلتقي بارواح اخري لمن ماتوا قبلها, وبأرواح من يموتون بعدها قبل يوم القيامة, ممن يكونون في مثل حالتها, كما أن ارواح الابرار تلتقي ايضا بارواح القديسين من الانبياء والرسل والاطهار والصديقين, ومن عاشوا في حياتهم الارضية حياة فاضلة مقبولة عند الله.
وفي يوم القيامة تتحد الروح بجسدها, ويقف الاثنان معا للدينونة أي للحساب, الذي يقرر مصير الإنسان, وتبدأ به حياته الثالثة.
فهذه الحياة الثالثة تبدأ من يوم القيامة, وتستمر إلي الابد, لا تنتهي بالقيامة يبدأ الحساب للروح والجسد معا, لانهما قد اشتركا معا اثناء الحياة الارضية في عمل الخير أو في عمل الشر.
هذه الحيوات الثلاث متتابعة, تبدأ الواحدة منها بنهاية التي تسبقها, ولكنها مختلفة من حيث طول المدة, ومن حيث علاقة الروح بالجسد ونوعه, الحياة الاولي تكون فيها الروح متحدة بالجسد المادي في حياة ارضية, والحياة الثانية تكون للروح فقط منفصلة عن الجسد, والحياة الثالثة تكون فيها الروح متحدة بجسد القيامة الممجد, في حياة سمائية.
الحياة الاولي( الأرضية) هي أقصر هذه الحيوات الثلاث, والحياة الثالثة( السمائية) هي اطولها, بل هي لا تنتهي. اما الحياة الثانية( المتوسطة التي في الانتظار) فيتوقف طولها علي مدي قربها او بعدها من يوم القيامة, فعلينا أن نكون امناء من نحو الله والناس, ومن نحوانفسنا, في هذه الفترة التي نعيشها في الجسد علي الأرض.
فإن كان الإنسان أمينا في هذه الفترة, حينئذ يقول له الرب في يوم الحساب: كنت امينا في القليل, فأقيمك علي الكثير, ادخل إلي فرح سيدك( مت25:23,21).
كنت امينا في الحياة التي في الجسد المادي, فأقيمك علي الحياة الروحية, كنت امينا في ذلك العمر القصير, فأقيمك علي العمر الذي لا ينتهي, كنت امينا وأنت في الأرض, فأقيمك علي الحياة في السماء.
كنت امينا في عشرتك مع الناس, فأقيمك علي عشرة الملائكة, والقديسين بل عشرة الله نفسه, كنت امينا في الحياة التي تصادمها حروب من الشيطان والمادة, فاقيمك علي الحياة التي بلا حروب روحية, حياة الغابة والنصرة.
كنت امينا في عالم المرئيات, اقيمك الآن علي ما لم تره عين, ولم تسمع به اذن, وما لم يخطر علي قلب بشر, ما اعده الله للذين يحبونه( أكو2:9) ختاما ارجو لكم يا إخوتي وابنائي هذه الحياة السعيدة, بعد عمر طويل تقضونه في الفضيلة والبر, وفي محبة الله والناس.
ونصلي أن يحفظ الله بلادنا في سلام, وفي رخاء, وأن يمنح القوة للرئيس محمد حسني مبارك وكل العاملين معه, وكل المخصلين لهذا الوطن المحبوب, ونتضرع ان يحفظ الله السلام في الشرق الأوسط .
أحدث الموضوعات
From Coptic Books
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010
المشاركات الشائعة
- اكلات صيامى بمناسبة بدء الصوم كل سنة وانتم طيبين
- مسابقة فى صورة اسئلة مسيحية
- افكار تنفع مدارس الاحد { وسائل الايضاح }
- الحان اسبوع الالام mp3
- صور تويتى للتلوين
- دراسة كتاب مقدس ... لابونا داوود لمعى
- صور يسوع المسيح ( مصلوب )
- صلوات الاجبية بالصوت mp3
- حصرياً : اعلان نتيجة مهرجان الكرازة & شعار مهرجان الكرازة 2010 Mp3 ومنهج الألحان
- أرشيف الترانيم والمدائح أون لاين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.