دراسة في سفر اللاويين

سفر اللاويين هو السفر الثالث من أسفار العهد القديم. ويحتوي على مجموعة الشرائع التي أعطاها الله لموسى لكي يعلم العبرانيين الطريقة المناسبة لإرضاء الله. فقد أراد الله من شعبه أن يتبعه ويسير وراءه ، بل وأن يعيش في شركة مقدسة معه ، فأعطاهم هذا الطريق من خلال الذبائح والشرائع التي ينبغي عليهم أن يتبعوها.

وفي سفر اللاويين نتعلم أن النمو في الحياة مع الله يأتي بالتنفيذ العملي اليومي لشرائعه، وأن ترك هذه الشرائع يؤدي حتماً إلى الوقوع في مشكلات عظيمة تهدد حياة الإنسان وسلامه ومستقبله.

وعنوان هذا السفر في العبرية هو arqyw "وايقرا" وهو الكلمة الأولى في هذا السفر ومعناها "و دعا" كما سُمِيَّ Mynhk trwt "تفدت كهنيم" بمعنى "شريعة الكهنة " ، وسماه آخرون ب "شريعة الذبائح والتقدمات". وقد سمي في الترجمة السبعينية اليونانية ب leuitikon بمعنى "ما يختص باللاويين ". واللاويون هم أبناء سبط لاوي - ابن يعقوب - والذي خصه الله بممارسة الشرائع الكهنوتية حتى أن كهنوت العهد القديم أُطْلِقَ عليه اسم الكهنوت اللاوي (عب 7 : 11).

وقد أعطيت هذه الشرائع إلى موسى النبي حينما كان الشعب قابعاً على سفح جبل سيناء. وهي تغطي الشرائع الدينية والقوانين الاجتماعية والواجبات الأخلاقية بل وأيضاً قواعد التجارة والأطعمة.

فقد أراد الله من شعبه أن يكتفي به ويحيا حياة مقدسة معه وهذا ما نراه في ورود كلمة القداسة حوالي 87 مرة في هذا السفر وتعتبر الآية الرائعة : "تكونون قديسين لأني أنا قدوس الرب إلهكم " (لاويين 19 : 2) هي آية محورية لهذا السفر.

وقد أعطيت هذه الشرائع لموسى بعد حوالي سنة من الفصح الأول في الجزء الأول من السنة الثانية للتيه في البرية، ويغطي هذا السفر فترة شهر من الزمان ويحتوي على القليل من الأحداث التاريخية فهو سفر تشريعي في أغلبه وتحدث أحداثه حوالي سنة 1490 قبل الميلاد حسب التقليد اليهودي.

وفي دراستنا لهذا السفر ينبغي أن نبحث عن المعاني الروحية والرموز التي ترمز لها هذه الشرائع والممارسات ، فسفر اللاويين بأكمله يوجه النظر بقوة إلى شخص السيد المسيح له المجد وذبيحته الواحدة المستمرة والدائمة من أجل فداء الجنس البشري. فكل ذبيحة أو تقدمة أو ممارسة طقسية في هذا السفر ترمز إلى شخص السيد المسيح وذبيحته الكفارية ، بل وتستمد قوتها وتأثيرها من شخصه المبارك وذبيحته العظيمة. وهذا ما أوضحه الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيين موضحاً أن يسوع المسيح هو رئيس الكهنة الأعظم ، وأن ذبيحته على الصليب هي الذبيحة الكاملة لكل الأجيال، ولن يستطيع إنسان أن يصل إلى القداسة الحقيقية التي يطالبنا الله بها إلا من خلال القدوم بثقة إلى شخص السيد المسيح.

وفي سفر اللاويين نجد الواجبات التي يطلبها الله من شعبه ، فكل من ترك العالم والخطية وتحرر من عبودية إبليس ينبغي أن يتبع وصايا الله وتعاليمه. فلا يستطيع الإنسان أن يضع محبة الله في كفة ويضع محبة العالم في الكفة الأخرى بل ينبغي على المسيحي أن يعطي القلب بالكامل لسيده الذي افتداه بدمه ، فالطاعة ضرورة لكي ما يحفظ الإنسان نفسه في إطار الخلاص الذي أعطاه له السيد المسيح بذبيحة نفسه.

أما المبدأ الهام من أجل فهم سفر اللاويين – بل واعتقد الكتاب المقدس بأكمله – هو أن نفتح قلوبنا لروح الله القدوس لكي يرشدنا أثناء القراءة ، لذا ينبغي أن نبدأ دراستنا بالصلاة طالبين من روح الله أن يصاحبنا في قراءة الكتاب المقدس لينير عقولنا وأذهاننا وقلوبنا لكي نستمع لكلمة الله بفهم بهدف تطبيقها في حياتنا.

وفي هذه الدراسة ينبغي أن نتعرف على أمرين أولهما هو قداسة الله المطلقة ، وثانيهما هو كيف نقترب من الله؟. ومن الضروري أن نسأل أنفسنا أين يوجد السيد المسيح في النص الذي نقوم بقراءته وكيف يشير إليه؟ فإن قرأت عن ذبيحة أو تقدمة أو عيد فاعلم أنها ظلال للحق الآتي في شخص السيد المسيح. وحينما تقرأ عن رئيس الكهنة اسأل نفسك : كيف يرمز إلى شخص السيد المسيح؟ وحينما تقرأ عن ذبيحة اسأل نفسك : كيف تشير إلى ذبيحة المسيح؟ فسفر اللاويين يمتلئ بالمعاني النبوية الرمزية الرائعة.

في سفر الخروج أعطي الله التعليمات لإقامة خيمة الاجتماع ، وفي سفر اللاويين يتلقى موسى التعليمات الخاصة بالعبادة التي تقام داخل هذه الخيمة.

ولنبدأ الآن بسفر اللاويين (1 : 1) : " وَدَعَا الرَّبُّ مُوسَى وَكَلَّمَهُ مِنْ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ قَائِلاً:"

وهذه الآية لا تدع مجالاً للشك أن هذه التعاليم والوصايا هي وصايا وشرائع الله السرمدي – الذي لا بداية له ولا نهاية - الكائن بذاته لعبده موسى ولذا فهي واجبة التنفيذ والاتباع ولا مجال لإهمالها أو التغاضي عنها.

أما عن خيمة الاجتماع فهو المكان الذي أراد الله أن يجتمع فيه بشعبه كما جاء في سفر الخروج:" وأنا اجتمع بك هناك وأتكلم معك من على الغطاء من بين الكروبين اللذين على تابوت الشهادة بكل ما أوصيك به إلى بني إسرائيل" (خر 25 : 22). وكان تابوت الشهادة أو تابوت العهد موضوعاً في قدس الأقداس في الخيمة.

اللاويين (1 : 2) : " قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِذَا قَرَّبَ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ قُرْبَاناً لِلرَّبِّ مِنَ الْبَهَائِمِ فَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ تُقَرِّبُونَ قَرَابِينَكُمْ."

وتتحدث هذه الآية عن القربان الذي ينبغي أن يقدم للرب ، وكلمة قربان هي كلمة عبرية Nbrq تطلق على التقدمات والذبائح والأضاحي التي تقدم لكي تقرب الإنسان من الله ، فعن طريقها يستطيع الإنسان أن يقترب من مسكن الله، ويظهر أمامه. وهي رمز لشخص السيد المسيح الذي نستطيع عن طريقه أن نقترب من الله.

وقد حدد الله البهائم التي ينبغي أن تقدم القرابين منها بأن تكون من البهائم الطاهرة كما يفسر ترجوم يوناثان:" من البهائم الطاهرة ، الثيران، الغنم وليس من وحوش البرية المفترسة تقدمون تقدماتكم" . ويقول بن جرسوم اليهودي :"وربما كان هذا لأنها أفضل أنواع البهائم، كما أنه من السهل توفيرها عن الوحوش المفترسة". ولكن الحقيقة أن اختيار هذه الأنواع بالذات لأنها تتوافق أكثر في الإشارة لذبيحة السيد المسيح العظيمة فالثور - ذكر البقر – أو العجل يرمز إليه في قوته وجديته. بينما الغنم يرمز إليه في وداعته ، براءته ، طهارته ، صبره.

كما كان هذا التحديد حتى لا يشترك بني إسرائيل في تقديم ذبائح شبيهة بذبائح الأمم الوثنية المحيطة بهم والذين قدموا من حيوانات أخرى.

اللاويين ( 1 : 3): "إِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ مُحْرَقَةً مِنَ الْبَقَرِ فَذَكَراً صَحِيحاً يُقَرِّبْهُ. إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ يُقَدِّمُهُ لِلرِّضَا عَنْهُ أَمَامَ الرَّبِّ."

وقد سميت بالمحرقة لأنه يتم حرقها بأكملها – ماعدا الجلد - بالنار ، وتسمى بالعبرية hlwe "أولاه" والتي تأتي بمعنى "تصعد إلى أعلى" لأنها لا تحمل فقط إلى المذبح عن طريق الكاهن بل وتحرق عليه بالكامل فتتصاعد رائحتها ودخانها إلى أعلى أمام الرب. وفي هذا رمــز واضح لذبيحة السيد المسيح على الصليب والآلام والمعاناة الشديدة التي تعرض لها والتي انتهت يموته الذي فيه تحقق العدل الإلهي.

ولابد أن تكون هذه المحرقة ذكراً صحيحاً ليس به أي أعضاء ناقصة أو زائدة، لا يكون أعمى أو مكسور أو مجروح أو يحتوي جسده على بثور أو جرب أو كلف ، ولا يجوز تقديم القزم. وفي ذلك رمزاً وإشارة إلى السيد المسيح الذي كان كاملاً بلا عيب:" عالمين إنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح" ( 1 بط 1 : 18 ، 19). وكون هذه المحرقة ذكراً إشارة إلى القوة والرئاسة لأنه:" يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام".(إش 9 : 6).

ويجب أن تقرب هذه المحرقة طوعاً من مقدمها دون اضطرار أو قسر أو قهر إشارة إلى السيد المسيح الذي قدم ذاته طوعاً: "وإذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب"(في 2 : 8).

وتقرب هذه المحرقة إلى باب خيمة الاجتماع أمام الرب ، تقدم جهراً على مرأى من جميع الناس وأمام الله المقدمة له. تماماً كذبيحة السيد المسيح المقدمة لله الآب الذي أخطأنا إليه، فقد قام السيد المسيح بتقديم ذاته لينقذنا من خطايانا ويوفي العدل الإلهي حقه ، وكان من الضــروري أن يكون هذا الفداء عاماً أمام الجميع وهو ما تم على الصليب الذي كان ضروري لإشهار موت السيد المسيح عن الجنس البشري بأكمله وإعلان رضا الآب عن الجنس البشري " ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله" (عب 12 : 2).

الأسئلة:

1. سفر اللاويين هو السفر ........... من أسفار العهد القديم ويحتوي على مجموعة ............ التي أعطاها الله لموسى.

2. ما هي خطورة ترك وإهمال شرائع الله؟

3. من هو كاتب سفر اللاويين؟

4. ما هي الأسماء الأخرى التي أطلقت على سفر اللاويين؟

5. من هم اللاويين؟

6. متى و أين أعطيت هذه الشرائع لموسى؟

7. ما هي الآية المحورية لسفر اللاويين ؟

8. ما هو المبدأ الهام من أجل فهم سفر اللاويين؟

9. ما الأسئلة التي ينبغي أن نسألها لأنفسنا عند دراسة أي نص في سفر اللاويين؟

10. من خلال (لا 1 : 1 – 3) كيف ترمز ذبيحة المحرقة للسيد المسيح؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010