المقدمة
يُخْبِرُنا الكِتَابُ المُقَدَّسُ كَيْفَ أَرْسَلَ اللهُ ابنَهُ يَسُوعَ لِيُطْلِعَنا عَلى أَسْرارِ اللهِ ، وَيَدُلَّنَا إلى سَبِيْلِ الانْضمَامِ إلى مَلَكُوتِهِ .
هذِهِ الْقِصّةَ تَرْوي مَا حَدَثَ عِنْدَما لَقِيَ يَسُوْعُ جَابِيَ ضَرَائِبَ ، عُرِفُ عَنْهُ أَنَّهُ سَارِقٌ يُدْعَى زَكَّا ، وَتُظْهِرُ التَّغْيِيْرَ الَّذِي طَرَأَ عَلَى حَيَاتِهِ .
ويُمْكِنُكَ الْعُثُوْرُ عَلَى هذِهِ القِصَّةِ فِي كِتابِكَ المُقَدَّسِ ، فِي الفَصْلِ 19 مِنْ إِنْجِيْلِ لُوْقا .
" إِنَّ يَسُوْعَ قَادِمٌ اليَوْمَ إِلى أَرِيْحَا " .
إنْتَشَرَ هذَا الْخَبَرُ سَرِيْعاً ، مِنْ بَيْتٍ لِبَيْتٍ ، عَبْرَ الْقُرَى . وَتَمَنَّى كُلُّ امْرِئٍ أَنْ يَرَاهُ . وَكَانَ الْجَمِيْعُ يَرْجُوْنَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ ، أَوْ أَنْ يَشْفِيَ أَحَدَ ذَوِيْهِمْ ، وَيَوَدُّونَ سَمَاعَ حِكَايَاتِهِ .
وَلأَنَّ يَسُوْعَ كَانَ قَادِماً ، فَقَدْ تَرَكُوا الْكَثِيْرَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ ، يَوْمَذَاكَ .
وَكَانَ ، بَيْنَ سُكَّانِ أَرِيْحَا ، رَجُلٌ اسْمُهُ زَكَّا ، لاَ يُحِبُّهُ أَحَدٌ ، إِذْ إِنَّ وَظِيْفَتَهُ كَانَتْ جِبَايَةَ الضَّرَائِبِ الْمَفْرُوْضَةِ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ ، وَهُوَ لَمْ يَكُنْ نَزِيْهاً ، نَظِيْفَ
الْيَدِ ، بَلْ كَثِيْراً مَا كَانَ يُرْغِمُ النَّاسَ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا كَانُوا مُلْزَمِيْنَ بِدَفْعِهِ ، وَكَانَ الشَّعْبُ يَقُولُ : " لِذلِكَ هُوَ وَاسِعُ الغِنَى ، وَنَحْنُ فِي فَقْرٍ كَبِيْرٍ " .
عَلِمَ زَكَّا بِنَبَأِ قُدُوْمِ يَسُوْعَ ، وَسَمِعَ النَّاسَ يَقُولُوْنَ : " يَسُوْعُ يَقُوْلُ أَنْ لا قِيْمَةَ لِلْمَالِ فِي مَلَكُوتِ اللهِ ، حَيْثُ سَيَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ أَوَّلاً ، فِي حِيْنِ يَبْقَى كَثِيْرُوْنَ مِنَ الأَغْنِيَاءِ خَارِجاً " .
وَلَمْ تَكُنْ مِثْلُ تِلْكَ الأَقْوَالِ لِيَرُوْقَ لِزَكَّا ، وَلكِنَّهُ كَانَ رَاغِباً فِي رُؤْيَةِ يَسُوْعَ .
وَكَانَ زَكَّا رَجُلاً قَصِيْرَ الْقَامَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يَرَى شَيْئاً مِنْ خِلالِ أَكْتَافِ الْجَمَاهِيْرَ الَّتِي احْتَشَدَتْ فِي أَزِقَّةِ الْقَرْيَةِ ، بِانْتِظَارِ يَسُوْعَ .
وَكَانَ الأَوْلادُ قَدْ تَسلَّقُوْا الْجُدْرَانَ وَامْتَطَوْهَا لِيَرَوْهُ . وَلَمْ يَبْقَ لِزَكَّا أَيُّ مَكَانٍ .
فَجَالَتْ فِي خَاطِرِهِ فِكْرَةٌ . لَقَدْ كَانَ فِي أَزِقَّةِ الْقَرِيَةِ أَشْجَارٌ ، فَأَسْرَعَ إِلَى أَقْرَبِ شَجَرَةٍ ، وَقَفَزَ إِلى أَوْطَأِ أَغْصَانِهَا .
وَرَآهُ بَعْضُ الأَطْفَالِ وَهُوَ يَتَسلَّقُ الشَّجَرَةَ ، فَرَاحُوْا يَهْتِفُوْنَ :
" أُنْظُرُوا إِلَى زَكَّا الْعَجُوْزِ كَيْفَ يَتَسَلَّقُ الشَّجَرَةَ " .
وَكَانُوْا يَضْحَكُوْنَ وَهُمْ يَرَوْنَ سَاقَيْهِ الْقَصِيْرَتَيْنِ تَخْتَفِيَانِ بَيْنَ الأَوْرَاقِ .
إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ أَحَدٌ يُفَكِّرُ بِزَكَّا ، وَلا بِآخَرَ سِواهُ ، عِنْدَما سَرَى فِي الشَّارِعِ خَبَرُ وَصَوْلِ يَسُوْعَ .
وَانْحَنَى كُلٌّ مِنَ الْحُضُوْرِ إِلى الأَمَام ، عَلَّهُ يَكُوْنُ أَوَّلَ مَنْ يُشَاهِدُ يَسُوْعَ .
وَكَادَ الأَولادُ يَسْقُطُوْنَ مِنْ عَلَى الْجُدْرَانِ ، فَتَعَلَّقَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِيَدِ الآخَرِ .
وَشُوْهِدَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ قَادِمِيْنَ ، فِي الطَّرِيْقِ . وَلَمْ يَكُنْ صَعْباً عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَعْرِفَ أيّاً مِنْهُمْ كَانَ يَسُوْعُ ، فَرُؤْيَةُ وَجْهِهِ كَانَتْ تَبْعَثُ فِيْهِمِ الْبَسْمَةَ وَالْبَهْجَةَ .
وَلكِنْ لِمَ تَوَقَّفَ يَسُوْعُ فَجْأَةً ؟ لَقَدِ اعْتَرَتِ الدَّهْشَةُ الْجَمِيْعَ .
وَرَفَعَ يَسُوْعُ نَظَرَهُ إِلَى الشَّجَرَةِ . وَفَعَلَ الْجُمْهُوْرُ كَذلِكَ . وَإِذَا بِزَكَّا مُدَلّىً مِنْ بَيْنِ أَوْرَاقِ الشَّجَرَةِ .
وَنَادَى يَسُوْعُ ضَاحِكاً : " يَا زَكَّا ، مَاذَا أَنْتَ فَاعِلٌ فَوْقَ الشَّجَرَةِ ؟ هَلُمَّ فَانزِلْ ، فَأَنَا أُرِيْدُ أَنْ أَنْزِلَ الْيَوْمَ ضَيْفاً عَلَيْكَ ، فِي بَيْتِكَ " .
وَدَهِشَ زَكَّا ، فَأَسْرَعَ إِلَى النُّزُولِ عَنِ الشَّجَرَةِ ، وَهُوَ يَتَسَاءَلُ :
" كَيْفَ عَرَفَ يَسُوْعُ اسْمِي ؟ وَكَيْفَ عَلِمَ أَنَّنِي فَوْقَ الشَّجَرَةِ . إِنَّهُ يَعْرِفُنِي حَقّاً ! " وَرَكَعَ زَكَّا فَوْقَ غُبَارِ الطَّرِيْقِ ، وَالنَّاسُ غَيْرُ مُصَدِّقِيْنَ مَا كَانَ يَحْدُثُ ، وَهُمْ يَسْمَعُوْنَ زَكَّا يَقُوْلُ : " أَهْلاً بِكَ فِي بَيْتِي " .
وَمَضَى زَكَّا مُسْرِعاً إِلَى مَنْزِلِهِ كَيْ يُهَيِّئَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَأَرْسَلَ خَدَمَهُ لِيُنَفِّذُوا فِي الْحَالِ كُلَّ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ ، اسْتِعداداً لاسْتِقْبَالِ أَعْظَمِ زَائِرٍ دَخَلَ يَوْماً بَيْتَهُ . وَقَالَ لَهُمْ : " يَجِبُ أَنْ نُقَدِّمَ لَهُ أَفْخَرَ طَعَامٍ " .
وَلكِنَّهُ ما بَرِحَ يُفَكِّرُ : " إِنَّ يَسُوْعَ طَيِّبٌ جِدّاً ، وَيَعْلَمُ عَنِّي كُلَّ شَيْءٍ . فِي اسْتِطَاعَتِي أَنْ أَرَى ذلِكَ . وَسَيَكْتَشِفُ أَمْرَ الأَمْوَالِ الَّتِي سَرَقْتُها ، وَسَيَعْلَمُ كَمْ أَنَا شِرِّيْرٌ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ هذا الْمَنْزِلَ الْفَخْمَ " .
وَجَاءَ يَسُوْعُ وَصَحْبُهُ ، وَجَلَسُوا إِلَى مَائِدَةِ الطَّعَامِ ، فِي حِيْنَ كَانَ زَكَّا يَزْدَادُ قَلَقاً وَاضْطِرَاباً .
وَكَانَ يَلْمَحُ أُنَاساً يَمُرُّوْنَ بِبَابِ مَنْزِلِهِ ، وَيَسْتَرِقُونَ
النَّظَرَ وَيَهْمِسُونَ : " انْظُرُوا ، إِنَّ يَسُوْعَ يَأْكُلُ فِي مَنْزِلِ زَكَّا ، أَلا يَعْلَمُ كَيْفَ يَكْسَبُ زَكَّا مَالَهُ ؟"
وَأَخِيْراً ، ضَاْقَ زَكَّا ذَرْعاً ، فَدَنَا إِلًى يَسُوْعَ وَكَلَّمَهُ ، فَصَمَتَ الْجَمِيْعُ مُصْغِيْنَ إِلَى أَقْوَالِهِ :
" أَيُّها السَيِّدُ ، إِنَّكَ تَعْلَمُ بِكُلِ شَيْءٍ يَخُضُّنِي ، وَتَعْلَمُ كَمْ كُنْتُ حَتَّى الآنَ شِرِّيْراً ، وَلكِنَّني أَوَدُّ أَنْ
أُصْلِحَ الأُمُوْرَ ، وَلِذلِكَ سَأَتَنَازَلُ عَنْ نِصْفِ أَمْوَالِي إِلى أُولئِكَ الْفُقَرَاءِ الْوَاقِفِيْنَ خَارِجاً ، وَسَأُعِيْدُ مَا سَرَقْتُهُ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ " .
فَقَالَ يَسُوْعُ ، مُبْتَسِماً لَهُ : " حَسَنٌ مَا أَنْتَ فَاعِلٌ فَهذِهِ الْوَسِيْلَةُ الْمُثْلَى الْكَفِيْلَةُ بِانْضِمَامِكَ إِلَى مَلَكُوْتِ اللهِ " .
وَتَابَعَ يَسُوْعُ قَائِلاً : " لَقَدْ جِئْتُ هذا الْعَالَمَ ، كَيْ أَبْحَثَ عَنِ الضِّالِّيْنَ وَأُخَلِصَهُمْ ، وَأَنا مَسْرُورٌ بِلِقَائِكَ الْيَوْمَ يَا زَكَّا " .
خاتمة
" من الكتاب المقدّس " سلسلة قصصيّة من 52 رواية للأطفال . كلّ قصّة قائمة بذاتها ويؤلّف مجموعها الكتاب المقدّس ، أي قصّة حبّ الله للبشر ، في كلّ زمان ومكان .
إن الأعداد ( من 31 إلى 52 ) مقتبسة من العهد الجديد وتخبرنا عن حياة يسوع ابن الله وعن تعليمه . وإن هذه القصص تحدّثنا عمّا فعل يسوع وقال ، وعن الشعب الذي لاقاه . إن كلّ ما نعرفه عن حياة يسوع مدوَّن في الأناجيل الأربعة التي كتبها كلٌّ من متى ومرقس ولوقا ويوحنّا . وكلمة " الإنجيل " تعني البُشرى السعيدة .
وختامُ السلسلةِ أربعُ قصصٍ تحدّثنا عن المسيحيّينَ الأوّلينَ الذينَ نشروا بُشرى السعادة هذه بينَ الناسِ ، كما أمرهُم يسوعُ . وما زالَ أحفادُهم يلهجونَ بها حتى أيّامنا الحاضرة .
قِصّة زَكَّا مستقاة مِنَ الفصل 19 من إنجيل لوقا .
ليس اللهُ مثلنا ، فهو يحبُّ الأشرار ويَعتَني بهم ، مثلما يحبُّ الأخيار ويعتني بهم سواءٌ بسواءٍ . إنه يرغب في أن يندم كلُّ إنسانٍ على خطاياه ، ويصلح أموره ، ويتبعه .
كان زكا يتطلع الى رؤية يسوع ، فقط ، وهوَ غير متوقع أن يعيره يسوع اهتماماً . ولكنَّ يسوع اختاره ، دون جميع أهالي أريحا ، ليتعشى في منزله ، لِعِلْمِهِ بأنَّ زَكا يفتقر إلى من يهديه الى طريق ملكوت الله .
وحالما قابل زكا يسوع ، انقلب إنساناً جديداً
الكتاب التالي (44) ، في هذه السلسلة عينها ، عنوانه " مريم ومرتا ولعازر " ، ويتعلق بثلاثة من أصفياء يسوع ، ويروي معجزة كبرى .
أحدث الموضوعات
From Coptic Books
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010
المشاركات الشائعة
- اكلات صيامى بمناسبة بدء الصوم كل سنة وانتم طيبين
- مسابقة فى صورة اسئلة مسيحية
- افكار تنفع مدارس الاحد { وسائل الايضاح }
- الحان اسبوع الالام mp3
- صور تويتى للتلوين
- دراسة كتاب مقدس ... لابونا داوود لمعى
- صور يسوع المسيح ( مصلوب )
- صلوات الاجبية بالصوت mp3
- حصرياً : اعلان نتيجة مهرجان الكرازة & شعار مهرجان الكرازة 2010 Mp3 ومنهج الألحان
- أرشيف الترانيم والمدائح أون لاين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.