دروس من الماضي

دروس من الماضي
==========

يعمل الله لتتميم مقاصده من خلال حياة رجال ونساء عاديين مستخلصاً اختبارات بشرية عادية. لكننا نجد في صفحات العهد القديم أسماء نساء بارزات لسبب ما أو لآخر وسوف نركز انتباهنا على بعض هذه الشخصيات لنرى ما يمكننا أن نتعلمه. بعض النساء عملن مع الله والبعض عملن ضد الله، بعضهن جرّبن أن يساعدن الله والبعض الآخر استخدمهن الله بالرغم منهن.

نساء عملن مع الله
إحدى نساء العهد القديم الفاضلات والروحيات هي يوكابد أم موسى. القصة المدونة في سفر الخروج 22:1،1:2 –10 لا تذكر الكثير عن صفات يوكابد لكن من المؤكد أنها كانت امرأة مُدركة "رأت أن الولد حسن المظهر". وشجاعة "خبأته ثلاثة أشهر". "لم تخش أمر الملك" (عبرانيين 23:11). لكننا نتعرف على الأم من خلال شخصية ابنها. لماذا عندما كبر موسى، أدار ظهره عن القصر واختار أن يظل مع شعب الله مصرحّاً بأنهم شعبه(عب 24:11 ،25)؟ من الذي علّمه عن الله؟ وعن شعب الله المختار؟ من الذي علّمه عن وعد الله بأن يخلص شعبه من عبودية مصر؟ ألا يمكننا أن نرى هذه الأم المخلصة خلال السنوات القصيرة التي قضاها الابن معها تعلّمه بصبر دروس كانت ستأتي بثمر بعد سنين طويلة؟ كان موسى من أعظم الشخصيات في التاريخ، ولكن الفضل يعود إلى تلك الأم التي اُئتمنت على هذا الولد لتصهر وتشكل شخصيته وهي التي قدمت له رؤيا حياته. لقد عملت يوكابد مع الله.


بعد مرور نحو قرنين تقريباً احتاج الله لرجل يقود شعبه. لقد كان الشعب الإسرائيلي في حالة ضعف وفوضى. لذلك أراد الله رجلاً كصموئيل. فابتدأ يتعامل مع امرأة صاحبة إيمان وصلاة (1صموئيل2:1 ،11).


كانت حنة عاقراً واُعتبر هذا الأمر عاراً ومصيبة في تلك الأيام، لذلك طلبت حنة معونة الرب لقد صلًت بحرارة ولمدة طويلة ليمنحها الرب "ابناً" لكي تعطيه للرب. وبالفعل أعطاها الرب صموئيل وهي بدورها هيأته بعناية مُحبة لذلك الدور الذي كان سيلعبه، لحياة مختلفة عن باقي الأولاد لأنه كان منتحياً عن البيت والعالة ومخصصاً لخدمة الله. يا لتلك الدروس التي كانت تعلمه إياها عن الله القدوس وعن إنكار النفس والتضحية، وعن شرف دعوته. وكم كانت حنة مثالاً وقدوة.


فكّر كم كّلف حنة أن تقدم صموئيل الصغير، ذلك الابن الذي انتظرته لمدة طويلة: من سيهتم به في الهيكل؟ كان عالي الكاهن متقدماً في العمر وكان ابناه رجالاً أشراراً. كيف يمكنها أن تتركه في مكان كهذا؟ لكن حنة كانت قد نذرت نذراً وسوف تفي بنذرها مهما كلف الأمر. وهكذا تركت صموئيل في الهيكل. لم تبك بل عبدت الرب بنشيد (1صموئيل 1:2-11) من أحسن الأمثلة التي بحوزتنا من القصائد العبرية. إنه نشيد مليء بالتسبيح للرب لأجل صلاحه الذي منحه لكل القلوب المتواضعة والجدية. ما زال الله يستخدم آلات بشرية، هل لدينا الاستعداد للتخلي عن أغلى شيء بالنسبة لنا لأجل الرب؟ كانت حنة فرحة بعملها هذا، كان ابنها قاضياً ونبياً، وسبب بركة لجميع شعبه. وبارك الرب حنة وأعطاها أولاداً آخرين(1صم21:2). لقد عملت حنة مع الله.


بخلاف يوكابد وحنة. تلك الأمينتين اشتهرتا بسبب أبنائهما، احتّلت دبورة مكاناً بارزاً في إسرائيل، مكاناً غير عادياً لامرأة أن تحتله (قضاة 4: 4). لم يكن في زمانها ملك في إسرائيل. كان الشعب قد ترك الله وتبع آلهة الأوثان "وباعهم الله بيد أعدائهم" (قضاة 14:2). وعندما صرخ الشعب إلى الرب في ضيقهم. أقام لهم قضاة ليخلصهم، لكنهم كانوا يرجعون إلى وثنيتهم المرة بعد الأخرى. كان إسرائيل واقعاً تحت بابين ملك كنعان وكان رئيس جيشه سيسرا.


نقرأ بأن دبورة كانت نبية كان لديها تميزاً روحياً لسماع صوت الرب والمقدرة على توصيل كلمة الرب للآخرين. كان الشعب يأتي أليها للقضاء والاستشارة (قضاة 4: 4، 5),. تحركت دبورة من جراء الحالة المرثية لشعبها ودعت للعمل. فدعت باراق وأودعته أمر الرب للذهاب إلى المعركة. ولكن عندما رفض باراق الذهاب بدون دبورة. وافقت هي الذهاب معه. لا لكي تحارب بل لتعطيه الدعم الخلقي والمساعدة الروحية(قضاة 14:4). وهكذا أعطى الرب النصر وحكمت دبورة إسرائيل أربعين سنة (قضاة31:5).


لم يضع الله المرأة في مركز النفوذ العمومي بشكل دائم لكنه لم يتردد في عمل ذلك عند الحاجة. كم هو أمر مبارك أن دبورة كانت مستعدة عندما احتاجها الله. إن كل من يوكابد وحنة ودبورة عملن مع الله. وأثرن على شعب بأسره ولهن دوراً في تقدم مقاصد الله باستمرار. بإمكاننا نحن أيضاً أن نكون "عاملين مع الله" (1كو9:3). هل يمكننا طلب أمر أعظم لحياتنا؟


نساء عملن ضد الله
لسوء الحظ، نقرأ عن نساء أخريات كّن آفة على عائلتهن وأمتهن. مثل إيزابيل ملكة إسرائيل وعثليا ملكة يهوذا، نساء وضعن على أنفسهن الهمة لعمل الشر ولرد الشعب عن عبادة الله إلى عبادة الأوثان. وقد سارع تأثيرهما الشرير على انهيار وانهزام شعبيهما.


كانت إيزابل أميرة وثنية وقد أصبحت زوجة آخاب ملك إسرائيل (1ملوك 31:16). ولكونها وثنية جلبت عبادة البعل معها لإسرائيل. وكانت هي السبب حتى أغاظ آخاب الرب (1ملوك33:16). دعمت الملكة بـ850 نبياً من أنبياء آلهة الأوثان (1ملوك 19:18). وقتلت أنبياء الرب (1ملوك 13:18). ونذرت بأن تقتل النبي إيليا (1ملوك 1:19-2). يقول الكتاب عن آخاب "ولم يكن كآخاب الذي باع نفسه لعمل الشر في عيني الرب الذي أغوته إيزابيل امرأته" (1ملوك 25:21-26).


كانت عثليا ابنة آخاب وإيزابيل وقد أصبحت زوجة يهوذا (2ملوك18:8). بعد موت زوجها ملك ابنها أخزيا. وسار الابن في طريق والده "الذي عمل الشر في عيني الرب" (2ملوك18:8-27). عند موت ابنها، أخزيا قامت عثليا وأبادت جميع النسل الملكي (2ملوك1:11). حتى تملك على كل الأرض لكن بموجب قصد الرب استطاع الابن الأصغر الفرار بينما ملكت عثليا لمدة ستة سنين. بعد أن أحضر الملك الفتى الشرعي وبعد تتويجه وقتل عثليا، فرح جميع شعب الأرض" (2ملوك20:11).


من الجدير بالملاحظة أنه أحياناً كثيرة، نقراً في 2ملوك عن أسماء أمهات.مثلاً في 2ملوك 1:21-2- نقرأ "كان منسى ابن اثنتي عشرة سنة حين ملك... واسم أمه زبيدة... وعمل الشر في عيني الرب".


نقرأ أيضاً عن أمهات عمل أبنائهن "ما هو مستقيم في عيني الرب"(2ملوك 1:12, 2 ،1:18-3، 1:22-2).هل نتجاسر أن نرى علاقة ما بين ذكر أم الملك وبين وصف شخصيته؟ إذا كان تأثير الأمهات الفاضلات كيوكابد وحنة منعكساً على أبنائهن وتأثير الملكات الشريرات اللواتي عبدن الأصنام منعكساً على أبنائهن فيا لعظم المسئولية الملقاة على عاتق الأمهات المسيحيات في يومنا هذا. علينا أن ننتبه إلى مدى وقوة تأثيرنا. إنه حتى في بيوتنا يمكن أن نعمل ضد الله.


بأي الطرق يمكن أن نعمل ضد الله؟ لسنا عبدة أوثان مبعدين عائلاتنا عن الله، صحيح أننا لا نعبد تماثيلاً منحوتة ولكن حتى مسيحيي القرن العشرين لهم أصنامهم أيضا. ماذا عن المادية والنجاح والطمأنينة؟ الصنم هو أي شيء يأتي بين النفس والله. أية أهداف نضع لأنفسنا؟ أن نكون أفضل وأعظم في كل الأمور. أن يكون لدينا المزيد من وسائل الراحة والترفيه والأمان بواسطة ممتلكاتنا؟ أية أهداف نضعها لأولادنا؟ النجاح في هذه الحياة نهيأهم منذ الطفولة بدون توفير أي تكاليف؟ علينا أن نبقي أمام أولادنا وأنفسنا نسبة أهمية الزمن والأبدية.


"حياة واحدة فقط سريعاً ستغدو كالأمس

ليس من شيء يدوم إلاّ ما تفعله لأجل المسيح"


نساء حاولن مساعدة الله
كانت سارة ورفقة زوجات الآباء إبراهيم وإسحاق، وقد آمنتا بكلمة الله. لكنهما لم تنتظرا الله برضى حتى يعمل. فحاولتا تحقيق ما وعد به الرب بواسطة ترتيبهن الخاص.


لقد وعد الله إبراهيم بأن نسله سيكون كنجوم السماء في عددها (تكوين5:15) لكن زوجته سارة كانت عاقراً ولكي تعجل في سير الأمور وتساعد الله. اقترحت سارة طريق لحصول على وريث (تكوين1:16 ،2) ونجحت خطتها وولد إسماعيل لكنه لم يكن الابن الذي وعد به الله. لقد كان سبب إزعاج في البيت كما سّبب نسله المتاعب لإسرائيل منذ ذلك الحين.


لقد أخبر الله رفقة قبل ولادة توأمها أن الابن الأكبر سيخدم الابن الأصغر. كان يعقوب، الابن الأصغر، الولد المفضل لرفقة وعندما فكرت بأن وعد الله كان على وشك أن يُخذل قامت بوضع خطة لتساعد الله على إنجاز وعده اقرأ القصة في تكوين 1:27-46 إلى 1:28-5 لقد نجحت خطتها وذلك بأن حصل يعقوب على بركة البكورية كما وعد الله ولكنها في ذات الوقت حطمت السلام الموجود بين أفراد عائلتها. لقد ساعدت على إبعاد عيسو ولم تر يعقوب ثانية وفقدت الفرح. بأن ترى كيف يعمل الله كل شيء بطريقته الخاصة.


تخبرنا الرسالة إلى العبرانيين عن الحاجة إلى الإيمان والصبر (عبرانيين36:10). لماذا لا يستجيب الله لصلواتنا حالاً؟ لأن توقيت الله ليس بحسب توقيتنا نحن ولأن الانتظار يقوي إيماننا. إنه لأمر مبارك أن ننتظر الرب ونرقبه يعمل كل شيء لخيرنا. أن الرب ليس بحاجة إلى مجهوداتنا الضعيفة لمساعدته، ولكن الأمر الذي يُفرح قلبه هو عندما يرى إيماننا وانتظارنا الهادىء له. (مزمور14:27).


نساء استخدمهن الله رغماً عنهن

إن لمن المشجع أن نرى كيف أن الله في نعمته يستخدم حتى أولئك الأشخاص الذين فشلوا حتى يحقق مقاصده. نالت حواء بالرغم من خطيتها، التأكيد بأن نسلها سيسحق الشيطان(تكوين15:3).

وسارة التي أخطأت بخصوص إسماعيل أصبحت أما لابن الموعد (تكوين2:21). وراحاب الزانية والوثنية صارت من أسلاف سلالة المسيا لأنها آمنت بالله (متى5:1). ونعمي بعد السنين المقفرة في موآب أحضرت معها كنتها راعوث تحت حماية إله إسرائيل إلى مكانة مشّرفة بمثابة زوجة بوعز والجدة الكبيرة للملك داود. (راعوث13:3-17). واستير الملكة بالرغم من ترددها وخوفها من غضب الملك, كان لديها الشجاعة لتتكلم لأجل شعبها وصارت الوسيلة لخلاص شعبها (استير16:4).


مهما كان حال شخصيتنا، ثقافتنا، مواهبنا أو مركزنا في الحياة فالله يقدر أن يستخدمنا لأجل مجده. كل ما مشينا مع الله كل ما ازدادت رغبتنا لكي نخدمه وكل ما عظم مقدار نفعنا وبركتنا.