سر الشكر الإلهي (الإفخارستيا

إن خدمة القداس الإلهي هي من أجلّ



وأهم الخدم الكنسية . بل إن جميع الخدم الكنسية الأخرى كصلاة الغروب وصلاة النوم وصلاة نصف الليل وصلاة السحر وصلاة الساعات :



الأولى والثالثة والسادسة والتاسعة، هي كلها صلوات استعدادية لخدمة القداس الإلهي الذي هو عبارة عن سر الشكر الإلهي .





" والافخارستيا " كلمة يونانية معناها الشكر . وسر الشكر هو سر مقدس به يتناول المؤمن



جسد المسيح ودمه الكريمين تحت شكلي الخبز والخمر .

ولقد سمي هذا السر منذ القديم بأسماء متعددة : فدعي سر



الشكر الإلهي والعشاء الرباني والعشاء السري والذبيحة غير الدموية والأسرار الإلهية والقربان المقدس والشركة الإلهية والقدسات وغير ذلك من



الأسماء الرهيبة .

وإن هذا السر هو الأسمى أيضا بين الأسرار السبعة المقدسة . فالمخلص له المجد يمنح المؤمنين بواسطة



باقي الأسرار بعضا من مواهبه الخلاصية بحسب طبيعة كل سر منها . ولكنه في سر الشكر يقدم لنا ذاته غذاء مقدسا، فبتناوله نتحد به اتحادا تاما



ونثبت فيه إلى الأبد .كذلك فإن سر الشكر يعتبر ذبيحة تقدم لله كفارة عن الجميع أحياءاً وأمواتا .

وقد شاء الرب يسوع أن



يهيء الناس لقبول هذا السر السامي قبل تأسيسه بزمن فوعدهم به وأوضح لهم طبيعته وضرورته وقوته . واختار لذلك ، المناسبة التي أطعم فيها



خمسة آلاف رجل عدا النساء والأطفال من خمسة أرغفة وسمكتين . ثم جمع التلاميذ اثنتي عشرة قفة من الكسر التي فضلت عن الآكلين .



فلما تبعه الناس وأتوا إليه أراد أن يجذب أفكارهم فوعدهم بتأسيس هذا السر المقدس ، وأخذ ينقل أفكارهم من القوت الجسدي الى القوت الروحي



غير الفاسد ، فقال لهم : " أنتم تطلبونني . ليس لأنكم رأيتم آيات . بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم . أعملوا لا للطعام



البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يعطيكم ابن الانسان ، لأن هذا ، الله الآب ، قد ختمه " . ثم قال لهم :



" أنا هو الخبز الحياة ، من يقبل إلي فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا " . ثم قال لهم : "



الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الانسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم ، من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في



اليوم الأخير ، لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق . من يأكل جسدي ويشرب دمي ، يثبت فيّ وأنا فيه " .





وهكذا هيأ الرب تلاميذه لقبول هذا السر ، حتى أنه عند تأسيسه وتسليمه لهم ليلة آلامه ، قبلوه ، ولم يظهر أحد منهم أدنى إشارة



للشك في حقيقته ولا سألوه شيئا بخصوصه لأنهم كانوا متأهبين لقبوله .

فلما قرب عيد الفصح ، الذي كان أعظم أعياد



اليهود ، وجاء الوقت الذي فيه يقدم المسيح نفسه ذبيحة لله أبيه لأجل خلاصنا ، ففي ذلك الوقت قبل أن يقدم اليهود فصحهم بيوم واحد ، أرسل الرب



اثنين من تلاميذه ليعدا الفصح . وفي الليلة التي فيها أسلم ، حضر مع تلاميذه الاثني عشر إلى علية صهيون وهناك غسل أرجل تلاميذه معلما إياهم



التواضع ثم سلمهم سر جسده ودمه الأقدسين . إذ يقول متى الإنجيلي : " وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر



وأعطى التلاميذ وقال : خذوا كلوا هذا هو جسدي . وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلا : اشربوا منها كلكم . هذا هو دمي الذي للعهد



الجديد ، الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا " (متى26:26-28) .

لذلك نحن نؤمن إيمانا



أكيدا أنه عند تقديس سر الشكر واستدعاء الروح القدس للحلول على القرابين ، يستحيل الخبز والخمر استحالة سرية إلى جسد المسيح ودمه



الأقدسين . ونؤمن أن ربنا يسوع المسيح يكون حاضرا لا بوجه الرمز أو الاشارة أو الرسم أو الصورة او المجاز ولا بأنه مستتر في الخبز بل



يكون حاضرا حضورا فعليا.
الثبات في المسيح : يقول الرب يسوع " من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه



" . ويقول أيضا : " الذي يثبت فيّ وأنا فيه ، هذا يأتي بثمر كثير ، وإن كان أحد لا يثبت فيّ يطرح خارجا



كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق ، (يوحنا5:15-7) .
وتتجاوز بركات هذا السر المقدس الحاضرة إلى حياتنا



العتيدة . يقول رب المجد : " من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبديه وأنا أقيمه في اليوم الأخير " (



يوحنا54:6) . فالاشتراك في سر الشكر يمنحنا عربون القيامة المجيدة والحياة الأبدية .

فلماذا لا نشعر بالبركات



القدسية حينما نتقدم الى المائدة الربانية ؟

الجواب : لأننا لا نستعد الاستعداد الواجب واللائق بهذا السر العظيم . يقول



بولس الرسول : " أي من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرما في جسد الرب ودمه .ولكن ليمتحن



الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق ، يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب



.من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون . لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حكم علينا " (1كو



27:11-31) .

معنى هذا أنه لا بد من الاستعداد للتقدم إلى تناول الأسرار الإلهية . ومن يتقدم إلى الأسرار بغير



استحقاق يكون حكمه حكم يهوذا من حيث الخيانة والإهانة أو كالذي حضر الى العرس بغير ثياب العرس . فنرى في مثل عرس ابن الملك ، الذي



ذكره يسوع ، أن الملك قال لخدامه عن الذي حضر بغير لباس العرس : " اربطوا رجليه ويديه وخذوه واطرحوه في الظلمة



الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الاسنان " (متى13:22) .

قال أحد الآباء : إن ما يفعله الخبز



الأرضي في جسد الإنسان يفعله الخبز السماوي في نفسه ، فكما أن طعام الجسد يقويه وينميه في حال الصحة ، ويضره في حال المرض ، فهكذا



الطعام السماوي يعطي قوة وحياة أبدية لمتناوله باستحقاق ، ويكون نارا ملتهبة لمن يتناوله بغير هذا الاستحقاق .

مكث أحد



القديسين سائحا في الجبال والبراري والمغاير أكثر من أربعين سنة حتى أظهر الله له الخفايا وأنست به الوحوش الضارية وخدمته السباع الهائلة ،



وبعد ذلك اشتاق الى تناول الأسرار الطاهرة فوقف أمام الله وصلى ليأذن له في الذهاب الى أحد الأديرة ليتناول جسد ودم يسوع المسيح الكريمين



فأتاه صوت من السماء قائلا : اختبر ذاتك فإن وجدتها كعمود النور الصافي الذي لا دنس فيه فاذهب وتناول القربان المقدس .





فما بالنا نتسابق إلى تناول جسد الرب ودمه دون أي استعداد ؟ ! لا بد إذن من الاستعداد للتناول :





1- يجب الاعتقاد بهذا السر الجليل مع الاحترام اللائق له .

2- يجب أن نطلب المغفرة ممن



أسأنا إليه ، عملا بقول المخلص : " إن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك فاترك هنالك قربانك قدام



المذبح واذهب أولا اصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك" (متى23:5،24 ) .

3- كذلك علينا



أن نغفر لمن أساء إلينا ، عملا بقول السيد في الصلاة الربانية : " وأترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمن لنا عليه "



(متى12:6) ، وكقوله أيضا : إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماوي . وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم ابوكم أيضا



زلاتكم " (متى14:6و15) .

4- أن نصوم الأصوام التي فرضتها الكنيسة وهي : الصوم الكبير ،



وصوم الميلاد ، وصوم الرسل ، وصوم السيدة العذراء ، والأربعاء والجمعة من كل أسبوع . وأن نصوم صوما انقطاعيا عن الطعام والشراب



لمدة لا تقل عن تسع ساعات يوم التناول . وهذه المدة تذكرنا بالساعة التاسعة التي مات فيها المخلص على الصليب .





5- كذلك يجب أن نطهر ذواتنا وننقي قلوبنا من الخطايا والاثام والشرور فنندم على ما ارتكبناه من رذائل وما أهملنا من



فضائل . ونقلع عن الخطيئة ونهرب من الأسباب التي تقود إليها .

6- ثم نعترف للكاهن بخطايانا كدليل لتوبتنا اعترافا



صادقا صحيحا وليس اعترافا شكليا . يقول يوحنا الإنجيلي : " إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا



ويطهرنا من كل إثم " (1يو9:1) . وهنا يجب أن نشير بأنه ليس كل كاهن أب اعتراف لأن الأب المرشد هو وحده الذي



يمكنه ذلك . وأنه لمن الخطأ أن يسلم الاعتراف الى الكاهن ما لم يكن مدربا روحيا ورجل صلاة وفيه سلام داخلي .





7- كذلك علينا أن نقرأ صلاة المطالبسي أي صلاة قبل التناول .

8- وبالنسبة للمتزوجين ، يجب



عليهم هجر فراش الزوجية ثلاثة أيام قبل التناول أو على الأقل ليلة التناول ويوم التناول .

9- وعلى النساء أن يتركن



زينتهن على اختلاف انواعها وقت التناول ، وإلا وجب منعهن منه .

10- وأخيرا علينا الاتكال على رحمة الله ونتقدم



للتناول بكل ورع وخضوع كغير مستحقين .

أما بعد التناول

1- فيجب تقديم الشكر لله الذي أهلنا



للتناول من مائدته الإلهية ، وتلاوة صلاة الشكر . وهي صلاة خاصة تقال بعد التناول .

2- والحرص الواجب إتباعه قبل



التناول لعدم الوقوع في الخطيئة يجب إتباعه أيضا بعد التناول .وإلا نكون قد شابهنا سكان أورشليم الذين قبلوا المسيح بالفرح والتهليل يوم أحد



الشعانين قائلين : " مبارك الآتي باسم الرب " . وبعد قليل طردوه من المدينة . في الصباح فرشوا ثيابهم



أمامه وفي المساء تشاوروا على نزع ثيابه عنه .

3- كذلك يجب عدم تقبيل الأيقونات بعد التناول أو تقبيل يد الكاهن أو



رئيس الكهنة .

4- يجب أيضا عدم البصق او إخراج شيء من الفم بعد التناول ، حتى نظل متذكرين هذه النعمة التي



اقتبلناها .

ومن المؤسف أنه لا يزال من يعتقد أن المناولة لا تجوز إلا أربع مرات في السنة ،أي في الأعياد الكبيرة التي



يسبقها فترة صوم . هذا الاعتقاد غير سليم .

يقول السيد المسيح في كتابه المقدس : " من يأكل



جسدي ويشرب دمي له الحياة الأبدية " . فهذه الكلمات تدلنا على أن السيد المسيح يوصينا بأن نتناول الأسرار المقدسة بصورة



دائمة لأنه قال : " من يأكل .. ويشرب" ولم يقل من أكل وشرب . وهذه الألفاظ تظهر واضحة إذا رجعنا



إلى الأصل اليوناني ، لأنها تدل في اللغة اليونانية على العمل المستمر المتواصل . والكنيسة في عصرها الرسولي حتمت هذا الواجب على



المؤمنين .فنقرأ في أعمال الرسل عن مواظبة المؤمنين على تناول الأسرار الإلهية ، ومنهم من يوصي بالتقدم إليها كل يوم كالقديس باسيليوس الكبير



. بل كان يأسف لأن أهل أبرشيته كانوا يتناولون فقط أربع مرات في الأسبوع . كما أن الغاية من خدمة القداس الإلهي هي أن يتمم سر الشكر



ويتناول المؤمنون جسد الرب ودمه . فعبارة : " بخوف الله وإيمان ومحبة تقدموا " التي يقولها الكاهن في



نهاية القداس هي دعوة صريحة موجهة إلى جميع المؤمنين الحاضرين .

ومن الأخطاء السائدة في كنائسنا أننا نناول من



الذخيرة المقدسة كل الناس . الذخيرة هي لمناولة المرضى فقط . أما أن يأتي الشعب إلى الكنيسة عندما يروق له ويطلب من الكاهن أن يناوله



. فهذا خطأ . المناولة غير مستقلة عن القداس الإلهي . الذبيحة الإلهية ذروتها هي المناولة .

كذلك الوصول قبل



المناولة بقليل والخروج من الكنيسة فور المناولة ، خطأ شائع يجب تجنبه .

وصوم الأطفال قبل التناول غير مطلوب وحكمهم



حكم المريض .

وعلى العروسين أيضا قبل الإكليل ، الاعتراف والاشتراك في الأسرار الإلهية وذلك استعدادا للدخول في



الحياة الزوجية الجديدة ، لأن التناول هو أقوى عامل يربطهما برباط المحبة ويثبت حياتهما الروحية .

وبما أننا نتكلم عن سر



الشكر الإلهي ، لا بد لنا أن نتعرض لموضوع المشاركة في الأسرار الإلهية . في الحق والواقع أننا لا نستطيع أرثوذكس وكاثوليك ، أن نتناول من



الكأس الواحدة طالما أن الوحدة العقائدية لم تتم بعد . لابد أولا أن ننتمي إلى إيمان واحد ، كي نتناول جميعا من الكأس الواحدة . وإلى أن تتم



الوحدة الروحية العقائدية ، يجب أن نحمل صليب الانقسام وأن نتألم من أننا غير قادرين على هذا العمل المشترك . وهذا الألم سيكون حافزا لنا



لكي نبحث الأمور بأكثر جدية ورصانة فنذلل الصعاب التي تعترض طريق الوحدة .

لا شك أن هناك جهودا كثيرة تبذل



للتلاقي والوحدة . فاجتماعات الصلاة التي تعقد بين المؤمنين على اختلاف مذاهبهم في كل عام خلال المدة من 18 الى 25 كانون الثاني ، وما



جرى من أحداث كرفع الحرومات بين روما والقسطنطينية ، وما تم من لقاءات بين الزعيمين الروحيين بولس السادس وأثيناغوراس الأول ، كل هذا



يجعلنا نعتقد أننا نشق طريق الوحدة . ولكن إلى أن تتم هذه الوحدة ، لا نستطيع أن نشترك في المائدة الواحدة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010