( دور ومكانة المرأة في المسيحية )




دور ومكانة المرأة في المسيحية
====================

المرأة في العهد القديم
---------------------------

هناك علاقة بين المرأة المسيحية والعهد القديم. فجذور المسيحية متأصلة في العهد القديم. ولا يمكن فصل العهد القديم عن العهد الجديد بسبب تعليم المسيح الذي قال إنه لم يأت لينقض الناموس أو العهد القديم بل ليتممه. فالإنسانة المسيحية تستمد جزءاً من هويتها وعقيدتها من تعاليم العهد القديم والعهد الجديد اللذين يمثلان جسداً واحداً.


1- المرأة في أسفار موسى الخمسة: حواء المرأة ذات النمط الفريد (تك 3:2)


إن حواء زوجة آدم أول إنسان على الأرض، وتعني حياة أو واهبة الحياة أو أم لكل حي. فحواء ذات نمط فريد لأنها متميزة من عدة أوجه عن جميع النساء الأخريات اللواتي عشن على وجه الأرض. إنها أم الجنس البشري التي لا يتعب القلم بالحديث عنها فلقد:

أ – كانت حواء أول امرأة تعيش على وجه الأرض. لقد ظهرت حواء كخليقة الله وكامرأة كاملة لا ينقصها شيء. كانت كاملة الجمال والنضج. لم تكن طفلة أو ابنة أو فتاة، بل تكونت من عظمة أخذت من جنب آدم. ولقد تحدث الكثير من علماء الكتاب المقدس عن أهمية حواء وكيفية خلقها. اقتبس "لوكير" بعض هذه المقولات المشهورة مثل قول جورج هربرت، "إن الرجل كان تراباً ناعماً ولكن المرأة كانت تراباً أكثر نعومة" وقول ماثيو هنري، "خلقت حواء ليس من رأس آدم لتسود عليه ولا من قدمه ليدوسها بل من جنبه لتكون مساوية له ومن تحت ذراعه ليحميها ومن قرب قلبه ليحبها". وهكذا نرى أن المفسرين رفعوا من شأن المرأة وثمنوها مثل الرجل تماماً.


ب- كانت حواء أول امرأة أُطلق عليها لقب زوجة. خُلقت حواء من الرجل وجعلها الله معيناً نظيراً له. لم تكن معيناً مثل الثور أو الحمار اللذين أعانا الإنسان في حرث الأرض ولكنهما كانا أقل رتبة منه، بل كانت معيناً نظيرا مساوياً لآدم في القيمة. كانت حواء معيناً لآدم في كافة المستويات الروحية والنفسية والجسدية. أعانته في كل مجالات الحياة وكانت زوجته التي تحبه وتعتني بالأولاد الذين كانوا هدية من الله وثمراً لطاعة وصيته القائلة، "اثمروا واكثروا واملأوا الأرض" (تك 28:1).


ج- كانت حواء أجمل امرأة عرفها العالم. ولقد اشتهرت النساء على مر العصور بجمال وجههن وأشكالهن، ولكن حواء تفوقت عليهن جميعهن فلقد خُلقت قبل سقوط الجنس البشري بالخطيئة، وقبل أن تشوه الخطيئة جمال النساء. فنحن خطاة لأننا ولدنا بالطبيعة خطاة، ولكن حواء خاطئة لأنها أخطأت بعد أن خلقت بلا خطية. قد ينكر البعض جمال حواء. أننا لا نملك صورة فتوغرافية لها تبين محاسنها، إلا أن منطق الجينات الوراثية والتفسير المعقول للنص الكتابي يفرضان علينا جمال حواء. فكيف تكون غير جميلة وهي من صنع الله قبل السقوط وهي موضوع قصائد الحب التي ألفها آدم. فلقد قيل في حواء أول أبيات الشعر في العالم حين وصفها آدم متمتعاً بما رأى. ومدحها الله حين رأى كل ما عمله وقال أنه حسن جداً (تك 31:1).
و موضوع الجمال يشغل ذهن الكثيرين والكثيرات. ولقد استثمر جزءا كبيراً من طاقاته ليشرح معنى الجمال، إلا أنهم اختلفوا في تعريفه. فبينما يظن الإنسان في بعض الدول الآسيوية أو الافريقية أن المرأة النحيفة بشعة، ترغب العديد من الأوربيات والأمريكيات في الوزن الخفيف. وبينما يعتقد العديد من المخرجين السينمائيين أن الجمال مرتبط بالعيون الزرقاء والشعر الأشقر، يصف سفر نشيد الأنشاد امرأة سوداء وجميلة ويتغنى بجمالها متحدياً كل من يضع العدسات اللاصقة الزرقاء أو من تصبغ شعرها لتصبح شقراء. ويعتقد البعض استناداً إلى دراسات متعلقة بالجينات وبمكتشفات اركيولوجية أن حواء ربما كانت سوداء (Scientiic American April 1992, p. 69).
نوافق أن هناك نساء جميلات مثل حواء وبنات أيوب الثلاثة (أيوب 15:42) واستير وغيرهن. ولكننا نؤكد أن جمال جسدنا الأرضي باطل. فالحسن غش والجمال باطل أما المرأة المتقية الرب فهي تمدح (أم 30:31). ونؤكد أن الجمال الحقيقي لا يستثني الروح والنفس. نعم، نقدر جمال جسدنا الأرضي ولكننا نقلل من شأنه في ضوء جمال الجسد الممجد والنفس والروح. فهو مثل الخيمة التي نسكنها الآن وسنتخلص منها في المستقبل (2بط 14:1)، ويوماً سنخلع أجسادنا الأرضية ونلبس أجساد سماوية.
أيضاً، لنتذكر أن جمال الجسد نسبي، أما جمال الروح فهو مستند على قاعدة ثابتة وهي تقوى الرب. ولا تعتقد أن الجسد غير مهم وأننا من الأفضل أن نهمله ونعتني بالروح. هذا أيضاً خطأ فالفداء الإلهي يشمل أجسادنا أيضاً، وسنحصل في المستقبل على أجساد ممجدة. إننا ننادي بالتوازن المبني على كلمة الله التي تبني أن لكل شيء وقت (جا 3)، وأننا يجب أن نضع كل شيء تحت قيادة الروح القدس سواء كان شكلنا (مت 16:6-18) أو لياقتنا البدينة (1تي 8:4) أو لباسنا (مت 28:6-31). أفضل طريقة نرى بها أنفسنا هي الطريقة التي يرانا بها الله. لقد قال الله عن حواء أنها حسنة جداً (تك 31:1) وهي بالفعل حسنة في الجسد والنفس والروح. يهتم الله بالجسد والنفس والروح ويريد أن يقدسها وأن تكون بلا لوم (1تس 23:5).


د.- كانت حواء المرأة الوحيدة التي عاشت قبل السقوط. لم تُولد حواء بالخطيئة ولم تولد في زمن السقوط كباقي النساء. حصلت حواء على امتياز خاص فلقد خرجت من يد الله مباشرة وكانت مخلوقة على صورة الله بدون أي تشويه لهذه الصورة.


2- امرأة من عصر القضاة.


سوف أتحدث عن شخصية هامة ومميزة في عصر القضاة. تميزت هذه الشخصية بالوطنية والشجاعة وعدم الخوف. إنها شخصية دبورة القاضية (سفر القضاة 4-5).
دبورة بحسب العهد القديم: صرخ بنو إسرائيل إلى الرب ليخلصهم من يد ملك كنعان الذي ضايقهم بشدة مدة عشرين سنة. أرسل لهم الله امرأة لفيدوت أي النبية دبورة التي كانت أيضاً قاضية لإسرائيل في ذلك الوقت. بنت دبورة خطة عسكرية لمحاربة الأعداء. ونجحت خطتها وانتصرت على الكنعانيين، ثم ألفت نشيد انتصار رائع. احتل هذا النشيد مكانة مرموقة بين أفضل قصائد الشعر العبري.


حقائق نتعلمها عن دبورة:

أ – كانت نبية. توسط الأنبياء ذكوراً أو إناثاً بين الله وشعبه. ومنحهم الله إدراك الحق الإلهي وإعلانه فاستلهموا الوحي الإلهي. إن مثل هذا المنصب رفيع جداً سواء كان لرجل أو لامرأة. فلقد كانت دبورة امرأة تمتلك بصيرة وإلهاماً. تحدثت دبورة عن الله ممثلة إياه أمام الناس ومتكلمة برسالة الرب. لقد ائتمنها الله على شعبه وعلى رسالته ووثق بصدقها والتزامها من نحوه وبقدرتها على التعبير الصادق.

ب- كانت شاعرة ومحركة للمشاعر. كانت دبورة ناجحة في إثارة مشاعر شعب إسرائيل الذي ابتعد عن الله. ولقد كان إسرائيل خائفاً وخائر العزيمة. واختفى منهم كل أمل للنجاة، لكن دبورة فعلت ما هو أكثر من إعلان نبوة. لقد ايقظت الأمة من سباتها وأزالت منها يأسها وايقظت فيهم العزيمة لتحرير أنفسهم من عبوديتهم البائسة وهوانهم. كانت شاعرة. ألفت نشيداً يُعد من أفضل قصائد الشعر العبري القديم. وهكذا أصبحت أنشودتها خالدة لأن حياتها كانت مكرسة لله.

ج- كانت قاضية. كانت دبورة شخصاً تقلد منصب قاضي إسرائيل. وعندما نقول قاضية فنحن لا نقصد فقط شخصية سياسية تتعامل مع الشريعة والقانون بل نقصد أيضاً شخصية عسكرية تشارك في الحرب ضد أعداء الله. أقامها الله لإنقاذ شعبه من العبودية التي سادت عليهم بسبب وثنيتهم. إن شهرة دبورة كقاضية يعد شيئاً لافتاً للنظر. فلقد كانت مجاهدة في سبيل الله. بعد أن قاتلت بالكلمات مضت قدماً إلى المعركة. وأثبتت أنها بطلة وشجاعة. فبعد استدعائها لباراق وإخباره بأن الله عينه لقيادة قوات الجيش وتخليص الأمة خرجت بصحبة الجيش للمعركة وحققوا الانتصار المنشود.
قد يقول البعض أن دبورة عاشت في فترة القضاة، لذلك يجب ألا تكون نموذجاً نبني عليه عقيدتنا. فلقد تميزت فترة القضاة بالفساد البشري إذ كان كل شخص يصنع ما هو مستقيم في عيني نفسه. بالرغم من موافقتنا على هذا المنطق التفسيري، إلا أننا يجب ألا نبالغ ونتجاهل قيمة وعظمة عمل الله من خلال دبورة. ويجب ألا نفترض أنها لا تستطيع أن تكون نموذجاً في بعض الأمور المتعلقة بالحياة المسيحية. وإننا نشدد أن الإنسانة المسيحية، مثل دبورة، يجب أن تشارك في العمل الروحي والاجتماعي والسياسي (رو 1:13-7). فلا يمكن فصل وتصنيف نشاطاتنا البشرية بشكل مطلق. إن النشاط الاجتماعي له أبعاد روحية وسياسية والعكس أيضاً صحيح. فقد يؤمن البعض أن المرأة مساوية للرجل في حقوقها وبسبب إيمانه يعطيها الحق في ترشيح نفسها لمناصب سياسية أو عسكرية مثل دبورة. وهكذا نرى ترابط العقيدة مع السياسة. لا نستطيع تجاهل قرارات الحكومة مدعين أننا نركز على الصلاة في الكنيسة. فالحكومة تتعامل مع قضايا يجب على الإنسان المسيحي أن يأخذ موقف بشأنها.


3- امرأة من عصر المملكة المتحدة:

ابيجايل المرأة الجميلة الذكية (1صم 1:25-42). يخبرنا سفر القضاة عن مقابلة ابيجايل مع النبي داود. كان النبي داود مطارداً بسبب كراهية الملك شاول له. كان يعيش في معاقل الجبال مع رجاله المخلصين. وفي يوم من الأيام، احتاج داود النبي طعاماً ليقدمه لجيشه فأرسل التماساً إلى نابال لطلب المساعدة. رفض نابال تقديم المساعدة ورفض سؤال داود معتبراً إياه من المرتزقة الغزاة. هدد داود الغاضب أن يستولي على كل ممتلكات نابال ويقتله. ولكن لما أعلم العبيد ابيجايل امرأة نابال عن التماس داود ورفض زوجها، شرعت ابيجايل وبدون علم نابال بمعالجة الموقف وتصرفت بحكمة وفطنة وروية. جمعت كمية من الطعام والشراب. ركبت الدابة وذهبت لمقابلة داود ورجاله. وبلباقة حكيمة تغلبت ابيجايل على غضب داود. ووضعت أمامه الطعام فنالت نعمة في عينيه. قال لها داود، "مبارك الرب إله إسرائيل الذي أرسلك هذا اليوم لإستقبالي ومبارك عقلك ومباركة أنت لأنك منعتني اليوم من إتيان الدماء وانتقام يدي لنفسي".


حقائق نتعلمها عن ابيجايل:

أ – كانت ابيجايل امرأة جيدة الفهم وجميلة الصورة. كانت تجمع في شخصيتها بين الفتنة والحكمة.

ب. كانت تقية. كانت تعرف الله على الرغم من أنها كانت تعيش في بيت غير سعيد. ج. كانت ابيجايل تقوم بإصلاح الأضرار الناجمة عن ثورات غضب وجموح زوجها. فلقد كان لها تأثير لا حدود له على رجل عظيم مما أبرزها كامرأة عظيمة بحق.


4- امرأة من عصر المملكة المنقسمة والأنبياء:

خادمة امرأة نعمان الفتاة التي أعلنت عن عقيدتها للآخرين (2مل 1:5-19). تدور قصة نعمان رئيس جيش آرام حول الخادمة الأسيرة التي تنتمي لإسرائيل. فهذه الخادمة المسبية من أرض إسرائيل وصلت إلى آرام. وفي يوم من الأيام مرض نعمان ببرص فقالت الخادمة لمولاتها، "ياليت سيدي أمام النبي الذي في السامرة فإنه كان يشفيه من برصه". وهكذا كانت هذه الخادمة سبباً في شفاء نعمان.


حقائق نتعلمها عن الفتاة المسبية الخادمة:

- كانت مؤمنة. إن البيت الذي أخذت منه بالقوة كان بيتاً عبرانياً تقياً. وكان الله مكرماً فيه. كانت الفتاة تعرف اليشع خادم الله المحترم والمكرم في أعين الشعب. وعلى الرغم من أنها أجبرت على العيش مع الوثنيين إلا أنها كانت متمسكة بإيمانها الذي كان قوياً ومؤثراً فمحبتها لله دفعتها إلى محبة سادتها وإلى كسب عطفهم وثقتهم.

- كانت جارية. فقد سبى الآراميون فتاة إسرائيلية صغيرة اعتبروها من غنائم الحرب.

- كانت خادمة. خدمت امرأة نعمان وتعلقت بسيدتها وتعلقت سيدتها بها وصارت تأتمنها على أسرارها حتى أنها باحت لها بمرض زوجها نعمان وبالتحدي الكبير الذي يواجه الأسرة.

- كانت مبشرة. قالت لسيدتها، "ياليت سيدي أمام النبي الذي في السامرة فإنه يشفيه". آمن نعمان بكلام الفتاة الجارية وعمل حسب قولها فحصل على الشفاء المنشود. أليس من الغريب أن يرفع العهد القديم شأن هذه الفتاة ويجعلها كدفة السفينة التي حركت تاريخ الأمة في الاتجاه الذي قصده الله. لا أعتقد أنه غريب في ضوء مكانة وقيمة المرأة في الكتاب المقدس.


5- المرأة في عصر السبي ورجوع اليهود.

استير المرأة التي أنقذت أمتها من الإبادة (سفر استير). كانت استير ابنة ابيحائيل عم مردخاي الذي كان يعيش في شوشن المدينة الملكية الفارسية. عندما مات والدها أصبحت تحت رعاية مردخاي الذي كان يعمل في القصر الملكي. فاعتني بها ورباها حتى أصبحت فتاة جميلة الصورة وشاحذة الفكر. كان لمردخاي صلة بزواج استير من الملك، وكانت استير مطيعة له فهو في مكانة والدها. وحتى عندما أصبحت ملكة جمال الإمبراطورية كانت تطلب نصيحته. وبسبب جمالها الصاعق وفطنتها وحكمة مردخاي، تزوج منها احشويروش ملك فارس. ولقد كان هامان صاحب أعلى منصب في القصر عدواً لليهود. ففكر في خطة لذبح الشعب اليهودي. فعلمت استير بالأمر عن طريق مردخاي، وقررت كشف هويتها اليهودية للملك وعلى المثول أمام الملك في غير الوقت المخصص لها.
طبعاً، هذا يعني مخاطرتها بحياتها فإذا لم يمد لها الملك قضيب الملك ستكون حينها قد عصت أوامر الملك ومثلت أمامه في الزمن الخطأ. ساعدت شجاعتها على الإتيان بنتيجة معاكسة تماماً للمرسوم الملكي. فلقد أعدم الملك هامان وأكرم مردخاي والملكة استير.


حقائق نتعلمها عن استير البطلة التي أنقذت أمتها من الكارثة:

- كانت مطيعة لمردخاي مربيها. فلقد كانت مخلصة له.

- تعلقت استير بنسبها وأصلها المحتقر. كانت مواطنة صالحة. لم تخجل من جنسها في ساعة المحنة. كانت مستعدة أن تخاطر بحياتها في سبيل إنقاذ شعبها. لقد كانت استير بطلة الأمة التي أنقذت شعباً بأكمله من الإبادة والظلم والتعنيف.
لا يذكر سفر استير الله أو أحد أسماءه. وربما يقول البعض أن سفر استير غير مهم للإنسان المسيحي. إننا نؤمن بأهمية سفر استير إذ نرى بقصتها عناية الله لشعبه القديم وضمانه لمجيء المخلص من نسل يعقوب. ونستطيع أن نتعلم من استير أهمية الانتماء والولاء لشعب الله، أي للكنيسة في كل العالم وعبر كل الأجيال. أضف إلى ذلك، يجب أن نتذكر أهمية انتمائنا إلى شعبنا، وإلى شرقنا الأوسط بل إنه جزء من مخطط الله لكنيسته في العالم. إنه شرف أعطانا إياه الله. فهو الذي صنع من دم واحد كل أمة من الناس يسكنون على وجه الأرض وحتم بالأوقات المعينة وبحدود مسكنهم (أع 26:17). ولقد لعب المسيحيون في المنطقة العربية دوراً فعالاً في صقل تاريخ الأمة بل في صقل تاريخ العالم أجمع.
لذا فللمرأة العربية مكانتها في خدمة شعبها. لقد وضعها الله في شعب محدد وطلب منها أن تصلي لقادة شعبها. فهذا حسن ومقبول لدى الله (1تي 1:2-3). وطلب منها أن تخضع للسلاطين الفائقة لأنها من الله (رو 1:13). لقد أظهرت لنا استير جانباً مهماً من مشيئة الله وجسدت لها هذا الجانب بصورة بطولية وتضحية ومخاطرة كبيرة في سبيل الدفاع عن الحق.

------------------------------------

المرأة في العهد الجديد
--------------------------


نشأ عالم العهد الجديد في إطار معقد أثر على هويته وعلى المواضيع التي عالجها. فهوية المرأة في العهد الجديد يجب أن تفهم في ضوء الخلفية اليونانية واليهودية. ففي الفكر اليوناني القديم كان أفلاطون يعتبر المرأة أقل قيمة من الرجل، بل أكثر من ذلك، إنها انحطاط للقيمة والمزاج. أما أرسطو صاحب التيجان الأكاديمية الذي فاز باحترام العديد من الباحثين بسبب وفرة كتاباته، فلقد اعتبر الأنثى رجلاً مبتوراً من نوع ما. فيقول، "إن النساء ذكور ناقصون يولدن بسبب عدم كفاءة الأب أو بسبب تأثير خبيث لريح جنوبية رطبة". لا تحتاج كلمات أرسطو إلى تعليق فهذا هو مفهومه عن المرأة ومكانتها.

أما الخلفية اليهودية ذات الصلة بالقرن الأول وبالمرأة المسيحية. قال يوسيفيوس، "إن المرأة أقل من الرجال في كل مجال". لم يعبر يوسيفيوس عن رأيه فقط، بل عبر عن فكر اليهود بالقرن الأول. فلقد علق التلمود قائلاً، "تنص الصلاة الصباحية اليهودية على أن يقف اليهودي كل صباح ويشكر الله لأنه لم يخلقه أممياً أو عبداً أو امرأة". لم يختلف موقف معلمي الشريعة في القرن الأول عن نظرة التلمود المذكورة أعلاه.

ولقد جاء المسيح متحدياً هذه التعاليم ومبيناً قيمة المرأة ومكانتها بحسب التعاليم الإلهية. رد لها كرامتها كإنسان خلقها الله على صورته ودفعها إلى الحياة والمشاركة في المجتمع. شجعها على العبادة وسمح لها بالخدمة واعتمد عليها في مهام عديدة. حررها من تسلط الرجل وساوى بينها وبين الرجل في القيمة الروحية. وبذلك رفع السيد المسيح من قدر المرأة، أي أنه أعادها إلى قصد الله في الخليقة. أعاد لها مكانتها المساوية للرجل، ولهذا فإن دور المسيح كان ثورة على الظلم الاجتماعي الذي دخل الخليقة منذ السقوط حتى مجيئه الأرض. وبذلك نرى تعليم السيد المسيح بشكل واضح في الأناجيل ثم نراه يمتد عبر الكنيسة الأولى وفي كتابات بولس الرسول. وسوف أتحدث عن مكانة المرأة في الأقسام التالية:

- موقف المسيح من المرأة.

- المرأة في الكنيسة الأولى.

- المسيح والمرأة: هناك ثلاثة مواقف من حياة السيد المسيح مع المرأة.


1- المرأة السامرية (يو 4). في أحد الأيام ذهب السيد المسيح إلى السامرة. ولما تعب من السفر جلس على البئر الذي يُدعى بئر يعقوب. جاءت امرأة سامرية لتستقي ماء. فقال لها يسوع، "أعطيني لأشرب". أجابت السامرية، "كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية لأن اليهود لا يعاملون السامريين". وخلال المقابلة ناقش يسوع مع المرأة السامرية أموراً دينية تتعلق بمكان العبادة الصحيحة، كما أخبرها بكل ما يتعلق بماضيها الأثيم وهكذا تغيرت حياتها نتيجة لتلك المقابلة. وأصبحت شخصية دينية مؤثرة في مدينتها.

حقائق نتعلمها من هذه القصة

- أولاً: كون هذه المرأة سامرية فهي تعتبر غريبة بالنسبة لليهود بسبب قوميتها وديانتها وبسبب العداء الموجود بين شعبي السامرة واليهود الذي يرجع أصله إلى زمن عودة اليهود من السبي عندما حاولوا أن يبنوا هيكل أروشليم وحدهم ورفضوا مساعدة السامريين. ولكن بالرغم من تاريخ العداء بين الشعبين، تحدثت المرأة السامرية مع إنسان يهودي وفتحت مجال الحوار حول الخلافات.

- إنها كانت امرأة. أكد معلمي الشريعة اليهودية أنه يجب على الرجل ألا يتحدث مع المرأة علناً حتى ولو كانت زوجته. وقالوا أيضاً أن أقوال الناموس يجب أن تحرق على أن تعلم علناً لامرأة.

- إنها خاطئة (زانية) وبحسب الشريعة يجب أن ترجم حتى الموت لئلا يتنجسوا منها. بالرغم من كل ما سبق، أراد السيد المسيح أن يحترم هذه المرأة لكونها خليقة الله. احترم رأيها وأعطاها الفرصة في التعرف على الله الحقيقي وبالطريقة الصحيحة. أعطاها الحق الديني الذي حرمه منها المجتمع في ذلك الوقت. أعطاها أيضاً الحق في الخدمة الدينية، فأصبحت هذه المرأة شخصية دينية مؤثرة بين أفراد شعبها. أصبحت خادمة معروفة من المجتمع وبالتالي رفع السيد المسيح مكانتها وقيمتها الاجتماعية.

2- المرأة التي أمسكت وهي تزني (يو 11:8-1). بينما كان السيد المسيح يعلم الشعب في الهيكل، قدم له الكتبة والفريسيين امرأة أُمسكت في زنى. ولما أقاموها في الوسط، سألوا السيد المسيح، ماذا نفعل بشأنها فموسى أوصانا في الناموس أن مثل هذه ترجم. أجابهم يسوع: من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر. فلما سمعوا كانت ضمائرهم تبكتهم وخرجوا واحداً واحداً. وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة في الوسط. قال لها يسوع ولا أنا أدينك اذهبي ولا تخطئي أيضاً.


حقائق نتعلمها من هذه القصة.

أنقذ يسوع هذه المرأة من الموت رجماً. إن القادة الدينيين (الكتبة والفريسيين) الذين جاءوا بالمرأة إلى المسيح، كانوا ينتمون إلى طبقة تميل لمحاكمة الزانيات. لقد اعتبروا أنفسهم أوصياء على الأخلاق العامة. لقد عرفوا كل متطلبات ناموس موسى وعرفوا تقاليدهم الخاصة المتعلقة بالناموس. ولقد كان مجرد لمس امرأة كهذه يعد خطية. كما أنهم كانوا متحيزين فقد احضروا المرأة التي أمسكت في زنى ولم يحضروا شريكها في الذنب أي الرجل. يظهر هنا بشكل واضح الظلم الاجتماعي للمرأة لأن القانون والعدالة كانتا تتطلبان أن يُؤتي بالزاني والزانية معاً ويحكم عليهما بالموت. أما المشتكون فلقد جعلوا المرأة وحدها تتحمل الذنب. حاول المسيح أن يظهر للقادة العدالة الإلهية الحقيقية التي لا تدين المذنبة فقط، بل المذنب أيضاً فلا يوجد محاباة عند الله. رفض السيد المسيح الظلم الاجتماعي والضغط الجماهيري المجحف في حق المرأة. لقد أراد الكتبة والفريسيون أن ينصبوا الفخاخ للمسيح. شملت حيلتهم ثلاثة تحديات.

أولاً: لو أمر المسيح بإعدام المرأة لكان ذلك تحدياً للسلطة الرومانية التي امتلكت وحدها الحق في إصدار حكم الإعدام، وهكذا يصبح يسوع متعدياً للقانون.

ثانياً: لو أمر المسيح بإعدامها لكان ذلك متناقضاً مع وعظاته التي تتحدث عن الرحمة والمحبة وأنه جاء ليطلب الرحمة وليس لكي يدين الناس. فلو تجاوب يسوع مع مطلبهم لأثبتوا أنه مرائي وأنه يتناقض ما علمه في السابق.

ثالثاً: لو أمر المسيح بإعدام المرأة لكان مناقضاً للناموس الذي تحدث عن إعدام الزاني والزانية معاً والذي لم يعط حق إصدار الحكم لشخص لم يشاهد الإثم ولم يتحقق من الجرم. ما أعظم إمكانيات المسيح الذي حول صخب الجماهير وظلمهم إلى منصة ينشر من خلالها التعاليم الإلهية التي تكرم المرأة وتعاملها باحترام وتقدير ورحمة وعدل ولا تحابي مع الرجل ضدها.

3- قصة مريم ومرثا (لو 38:10-42). وبينما كان يسوع سائراً، دخل قرية فقبلته امرأة اسمها مرثا في بيتها. وكانت لهذه أخت تدعى مريم، وهي التي جلست عند قدمي السيد المسيح تسمع لكلامه. أما مرثا فكانت مرتبكة في خدمة كثيرة. سألت مرثا يسوع قائلة، أما تبالي أن أختي قد تركتني أخدم وحدي، فقل لها أن تعينني. أجاب المسيح وقال لها: "مرثا مرثا أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، ولكن الحاجة إلى واحد ولقد اختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها".

حقائق نتعلمها من القصة:

جلست مريم عند قدمي يسوع لتسمع كلامه. وهكذا نرى تفهم المسيح للمرأة وتعاطفه واحترامه لرغبة المرأة في التعلم. منح المرأة الحق والفرصة في التعلم. لم يتوافق هذا الأمر مع التقليد اليهودي الشفوي في تلك الفترة فلقد منعوا اليهوديات من الذهاب إلى المدارس الدينية التي احتكرها الرجال. أما يسوع فلقد دعم حق المرأة في التعلم. لم يفعل ذلك بشكل سري بل عرّض نفسه للانتقاد مدافعاً عن حقوق المرأة، ومطالباً بحقوقها من مجتمع حرم المرأة من تغذية ذهنها وجعلها ألعوبة في يد الرجل.


المرأة في الكنيسة الأولى

برزت النساء في أنشطة الكنيسة الأولى بسبب مواقف يسوع وتعاليمه. ولقد كانت النساء أول من آمن بالمسيح وشهدوا عنه في أورشليم والسامرة وأوروبا. ولقد كانت النساء عند القبر وشهدن للرسل عن القبر الفارغ. وتحدثنا سابقاً عن السامرية التي شهدت عن المسيح في مدينتها. ونرى أيضاً في أوروبا امرأة فاضلة تدعى ليدية كانت أول من آمن بالمسيح في ولاية مكدونية (أع 13:16، 15). وضع الرسل مُثلاً عليا للمرأة المسيحية (1تي 11:3 و1بط 1:3-6) ورفعوا شأن المرأة كرمز للكنيسة (أف 21:5-33). لقد خدم النساء الرسل من مالهن وشغلن مناصب رسمية ذات تأثير روحي في الكنيسة (رو 1:16). وكان الرسول بولس من أكثر من كتبوا عن المرأة ومكانتها في الكنيسة. لهذا سننظر إلى هذا الرسول العظيم وندرس بعض النساء (فيبي وليدية) في كتاباته وبعض تعاليمه المتعلقة بالمرأة.

فيبي: يتحدث بولس عن فيبي بصورة إيجابية فيقول، "أوصي إليكم بأختنا فيبي التي هي خادمة الكنيسة في كنخريا كي تقبلوها في الرب ما يحق للقديسين وتقوموا لها في أي شيء احتاجته منكم لأنها صارت مساعدة لكثيرين ولي أنا أيضاً". (رو 1:16-2). كلمة خادمة اليونانية هنا هي (Diakonon - diakonon). وهي وظيفة رسمية في الكنيسة. فمن الواضح أن فيبي خادمة كنيسة كنخريا كانت في روما في مهمة رسمية لذلك طلب بولس معاملتها بشكل خاص. ووصفها بأنها في وظيفتها تعمل مساعدة لبولس ولكثيرين. في إطار التحدث عن فيبي.
ليدية: إنها المرأة التي كانت مجدة في العمل. يتحدث أعمال الرسل عن ليدية بائعة الأرجوان التي من مدينة ثياتيرا. كانت متعبدة لله الذي فتح قلبها لتصغي إلى ما كان يقوله بولس فلما اعتمدت هي وأهل بيتها طلبت من الرسول بولس أن يدخل بيتها ليمكث ضيفاً عندها. إن ليدية هي إحدى السيدات البارزات في ثياتيرا. وهي متقدمة بعدة أوجه منها:

1- كانت امرأة عاملة بائعة أرجوان مشهورة صنعت أسماً لنفسها. وهي تمثل امرأة أعمال ناجحة. كانت تتصف بالمقدرة والحماس، ووحدة الهدف والفطنة العقلية. ونجحت نجاحاً باهراً في تجارتها وصارت مثالاً لاستقلالية المرأة في أسيا الصغرى، موطنها الأصلي.

2- كانت امرأة متعبدة. يقول الكتاب المقدس عنها أنها كانت متعبدة لله. في الغالب، يكون أصحاب الأعمال منهمكين في أعمالهم لدرجة أنهم لا يجدون وقتاً للعبادة، لكن ليدية اختلفت عن باقي أصحاب الأعمال. فبالرغم من الإنشغالات الدنيوية الكثيرة، وجدت وقتاً للتعبد.

3- كانت ليدية امرأة باحثة. مع أنها كانت متدينة وغيورة، إلا أنها لم تكن مسيحية. كان قلبها متشوقاً للحق الإلهي الذي وجدته في كلام بولس الرسول. وهكذا آمنت بواسطة سماع كلمة الله على فم بولس الرسول.

4- صارت ليدية امرأة مسيحية. وبدأت بطاعة الله بوسائل عملية ملموسة. تعمدت بالماء معبرة عن إيمانها بالمسيح، وأخبرت أهل بيتها عن إيمانها وشرحت لهم الإيمان فآمنوا بالمسيح وتعمدوا ليعبروا عن إتباعهم للمسيح بشكل علني.

5- كانت ليدية مضيافة. إن إيمان ليدية تبرهن من خلال رغبتها الملحة استضافة الرسل في بيتها. ولقد قبل بولس ضيافة ليدية الكريمة وشكر الله لأجل الخدمات التي قدمتها له ولرفاقه.

6- كانت مكرسة. كان بيتها مفتوحاً دائماً للمؤمنين بالمسيح. وربما تكونت كنيسة مسيحية في بيتها فلقد كانت من اللواتي جاهدن لأجل الإنجيل.

مكانة المرأة في الكنيسة الأولى

أ – المساواة بين الرجل والمرأة. دعا الرسول بولس إلى مساواة كل الناس دون أي نوع من التفرقة العنصرية. وهناك العديد من الفقرات الكتابية التي تبني ذلك مثل غل 26:3-28 و 1كو 11:11-12. قال بولس في غل 28:3 إنه ليس يهودي ولا يوناني ليس عبد ولا حر وليس ذكر وانثى. وقال في 1كو 11:11-12 إننا جميعاً واحد في المسيح يسوع فإن الرجل ليس من دون المرأة ولا المرأة من دون الرجل في الرب لأنه كما أن المرأة من الرجل هكذا الرجل أيضا هو بالمرأة. وهكذا نرى أن الجميع متساوون أمام الله بالإيمان بيسوع المسيح. لا تلغي هذه المساواة الفرق بين الرجل والمرأة أو بين اليهودي واليوناني، ولكنها تبين المساواة في نظر الله بالرغم من هذه الفروق. يبين الكتاب المقدس أن هناك فرقاً بين الرجل والمرأة ولكنه لا يتنازل عن مساواتهم. فهم مثل جناحين لطائر واحد.

ب- المرأة والعبادة. شاركت المرأة في العبادة الكنسية بحسب كتابات العهد الجديد. فمثلاً، يتحدث أع 14:5 عن انضمام المرأة المؤمنة إلى الكنيسة. ويتحدث أع 42:2 وأع 12:4، 24 وأع 13:16-15 عن اشتراك المرأة مع الرجل في الصلاة والشركة والعبادة. ولقد شاركت المرأة في التنبأ وفي الصلاة وفي العطاء وفي البشارة. وكانت ومازالت جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه في العبادة الكنسية.

ج- المرأة والخدمة. أكد بولس الرسول دور المرأة في الكنيسة حين قال أن توجد أنواع مواهب ولكن الروح واحد وتوجد أنواع خدم ولكن الرب واحد وتوجد أنواع أعمال ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل (1كو 4:12-6). من الواضح أن بولس كان يتحدث عن المواهب والخدم والأعمال التي كان المؤمنون رجالاً ونساء يقومون بها. فالمرأة كالرجل مدعوة أن تكون أمينة في استخدام مواهبها وفي ممارسة خدماتها وأعمالها المسيحية. وهناك عدة أمثلة وآيات واضحة تبين اشتراك المرأة في الخدمة في كتابات العهد الجديد. فمثلاً، يتحدث أع 3:8 عن اضطهاد المرأة بسبب تمسكها برسالة المسيح. ويتحدث بولس في 1كو 5:11 عن كيفية عبادة المرأة في الكنيسة وتنظيم خدماتها وليس عن إمكانية عبادتها أو خدمتها. ويتحدث الرسول بولس في في 3:4 ورو 16 عن مجاهدة المرأة لأجل امتداد الإنجيل.


مريم العذراء


إن الكتاب المقدس مليء بالشخصيات الرائعة ولكننا عندما نقف أمام شخصية العذراء المباركة تختلف النغمات وتلتهب الكلمات. فها نحن نقف أمام سيدة تفوقت في تميزها. إنها السيدة التي صار بيتها مشهداً للأرض والسماء. السيدة التي توجهت إلى رحمها كل الأنظار. وعندما حملت طفلها صارت رمزاً للإنسان الذي يعتني بالإله. لقد أعطت البشرية شرفاً عظيماً وامتيازاً أبدياً. فمن خلالها لبس اللاهوت حُلة الناسوت وأضاف الله الابن طبيعته البشرية. وفي دفىء نظراتها، نام حمل الله وترعرع فادي البشرية.
كانت مريم العذراء ومازالت موضوع أنظار النساء المسيحيات. لقد عاشت مريم العذراء في مجتمع شرقي متشدد، وفي زمان انتشر فيه ظلم المرأة وتحجيمها، إلا أنها بواسطة إيمانها وأمانتها سلكت الدرب الصعب في سبيل طاعة الله. ولقد صارت مريم العذراء مصدر تشجيع للنساء بسبب قوة الله التي ظهرت من خلال محدوديتها. لم تكن قادرة على إعالة نفسها في مجتمع القرن الأول ولم تكن قادرة على حماية نفسها، ولم تكن قادرة على تفسير أحداث حياتها، إلا أنها كانت تتفكر بكلام الله وبعظمته فاكتسبت تصميماً إلهياً وقوة على تتميم الرغبة السماوية. إن ما يجذبنا إلى العذراء المباركة هو اتصالها وتواصلها مع الثالوث. قال لها الملاك، "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك القدوس المولود منك يُدعى ابن الله" (لوقا 34:1). لقد اختبرت الحضور الإلهي باستمرار. يكفينا أن نقول أن الله الابن المتجسد كان يسكن معها ويتناول كل يوم الطعام الذي تعده يداها. لهذا نوضح أن مركز مريم المباركة معتمد على دعوتها الإلهية وأمومتها للمسيح فهي إنسانة مثلنا في كل شيء ما عدا نوعية الدعوة التي نالتها. لهذا، نستطيع أن نتعلم الكثير من خضوعها وأمانتها لله المخلص الوحيد. فهي امرأة رائعة وستطوبها جميع الأجيال.


لا يدعو الكتاب المقدس إلى عبادة مريم العذراء. العبادة هي لله وحده. ويجب ألا نؤله مريم بالعقيدة أو بالسلوك. موضوع سجودنا وصلواتنا هو الله وحده ولا يدعو الكتاب المقدس إلى عبادة الله بواسطة القديسين بل بالروح والحق. لقد ولدت مريم مثلنا وماتت مثلنا وستقوم يوم القيامة مثلنا. نحن نطوبها كإنسانة مميزة ولا نعبدها أو نؤلهها. نطوبها لأن القدير صنع بها عظائم.
أريد أن أوضح أن المخلص الوحيد هو الله وأن المسيح هو الطريق الوحيد إلى الآب وأنه ليس بأحد غيره الخلاص. لا يستطيع أحد أن يأخذ دور الله أو أن يشاركه في مجده وخلاصه فكل الجنس البشري ما عدا المسيح خطاة وبحاجة إلى خلاص الله. لقد اعترفت العذراء المباركة بهذا الأمر إذ قالت، "تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي" (لوقا 46:1).
وبالتأكيد أن العذراء المباركة أكدت بوحي الروح القدس أن جميع الأجيال ستطوبها (لو 48:1). ولكننا نوضح أنها ذكرت أيضاً أسباب تطويبها. نلخص هذه الأسباب بأمرين رئيسيين وهما:
ما صنعه الله: صنع عظائم وقوة بذراعه. شتت المستكبرين. انزل الأعزاء ورفع المتضعين. اشبع الجياع وانصفهم مع الأغنياء. عضد إسرائيل فتاة وحافظ على وعده مع إبراهيم.
من هو الله: فهو القدوس والرحيم والمخلص والعظيم. إن مفتاح إكرام العذراء يكمن في أقوال العذراء فلقد استخدمت الكلمة (لأن) لتبين سبب تطويبها (راجع لوقا 46:1-56). لهذا يجب ألا نفصل هدف تطويب العذراء عن وسيلة تطويب العذراء. فأفضل الوسائل هي التي تحقق الأهداف التي أنشدتها العذراء المباركة. وهكذا تصبح هذه الأهداف بوصلة للتقويم ومقياساً للوسائل المستخدمة.
معنى كلمة سيطوبونني هو أنهم سيقولون هنيئاً لي، فبالتأكيد هذا ما كان في فكر العذراء المتواضعة عندما تفوهت بهذه الكلمات.
تُستخدم نفس هذه الكلمة (طوبى) في الوعظة على الجبل أو في قسم التطويبات. وتستخدم في الكثير من المرات لتتحدث عن الذين يتبعون الرب فمثلاً طوبى للذين آمنوا ولم يروا (يو 29:20). فنحن لا نبجل ونحترم ونقيم الصلوات على شرف كل من آمن بدون أن يرى المسيح أو يرى القبر الفارغ. ولا نفعل نفس الشيء لكل من استخدممت كلمة طوبى معهم. قال يسوع لبطرس: "طوبى لك يا سمعان بن يونا" (مت 17:16). وقال كاتب سفر الرؤيا، "طوبى للذي يقرأ ويسمع أقوال النبوة" (رؤ 3:1).


مريم العذراء في الكتاب المقدس


تحدث الكتاب المقدس عن مريم العذراء في العهدين القديم والجديد. ونجد إشارة إلى مريم المباركة في سفر التكوين (تك 15:3). وفي سفر أشعياء (اش 14:7) وفي مواقع أخرى في العهد القديم. لقد تحدث الكتاب المقدس عن العذراء مريم قبل 1500 سنة من ميلادها، وذكرها العهد القديم بصورة مخفية أما العهد الجديد فلقد تحدث عنها بوضوح في أكثر من موقع. تحدث عنها في نسل المسيح وفي بشارة الملاك وفي زيارتها لإليصابات وفي أحداث ميلاد المسيح وعند تقديم يسوع في الهيكل وعند زيارة المجوس والهروب إلى مصر. تحدث أيضاً عنها عندما رافقت يسوع في طفولته وشبابه وذكرها العهد الجديد في بداية خدمة يسوع وفي موته. ذكرها أيضاً عند انسكاب الروح القدس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010