الأنبا أرسانيوس معلم أولاك الملوك


الأنبا أرسانيوس
معلم أولاك الملوك


مديح الانبا ارسانيوس.mp3

البداية

ولد الأنبا أرسانيوس بروما، حوالي عام 350م. وقد كان أبواه مسيحيين تقيين، وكانوا أغنياء جداً.. فعلماه علوم الكنيسة ورسماه شماساً. وقد نال من الثقافة اليونانية قسطاً وافراً، ومن الفضيلة المسيحية درجة كاملة..


معلم أولاد الملوك

وفي يوم من الأيام، طلب الملك "ثاؤدوسيوس" الكبير رجلاً حكيماً صالحاً ليُعَلِّم ولديه "أنوريوس" و"أركاديوس"، فلم يجد أفضل منه. فعلَّمهما وأدَّبهُما بما يتفق مع غزارة عِلمه.


الطريق إلى مصر.. إلى القداسة

كان الأنبا أرسانيوس يطلب دائماً من الله بدموع قائلاً: "عَرِّفْني يا رب كيف أخلص..؟!". فجاءه يوماً صوت يقول له: "أرساني.. أرساني.. إهرب من الناس؛ وأنت تخلص."

وقد كان في حوالي الأربعين من عمره حين ترك روما -سِرّاً- بكل عظمتها، تارِكاً وراءه ممتلكاته الكبيرة.. إسمه.. مركزه.. وبالإجمال، كــل شئ، كل حياته السابقة، وأتي إلى الإسكندرية، بمصر، ومنها إلى برية شيهيت.


حياته الرهبانية الأولى

بدأ القديس حياته الرهبانية بميل شديد للتعليم وحدث أنه كان يعرض أفكاره على راهب بسيط، فتعجَّب منه أحد الرهبان وقال له: "يا أبتاه أرسانيوس، كيف وأنت المُتَأدِّب بالرومية واليونانية تحتاج إلى أن تسأل هذا المصري الأمّي عن أفكارك؟!".
فأجاب الأنبا أرسانيوس، بتواضع حق: "أما الأدب الرومي واليوناني فإني عارف به جيداً، أما "ألفا" و"بيتا" التي أحسنها هذا المصري، فإني إلى الآن لم أتعلَّمها..!" (وكان يقصد طريق الفضيلة).


التعلُّم

وقد قيل عن الأنبا أرسانيوس أنه كان ذكيَاً جداً وفطن، فلم يكن محتاجاً لإرشاد مباشر، بل كان يتعلَّم من كل حدث يحدث إنه من غير المعتاد أن ينتقي الرهبان الفول الصالح من ذلك الذي أكله السوس.. وقد جلس الأنبا أرسانيوس في أحد الأيام يأكل الفول مع أخوته الرهبان، وكان ينتقي لنفسه الفول الأبيض أثناء تناول الطعام. ولما لاحظ ذلك رئيس الدير، لم يعجبه ذلك الأمر.. فقرر أن يُلَقِّن الأنبا أرسانيوس درساً.

فاختار أحد الأخوة الرهبان، وإستأذنه قائلاً: "إحتمل ما سأفعله بك من أجل الرب.. إجلس بجانب أرسانيوس ونقّي الفول الأبيض وكُله." فعمل الأخ كما أمره رئيس الدير، فأتي الرئيس إليه ولطمه قائلاً: "كيف تُنَقِّي الفول الأبيض لنفسك، وتترك الأبيض لأخوتك؟!!".
بعض القصص الأخرى عن الأنبا أرسانيوس

جاء رسول من روما يحمل وصية أحد أقربائه المتوفين، يهبه فيها كل ما تركه. فسأل الأنبا أرسانيوس الرسول: "متى مات هذا الرجل؟"
- "منذ سنة."
- "وأنا مت منذ إحدى عشرة سنة، والميت لا يَرِث ميَّتاً!!".

ولقد كان معتاداً أن يطرد حرب الشياطين بالصلاة الكثيرة.. لذا، جاءته الشياطين يوماً ما في شكل ملائكة، يباركونه لقداسته وإصراره (حتى يقع في خطية الكبرياء). ولكنه صرخ إلى الله: "اللهم إلتفت إلى معونتي، يا رب أسرع وأعنّي، ليخز ويخجل طالبوا نفسي، وليرتد إلى الخلف ويخجل مَنْ يريدون لي الشر.. وأنت أيها السيد، فلا تخذلني، فإني ما صنعت لديك خيراً قط، بل أعطني يا رب بكثرة صلاحك أن أحفظ وصاياك، وأبدأ في عمل إرادتك."

وعندما نطق بهذه الكلمات هربت الشياطين وصارت كالدخان. وقد كان الأنبا أرسانيوس دائم الطلبة إلي الله ليريه الطريق الصحيح، فسمع نفس الصوت القديم مرة أخرى: "يا أرسانيوس.. الزم الهدوء والبُعد عن الناس والصمت، وأنت تخلص."

وقد كان دائم التذكير لنفسه قائلاً: "أرساني.. أرساني.. تأمَّل فيما خرجت لأجله لئلا يفقد الطريق، ولا ينحرف عن الطريق الصعب"

+ وقد كان نظامه اليومي كالآتي:
+ كان يبدأ الصلاة مع شروق الشمس
+ ثم يعمل في ضفر الخوص حتى السادسة
+ ثم يقرأ حتى التاسعة
+ ثم إلى الصلاة..
وكان أيام الآحاد وفي الأعياد مُعتاداً أن يبدأ في الصلاة وقت الغروب معطياً ظهره للشمس، ويرفع يديه حتى تشرق الشمس مرة أخرى في وجهه!!!

زارته مرة إحدى شريفات روما عندما بلغها خبر تقواه، وبعد أن جلست معه مدة، طلبت منه أن يذكرها في صلاته. فأجابها: "أرجو الله أن يمحو ذكراك من عقلي!".
فرجعت متأثرة وشكت للبابا ثاؤفيلس محتجة على هذا الكلام، فأفهمها البابا قصده وهو: خوفه من ذِكراها قد يستخدمها الشيطان وسيلة لمحاربته.

وقد كان حَذِراً جداً من الكلام، ولما سُئِلَ عن السبب أجاب:

"كثيراً ما تكلَّمت وندمت، أما عن الصمت فلم أندم قط."
كان الأنبا أرسانيوس متضعاً جداً، وكان يأكل مما كان يحصل عليه من بيع صنع يديه (ضفر الخوص)، ويعطي باقي المال للفقراء.وكان دائم البكاء (على خطاياه...)، وكان معتاداً أن يقف خلف عمود في الكنيسة يبكي، لدرجة أنه تكوّن خط صغير جراء من دموعه! وبدأت رموشه تسقط من كثرة البكاء!!

(ملحوظة: لا يزال ذلك العمود موجوداً في مصر، بدير البرموس).

قيل عن أنبا أرسانيوس أنه حين كان في العالم كان رداؤه أنعم من أي إنسان آخر، وحين عاش في الإسقيط كان رداؤه أحقر من الجميع.
على المرء أن يبلل الخوص عند ضفره حتى يصبح ليناً بدرجة كافية. ويجب أن يتم تغيير الماء بطريقة منتظمة، ولكن كان الأنبا أرسانيوس يغيِّر الماء مرة واحدة كل عام فقط! وعندما كان ينقص الماء، كان يضيف عليه ماء فوق الماء العَفِن (كنوع من التقشف!).

وحدث أن زاره الأب مقاريوس الإسكندري، ولما سأله عن ذلك أجاب: "الحق إني لا أستطيع أن أطيق تلك الرائحة، لكني أكلف نفسي بإحتمال هذه الروائح الكريهة عوض الروائح الذكية التي تلذذت بها في العالم!".

وقد أخبر أولاده رؤيا رآها راهب آخر: "في يوم من الأيام، بينما كان راهب شيخ جالساً في قلايته، سمع صوتاً يقول له: "هلم خارجاً، فأُريك أعمال الناس." فعندما خرج، رأى رجلاً أسود يقطع الحطب، وعندما بدأ يرفعه، لم يستطِع. وبدلاًَ من أن يقلل الحِمل، بدأ يزيد عليه!! فلم يستطِع حمله مرة أخرى، وهكذا..! فمشى الراهب قليلاً، ورأى رجلاً آخر بجانب بئر، يخرج الماء من البئر، ويصبّه في قدر مقطوع، لذا لم يمتلئ القدر أبداً!!

ثم رأى ثانية إثنين من الفرسان يحملان عموداً معاً، كلٍ من جانبه، وعندما جاءا إلى الباب، لم يَتَّضِع أحدهما ليذهب للخلف وراء صديقه حتى يُدخِلا العمود بالطول، فبقيا خارِجاً!!!

ثم بدأ الأنبا أرسانيوس في شرح تلك الرؤيا:
+ الحطَّاب هو مثل رجل ملئ بالخطايا، فبدلاً من أن يتوب عنها، يزيد عليها!
+ والرجل الذي يحاول ملء القدر، هو مَن يعطي تبرعات من ظلم الآخرين، لذا فأجرته تضيع!!
+ وحاملي العمود هم مثل حاملي نير سيدنا يسوع المسيح، بدون تواضع، لذا فيبقيان خارج ملكوت الله!!!

حدث مرة أن جاء أخ غريب (ومعه راهب من داخل الدير) إلى الإسقيط ليبصر الأنبا أرسانيوس، فلما قرع الباب فتح له فدخل وصليا معاً وبقى الأنبا أرسانيوس صامتاً طوال الوقت.. حتى تضايق الأخ ومشى..

وفي طريق العودة أخذه الراهب الذي من الدير إلى قلاية الأنبا موسى الأسود (الذي كان لصاً). فلما أتي إليه قابلهم بالترحاب وبفرح، وتحدث معه وأطعمه. فقال له الأخ الذي أرشده: "ها قد أريتك اليوناني والمصري، فمن من الإثنين قد أرضاك؟!" فأخبره الغريب بأنه يفضِّل المصري أكثر.
فلما سمع أحد الأخوة ذلك صلّى إلى الله قائلاً: "يا ري إكشف لي هذا الأمر: فإن قوماً يهربون من الناس من أجل اسمك، وقوماً يقبلونهم من أجل إسمك أيضاً؟!!!" وألحّ في الصلاة والطلبة فتراءت له سفينتان عظيمتان في لُجّه البحر. ورأى في أحدهما الأنبا أرسانيوس وهو يسير سيراً هادئاً وروح الله معه.. ورأى في الأخرى الأنبا موسى وملائكة الله معه وهم يطعمونه شهد العسل.



أيامه الأخيرة

ولما كبر الأنبا أرسانيوس، ووصل لحوالي 97 عاماً، وكان ذلك في وقت الصوم المقدس، فذهب إلى حجرته الخاصة ليبقى فيها تلك الأربعين يوماً، يأكل القليل كل ثلاثة أيام..
وبينما هو يصلي ويتأمَّل، كانت الشياطين تغضب جداً بسبب ذلك، وأرادوا دخول حجرته، ولم يستطِعوا لأنه كان يصلي، لذا بدأوا يعملون ضوضاء عظيمة خارج القلاية ليزعجوه، ولكنه إنتهرهم قائلاً: "لماذا تصنعون هذه الضوضاء يا أعداء الحق؟! إذا "أُعطيتم القوة، فتعالوا.. إدخلوا.. وإلا فاذهبوا بعيداً.. أنا عبد يسوع المسيح الذي دمَّر كل قوّتكم." ولما قال ذلك ذهبوا خائبين.

وبعد ذلك زارته العناية الإلهية، فبدأ يدرس الكتاب المقدس أكثر، ويصلي أكثر، ويبكي.. وزاره تلاميذه يوم سبت لعازر، ففتح لهم وتحدث معهم..

ولما علم بقرب وقت نياحته، خرج لزيارة تلاميذه كالعادة، وقال لهم: "يا أبنائي.. ليكن معلوماً عندكم أن وقت إنتقالي قد قرب، وأنا أنصحكم بألاّ تهتموا بأي شئ سوى خلاص أنفسكم." وكانت دموعه تسيل.. لذا فقد بكى الجميع، وودّعوه..

وبعد سبعة أيام، بدأ يبكي قائلاً لهم أن ساعته قد جاءت.. ولكنهم دهشوا جداً للخوف الذي إستحوذ عليه وسألوه: "هل مثل أرسانيوس يهاب بالموت؟!!" فأجابهم: "الحق أقول لكم، إن خوف هذه الساعة معي منذ دخلت في سلك الرهبنة."

ثم رسم الصليب على جسده، وعاد السلام لوجهه، وتنيَّح.

وبعد ذلك ظهر عمود نور عظيم في كل المكان، وأشرق وجهه.. وعلم بعد ذلك الجميع بموته، وجاء الكثيرين (رهباناً وعلمانيين) ليتباركوا بجسده، وحدثت معجزات شفاء كثيرة.

وقد تنيَّح الأنبا أرسانيوس في 13 بشنس،
(يوم الخميس الموافق21 مايو 445م.)

سيرة القديس كما جاءت بالسنكسار
نياحة الانبا أرسانيوس معلم اولاد الملوك ( 13 بشــنس)



في مثل هذا اليوم من سنة 445 م تنيح الأب العابد الحكيم المجاهد القديس أرسانيوس . وقد ولد هذا القديس بمدينة رومية من والدين مسيحيين غنيين جدا فعلماه علوم الكنيسة ورسماه شماسا وقد نال من الثقافة اليونانية قسطا وافرا ومن الفضيلة المسيحية درجة كاملة حتى أن الملك ثاؤدسيوس الكبير لما طلب رجلا حكيما صالحا ليعلم والديه أنوريوس وأركاديوس , لم يجد أفضل منه فاستحضره إلى قصره وعهد إليه تعليم ولديه . فأدبهما وعلمهما بما يتفق مع غزارة علمه . وقد حدث أن ألجأه الاجتهاد في التعليم ، إلى أن ضربهما مرة ضربا موجعا . فلما مات والدهما وملك أنوريوس علي روميه وأركاديوس علي القسطنطينية تذكر القديس أنه كان قد ضربهما مرة وأن أنوريوس ينوي له شرا . وبينما هو يفكر في هذا الآمر أتاه صوت من قبل الرب قائلا : يا أرساني أخرج من العالم وأنت تخلص . وحالما سمع هذا الصوت غير زيه وأتي إلى مدينة الإسكندرية ثم ذهب إلى برية القديس مقاريوس وهناك أجهد نفسه بالصوم الكثير والسهر الطويل

وحدث أن كان يعرض أفكاره في بدء رهبنته علي راهب بسيط فتعجب منه الرهبان وقالوا له : " أمثل أرسانيوس الذي أحرز علوم اليونان والرومان يحتاج إلى إرشاد هذا الراهب البسيط " ؟ فأجابهم : ( ألفا ) ( فيتا ) القبطية التي يتقنها هذا الراهب لم يتقنها أرسانيوس بعد وكان يعني الفضيلة .

جاءه رسول من روما يحمل وصية أحد أقربائه المتوفين يهبه فيها كل ما تركه فسأل الرسول " متي مات هذا الرجل ؟" فقال له : " منذ سنة " فأجابه : ,أنا مت منذ إحدى عشرة سنة . والميت عن العالم لا يرث ميتا " .

زارته مرة إحدى شريفات روما عندما بلغها خبر تقواه وبعد أن جلست معه مدة طلبت منه أن يذكرها في صلاته فأجابها " أرجو الله أن يمحو ذكراك من عقلي " فرجعت متأثرة وشكت للبابا محتجة علي هذا الكلام ، فأفهمها البابا ثاؤفيلس قصده وهو : خوفه من أن ذكراها قد يستخدمها الشيطان وسيلة لمحاربته .

ولما بدأ أرسانيوس الرهبنة كان ينتقي لنفسه الفول الأبيض أثناء تناول الطعام ولما لاحظ الرئيس ذلك ضرب بلطف الراهب المجاور لأرسانيوس وقال له : " لا يصح أن تميز نفسك عن اخوتك وتنتقي الفول الأبيض " فقال أرسانيوس : " هذا القلم علي خدك يا أرسانيوس "

وأتقن فضيلة الصمت ولما سئل عن سبب ذلك قال : " كثيرا ما ندمت علي ما تكلمت ولكني لم أندم علي السكوت قط " .

وكان متضعا جدا ويعيش من عمل يديه في ضفر الخوص متصدقا بما يفضل عنه وقد وضع تعاليم نافعة وكان إذا دخل الكنيسة يتواري وراء عمود حتى لا يراه أحد .

وكان منظره حسنا بشوش الوجه طويل القامة إلا أن كثرة السنين أحنت ظهره .

وقد زار أورشليم وهو سن السبعين وتبارك من الأماكن المقدسة ورجع إلى الاسقيط وبلغ من العمر خمسا وتسعين سنة منها في روما أربعون سنة وفي برية القديس مقاريوس أربعون وعشر سنين في جبل طره قريبا من مصر وثلاث سنين في أديرة الإسكندرية ثم عاد إلى جبل طره وأقام فيه سنتين .

وكان قد أوصي تلاميذه أن يلقوا جسده علي أحد الجبال لكي تقتات به الوحوش والطيور ولكن خوفا استحوذ عليه عند مفارقة نفسه من جسده فقال له تلاميذه " هل مثل أرسانيوس يرهب الموت ؟ " فأجابهم قائلا " منذ دخلت في سلك الرهبنة وأنا أتصور هذه الساعة " وسكن جأشه وهدأت أنفاسه واشتمل محياه بالسلام ولسان حاله يقول " إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا لأنك أنت معي " وتنيح بسلام عام 445 م .

ولما علم بنياحته الملك ثاؤدسيوس الصغير ابن أركاديوس أحضر جسده إلى القسطنطينية . ثم أمر أن يبني في المكان الذي تنيح فيه دير كبير وهو المعروف في التاريخ بدير القصير .

ومن حكم القديس قوله لتلاميذه أنه رأي رؤيا نسبها إلى أحد الشيوخ قائلا : كان أحد الشيوخ جالسا في قلايته فسمع صوتا يقول " أخرج خارجا فأريك أعمال الناس " ، فلما خرج رأي رجلا أسود يقطع حملا من الحطب ولما بدأ يرفعه لم يستطع وبدل من أن ينقص منه زاد عليه وحاول حمله فلم يستطع أيضا واستمر علي هذه الصورة ثم مشي قليلا فأراه رجلا آخر أمام بئر يأخذ الماء منها ويصبه في قدر مثقوب فلا يمتلئ القدر .. ثم أراه رجلين راكبين علي فرسين ومعهما عامود يحمله كل منهما من أحد طرفيه ولما أتيا إلى الباب أبت الكبرياء عليهما أن يتأخر أحدهما ليدخلا العمود طوليا ولذلك بقيا خارجا .

ثم أخذ القديس أرسانيوس يفسر هذه الرؤيا فيقول : ان حامل الحطب هو إنسان كثير الخطايا وبدلا من أن يتوب يزيد خطاياه ثقلا علي ثقل ، وناقل الماء هو من يعطي عطايا لكنها من ظلم الناس فيضيع أجره، وحاملا العامود هم حاملو نير ربنا يسوع المسيح بلا تواضع فيقفون خارج الملكوت .

بركة صلاة هذا القديس تكون معنا ولربنا المجد دائما . آمين



فصنع الأنبا أرسانيوس ميطانية للرئيس وللأخوة قائلاً لذلك الراهب: "إن هذه اللطمة ليست لك، ولكنها موجهة لخد أرسانيوس." وأدرف قائلاً: "هوّذا أرسانيوس معلم أولاد الملوك، لا يعرف كيف يأكل الفول مع رهبان إسقيط مصر!!"
قال الأنبا أرسانيوس ( معلم أولاد الملوك ) " كثيرا ما تكلمت وندمت ، واما عن السكوت فما ندمت قط "
حدث مرة أن جاء أخ غريب إلى الإسقيط ليبصر الأنبا أرسانيوس ، فأتى إلى الكنيسة وطلب من الإكليروس أن يروه له ، فقالوا له : « كُلْ كِسرة خبز وبعد ذلك تبصره ».
فقال: « لن أتذوق شيئاً حتى أبصره ». فأرسلوا معه أخاً ليرشده إليه لأن قلايته كانت بعيدةً جداً. فلما قرع الباب فتح له فدخل وصليا وجلسا صامتين.
فقال الأخ الذي من الكنيسة: « أنا منصرف فصلِّيا من أجلي ». أما الأخ الغريب لما لم يجد له دالةً عند الشيخِ قال: « وأنا منصرف معك كذلك ». فخرجا معا ً.
فطلب إليه أن يمضي به إلى قلاية الأنبا موسى الأسود الذي كان أولاً لصاً. فلما أتى إليه قبله بفرحٍ ونيح غربته وصرفه . فقال له الأخ الذي أرشده: « ها قد أريتك اليوناني والمصري، فمن من الاثنين أرضاك »؟
أجابه قائلاً: « أما أنا فأقول إن المصري قد أرضاني ».
فلما سمع أحد الإخوة ذلك صلَّى إلى الله قائلاً: « يا رب اكشف لي هذا الأمر، فإن قوماً يهربون من الناسِ من أجلِ اسمك ، وقوماً يقبلونهم من أجلِ اسمك أيضاً. وألح في الصلاة والطلبة ، فتراءت له سفينتان عظيمتان في لُجة البحرِ. ورأى في إحداهما أنبا أرسانيوس وهو يسير سيراً هادئاً وروح الله معه. ورأى في الأخرى أنبا موسى وملائكةُ الله معه وهم يطعمونه شهد العسلِ .
************ ***
الميت لا يَرِث ميَّتاً
* جاء رسول من روما يحمل وصية أحد أقربائه المتوفين، يهبه فيها كل ما تركه. فسأل الأنبا أرسانيوس الرسول:
- "متى مات هذا الرجل؟"
- "منذ سنة."
- "وأنا مت منذ إحدى عشرة سنة، والميت لا يَرِث ميَّتاً!!".
************ ********* ***

الإمبراطور يريد أن يكرم أستاذه

وتقول مسز بتشر : " وقد عزم الأمبراطور ( إمبراطور الشرق أركاديوس ) تلميذ أرسانيوس الذى رباه أن يرقيه (أى يضع فى يده سلطة) ويمنحة أقصى درجات المجد والشرف وينعم عليه بجزية مصر وخراجها ، ليصرفها على الفقراء والأديرة ، فأجابه أرسانيوس أنه ما دام ماتعن هذا العالم وصلب الجسد مع الأهواء والشهوات فهو لا يهتم بالدراهم ولا يعنيه بأم تقسيمها وتوزيعها على الناس

************ ********* ***

يرفض مقابلة البابا

وقد ملأت شهرة الأنبا أرسانيوس الآفاق فكان كثيرين يريدون رؤيته ومقابلته والتحدث إليه ولكنه كان دائماً يرفض مقابلتهم فهو قد ترك العالم وكل أمجاده وفخره وتقول مسز بتشر : " وكان البابا البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 قد ذهب لزيارة الدير وأراد مقابلة الأنبا أرسانيوس ، فأرسل إليه راهباً يقول له : " أنه يرجوا منك أمراً واحداً " قال البطريرك : " ما هذا" قال الراهب : " أنه يطلب منك أنت تعود من حيث أتيت دون أن تقابله لأننى لا أرغب فى رؤية آدمى قط "

وحدث أن سيدة من كبار عائلات روما كانت تعرفه من قبل جاءت لزيارته وسارت مسافة بين الريف ووادى النطرون مشياً على الأقدام لكى تراه أما هو فقد تلقاها بعبوسة وفظاظة ، ورفض مقابلتها فشكته هذه المرأة الفاضلة للبابا ثاؤفيلس فطيب خاطرها وقال لها : إنها واحدة من بنات حواء لا ينتظر من رجل قديس مثل أرسانيوس أن يخاطبها وينظر إلى وجهها



************ ********* ***
* ولقد كان معتاداً أن يطرد حرب الشياطين بالصلاة الكثيرة.. لذا، جاءته الشياطين يوماً ما في شكل ملائكة، يباركونه لقداسته وإصراره (حتى يقع في خطية الكبرياء). ولكنه صرخ إلى الله: "اللهم إلتفت إلى معونتي، يا رب أسرع وأعنّي، ليخز ويخجل طالبوا نفسي، وليرتد إلى الخلف ويخجل مَنْ يريدون لي الشر..
"وأنت أيها السيد، فلا تخذلني، فإني ما صنعت لديك خيراً قط، بل أعطني يا رب بكثرة صلاحك أن أحفظ وصاياك، وأبدأ في عمل إرادتك."
وعندما نطق بهذه الكلمات هربت الشياطين وصارت كالدخان. وقد كان الأنبا أرسانيوس دائم الطلبة إلي الله ليريه الطريق الصحيح، فسمع نفس الصوت القديم مرة أخرى: "يا أرسانيوس.. الزم الهدوء والبُعد عن الناس والصمت، وأنت تخلص."
************ ********* ***
# وقد كان دائم التذكير لنفسه قائلاً: "أرساني.. أرساني.. تأمَّل فيما خرجت لأجله." لئلا يفقد الطريق، ولا ينحرف عن الطريق الصعب..
************ ********* ***
# وقد كان نظامه اليومي كالآتي: + كان يبدأ الصلاة مع شروق الشمس + ثم يعمل في ضفر الخوص حتى السادسة + ثم يقرأ حتى التاسعة + ثم إلى الصلاة..
************ ********* ***
* وكان أيام الآحاد وفي الأعياد مُعتاداً أن يبدأ في الصلاة وقت الغروب معطياً ظهره للشمس، ويرفع يديه حتى تشرق الشمس مرة أخرى في وجهه!!!
************ ********* ***
* زارته مرة إحدى شريفات روما عندما بلغها خبر تقواه، وبعد أن جلست معه مدة، طلبت منه أن يذكرها في صلاته. فأجابها: "أرجو الله أن يمحو ذكراك من عقلي!"، فرجعت متأثرة وشكت للبابا ثاؤفيلس محتجة على هذا الكلام، فأفهمها البابا قصده وهو: خوفه من ذِكراها قد يستخدمها الشيطان وسيلة لمحاربته.
************ ********* ***
* وقد كان حَذِراً جداً من الكلام، ولما سُئِلَ عن السبب أجاب: "كثيراً ما تكلَّمت وندمت، أما عن الصمت فلم أندم قط."
************ ********* ***
* كان الأنبا أرسانيوس متضعاً جداً، وكان يأكل مما كان يحصل عليه من بيع صنع يديه (ضفر الخوص)، ويعطي باقي المال للفقراء.
************ ********* ***
وكان دائم البكاء (على خطاياه...)، وكان معتاداً أن يقف خلف عمود في الكنيسة يبكي، لدرجة أنه تكوّن خط صغير جراء من دموعه! وبدأت رموشه تسقط من كثرة البكاء!! (ملحوظة: لا يزال ذلك العمود موجوداً هنا في مصر، بدير البرموس).
************ ********* ***
* قيل عن أنبا أرسانيوس أنه حين كان في العالم كان رداؤه أنعم من أي إنسان آخر، وحين عاش في الإسقيط كان رداؤه أحقر من الجميع.
************ ********* ***
* على المرء أن يبلل الخوص عند ضفره حتى يصبح ليناً بدرجة كافية. ويجب أن يتم تغيير الماء بطريقة منتظمة، ولكن كان الأنبا أرسانيوس يغيِّر الماء مرة واحدة كل عام فقط! وعندما كان ينقص الماء، كان يضيف عليه ماء فوق الماء العَفِن (كنوع من التقشف!).
************ ********* ***
وحدث أن زاره الأب مقاريوس الإسكندري، ولما سأله عن ذلك أجاب: "الحق إني لا أستطيع أن أطيق تلك الرائحة، لكني أكلف نفسي بإحتمال هذه الروائح الكريهة عوض الروائح الذكية التي تلذذت بها في العالم!".
* وقد أخبر أولاده رؤيا رآها راهب آخر: "في يوم من الأيام، بينما كان راهب شيخ جالساً في قلايته، سمع صوتاً يقول له: "هلم خارجاً، فأُريك أعمال الناس."
"فعندما خرج، رأى رجلاً أسود يقطع الحطب، وعندما بدأ يرفعه، لم يستطِع. وبدلاًَ من أن يقلل الحِمل، بدأ يزيد عليه!! فلم يستطِع حمله مرة أخرى، وهكذا..!
"فمشى الراهب قليلاً، ورأى رجلاً آخر بجانب بئر، يخرج الماء من البئر، ويصبّه في قدرٍ مقطوع، لذا لم يمتلئ القدر أبداً!!
"ثم رأى ثانية إثنين من الفرسان يحملان عموداً معاً، كلٍ من جانبه، وعندما جاءا إلى الباب، لم يَتَّضِع أحدهما ليذهب للخلف وراء صديقه حتى يُدخِلا العمود بالطول، فبقيا خارِجاً!!!"
ثم بدأ الأنبا أرسانيوس في شرح تلك الرؤيا:
+ الحطَّاب هو مثل رجل ملئ بالخطايا، فبدلاً من أن يتوب عنها، يزيد عليها!
+ والرجل الذي يحاول ملء القدر، هو مَن يعطي تبرعات من ظلم الآخرين، لذا فأجرته تضيع!!
+ وحاملي العمود هم مثل حاملي نير سيدنا يسوع المسيح، بدون تواضع، لذا فيبقيان خارج ملكوت الله!!!
* حدث مرة أن جاء أخ غريب (ومعه راهب من داخل الدير) إلى الإسقيط ليبصر الأنبا أرسانيوس، فلما قرع الباب فتح له فدخل وصليا معاً وبقى الأنبا أرسانيوس صامتاًُ طوال الوقت.. حتى تضايق الأخ ومشى..
وفي طريق العودة أخذه الراهب الذي من الدير إلى قلاية الأنبا موسى الأسود (الذي كان لصاً). فلما أتي إليه قابلهم بالترحاب وبفرح، وتحدث معه وأطعمه.
فقال له الأخ الذي أرشده: "ها قد أريتك اليوناني والمصري، فمن من الإثنين قد أرضاك؟!" فأخبره الغريب بأنه يفضِّل المصري أكثر.
فلما سمع أحد الأخوة ذلك صلّى إلى الله قائلاً: "يا ري إكشف لي هذا الأمر: فإن قوماً يهربون من الناس من أجل اسمك، وقوماً يقبلونهم من أجل إسمك أيضاً؟!!!" وألحّ في الصلاة والطلبة فتراءت له سفينتان عظيمتان في لُجّه البحر. ورأى في أحدهما الأنبا أرسانيوس وهو يسير سيراً هادئاً وروح الله معه.. ورأى في الأخرى الأنبا موسى وملائكة الله معه وهم يطعمونه شهد العسل.
~ أيامه الأخيرة ~
ولما كبر الأنبا أرسانيوس، ووصل لحوالي 97 عاماً، وكان ذلك في وقت الصوم المقدس، فذهب إلى حجرته الخاصة ليبقى فيها تلك الأربعين يوماً، يأكل القليل كل ثلاثة أيام..
وبينما هو يصلي ويتأمَّل، كانت الشياطين تغضب جداً بسبب ذلك، وأرادوا دخول حجرته، ولم يستطِعوا لأنه كان يصلي، لذا بدأوا يعملون ضوضاء عظيمة خارج القلاية ليزعجوه، ولكنه إنتهرهم قائلاً: "لماذا تصنعون هذه الضوضاء يا أعداء الحق؟! إذا "أُعطيتم القوة، فتعالوا.. إدخلوا.. وإلا فاذهبوا بعيداً.. أنا عبد يسوع المسيح الذي دمَّر كل قوّتكم." ولما قال ذلك ذهبوا خائبين.
وبعد ذلك زارته العناية الإلهية، فبدأ يدرس الكتاب المقدس أكثر، ويصلي أكثر، ويبكي.. وزاره تلاميذه يوم سبت لعازر، ففتح لهم وتحدث معهم..
عمود أرسانيوس
كنيسة السيدة العذراء الأثرية : وقد بنيت حوالى عام 350 م فى أيام القديس أبو مقار ، وتبلغ مساحتها 1200 م مربع ، وتنقسم إلى ثلاثة خوارس
الأول : وبه الهيكل الأوسط ، وأسفله يوجد جسدا القديسين مكسيموس ودوماديوس ، وهيكلان جانبيان . وأما الحجاب فيضم مجموعة من الأيقونات الأثرية . كما توجد المقصورة التى تحوى جسدى الأنبا موسى الأسود والأنبا إيسيذوروس معلمه .
والثانى : يوجد به اللقان ، وحوض من الرخام ، كما يوجد عمود أرسانيوس الذى أعتاد القديس أن يقف إلى جواره متأملا فى صمت واختفاء أثناء خدمة القداس الإلهى

ولما علم بقرب وقت نياحته، خرج لزيارة تلاميذه كالعادة، وقال لهم: "يا أبنائي.. ليكن معلوماً عندكم أن وقت إنتقالي قد قرب، وأنا أنصحكم بألاّ تهتموا بأي شئ سوى خلاص أنفسكم." وكانت دموعه تسيل.. لذا فقد بكى الجميع، وودّعوه..
وبعد سبعة أيام، بدأ يبكي قائلاً لهم أن ساعته قد جاءت.. ولكنهم دهشوا جداً للخوف الذي إستحوذ عليه وسألوه: "هل مثل أرسانيوس يهاب بالموت؟!!" فأجابهم: "الحق أقول لكم، إن خوف هذه الساعة معي منذ دخلت في سلك الرهبنة."
ثم رسم الصليب على جسده، وعاد السلام لوجهه، وتنيَّح.وبعد ذلك ظهر عمود نور عظيم في كل المكان، وأشرق وجهه.. وعلم بعد ذلك الجميع بموته، وجاء الكثيرين (رهباناً وعلمانيين) ليتباركوا بجسده، وحدثت معجزات شفاء كثيرة.
وقد تنيَّح الأنبا أرسانيوس في 13 بشنس، (يوم الخميس الموافق21 مايو 445م.)
مديحة للأنبا أرسانيوس معلم أولاد الملوك
فى بستان الرهبان ظاهر باجلى بيان ** معلم ملوك الرومان بنيوت آفا ارسانيوس
نشا فى اسرة نقية فى بلاد الرومية ** نال احسن تربية بنيوت آفا ارسانيوس
سمع الملك بحكمته وعلمه وقداسته ** اخذه الى خاصته بنيوت آفا ارسانيوس
ها ابناى الاميران لك هما خاضعان ** وبعلمك ينتفعان بنيوت آفا ارسانيوس
سمع دعوة سماوية اهرب للبرية ** فتخلص بالكلية بنيوت آفا ارسانيوس
جاء الىشيهيت الى اباء الاسقيط ** وبسرعة انتشر الصيت بنيوت آفا ارسانيوس
عاش فى هدوء و سكون بعيدا عن العيون ** يناجى الرب الحنون بنيوت آفا ارسانيوس
قال حين تكلمت كثيرا ما ندمت ** لكن بالصمت فرحت بنيوت آفا ارسانيوس
فى اثناء القداس يختفى عن الناس ** يصلى بكل حواس بنيوت آفا ارسانيوس
الليل كله صلاة وحديث مع الاله ** ساهرا كالعذارى بنيوت آفا ارسانيوس
اثناء الاغابى قال انا الخاطئ ** واللطمة على وجهى بنيوت آفا ارسانيوس
قال وقت النياحة بكيت طول الحياة ** لاجل هذه الساعة بنيوت آفا ارسانيوس
فقالوا له طوباك بكيت هنا على خطاياك ** فلن تبكى هناك بنيوت آفا ارسانيوس
يا معلم الامراء يا عظيم بين الاباء ** اذكرنا فى السماء بنيوت آفا ارسانيوس
تفسير اسمك فى افواة كل المؤمنين ** الكل يقولون يا اله انبا ارسانيوس اعنا اجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010