سألني البعض: هل يمكن أن تُحدِّثنا أو تكتب لنا عن الحُب؟ أم أنك ـ كرَجُل دين ـ تتحرَّج من الخوض في مثل هذه الموضوعات؟ فقلت: كلا، ليس هناك من حرج. فليست الحساسية في الموضوع الذي يتكلَّم فيه رَجُل الدين، إنما المُهم في الأسلوب الذي يتكلَّم به، وطريقة معالجة الموضوع بحيث تحتفظ بوقارها...
«« والحُب على أنواع: أهمها المحبة التي تربط بين الإنسان وخالقه. فاللَّه ـ تبارك اسمه ـ بسبب محبته لنا، يتولانا بالرعاية والعناية، ويغدق علينا من كرمه وعطائه. ونحن نحب اللـه من أعماق قلوبنا. وتظهر محبتنا له في إيماننا به، وفي طاعتنا لوصاياه، وبأن نحيا حياة الفضيلة والبِرّ التي ترضيه.
«« وكما نحب الخير، نحب الغير: نحب الناس جميعاً، لا بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق. نخلص لهم، ونعمل على إسعادهم بقدر طاقتنا. وفي مقدمة هؤلاء: الأهل والأقارب والأصدقاء، وكل مَن يسمح اللـه بأن يوجدوا في طريقنا لكي نعمل معهم خيراً ...
«« ومن الحُب السامي أيضاً حُب الوطن، وهو غريزة في الإنسان بحيث يحب بلده وشعبه بالمعنى الواسع، كما يحب قريته أو الحيِّ الذي وُلِدَ فيه، أو الذي له فيه ذكريات...
«« أنتقل من هذا كله، إلى النوع الذي يظن البعض أن الحديث عنه لا يخلو من الحرج، وهو الحُب الذي بين فتى وفتاة، أو بين رجل وامرأة. والشباب قد يسأل عن هذا الموضوع في شيء من الحياء كأنه يعبر خطاً أحمر!!
«« هنا وأتذكَّر سؤالاً قدَّمته لي صحفية مشهورة منذ حوالي 35 عاماً. حيث قالت لي: " ما الفرق بين الحُب والشهوة؟ ".
وكانت إجابتي: " الحب يريد دائماً أن يُعطي، والشهوة تريد دائماً أن تأخذ ". الشهوة تريد أن تُشبع ذاتها، ومن النادر أن تشبع. فهى تريد باستمرار، وقد يكون الطرف الآخر ضحيتها. وليس هذا هو الحب بمعناه الحقيقي ...
«« فالذي يحب فتاة لا يُضيِّع سُمعتها بكثرة لقاءاته معها. ولا يشغل فكرها بحيث تفشل في دراستها أو في عملها. والأهم من هذا كله أنه لا يضيع عفَّتها، ويلقيها إلى مستقبل مظلم! فإن كان يحبها لكي يتزوجها، فليحفظها نقية وسليمة إلى حين يتم الزواج ... فالذي يحب فتاة حُبَّاً حقيقياً، يحرص عليها كما يحرص على أخته ويُقدِّم لها كل معونة، في إخلاص لها، ويحميها من نفسه ومن نفسها ضد أي إنحراف يطرأ على علاقتهما...
«« كذلك فلنفرق بين الحب العاطفي Emotional والحُب الجنسي Sexual. فالحُب العاطفي لا خطر منه. ويمكن للشباب من الجنسين أن يحبوا بعضهم بعضاً، إن كان حُبَّاً طاهراً في نطاق الحياة الجامعية أو الزمالة في العمل، طالما يكون مُجرَّد مشاعر بريئة لا علاقة له بالجسد وغرائزه...
أمَّا الحُب الجنسي، فله خطورته وإنحرافاته. وقد سمح به اللـه في محيط الزواج. وبه يتم إنجاب البنين واستمرارية الجنس البشري. وفي غير الزواج لا يُسمح به...
فإن وجد شخص أن مشاعره نحو فتاة قد انحرفت إلى الجنس Sex ، بينما لا تربطه بها علاقة شرعية، فليشعر أن هناك خطيئة تسعى إليه أو يسعى هو إليها. وينبغي أن يضبط نفسه ومشاعره، ويُنقِّي نفسه من الداخل.
«« قرأت مرَّة لأحد الكُتَّاب أنه عرض لموضوع الحب فقال: " إن الحب هو أكثر العواطف أنانية "!! ولعله يقصد أن رَجُلاً يحب امرأة، فيهمّه أنها لا تحب أحداً غيره. كذلك فإنَّ امرأة تحب رَجُلاً، فلا تقبل أبداً أن يحب امرأة غيرها... ومن هذيْن المِثَالَيْن، واضح أنَّ هذا الحُب يرتبط بالغيرة.
ومثل هذه الغيرة تحمل في داخلها أمرين هما: عدم الثقة بالنفس، ومعها الشك في الطرف الآخر أن تكون له علاقة آثمة مع طرف ثالث. ولكن المرأة الواثقة بأنوثتها، وبقوة جاذبيتها، وبشدة تأثيرها على الرَّجُل، لا تجد سبباً يجعلها تغار من امرأة أخرى، بل لا تحسب أن هناك امرأة أخرى تنافسها. وكذلك الرجُل الواثق من محبة امرأته له، والذي لا يشك أبداً في إخلاصها له...
«« موضوع آخر في الحُب، وهو مدى العلاقة بين الشابات والشبان الزملاء في الجامعة. وأنا دائماً أقول إن الطالبة التي تتحدث مع كل زملائها بروح جامعية، وفي أدب وحشمة، لا يشك فيها أحد، لأنه من غير المعقول ومن غير الممكن أن تكون في علاقة خاطئة مع الكل. وبنفس الوضع الطالب الذي يتحدث مع كل الفتيات والزميلات بالروح الجامعية المعروفة...
إنما تبدأ الشكوك تحوم في حالات التخصص. أي عندما تخصص فتاة في الحديث مع شاب مُعيَّن بالذات من زملائها، وتذاكر معه، وتتبادل معه كراسات المحاضرات، وتلتقي به دون غيره. هنا تبدأ الألسنة والشائعات، وتصبح سُمعتها وسُمعته داخل علامة استفهام!
«« وهنا قد يسأل البعض: " ألا يكون الحب بين زميل وزميلة في الجامعة مقدمة لزواجهما؟ ". وفي الإجابة على هذا السؤال نقول:
إنه يندر زواج اثنين في نفس العمر، فغالباً ما يكون الزوج أكبر سنوات من الزوجة. ثم أنَّ الطالب سوف لا يتزوج إلا بعد التخرُّج، وبعد أن يقضي فترة الخدمة العسكرية. ثم ينتهي منها ليجد وظيفة أو عملاً يدر عليه رزقاً ( إن كان ذلك ممكناً ) بحيث يمكنه أن يجد مسكناً خاصاً، ويكون له مال يتقدَّم به للزواج ... وكل ذلك يستغرق سنوات. فهل ستبقى زميلته منتظرة له طول هذه المدة؟ وهل سيبقى الحب بينهما قائماً كما هو؟! على الرغم من انقطاع الزمالة الدراسية التي كانت تسمح بالتلاقي كل يوم تقريباً، وعلى الرغم من اختلاف ظروف الحياة. لذلك فموضوع الزواج بين زميل وزميلة في الجامعة، يحتاج إلى رؤية ومزيد من العُمق والتفكير...
«« وفي مجال الحُب، هناك نصيحة أقولها لكل فتاة: ضعي ضوابط لمشاعركِ وعواطفكِ. ولا تُفرِّطي أبداً في نفسكِ. فغالباً ما لا يقبل أي شاب أن يتزوج من فتاة فرَّطت في نفسها معه. وقد تحوطه الشكوك بأنه إن تزوجها قد تُفرِّط في نفسها مع غيره، مادامت هى سهلة بهذا الوضع...!
كوني حافظة لنفسكِ كل الحفظ. واعرفي أن المحجوب مرغوب. ومن الناحية الأخرى يقول المَثل: " إذا كثُرَ العرض، قلّ الطلب ". فاحفظي هذيْن المَثَلَيْن. وكوني حكيمة جداً في علاقاتكِ. واعلمي أن العاطفة إذا لم ترتبط بالحكمة، تتحوَّل إلى طياشة ونزوة. ورُبَّما إلى ضياع...
«« أخيراً:
أقول للشباب: لتكن قلوبكم وأذهانكم عامرة بما يشغلها من مشاعر روحية وأفكار عميقة خاصة بمستقبلكم. ولا تتركوا فرصة لأي فكر جنسي أن يدخل ويُعشِّش داخلكم.
وأقول للفتاة: احتفظي دائماً بحيائكِ، فإن الحياء زينة للمرأة.
قداسة البابا شنودة الثالث
أحدث الموضوعات
From Coptic Books
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010
المشاركات الشائعة
- اكلات صيامى بمناسبة بدء الصوم كل سنة وانتم طيبين
- مسابقة فى صورة اسئلة مسيحية
- افكار تنفع مدارس الاحد { وسائل الايضاح }
- الحان اسبوع الالام mp3
- صور تويتى للتلوين
- دراسة كتاب مقدس ... لابونا داوود لمعى
- صور يسوع المسيح ( مصلوب )
- صلوات الاجبية بالصوت mp3
- حصرياً : اعلان نتيجة مهرجان الكرازة & شعار مهرجان الكرازة 2010 Mp3 ومنهج الألحان
- أرشيف الترانيم والمدائح أون لاين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.