الفضائل لا تتعارض بل تتكامل

لا يوجد تناقض فى الفضائل, ولا يهدم بعضها بعضاً مهما بدت بعض التناقضات للعين غير الفاحصة! والإنسان الحكيم لايقتنى إحدى الفضائل على حساب فقد فضيلة أخرى, بل يجاهد لإكتساب الكل
لذلك فهو يجمع بين الحب والحزم, وبين الرحمة والعدل, وبين الوداعة والشجاعة, وبين البساطة والحكمة... فكلها فضائل تتمشى معاً فى غير تعارض ولاتناقض. وسنبدأ حديثان عن تكامل الفضائل

***

الحب والحزم

الشخصية المتكاملة تجمع بين الطيبة والقوة, وبين الحب والحزم. وهذا الأمر لازم جداً فى محيط الآباء, والمدرسين, ورجال الإدارة. فيكون فى طبعهم الحنو, ومن صفاتهم أيضاً الهيبة. وليس من الصالح أن حنوهم يفقدهم هيبتهم. فالهيبة لازمة لحفظ النظام وحفظ القيم. والحنو لازم حتى يطيعهم الناس عن حب وليس عن رعب

على أنه من الأشياء الغريبة فى محيط الأسرة, أن الوالدين يوزعان أحياناً الحب والحزم فيما بينهما: فيكون للأم الحب, وللأب الحزم! بينما ينبغى أن يكون الحب والحزم لكل منهما

وفى هذا, نرى أنه اذا أخطأ الإبن أو حاول أن يخطىء, تحاول الأم أن تمنعه عن ذلك بقولها له "... لئلا يغضب أبوك ويعاقبك ".. دون أن تقول له إنها هى أيضا لا ترضى عن ذلك الأمر!! ويختلط الأمر على الإبن, ولا يعرف أين الحق. وكل ما فى الأمر أنه يتقى غضب الأب

ويحدث أحياناً أخرى أن رئيساً لإدارة ما يريد أن يكسب محبة مرؤوسيه, ولأجل هذا يتهاون في حقوق العمل ولا يكون حازماً في معاقبة المخطئين

وربما تحدث نتائج سيئة جداً, لهذا الحنو الخالى من الحزم

***

الوداعة والشجاعة

هاتان الصفتان لا تتعارضان. فمن الخطأ أن يظن شخص أن صفة الوداعة تمنعه من الشجاعة, وتحوُله إلى جثة هامدة لا نخوة فيها ولا شهامة ولا حياة..! كما من الخطأ أن تحوله الشجاعة إلى التهور أو إلى العنف بفقدان وداعته. وإنما عليه أن يستخدم الوداعة حين تحسن الوداعة, ويستخدم الشجاعة حين تلزم الشجاعة. وتظهر كلً من هاتين الصفتين في الحين المناسب لها. وكما قال سليمان الحكيم " لكل شئ زمان. ولكل أمر تحت السموات وقت"

الوداعة ليس معناها الضعف, والشجاعة ليس معناها العنف. والوداعة والشجاعة يجب أن تمتزج كل منهما بالحكمة والفهم. واتذكر أننى قلت مرة فى رثاء أستاذ عظيم لنا

يا قوياً ليس فى طبعهِ عنفُُ ووديعـاً ليس فـى ذاتهِ ضعفُ

يـا حكيماً أدّب الناس وفى زجـره حبً وفى صوته عطفُ

لك أسلـوبُ نزيه طاهـرُ ولسـانُ أبيـض الألفـاظ عفُّ

إذن ليكن الإنسان وديعاً. ولكن لا يسمح للطيبة أو الوداعة, أن تفقده كرامته وحقوقه وهيبته، وتدفع غيره إلي اللعب به، وإلا فسوف يكره الناس الطيبة، والمشكلة ليست فيها، وإنما فى إساءة فهمها، وفى استخدامها وحدها بعيدة عن غيرها من الفضائل. ولذلك يجب أن نزن كل فضيلة بميزان دقيق، ولا نمارسها وحدها بغير حكمة

***

البساطة والحكمة

من الأخطاء الواضحة أن يوصف انسان بالبساطة، بينما لا تكون له حكمة. بل تكون بساطته هذه لوناً من السذاجة، وتؤخذ عليه بعض التصرفات. ويحاول البعض أن يعذروه، بقولهم عنه أنه بسيط! وفى الواقع ليست هذه بساطة حقيقية

فالبساطة هى عدم التعقيد، وليست عدم الحكمة، وليست هى السذاجة.. البساطة الحقيقية هى بساطة حكيمة. والحكمة يمكن أن تكون أيضاً حكمة بسيطة. ومن الجائز أن يقول إنساناً كلاماً حكيماً جداً، وبأسلوب بسيط. وتكون له حكمة فى عقله، وبساطة فى قلبه وفى أسلوبه. فهو يتصرف فى عمق الحكمة وبكل بساطة. حكمته ليس فيها تعقيد الفلاسفة. وكلامه العميق يكون واضحاً وبسيطاً يفهمه الكل

كذلك فليس معنى البساطة أن تصدقّ كل ما يقال لك بدون تفكير، أو تعطى مجالاً للبعض ان يخدعك أو يلهو بك! إنما فى بساطة تعاملك مع الناس، تكون مفتوح العينين حاضر الذهن، تستطيع أن تميز الذئاب التى تلبس ثياب الحملان. كما لا تعيش فى جو من الحذر والشك والظنون

وأيضاً الإنسان البسيط- حينما يطيع من هو أكبر منه- إنما يمزج الطاعة بالحكمة. وبهذا لاتقاد شخصيته المتكاملة بفضيلة واحدة منفصلة عن باقى الفضائل الأخرى

***

الرحمة والعدل

هاتان الفضيلتان يمكن أن تجتمعا معاً، ولاتناقض بينهما

والله-جل جلاله- من صفاته الرحمة وأيضاً العدل، بغير إنفصال بينهما. فرحمته مملوءة عدلاً، وعدله مملوء رحمته. ويمكن أن نقول إنه عادل فى رحمته، وإنه رحيم فى عدله

هما صفتان تتكاملان، ولا تتناقضان إطلاقاً

إذن متى يختلف العدل عن الرحمة عند بعض البشر؟ يحدث الأختلاف فى حالة التطرف من جهة ممارسة أىّ منهما.. أى عندما يتحول العدل عند اليعض إلي قسوة، أو تتحول الرحمة إلى إستهانة بحقوق العدل، وتشجيع الآخر على الخطأ، ولو عن غير قصد

وهنا يمكن أن نقول إن الشخص الرحيم يمكن أن يعاقب المخطىء، ولكن فى رفق على قدر ما يحتمل ذلك المخطئ. وأيضاً بقصد إصلاحه وإعطاء درس لغيره، وليس بروح الإنتقام ولا بعنف

وهكذا فإن المسئول عن إدارة عمل، لا يجوز له أن يسلك فى فضيلة التسامح والعفو عن المخطئين، باسلوب يسئ إلي العمل، وتسقط به هيبة الإدارة، ويسوده التسيب واللامبالاة!! وهنا يكون المسئول قد فقد فضيلة العدل وفضيلة الحزم، وظنّ أن المعاقبة خطية

إنما بالتكامل في الفضائل، يعرف الإنسان متى يعفو، ومتى يعاقب. ويكون روحياً فى كلا الحالين. ويعرف متى يعمل العمل المناسب، فى الوقت المناسب، وبالسبب الداعى اليه

قداسة البابا شنودة الثالث


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010