العثرة أو الغواية

العثرة أو الغواية
من مقالات قداسة البابا شنودة الثالث




ما أخطر أن يتسبب انسان في إسقاط غيره! إن الله يطالبه بنفس من أسقطه.. وطريق هذه الخطيئة متشعب جدا. فهو يشمل معرفة الخطية. أو تسهيل الخطية. أو مذاقة الخطية. ومن يقود الي كل ذلك. وأيضا تقديم الخطية بمفهوم مخادع. كأن تقدم باسم فضيلة. أو يسهب في شرح "فوائدها" ومنافعها وفوائها.. إنه نوع من الإغراء..

***



معرفة الخطية :

أي أن يعرف الإنسان أموراً تضره روحياً. وما كان يعرفها من قبل.

وهكذا تدخل في ذهنه معارف تدنس فكره.. أو تجلب له شهوات تسقطه في الخطية. وتفتح عينيه علي أمور تحدث في قلبه أو عواطفه أثراً معثراً. كشاب بسيط يتفتح ذهنه علي موضوعات جنسية ما كان يعرفها. أو كأن يقابله صديق فيصب في أذنيه معلومات تشوه سمعة شخص آخر. فيأخذ فكرة سيئة عنه تغير من معاملته له. أو تكون المعلومات المقدمة له ذات طابع ديني تجلب له شكوكاً عقائدية.



فيخرج هذا الإنسان من مقابلة ذلك "الصديق". وهو يقول في قلبه: "ليتني ما قابلت فلاناًَ. وليتني ما سمعت ذلك الكلام..!"



***



ويدخل في هذا النطاق تأثير البيئة المنحرفة. وما تقدمه من أفكار..



وتنطبق عبارة "المعاشرات الرديئة تفسد الاخلاق الجيدة.."



وهكذا بالعثرة من جانب. وبالانقياد الي العثرة من الجانب الآخر. يتعلم الشخص أحياناً ألواناً من التحايل والمكر ما كانت تخطر له علي بال. ويعرف التلميذ طرق التزويغ من الدراسة. وكيفية الغش في الامتحان. والوسائل التي يضايق بها مدرساً حتي يخرجه عن صوابه..



وهناك أطفال تستخدمهم عصابات. فتعثرهم وتعلمهم الفشل. أو شباب يجتمعون معاً. والجديد منهم يعلمونه تعاطي المخدرات أو لعب القمار.. كلها عثرات. ولتفاديها قال المزمور "طوبي للإنسان الذي لم يسلك في مشورة الأشرار. وفي طريق الخطاة لم يقف. وفي مجلس المستهزئين لم يجلس".



***



كذلك يعتبر عثرة. من يقدم لك الفكرالخاطئ دون أن يرد عليه!



يقدم كل أدلة الفكر الخاطيء وكل إثباتاته وبراهينه. ويقف عند هذا الحد. دون أن يذكر تعليقاته علي ذلك. ودون أن يذكر الردود التي تحطم ذلك الفكر الخاطئ.. واذا هوجم علي ما يورده من أفكار. يرد قائلا : "أنا لم أقل إن هذا رأيي. انما ذكرت كل ذلك من باب العلم!"



والخطير أيضاً أن يكون وراء هذا الشخص تابعوه وتلامذته ومريدوه. الذين يكررون نفس الفكر الخاطئ ويعلمون به. ويكونون هم أيضاً عثرة..



إن البعد عن هؤلاء طهارة وليس خصومة



إنه بعد عن أسباب العثرات. أو بعد عن المعرفة الخاطئة. فالذي يسبب العثرة. يفقد غيره البساطة والبراءة التي كان يحياها.. النقطة التالية غير معرفة الخطية. هي تسهيل الخطية:



***



تسهيل الخطية



إنه نوع آخر من العثرة. لأنه يعرف انسان خطيةما. ولكنه لا يمارسها لأن الباب مغلق أمامه. لذلك يعثره من يسهل الأمر عليه. فيدله علي أماكن الخطيئة ووسائلها. ويقوده اليها. ويزيل الخوف من قبله. كما يزيل العوائق من أمامه..



وقد يقوم بهذا الدور من سار في طريق الخطيئة من قبل. وعرف دروبها ومسالكها. وطريق التهرب من مسئوليتها.. فيقدم خبرته لغيره.



***



مذاقة الخطيئة



هي الخطوة العملية الأولي في ارتكاب الخطية



كالذي يقدم لشخص سيجارة ليدخنها. أو وردة فيها مسحوق الهيروين ليشمها. أو يجعله يذوق مكسباً في لعب القمار. أو يذوق كأساً من الخمر. أو يفتح له مجالاً عملياً لممارسة الخطايا الشبابية.



إن مذاقة الخطية خبرة تشجع علي تكرارها. وبالتالي علي الإندماج في الخطية. والانسان الحكيم يحترس بكل الحرص من هذه الخطوة..



***



اسم آخر للخطية



من العثرة ايضا تسمية الخطية باسم فضيلة



أو باسم آخر يسهل قبوله.. كالذي يعلم زميله لعب القمار. بأن يسميها تسلية. ويبرر دفع المال في هذه التسلية بأنه تحلية للعب. والذي يدعو الي الزني بأنه معالجة للكبت واضراره. والذي يساعد علي التهرب من الضرائب. بقوله إن ذلك مجرد تخلص من مغالاة وظلم اللجان التي تقدر قيمة الضرائب.. أو من ينشر بدعة علي اعتبار أنها المفهوم السليم. او انها تجديد في الفهم وبعد عن العتيق البائد.



إن الشيطان في تسمية العثرات. لا يحارب بوجه مكشوف.



***



أنواع من العثرات



ليست كلها في الأمور الشبابية أو الجسدية كما يظن البعض.. فهناك عثرات في الدين كما يفعل أصحاب البدع والهرطقات. وكمن ينشدون شكوكاً في الدين. او الذين ينشرون الإلحاد. والذين ينكرون المعجزات والقيامة. والذين ينادون بعودة التجسد REINCARNATION



وهناك عثرات في الفلسفة والفكر. وزعزعة الفكر من جهة كثير من القيم والمبادئ. كأصحاب البدع الذين يأتون بشئ جديد. لتحطيم ما قد تسلمه الناس من قبل. ويقدمون باسم التجديد ومزيد من العلم.



لذلك من الخطر أن يعتبر كل إنسان نفسه معلماً. ويعطي ذاته الحق في أن يقدم مفاهيم جديدة. وليس من الحكمة أن نقبل كل فكر جديد يحطم فينا تراثا قديما قد تسلمناه عبر الأجيال.



***



القدوة السيئة



هي أيضا عثرة. إذ يقع البعض في أخطائهم بسبب تقليدهم لمن يضعونهم في مرتبة القدوة. من القادة أو الرؤساء أو الزملاء.



وهؤلاء المخطئون لم يقصدوا أن يجعلوا غيرهم يخطئ. ولكنهم كانوا السبب في ذلك: اذ يعلمونهم الروتين. أو الحضور متأخرين الي مكان العمل. أو محاولة تبرير كل خطأ أو سوء معاملة الناس وتعطيل مصالحهم.. أو يعلمون غيرهم قلة الانتاج. أو كتابة تقارير وهمية أو خاطئة.. الخ



***



وللأسف. فالانسان في المجتمع يمتص منه أشياء كثيرة. وعادات وعثرات:



ويدخل في هذا المجال أيضاً: الآباء والامهات بالنسبة الي أبنائهم. فالأبناء ينظرون الي الآباء والأمهات كقدوة ويقلدونهم.



ويدخل في مجال العثرة أيضاً ما يتعرض له البسطاء الذين ليست لديهم القدرة علي تحليل تصرفات من هم أكثر منهم خبرة وعلما ومركزا. فيعثرون بهم - ليس من جهة انتقادهم - بل من جهة تقليدهم..



كذلك الموظف الأدني مركزاً. اذا ترقي الي مركز أعلي. قد يسير علي نفس منهج من قد سبقه. فيكون له عثرة إن اتبع أخطاءه.



***



الثقافة والإعلام



علي الرغم مما تقدمه هذه الأجهزة من برامج نافعة. فإن بعض البرامج قد تكون معثرة للسامعين أو المشاهدين. فلها تأثيرها علي شخصياتهم. من حيث تفكيرهم وانطباعاتهم. وما تتركه في نفوسهم من مشاعر وأحاسيس.. ولا ننسي أفلام العنف وما تتركه من تأثير في نفوس الشباب والمراهقين..



وبالمثل كل مصادر الفكر من كتب ومجلات وجرائد ونبذات ومنشورات.. فبعض منها ليس فيه الحرص علي سرد الحقائق. أو علي مراعاة الجانب الخلقي. فيصبح ما ينشره من كتابات أوصور سبب عثرة للبعض يؤثر علي مشاعرهم وتصرفاتهم تأثيرا خاطئا.



قال أحد المفكرين: قل لي ماذا تقرأ؟ أقول لك من أنت..



وأريد أن أضيف : ليس الأمر يقتصر فقط علي ما تقرأ. وإنما أيضا ماذا تري وماذا تسمع؟ فالكاسيتات. وأجهزة التليفزيون والفيديو والانترنت. لها خطورتها في التأثير علي الناس.وكذلك أفلام السينما والمسرح. وإن كان في هذه شئ مما يعثر. تكون له نتائجه السيئة.. وعلينا أن نكون حريصين في كل ذلك. بالنسبة الي انفسنا والي أولادنا..



***



الكبير والصغير



علي الكبير أن يكون حريصا جدا في أقواله وتصرفاته. حتي لا يعثر الصغير أو الضعيف. فهؤلاء أمانة في أعناقنا.



إن أسباب العثرة قد يقاومها القوي. ولكن ما ذنب الضعيف؟



ونقصد بالقوي. القوي في روحياته. والقوي في إرادته. والناضج في تفكيره. هذا يمكنه أن يدرك الخطأ. ويقدر علي مقاومته.. ولكن المشكلة في عثرة الضعيف أو الصغير أو البسيط..



والضعيف أيضا قد يقول: إن كان الكبار هكذا يسقطون. فماذا أفعل أنا الضعيف؟! وقد يستسلم الي الخطأ. أو يقع فيه يأساً أو انقياداً.!!



وربما سقطة الكبار أو المثل العليا. تكون عثرة قوية للضعفاء



فليحترس الكبار إذن في تصرفاتهم. ونقصد الأبوين في محيط الأسرة. والمدرسين بالنسبة إلي التلاميذ. وقادة الدين بالنسبة الي الشعب كله..



فليحترس كل هؤلاء ألا يكونوا سبب عثرة في كلامهم أو في تصرفاتهم. وحتي في حركاتهم وفي ملامحهم. وكذلك في حفظهم للنظام. وفي طاعتهم للقانون. وفي طاعتهم للوصية. لأن أي خطأ لهم - مهما يبدو طفيفا - يكون سبب عثرة لغيرهم.



وعليهم أن يتلافوا الخطأ. حتي إن لم يخطئ في ذاته. وإنما علي الأقل يسبب شكاً للأخرين. لأن ما يطلب من الكبار هو مستوي أعلي بكثير مما يطلب من الأشخاص العاديين..



***



الضمير



يوجد ضمير ضيق يتشكك في كل شئ. ويظن الخطأ حيث لا يوجد خطأ. وضمير واسع يبرر تصرفات كثيرة! وموضوع الضمير يدخل في العثرة:



فهل الجمال اذن سبب عثرة. فتاة جميلة يراها بعض الرجال فيشتهونها.. هل هي إذن سبب عثرة لهؤلاء؟! وما ذنبها؟!



كلا. ليست العثرة في المرأة الجميلة. إنما في القلوب غير النقية التي تشتهيها. الخطأ فيهم وليس فيها. ولذلك فإن السيد المسيح لم يقل "إن أعثرتك امرأة". وإنما قال "إن أعثرتك عينك". وعثرة العين سببها القلب غير النقي.. إن غير الطاهرين تكون كثير من الأمور عثرة لهم. بسبب انحراف فكرهم وانحراف مشاعرهم. حتي من غير أي منظر يرونه. هم يفكرون بطريقة دنسة. حتي وهم في حجراتهم المغلقة عليهم.. أما الطاهرون فإنهم يفكرون بنقاء وطهر. لذلك لا يعثرهم ما يعثر غيرهم. المسألة إذن مسألة ضمير..

***

كثير من الأقوياء والممتازين. حسدهم غيرهم. فهل كانوا في قوتهم وامتيازهم سبب عثرة لغيرهم؟! أم العثرة في قلوب الحاسدين؟



وهل كان علي هؤلاء الممتازين أن يفقدوا امتيازهم إرضاء للحاسدين؟!



وماذا نقول علي الذين يحصلون علي بطولات وأوسمة. والذين يحصلون علي جائزة نوبل. وعلي أول الثانوية العامة في كل عام.. هل كل هؤلاء كانوا سبب عثرة لحاسديهم؟! كلا بلا شك. فالعثرة هي في الحاسدين..



وماذا نقول عن يوسف الصديق الذي اشتهته امرأة سيده.. هل كان هو سبب عثرة لها؟! أم أن قلبها غير الطاهر هو الذي سبب لها الشهوة..



***

الأمر يحتاج الي دقة شديدة في تمييز سبب العثرة



فليس هو الجمال. ولا القوة. ولا جاذبية الشخصية. ولا المواهب.. وإلا كان لازما أن يخلو العالم من كل هذه الصفات السامية. حتي لا يعثر الواقعون في الحسد أو في الشهوة..

قداسة البابا شنودة الثالث



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010