حياة الطهارة والعفة

نقرأ بنعمة المسيح جزء من الاصحاح الرابع من رسالة معلمنا بولس الرسول الاولى الى اهل تسالونيكى بركاته علينا امين .

" فمن ثم ايها الاخوة نسألكم ونطلب اليكم فى الرب .............. " ( 4 - 8:1 )

من المعروف ان الانسان الروحى اللى هو الذى يحيا حسب الروح وتكون له ثمار روحية كثيرة جدا فى حياته ولعل من اهم هذه الثمار هى حياة العفة والطهارة ويكفى جدا فى هذه الايات القليلة التى قرأناها ان نعرف انه يقول " لان هذه هى ارادة الله قداستكم " اذا كنت تريد ان تعيش حسب ارادة الله يجب عليك ان تعيش حياة القداسة والطهارة والنقاوة ومرة اخرى فى نفس الكلمات يقول " لان الله لم يدعونا للنجاسة بل للقداسة . وهذا الموضوع متشعب الى نقاط كثيرة تشمل :

1 - طهارة الجسد 2- وطهارة الفكر 3- طهارة الحواس



طهارة الجسد : وهى تعنى البعد عن كل ما يثير شهوات الجسد والبعد عن كل الامور الرديئة التى تتعلق بمحبة العالم وهذا الذى كلمنا عنه يوحنا الحبيب فى رسالته الاولى (2- 16،15) يقول " لا تحبوا العالم ولا الاشياء التى فى العالم لان كل ما فى العالم شهوة الجسد وشهوة العيون و تعظم المعيشة ...." فالانسان العفيف الذى يريد ان يحيا حياة الطهارة هو الذى يبذل كل جهده لان يبتعد عن الامور الخاصة بمحبة الجسد . فهو من جهته لا يشتهى شيئا يثير شهوة الجسد وفى نفس الوقت لا يثير شهوة فى غيره فعندما تعلمنا الكنيسة ان الفتاة ممكن ان ترتدى ملابس جيدة ونظيفة ولكن الامور التى تزيد عن حدها بحيث الملابس هذه يكون لها صورة مثيرة للاخرين وهى التى تمنعها الكنيسة.

ولذلك معلمنا بولس الرسول يقول كلمة عجيبة جدا فى هذا الامر يقول " لم تقاوموا بعد مجاهدين حتى الدم ضد الخطية " ماذا يعنى حتى الدم ؟ يعنى حتى الموت . ممكن الانسان يأتى عليه وقت يقول انا تعبت من هذا الجهاد , ممكن واحد يقول انا لا استطيع الاستمرار فى هذا الجهاد, ولكن عندما نقارن هذا الكلام بقول معلمنا بولس الرسول "مجاهدين حتى الدم ضد الخطية" اى حتى الموت . وهذا ايضاً كان رد يوسف العفيف لما عُرضت عليه امرأة السقوط فى الخطية قال " كيف اصنع هذا الشر العظيم واخطي الى الله " يُعتبر هذا السقوط ليس ضد انسان ولكن ضد الله شخصيا . ومعلمنا بطرس الرسول تكلم بوضوح عن الزينة الخارجية التى تثير الشهوة وتكلم عن زينة الروح الوديع الهادى الذى هو عند الله كثير الثمن . مهما كانت الزين الخارجية للجسد فهى لا شى اطلاقا بالنسبة لزينة الروح الوديع الهادي الذى هو عند الله كثير الثمن . (1 بط 4:3)



ومن جهة اخرى يجب ان الانسان يضع فى قلبه انه لا يكون سبب عثرة للاخرين . لان الكتاب المقدس علمنا هكذا " لابد ان تأتى العثرات ولكن ويل للانسان الذى به تأتى العثرة " (مت 7:18) وعفة الجسد تسود على الانسان الروحى فى علاقاته الجسدية حتى فى سر الزيجة ولذلك يقول فى الرسالة للعبرانيين (4:13) " ليكن زواجه مكرما عند كل احد والمضجع غير دنس اما العاهرون والزناة فسيدينهم الله " , و طهارة الجسد بتقودنا الى

طهارة الحواس : وهذا يعنى عندما نمسك بندً من هذه البنود وهى حاسة النظر . كان ايوب رجل متزوج وكان عنده اولاد وبنات وعنده غنى كثير جدا. ولكننا نستعجب عندما نقرأ فى سفر ايوب هذه الاية " عهدا قطعت مع عينى فكيف اتطلع فى عذراء " (1:31) .

احيانا يظن بعض الناس ان سر الزواج من ضمن اهدافه انه يحفظ الانسان فى عفة الجسد لكن الانسان لما يقرأ الاية دى فى سفر ايوب التى توضح لنا صورة الانسان النقى القلب والفكر والنظر الذى يقطع عهد انه لا يتطلع فى عذراء خلاف زوجته التى كان يعيش معها . ولذلك السيد المسيح فى العظة على الجبل (مت 28:5) قال " كل من نظر امرأة يشتهيها فقد زنى بها فى قلبه " لكى لا يظن بعض الناس ان مجرد النظرة او مجرد الفكرة ممكن الا نعتبرها سقوط . لكن السيد المسيح تكلم بوضوح وصراحة . ولذلك نجد مثلا فى قصة يوسف العفيف يقول عن امرأة "فوطيفار" انها سيدة ومتزوجة من رجل عظيم . لكن يقول عنها الكتاب " رفعت عينيها الى يوسف " لكى ما يسقط معها فى الخطية.

لهذا قبل ما يخلق الله ادم وحواء خلق لهما كل احتياجاتهم . خلق السماء و الأرض والشمس والقمر والنجوم والنباتات والحيوانات والطيور والاسماك . كل ما يحتاجه الانسان لكن الكتاب المقدس يقول عن حواء " انها رأت ان الشجرة جيدة للأكل وانها بهجة للعيون وان الشجرة شهية للنظر " (تك 6:3) , يعنى بداية الخطية من هذه النظرة الشريرة . وكانت النتيجة انها اخذت واكلت واعطت زوجها ايضا فأخذ واكل وبعد ما كان ادم وحواء يعيشون فى هذه الجنة متمتعين اولا بالعِشرة المقدسة مع الله يأتى ربنا ويقول " اين انت يا ادم " يقول له " هل اكلت من الشجرة التى اوصيتك الا تأكل منها " فيبدأ ادم يتهم حواء وحواء تتهم الحية وتكون النتيجة ان غضب الله يحل على الجميع ويطرد ادم وحواء من الجنة ومن النعم والبركات الكثيرة نتيجة نظرة شريرة وشهوة ردية تملكت على كل منهما .

فى سير القديسين يذكر لنا عن القديس الانبا "بيجيمى" عاش 18 سنة فى البرية لم يجرؤ خلالها ان يرفع بصره ليملأعينه من اى شيء او شخص اخر فى البرية من الرهبان سكان هذه البرية .بالتأكيد الذى يمنع نفسه من النظر الى الرهبان اللى مثلة طبعا مش ممكن مهما حدث ان يغريه للسقوط فى الخطية .

عندما نتحدث عن طهارة الاذن . الاذن الطاهرة هى التى لا تتنسط على غيرها لتسمع اخباره وتعرف اسراره واحيانا الواحد يتلذذ عندما يسمع اى شى عن غيره . بينما الوحى الالهى يدعونا الى عكس ذلك تماما ويقول فى سفر الامثال (24-18:17) " لا تفرح بسقوط عدوك ولا يبتهج قلبك اذا عثر لئلا يرى الرب ويسوء ذلك فى عينيه "

طهارة اليدين والرجلين : اليد الطاهرة هى التى لا تمتد الى ممتلكات الغير بالسرقة بل بالعكس من ذلك تفرح بربح ونجاح الاخرين . ومثل ما قال فى تيموثاوس الاولى (3:3) " غير طامع بالربح القبيح " اليد التى تعطى الغير مهما كان الاحتياج . الكتاب المقدس يعلمنا عن الابن الضال الذى طلب من ابيه ان يعطيه نصيبه من الميراث . رغم انه لم يكن له الحق فى هذا الامر لان ابيه مازال حى . واخذ هذا الميراث وبذره فى عيش مسرف مع العشارين والزوانى وابتدأ ان يحتاج ولم يجد وسيلة الا انه يرجع الى ابيه. ايضا هذا الامر يجعانت نتكلم عن طهارة اللسان : السيد المسيح قال " كل كلمة بطالة تخرج من فم الانسان سوف يعطى عنها حساب يوم الدين " . الكلمة البطالة هى التى بلا ثمر او عمل ،مثل صاحب الكرم الذى خرج يطلب فعلة يقول " انه وجد فعلة بطالين " يعنى لا يعملون فبدأ ياخذ منهم للكرم . لذلك الكلمة التى ليست للبناء سوف يعطى عنها الانسان حساب يوم الدين ، فكم وكم عندما تكون هذه الكلمة خطأ مثل الشتيمة والكذب والحلفان والادانة ...الخ لذلك السيد المسيح قال " ليس كل ما يدخل الفم ينجس الانسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الانسان " لذلك عندما يخرج من فمه هذه الكلمات التى ليست للبناء او الكلمات ايضا التى صدرت ضدها وصايا . السيد المسيح يعلمنا ان الوصايا حتى التى صدرت فى العهد القديم لازم نأخذها بالروح . لذلك يقول مثلا " سمعتم انه قيل للقدماء لا تزنى اما انا فأقول لكم ان كل من نظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه " اذن الخطية ليست فقط الزنى الفعلى بل هى النظرة الشريرة التى تثير الشهوة فى حياة الانسان . ويقول " سمعتم انه قيل للقدماء لا تقتل اما انا فأقول لهم ان كل من يغضب على اخيه باطلا فهو قاتل نفس " .

طبعا طهارة اللسان تعنى ان هذا اللسان لا يسقط فى خطايا اللسان وما اكثرها ( الادانة - التهكم على الغير- الكلام الجارح – كلام الاستهزاء – كلام الازدراء – كلام الاحتقار – الكلام القاسى – كلام التشهير – كلام عن الجنس – الكلام المثير – الكلام المملوء بالعيوب من الناحية الاخلاقية ) ما اكثر خطايا اللسان ولذلك كل ما كان الانسان يدقق جدا فى كل كلمة تخرج منه كلما عاش نقاوة اللسان و طهارة اللسان . كلنا عارفين الكلام اللى قاله القديس ارسانيوس معلم اولاد الملوك " كثيرا ماتكلمت فندمت واما عن الصمت فلم اندم قط " ومرة اخى نقرا عن الحكمة " الحكمة عشرة اجزاء تسعة منها الصمت وواحد قلة الكلام " . وهذا يدخلنا ايضا فى آداب الحوار مثلا مجموعة من الافراد يتكلمون عن موضوع معين ونجد شخص يظل يستمع حتى ولو قال الاخرون كلام خاطئ لكن لا يقاطعه لان من ضمن آداب الحوار عدم المقاطعة . بينما نجد شخص آخر لكي يقنع الآخرين برأيه يرفع صوته على الآخرين لكي يثبت وجوده ويثبت سلامة رأيه وممكن ان يتكلم كلام فيه إهانة للآخرين . لذلك آداب المناقشة تقتضى الانسان الوديع الهادى مثلما قال معلمنا بولس الرسول " الروح الوديع الهادى الذى هو عند الله كثير الثمن " و من النقط الجميلة جدا إن الإنسان عندما يكون يتناقش فى موضوع معين انه قبلما يقدم رأيه يحترم رأى غيره . وما يقال عن الكلام يقال ايضا عن الكتابة ويقال عن نقد الاخرين . مثلما يوجد اخطاء اللسان ايضا يوجد اخطاء الكتابة ومن الممكن ان نضع انفسنا لكى ننقد الاخرين فى تصرفاتهم مع ان الكتاب المقدس يقول " من انت يا من تدين عبد غيرك هو لمولاه يسقط او يثبت لكنه سيثبت لان الله قادر ان يثبته ".

الكلام عن طهارة الجسد وطهارة النظر وطهارة اللسان كل هذا لابد من ان نعرف انه يجمع كله طهارة ونقاوة القلب . الانسان الذى له القلب النقى قال عنه سليمان الحكيم فى سفر الامثال (23:4) " فوق كل تحفظ احفظ قلبك لان منه مخارج الحياة " وفى انجيل معلمنا لوقا البشير (45:6) السيد المسيح يتكلم عن " الانسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح ، والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشرور لانه من فضلة القلب يتكلم اللسان " . مهم للغاية ان كلما ادرك الانسان النعم والبركات والخيرات التى اعطها له الله يشعر تماما كيف يجب ان يحتفظ بطهارة القلب وطهارة الفكر والحواس والمشاعر .



معلمنا بولس الرسول فى رسالته الاولى الى اهل كرونثوس يقول " اما تعلمون انكم هيكل الله وروح الله ساكن فيكم ان كان احد يفسد هيكل الله فسيفسده الله لان هيكل الله مقدس الذى انتم هو " وهذا يعطينا تصور لامر هام جدا فى حياة الطهارة أن الانسان يشعر من هو . بمعنى ان و انت خارج الكنيسة مهما بلغ بك الامر لابد ان تراعى كل تصرف وكل كلمة عندما تدخل من الباب الخارجى للكنيسة. مثلا اذا كان شخص معتاد التدخين هل اذا دخل الكنيسة يستطيع ان يدخن ؟ طبعا لا . وهل اذا دخل الهيكل للتقدم للاسرار الالهية هل يتجرأ انه يدخن ؟ طبعا الاجابة مستحيل . عندما تعرف انك انت نفسك هيكل وروح الله ساكن فيك . اذن انت داخل الكنيسة او خارج الكنيسة انت هيكل الله . عندما تركب المواصلات انت هيكل الله و روح الله ساكن فيك عندما تذهب الى كليتك او مدرستك او عملك انت هيكل الله و روح الله ساكن فيك الانسان الذى يريد ان يعيش طهارة القلب ونقاوته هو الانسان الذى يشعر فى كل مكان يذهب اليه انه هو هيكل للروح القدس . ولذلك معلمنا بولس الرسول فى رسالته الى اهل رومية بيقول " اطلب اليكم ايها الاخوة ان تقدموا اجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية " فهو يريد ان يعلمنا اننا نقدم اجسادنا ذبيحة مادام جسدنا هو هيكل لله والهيكل من الاشياء الضرورية لتقديم الذبائح .

ابونا بشوى كامل قال : ليست الطهارة هى مجرد الامتناع عن النجاسة ، بل هى انشغال بالله حب للمسيح امتلاء من الروح القدس .







ولالهنا المجد الدائم من الان والى الابد . امين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010